|
كلوتز، العدو الشخصي للمسيح
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 14:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
٢٥٧ أركيولوجيا العدم العدمية الثورية ٥ - كلوتز، العدو الشخصي للمسيح
مقولة أو فكرة العدمية السياسية، دخلت في تاريخ الفكر الأوروبي من الباب الواسع، وهو باب الثورة الفرنسية. فأول من أستعمل هذا المصطلح هو بارون فوضوي ألماني جاء إلى باريس ليشارك في أحداث الثورة، ويخوض معركة طاحنة ضد روبسبيير بخصوص الإختيار المصيري للثورة الفرنسية فيما يتعلق بموقفها ورؤيتها لـ "الدين". البارون جان باتيست كلوتز Jean-Baptiste Cloots، الذي سمى نفسه "أناكارسيس - Anacharsis، بإسم فيلسوف يوناني Ἀνάχαρσις من القرن السادس قبل الميلاد. والذي مثل كلوتز كان أجنبيا، غادر بلده الأصلي على ضفاف البحر الأسود للسفر سعيًا وراء المعرفة، وجاء إلى أثينا حوالي 589 قبل الميلاد، في وقت كان سولون Σόλων مشغولًا بتدابيره التشريعية، ووضع مدونة لقوانين الأثينيين، وصف آناكارسيس مهنته قائلًا: «القوانين عبارة عن شبكات عنكبوتية، تصطاد الذباب الصغير، لكنها لا تستطيع أن تمسك بالكبير» كان آناكارسيس أول أجنبي (metic) حصل على امتيازات الجنسية الأثينية. وقد تم تقديره من قبل بعض المؤلفين القدامى كواحد من حكماء الإغريق السبعة مثله مثل سولون الأرستقراطي. ويقال أنه عبر عن دهشته من حقيقة أن "في اليونان، الحكماء يتحدثون والحمقى يقررون". كلوتز، هو أحد أكثر الشخصيات إثارة للفضول في الثورة، وهو أجنبي مفتون بالأحداث الفرنسية في الفترة من 1789 إلى 1794. في الأصل من دوقية كليف في ريناني Clèves en Rhénanie، وهو ابن مستشار سري لملك بروسيا، ويمتلك ثروة كبيرة ورثها من عائلة من مالكي السفن الهولنديين الأثرياء، وعاشق للفرانكوفونية. أصبح البارون جان بابتيست كلوتس، المعروف باسم أناكارسيس كلوتس، متحمسًا للثورة الفرنسية وجاء ليستقر في باريس. كان كثيرا ما يردد: «أدرس قلب الإنسان في المدن والضواحي، في الريف، في المدينة، في النوادي والتجمعات. » كان يتحدث ويناقش ويخطب في النوادي والأسواق والتجمعات ويطلق على نفسه اسم "خطيب الجنس البشري" أو حتى "العدو الشخصي ليسوع المسيح". ويدفع الجماهير للثورة والحرب ضد الملوك: «سنثير تمرد المزارعين الأوروبيين. كل ما علينا فعله هو أن نضع ثمناً لرؤوس الطغاة. » فكرته الثابتة وحلمه هو تحقيق الجمهورية العالمية لجميع الأوطان في فيدرالية عالمية شعارها الحرية والعدالة. أشتغل أناكارسيس كلوتز منذ شبابه على محاولة تقويض الأسس التي تقوم عليها فكرة الدين والأديان السماوية، وقضى سنوات طويلة في دراسة التوراة والإنجيل والقرآن، وكتب دراسة في "دحض الديانة المحمدية" وقعها بإسم الفقيه علي جاير بر Ali-Gier-Ber, Alfaki La Certitude des preuves du mahométisme, ou Réfutation de l Examen critique des apologistes de la religion mahométane وقد أعلن عداءه لكل الأديان وبأنه العدو الشخصي للمسيح. بالإضافه إلى إلحاده الراديكالي وأفكاره المعادية للدين، فقد كان ذو ثقافة أوروبية وعالمية، وعدوا للقوميات والدول والحدود التي تفصل بين الشعوب، فكل الشعوب في نظره تكون عائلة واحدة، وليس هناك ما يبرر هذه التقسيمات العشوائية والعداوات المفتعلة سوى مصالح الملوك والطغاة. لهذه الأسباب فقد ترك بلده الأصلي وموقع رأسه كما يقال، ونظرا لثروته، فد قضى شبابه متجولا في أوروبا متنقلا من عاصمة لأخري وإن كان قد أتخذ من باريس مركزا لإقامته ومدينته المفضلة على بقية العواضم الأوروبية. وعندما أنطلقت الأحداث الأولى للثورة الفرنسية سنة ١٧٨٩ كان متواجدا في إسبانيا، فأسرع بالعودة إلى باريس ووصلها بعد الإستيلاء على قلعة الباستيل أي بعد ١٤ يوليو، والتي لم يكن فيها في حقيقة الأمر سوى سبعة مساجين، وإن أحتوت كميات كبيرة من الأسلحة ومن البارود والذي كان يبحث عنه المتمردون. وأندمج فورا في الثورة روحا وجسدا وساندها بكل قوة وعلى جميع المستويات، مستفيدا من حرية الرأي وحرية الصحافة التي أتاحتها الثورة ونشر العديد من المقالات والمناشير الثورية في الصحف المتعددة التي بدأت في الظهور في هذه الفترة التي كانت زاخرة بالأمل في عالم جديد يشع بالحرية والتكافل الإجتماعي. وبعد أقل من عام من بداية الثورة، في ١٩ يونيو ١٧٩٠ دخل رسميا في عالم السياسة الثوري وشارك في جلسات البرلمان المؤقت، أو الهيئة التأسيسية كممثل لـ "النوع الإنساني" وأعلن بأنه يتكلم بإسم كل "الأجانب" الذين يرغبون في الإشتراك أو مساندة الثورة. وأعطى لنفسه لقب "سفير الإنسانية" وكان يدعو لأن تكون مباديء الثورة أممية وعالمية وهو الأمر الذي لم يشاركه فيه الجميع، لأن القيم الوطنية الضيقة ما زالت تنخر أعماق المجتمع الفرنسي. ورغم ذلك فقد تمتع بإحترام الجميع وبدأت سمعته في التوسع والإنتشار في الفترة الأولى من الزخم الثوري، وقد ساهم في تطوير الأفكار والحياة الفكرية والسياسية بكتاباته وخطبه طوال أربعة سنوات. يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في غياب الله .. كل شيء مباح
-
التيارات العدمية
-
بوادر العدمية
-
أصول العدمية
-
العدم الوجودي
-
لماذا الكون ؟
-
حدوث أم أزلية الكون
-
دموع البحر
-
مسرحية ماكرون ونتنياهو
-
نظرية كل شيء
-
الشعب الذي يرفض أن يموت
-
لماذا لا نزحف على إسرائيل ؟
-
المادة العجيبة
-
عن العرب والإسلام والتخلف
-
ما هي المادة ؟
-
لماذا العبور
-
أزمة الفيزياء النظرية
-
عالم الذرة وعالم المجرات
-
نهاية العالم بين الجحيم والجليد
-
الأدلة على نظرية Big Bang
المزيد.....
-
رجل يُترك ملطخًا بالدماء بعد اعتقاله بعنف.. شاهد ما اقترفه و
...
-
وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده و
...
-
مايوت: ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار شيدو إلى 39 شخصا وعمليات ا
...
-
2024.. عام دام على الصحافيين وعام التحديات الإعلامية
-
رصد ظاهرة غريبة في السحب والعلماء يشرحون سبب حدوثها
-
-القمر الأسود- يظهر في السماء قريبا!
-
لافروف: منفتحون على الحوار مع واشنطن ولا نعول كثيرا على الإ
...
-
زيلينسكي يدين ضربات روسية -لاإنسانية- يوم عيد الميلاد
-
بالأرقام.. في تركيا 7 ملايين طفل يعانون من الفقر وأجيال كامل
...
-
استطلاع: قلق ومخاوف يطغى على مزاج الألمان قبيل العام الجديد
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|