أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله الفكي البشير - ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (3-6)















المزيد.....

ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (3-6)


عبدالله الفكي البشير
كاتب وباحث سوداني

(Abdalla Elfakki Elbashir)


الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 10:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مجتزأ من ورقة: عبد الله الفكي البشير، "ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الانجاز والكبوات (قراءة أولية)‎"، نُشرت ضمن كتاب: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014.

عبد الله الفكي البشير

أدى تآمر الأحزاب السياسية، الذي أشرنا له في الحلقة الماضية، إلى الفوضى الدستورية والتلاعب في قانون الانتخابات. ولقد لخص الأستاذ محمود محمد طه مجمل الوضع عندما قال: "وما كان للأحزاب السلفية أن تبلغ ما أرادت لولا أن الثوار قد بدا لهم أن مهمتهم قد أنجزت بمجرد زوال الحكم العسكري، وان وحدة صفهم، قد استنفدت أغراضها".
الشاهد أن الأحزاب التقليدية تمكنت، في سبيل تحقيق مصالحها الضيقة مع عدم الوعي أو عدم الرغبة في التغيير الشامل والجذري، من العبث بإرادة الجماهير ومبادئ ثورة أكتوبر، ففارقت أشواق الجماهير نحو التغيير في اتجاه انتصار الحقوق المدنية والاعتراف بالتعدد الثقافي والتحول الديمقراطي. كما خلقت الأحزاب التقليدية حالة من الفوضى الدستورية، جاءت بكبوات كبرى سياسية وفكرية، فأسست لسوابق ظل السودان يعاني، ولايزال، من آثارها ونتائجها، بل قسمته وجعلته يعيش في مناخ من التشظي والتفتت.

خيانة مبادئ الثورة والكبوات الكبرى
الكبوة السياسية: حل الحزب الشيوعي السوداني

لقد تم حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه المنتخبين بعد سلسلة من الإجراءات تم بناء عليها تعديل الدستور- "فقد عُدل الدستور مرتين للتمكين للحكم الطائفي في الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من أن يكون رئيساً دائماً لمجلس السيادة، في إطار الاتفاق بين الحزبين على اقتسام السلطة‏.‏‏. ومرة أخرى لحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية‏.‏‏. فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة 5/2 من الدستور، والتي تعد بمثابة روح الدستور‏.‏‏. وهي المادة التي تنص على الحقوق الأساسية، كحق التعبير، وحق التنظيم‏". تقدمت الحكومة في جلسة 8 ديسمبر 1965 بمشروع قانون حل الحزب الشيوعي. وحددت جلسة يوم 9 ديسمبر موعداً للقراءة الثانية وقدم للقراءة الثالثة وأجيز في نفس الجلسة، ونشر بغازيتة حكومة السودان بتاريخ 9 ديسمبر 1965. رفع الحزب الشيوعي السوداني قضية إلى المحكمة العليا للطعن في قرار الحل وعدم دستوريته. "ولما حكمت المحكمة العليـا بعدم دستورية ذلك التعديــل (مجلة الأحكام القضائية 1968) أعلن رئيس الوزراء آنذاك، السيد الصادق المهدي، "أن الحكومة غير ملزمـة بأن تأخذ بالحـكم القضائـي الـخاص بالقضيــة الدستورية... فتعرض القضاء السوداني بذلك لصـورة مـن التحقيـر لم يتعـرض لـها في تاريخه قط!! ولما رفعت الهيئة القضائية مذكرة إلى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها (الرأى العام 27/12/1966) وصف مجلـس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطأ القانوني (الأيام 20/4/1967). فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله، وقد جاء في الاستقالة: "إنني لم أشهد في كل حياتي القضائية اتجاها نحو التحقير من شأن القضاء، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم‏.‏‏. إنني أعلم بكل أسف تلـك الاتجاهات الخطـيرة عنـد قــادة الحكم اليـوم، لا للحـد مـن سلطـات القضـاء في الدستـور فحسب، بل لوضعـه تحت إشـراف الهيئة التنفيذية"- وهذه صورة ناصعة لفشل التجربة الديمقراطية في بلادنا، مما حولها إلى دكتاتورية مدنية- إن قصور تجربتنا الديمقراطية مرده الأساسي إلى قصور الوعي -وعي الشعب، ووعي القلة التي تحكم الشعب- مما أفرغ مدلول كلمة الديمقراطية من محتواها.. هذا وفشل الديمقراطية في ظل البلاد المتخلفة أدى إلى الانقلابات العسكرية، في كل مكان، في النصف الأخير من هذا القرن وليس في الانقلابات العسكرية حل".
تبع ذلك حل الجمعية التأسيسية وتمت الدعوة لانتخابات عامة مع استبعاد دوائر الخريجين التي كان يسيطر عليها الحزب الشيوعي السوداني. وقدمت الحكومة حججا لذلك. يقول إبراهيم محمد حاج موسى: "إن هذه الحجج لم تكن الدافع لإلغاء دوائر الخريجين، ولكن الدافع الوحيد هو أن التجربة الأخيرة لدوائر الخريجين في انتخابات سنة 1965 أعطت الأحزاب السياسية درسا قاسيا وأظهرت مدى انصراف الخريجين عن هذه الأحزاب ومناصرتها، حيث لم ينل حزب الأمة أي مقعد في هذه الدوائر الخمسة عشرة، كما أن الحزب الوطني الاتحادي لم ينل إلا مقعدين، في حين حصل الحزب الشيوعي السوداني على 11 مقعداً. فخشية من أن يحتل الشيوعيون هذه المقاعد مرة أخرى، عملت الحكومة الإئتلافية على استبعاد دوائر الخريجين".
وفي تناقض عجيب مع قرار حل الحزب الشيوعي، تأتي نتائج انتخابات عام 1968، فيفوز عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي في دائرة أم درمان جنوب ليكون نائبًا برلمانيًا عن دائرة جغرافية، وليست دائرة من دوائر الخريجين. ويسقط الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، في دائرة كوستي الجنوبية، ويسقط حسن الترابي، الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي، في دائرة المسيد.
من المهم الإشارة إلى أنه على إثر حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، قامت أقوى محاولة لبناء سلطة المثقف، كان ذلك يوم أن وُلد "المؤتمر الوطني للدفاع عن الديمقراطية". كان تأسيس المؤتمر، فور إذاعة خبر قرار الجمعية التأسيسية (البرلمان) بحل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان، جاء النداء من اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لعقد مؤتمر بدار الاتحاد لكافة المنظمات الديمقراطية تحت شعار "الدفاع عن الديمقراطية". استجابت التنظيمات والهيئات، فوُلد في نوفمبر 1965 "المؤتمر الوطني للدفاع عن الديمقراطية" والذي ضم 32 تنظيما ومنظمة. لقد كانت بحق هبة قوية من أجل بناء سلطة للمثقفين، وإن لم تأت ثمارها بعد.

الكبوة الفكرية: مهزلة محكمة الردة نوفمبر 1968

في نهار يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968م، شهدت سماء الخرطوم ولأول مرة في تاريخ السودان، صدور حكم شرعي بردة مفكر إسلامي. صدر الحكم الشرعي من محكمة الخرطوم العليا الشرعية، وهي محكمة غير مختصة، حكمت المحكمة غيابياً على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري بأنه مرتد عن الإسلام وأمرته بالتوبة عن جميع الأقوال والأفعال التي أدت إلى ردته. لقد صدر الحكم بالردة عن الإسلام، في حق الأستاذ محمود محمد طه، في ظل نظام ديمقراطي وبتحالف واسع بين الأحزاب التقليدية ورجال الدين والفقهاء والقضاة الشرعيين. وفي مفارقة عجيبة كان ثلث أعضاء مجلس الوزراء في حكومة ذلك النظام الديمقراطي من أوائل قانونيي السودان ومحامييه وقضاته. فقد تشكلت الحكومة من ثمانية وزراء من الحزب الاتحادي الديمقراطي وستة وزراء من حزب الأمة واثنين من جبهة الجنوب . كان مجلس الوزراء يتكون من ستة عشر وزيراً. كان محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، قد درس القانون وعمل قاضيا واشتغل بالمحاماة منذ أربعينيات القرن الماضي. وكان الشيخ علي عبد الرحمن الأمين، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، قد عمل بالقضاء الشرعي وكان وزيرا للعدل في الحكومة السودانية قبل الاستقلال. ومن الوزراء، إبراهيم المفتي، وزير الري والقوة الكهربائية المائية، الذي درس الحقوق وتم الاحتفاء به كأول محامٍ سوداني يتخرج في أول مدرسة للحقوق في السودان، والرشيد الطاهر بكر، وزير الأشغال والعدل، الذي درس القانون وعمل بالمحاماة، وعبد الماجد أبو حسبو، وزير الإعلام والشؤون الاجتماعية، والذي تولى وزارة العدل أيام المداولات بشأن الدستور الإسلامي، وهو أيضا درس القانون.
نلتقي مع الحلقة الرابعة.



#عبدالله_الفكي_البشير (هاشتاغ)       Abdalla_Elfakki_Elbashir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (2-6)
- قراءة في سلسلة مقالات الشاعر محمد المكي إبراهيم: المستقبل ال ...
- ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (1-6)
- قراءة في سلسلة مقالات الشاعر محمد المكي إبراهيم: المستقبل ال ...
- قراءة في سلسلة مقالات الشاعر محمد المكي إبراهيم: المستقبل ال ...
- صدور النسخة الإنجليزية من كتاب المؤسسات الدينية: تغذية التكف ...
- تقديم لترجمات من اللغة الألمانية إلى العربية- المجلد الأول: ...
- ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (2-4)
- ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (1- 4)
- كل مشوار لا يكمله العقل، يتمه الجسد تعباً: حرب الخرطوم
- يَعْسُوب المهاجرين في ألمانيا (2-2): قراءة في كتاب أوراق طبي ...
- يَعْسُوب المهاجرين في ألمانيا (1-2): قراءة في كتاب حامد فضل ...
- الحاجة لمواكبة البيئة الإنسانية الجديدة: محاضرة إقليمية بعنو ...
- الابتسامة الخالدة: تجسيد المعارف على منصة الإعدام!!! هل كانت ...
- محمود محمد طه في فضاء جامعة الأنبار العراقية‎‎
- فعالية المرأة في التنمية: عن المرأة الخليجية على ضوء مقاربة ...
- البروفيسور ديفيد فاسكيز غوزمان (المكسيك) يكتب عن كتاب: أطروح ...
- البروفيسور علي عبد القادر: رحيل مُفكر مُلْهِم وصاحب عقل محاي ...
- البروفيسور علي عبد القادر: رحيل مُفكر مُلْهِم وصاحب عقل محاي ...
- البروفيسور علي عبد القادر: رحيل مُفكر مُلْهِم وصاحب عقل محاي ...


المزيد.....




- الأكاديمي اللبناني سعود المولى: ما يحدث حاليا هو نتاج الانقل ...
- حزب العمال البريطاني يعلق عضوية نائب ظهر في فيديو وهو يلكم أ ...
- تجديد حبس شادي محمد وشباب قضية «بانر فلسطين » 45 يومًا
- الجيش الإسرائيلي يسارع للاستحواذ على نظام دفاع صاروخي ليزري ...
- تدخل حزب العمال البريطاني في الانتخابات الأمريكية حماقة لا د ...
- حزب العمال الكردستاني وتركيا.. 4 عقود من الصراع المسلح على ا ...
- بسبب مقطع فيديو.. تعليق عضوية نائب في حزب العمال البريطاني
- حزب العمال البريطاني يعلق عضوية أحد نوابه بسبب مقطع فيديو
- حزب العمال البريطاني يجمد عضوية أحد أعضائه بعد ضربه رجلاً في ...
- «بالفيديو كونفرانس».. أمن الدولة تنظر تجديد حبس أشرف عمر غدً ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله الفكي البشير - ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (3-6)