حلمٌ يُعانقُ الهشيم: قراءة في ملحمة الغياب والحنين قراءة في قصيدة : ملحمةٌ في هَشيم – للشاعرة : هناء مرشد – سوريا . بقلم : كريم عبدالله – العراق .

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 14:59
المحور: الادب والفن
    

حلمٌ يُعانقُ الهشيم: قراءة في ملحمة الغياب والحنين
قراءة في قصيدة : ملحمةٌ في هَشيم – للشاعرة : هناء مرشد – سوريا .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
تُعبر قصيدة / ملحمةٌ في هَشيم/ عن عمق تجربة الغياب والحنين، حيث تتجلى الروح في حضور المحبوب رغم غيابه. تستخدم الشاعرة هناء مرشد صورًا غنية وعواطف مكثفة لتجسيد رحلة البحث عن الحب والأمل في غياهب الذكريات.

تبدأ الشاعرة بتصوير روحها كمُسجاة في حضور المحبوب، مما يعكس مدى تأثرها بفراقه. هذا الحضور يُضفي طابعًا مُترفًا على ذكرياتها، ويجعل من الغياب عنصرًا آسرًا لا يمكن تجاوزه. تُشبه الزهرة التي تعتّق برحيق العودة، مما يرمز إلى أن الحب رغم البعد يبقى مُحتفظًا بعبقه الخاص.

رحلة البحث
تستمر الشاعرة في التعبير عن رحلة البحث عن المحبوب، حيث تُجسد تلك الرحلة كتنقل بين الأماكن والأزمنة، مُحملةً بالحنين والأمل. هنا، يُظهر التعب كأنه جزء من الحب، حيث يتوسد على جَنبات البدن المُتَرهل حبًا. تُعبر هذه الصورة عن الصراع الداخلي بين الرغبة في الحضور والواقع المُؤلم للغياب.

اللحظات المتجددة
القصيدة تأخذ منعطفًا جميلًا عندما تُشير الشاعرة إلى اللحظات التي تتجلى فيها الذكريات، حيث تتراقص الصور والأحلام في عقلها. هذه اللحظات تُظهر أن الذاكرة ليست مجرد استرجاع، بل هي أيضًا تجربة حية تُعيد إلى الذاكرة بريق اللقاءات السابقة، وتمنيات العودة.

يقين الوجود
عندما تلتقي الشاعرة بطيف محبوبها، يصبح هذا اللقاء تجليًا لحقيقة لا تُمسّها الشكوك. يُصبح المحبوب يقينًا وإيمانًا، وتكتمل بذلك حلقة الوجود التي تربط بين الحاضر والغياب. هذا التحول في الحالة النفسية يُعبر عن قوة الحب وكيف يمكن أن يتجاوز حدود الزمن والمكان.

والان , دعونا نتجوّل في النسيج الشعري للشاعرة من خلال :
قراءة تحليلية معمقة في قصيدة "ملحمةٌ في هَشيم" – للشاعرة: هناء مرشد
1. البنية النصية
تتكون القصيدة من مقاطع تتوزع بين الاستبطان الشعوري والوصف الحسي، مما يجعلها تجربة شعرية متكاملة. استخدام الشاعرة لأسلوب السرد الداخلي يعكس الحالة النفسية للشخصية، حيث يتمحور النص حول الغياب والحضور في آنٍ واحد. هذا يُعزز الشعور بالتوتر بين الرغبة في اللقاء وواقع الفراق.

2. المفردات والتراكيب
تتسم المفردات بالعمق والتعقيد، حيث تستخدم الشاعرة كلمات تحمل دلالات متعددة. على سبيل المثال، تعبير / مُسجّاة / يوحي بالشعور بالعجز والاستسلام، بينما / حضورك / يبرز أهمية الآخر في تشكيل الهوية. الألفاظ مثل / عبق الغياب / و/ الرحيق / تضفي بعدًا حسيًا، مما يجعل القارئ يشعر بتناقض المشاعر بين الحضور المادي والغياب الروحي.

3. الصورة الشعرية
تُستخدم الصور الشعرية بشكل مكثف، حيث يجسد الحنين كزهرة تُعتّق برحيق الذكريات. هذه الصورة تُظهر كيف أن الحب، رغم المسافات، يمكن أن يكون قويًا وحيًا. أيضًا، تصوير الروح كزهرة يُبرز هشاشتها وقوتها في آنٍ واحد، مما يعكس الطبيعة المعقدة للعواطف الإنسانية.

4. الرحلة النفسية
تشكل رحلة الشاعرة بحثًا عن المحبوب في العالم الخارجي تجسيدًا للصراع الداخلي. تبرز تعابير مثل / أبحثْ وأجوبُ البلاد / مدى الفقدان الذي تعاني منه، وكيف يمكن للمسافات أن تصبح رموزًا للحنين. الرحلة هنا ليست مجرد تنقل جسدي، بل هي تجسيد للبحث عن الذات في عالم يسوده الفراق.

5. الوقت والذاكرة
تمثل الزمن في القصيدة بُعدًا معقدًا، حيث تتحرك الشاعرة بين الماضي والحاضر. الذكريات تُستخدم كعناصر لتحفيز الحنين، حيث تعكس تأثير الماضي على الحاضر. عندما تقول / تمنيتُ حينها لو أنكَ تحضرُ في الساعةِ والوقت / ، تدل على قوة اللحظة الزمنية وكيف يمكن أن تكون الذكريات بمثابة محطات تُعيد للروح حيويتها.

6. الحضور والغياب
تتفاعل الشاعرة مع مفهوم الحضور في سياق الغياب. عندما تعبر عن / تجلّي روحكَ أمامي / ، تشير إلى أن المحبوب ليس غائبًا فحسب، بل يحضر في الذاكرة والشعور. هذا التوتر بين الحضور والغياب يُعزز من قوة التجربة الشعورية، ويجعل من الفراق عنصرًا معقدًا يضيف عمقًا للعاطفة.

7. التجلي الروحي
عندما تتحول الرؤية إلى يقين، تُظهر الشاعرة كيف يمكن للحب أن يُحقق نوعًا من التجلي الروحي. تبرز هذه اللحظة كتحقق للأماني، مما يعكس كيف أن الحب يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام والتجديد. تتحول الذكريات من مجرد مشاعر حنين إلى تجارب تُغذي الروح وتُعيد إحياء الأمل.

8. الختام والتجديد
تُنهي القصيدة برسالة أمل حول احتضان الأماني. هذا يشير إلى أن الحب والحنين ليسا مجرد مشاعر عابرة، بل هما دافع لاستمرار الحياة والتطلع إلى المستقبل. تعكس العبارة / وسُرورُ الذكرياتِ يجعلُ منها واقعاً لاريبَ فيه / قدرة الحب على تجاوز الزمن وتجاوز الألم، مما يترك أثرًا إيجابيًا في نفس القارئ.


الخلاصة
قصيدة / ملحمةٌ في هَشيم / تقدم تجربة شعرية غنية ومعقدة، تُعبر عن الصراع الداخلي بين الحب والغياب. من خلال اللغة الرقيقة والصور الشعرية المتعددة، تُظهر هناء مرشد كيف يمكن للفقدان أن يكون جزءًا من الهوية الإنسانية، وكيف يمكن للأمل أن يكون بمثابة الضوء الذي يُرشدنا عبر عتمة الفراق.
القصيدة :
ملحمةٌ في هَشيم
مُسجّاة هي روحي في حُضورك
مُترفَةٌ بعبقِ الغيابِ الآسرْ
فيّاضةٌ منكَ تِلكَ الزهرة
تعتَّقَ الزهرُ من رحيقِ عودَتِها
وذاكَ الخافِقُ اعتراه الحنينِ إليكْ
فترنَحَ فرَحاً عندَ سماعِ همسِكْ
أمّا ذلكَ الرحيقِ المرشوفِ
منْ شِفاهِ لحظِكِ الفتّانِ ذاكْ
أخذني مُبتعِداً في سفرٍ طويلٍ نحوكْ
سِرّتُ كثيراً وكثيراً
أبحثْ وأجوبُ البلاد...
باحِثةً عن بدايةِ خُيوطٍ توصلّني إليكْ
فتوسَّدَ التعبُ جَنباتِ البدِنِ المُتَرهِلِ حُباً
فَتاهَ الوَسنُ بينَ الهُدبِ والمُقلةْ...
مُحدِّثاً أحلامي حديثاً لا ينتهي
وتراكضتِ الصُورُ تعتري حُلُمي مِنكْ
وزهوُّتُ مِنّكَ بِبسمةٍ خجولةٍ...
حينَ لمحتُ طيفَ ذِكرياتنا سوياً
وتمنيتُ حينها لو أنكَ تحضرُ في الساعةِ والوقتْ...
فكانتِ المفاجأة العظمى لبريقِ عينايْ
أنّهُما تثقلتا برؤياكَ حقيقةََ واقِعه لا يمسَّها شكّْ
فكُنّتَ يقيني وإيماني وحدْسي
وحضرتَ جَميعكَ في حضرةِ انتظاري....
وذهبتْ آخرَ الأماني في خبرِ كان
فما بعدَ تجلّي روحكَ أمامي
إلّا أني حلمّتُ وتحققت مِنكَ أحلامي...
وأيقنتُ أنَّ احتضان الأماني يُقَرِّبُ موعِدَ اللِّقاءْ
وسُرورُ الذكرياتِ يجعلُ منها
واقعاً لاريّْبَ فيه.....
بقلمي :هناء مرشد

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات