أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عمر النائلي - قراءة في رواية - مرُ القدر - لمؤلفها د . محمد حسين محجوب















المزيد.....

قراءة في رواية - مرُ القدر - لمؤلفها د . محمد حسين محجوب


أحمد عمر النائلي

الحوار المتمدن-العدد: 8143 - 2024 / 10 / 27 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


العلاقة بين الشعبين العربيين - المصري والليبي - هي علاقة تاريخية مستدامة ، صنعها التاريخ والمجاورة والعروبة، وتعود الى زمن الفراعنة و زمن القبائل الليبية القديمة التي لم نعرف عنها شيئاً لولا الكتابات المصرية القديمة ، هذه المجاورة الجغرافية التاريخية صنعت الكثير من القصص وكانت مدعاة لعديد الحكايات ، فالمصاهرة بين أبناء الشعبين والتي كانت واضحة منذ النصف الثاني من عقد الستينيات من القرن الماضي زادت من أواصر العلاقة بينهما ، وكانت مليئة في ذات الوقت بالكثير من ملامح الحياة الانسانية ، من الفقد والوجع والألم والفرح والحب والكره كغيرها من صنوف الحياة الأخرى ، ورواية " مرُ القدر " لمؤلفها الليبي الدكتور محمد حسين محجوب أستاذ الفلسفة بجامعة بنغازي تطرح هذه العلاقة بين الشعبين ؛ من خلال قصة أم مصرية تدعى سماح البحر أو هند لم ترَ ابنها الليبي أنور منذ عشرين عاماً .
حيث تركت هند ليبيا بعد وفاة زوجها الليبي " امراجع " في جمهورية أوغندا والذي ابتلعه تمساح هناك ، عندما كان ضمن جنود الجيش الليبي الذين شاركوا في الحرب الدائرة هناك بين تنزانيا وأوغندا عامي 1978 – 1979 وانتهت بالإطاحة بنظام عيدي أمين ، حيث التقت هند بابنها أنور صدفة على جسر ستانلي بالإسكندرية دون أن يعرفا بعضهما ، ليبدأ الحوار وتبدأ الحكاية بدافع من الحاسة السادسة الغائرة في روح بعضيهما والتي تقول أنهما ابن وأم وليسا شخصين عابرين .
حيث بدأ اللقاء بحديث عابر ثم بلقاء في مقهى البارون في الإسكندرية ليزداد الشك بعد ذلك حول علاقة بعضهما ببعض بأنهما ليسا غرباء عن بعضيهما، حيث أصبح كل واحد منهما مشغولاً بمقارنة ملامح الوجه الحالي للأخر بشكله قبل عشرين عاماً ، حيث قام كل واحد منهما بالاتصال ببعض ممارسي مهنة التصوير في الإسكندرية دون علم الأخر لمعرفة وجه الشبه بين الصورة القديمة والتي كانت تضم صورة الاب امراجع والام هند والابن أنور بصورة من قابله حالياً .
لتنتهي الرواية بتوصل الابن والام الى الكثير من المعلومات والمقارنات والتي تؤكد علاقتهما ببعض ، ولكن دون حدوث مصارحة تقطع الشك باليقين ، ليترك المؤلف تكملة القصة في الجزء الثاني الذي انتهى منه الكاتب أثناء كتابة هذا المقال .
ويتضح من خلال بعض الحوارات في الرواية أن النفس القومي واضح جلي ومباشر في ثنايا الرواية ، خاصة في الحوارات التي كانت بين أنور الليبي بطل الرواية وعمه مراد المقيم في مصر ، وتحديداً في العامرية بالإسكندرية ، حيث تحدّث العم مراد عن وحدة الشعوب العربية وأن العدو هو غير العربي ، مثل الفرس الذين احتلوا مصر وشرق ليبيا والأتراك الذين احتلوا لواء الاسكندرونة العربي والصهاينة الذين احتلوا منطقة الرشراش ، دون تفرقة بين هؤلاء الأعداء ، فيتساوى التركي مع الصهيوني فهم في ذات الدرجة ، حيث كان العم يقدم رؤيته للابن الذي كان منصتاً دون أن تكون له وجهة نظر .
وفي البناء القصصي والمنطقي للرواية لم يوضح الكاتب لماذا لم تفكر هند بابنها إلا عندما رأته فوق الجسر ، ولماذا تركته في ليبيا ولم تحاول أن تتصل به طيلة هذه المدة ، كما أن بناء القصة لم يتطرق لشخوص من اسرة والد البطل أنور باستثناء حديث عابر عن عمته ، واقتصر الكاتب على أحد أصدقاء والده منصور الزنتاني والذي التقاه في المقهى ليصف له أمه بأنها ذات الخال لتصبح إحدى العلامات الاسترشادية الدالة على أمه فيما بعد .
وهذه الرواية في أحدى قراءتها التأويلية تشير الى حالة التشرذم العربي ، فقوة العلاقة بين الام المصرية والابن الليبي من جهة وبين العم المقيم في مصر وابن أخيه المقيم في ليبيا من جهة أخرى هي ذاتها بين الدول العربية التي تجمعها اللغة والتاريخ والجغرافيا ولكنها ممزقة ، رغم أنها متقاربة جغرافياً ويلتقي مسؤولوها كل يوم ، والكاتب كان حريصاً على استخدام مفردة " الوطن العربي" على لسان العم بدلاً من الدول العربية ، رغم أنها في زمن أحداث الرواية لم يعد لها مكان في الذهنية العربية ، التي انقادت وراء القُطرية الضيقة ، فهل لأن عم أنور كان قومياً وكبيراً في السن ومن بقايا تأثير المدّ القومي لينطبق الصدق الفني عليه .
وأحداث الرواية عكست فشل العسكريين العرب في قيادة مشروع الاستقلال العربي وبناء الدول ، فوالد بطل الرواية مات في أوغندا وشارك في حرب الأيام الاربعة بين ليبيا ومصر ، ووالد احدى شخوص الرواية تم أسره في تشاد وكلاهما كانا ضمن جيش ليبيا زمن نظام العقيد معمر القذافي ، والشخصية الاخرى هي المصورة المصرية صديقة أم أنور حيث مات شقيقها في حرب اليمن عام 1962 ، و كان ضمن جيش مصر زمن جمال عبدالناصر ، وهنا صنع الكاتب العلاقة بين الدال والمدلول ، الدال هو الضباط العسكر الذين حكموا بعض الدول العربية والمدلول هو الموت والألم وتشرد الأسر والمشاريع الحربية الفاشلة ، رغم أن المؤلف نثر النفس القومي في الرواية الذي ناصره العسكر زمن الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، فالملكيون والليبراليون والاسلاميون كانوا بعيدين كل البعد عن هذا التوجه ، و العسكر في ذات الوقت لم يصنعوا الوحدة العربية .
هذا العمل الروائي هو أول عمل روائي يكتبه الدكتور المحجوب ، الذي اعتاد اللغة العلمية المتخمة بالمعلومة والتحليل والحجج ، وهذه الروح العلمية تسربت في بعض سياق سرد الرواية ، والتي يجب أن تحكمها الادبية والفنية قبل طرح المعلومات وأن تكون المعلومة خاضعة لاحتياج السرد ، حيث نلاحظ جرعات من السرد لمعلومات تبتعد في بعض مناحيها عن الشرط الفني للبناء الروائي من حيث الحجم ، مثل الحديث عن الحرب الأوغندية أو منطقة أم الرشراش أو لواء الاسكندرونة أو علم الوراثة ، مما أبعد القارئ عن متعة السرد والدهشة والرغبة في تلقف القادم الحكائي ، كما أن الكاتب لم يكن منحازاً لمنح هذا النص الروائي الكثير من التفاصيل السردية أو الواصفة للشخوص والمشاهد والافعال ، حيث تبدو بعض المشاهد مفاجئة للقارئ ، ففي بداية الرواية المكونة من أربعة وعشرين لوحة ، نرى أن المرأة الاربعينية تقول للشاب العشريني بعد التعارف مباشرة أني أشعر نحوك بشعور لم أشعره منذ عشرين عاماً ، ووفق للثقافة المشرقية بل والإنسانية نحتاج الى وقت من الحديث حتى نشعر بهذا المشاعر لنقولها ، فاستطالتُ الحديث تمنحنا الغوص في نفوس الآخرين ، وحتى في حالة الوصول الى هذه الحالة الروحية تمنعنا ثقافتنا من الاعلان عنها إلّا بعد وقت ، كما أن الكاتب حاول أن يكون المسار القصصي متمثلاً في مسار واحد وهو مسار أنور وهند ورحلة البحث المتبادلة ، ولم تكن هناك مسارات قصاصية اخرى موازية .
إن هذا العمل يتحدث عن الكثير من الاسر الليبية المتكونة من المصاهرة بين الليبيين والمصريين ، وشاءت الظروف أن تبتعد عن بعضها ، فالكثير من الليبيين وخاصة في المنطقة الشرقية أخوالهم من مصر وهناك بعض المصريين أخوالهم من ليبيا ، وهي علاقة مصاهرة طبيعية تصنعها المجاورة ، مثلما يحدث بين كل الدول المتجاورة ، وهي فرصة تقدمها النصوص الأدبية لطرح معاناة هذه الشريحة خاصة عندما تواجه الانشطار مثلما حدث بين امراجع وسماح البحر (هند) .
كذلك لطرح بعض جوانب رفض الآخر في مجتمعاتنا الذي يزداد تضخمها النرجسي الى مرحلة ازدراء الأخر، ففي مجتمعاتنا العربية نفضل أن يكون الأب والام من الدولة نفسها ، خاصة في الدول التي تغلب عليها الصبغة البدوية القبلية ، والتي تفضل أحياناً أن يكونا من نفس القبيلة ، فاختلاف العادات واللهجة تجعل من عملية الاندماج صعبة وتحتاج الى وقت ، وتؤدي الى انخفاض تقدير الذات Self esteem ، خاصة وأن بعضها يمنع دخول بعض المؤسسات أو تولي بعض المناصب لمن امهاتهم اجنبية رغم أنها عربية ، أو أن يتقبل زواج ابنته من غير أبناء بلده ويعتبره زواجاً من الدرجة الثانية .
بالإضافة الى تكوين صور نمطية Stereotype عامة عن الأخر ، حيث نرى مثلاً في هذه الرواية " مرُ القدر " كيف تنظر زوجة عم بطل الرواية أنور الى الليبيين ، حيث قالت عنهم "بأن القليل منهم الدقيق والمتقن لعمله والملتزم بالقوانين " ، وهي تقدم الصورة التي يبدوا أن الكاتب التقطها من الواقع المتخيل لدى المصريين ، رغم أن عم أنور من جانب آخر حاول أن يقدم الحالة المثلى في المخيال العربي حول العرب بصفة عامة ، وفي ذات الرواية ومن جانب آخر نرى بطل الرواية أنور الليبي يقدم الصفة المعاكسة السلبية تجاه المصريين عندما يتذكر نصيحة عامل مصري قال له :" لا تصدق اسماً لمصري إلّا أذا رأيت جواز سفره "، وكأنه يشير في أحد التفسيرات الى صفة الكذب ، وهي قضية اعتيادية تصنعها كل ذات نحو الآخر .
اختار الباحث اسماءً لشخوصه ترتبط بالبيئة التي يعيشون فيها ، فوالد بطل الرواية اسمه " امراجع " ، وهو اسم ليبي متعارف عليه في ليبيا دون غيرها ، وهو يعكس محلية وجذور الوالد ، بالإضافة الى اسم صديق الوالد " منصور الزنتاني " فكلاهما يرتبط بالمكان والإقامة ، بينما نجد أن اسم عم البطل هو " مراد " ، وهو اسم حديث نسبياً في الثقافة الليبية ، وهنا دور المكان والعلاقة بالاسم باعتباره مقيماً في مصر ، فهو أقرب لمصر من ليبيا ، أمّا اسم والدة البطل فهو من الأسماء النادرة حتى في مصر وهو "سماح البحر" ، وهنا تحضرني معلومة مرتبطة بالإدراك البشري ، مفادها أن الأسماء أو المثيرات النادرة هي التي تبقى في الذاكرة ، فهو اسم يليق بالنص الروائي وانوثة البطلة ، ليمنحها جمالاً متخيلاً لدى القارئ .
هذه الرواية هي باكورة أعمال الدكتورة المحجوب الروائية وهو المشغول منذ عرفته بمشروعه العلمي الفلسفي ، الذي منحه الوقت الكثير و الابتعاد عن الاسرة ؛ ليكون ملاصقاً لمحراب العلم ، ها هو صار اليوم مشغولاً بهذا التحدي الكبير وهو بناء العوالم الروائية المتخيّلة التي ترصد آهاتنا وافراحنا من خلال فعل القص والحكي ؛ ليجعل هذه الوقائع ضمن شروطها الفنية وملامحها المحلية ، متناثرة بين بني الانسان ، الذين ينتظرون دهشة ومتعة القصّ من خلال الآخر . فمرحباً بروائي على جادة طريق الأدب ، يلتقط مشاعرنا ليسكبها حبراً على أوراقنا ، ونتمنى أن نرى هذا العمل نصاً درامياً مسلسلاً ، يناقش هموم هذه الفئة وحياتها من خلال القصص التي تعجُ بها حياتنا ويجمع الفنانين المصريين والليبيين في عمل فني مكتمل الأركان ، فالذي يجمعنا أكثر بكثير من الذي يفرقنا .



#أحمد_عمر_النائلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدراسات الاعلامية وافتقارها للدراسات الكيفية
- الدراسات البينيّة Interdisciplinary : مقاربة لتلوث ونجاسة ال ...
- عندما يكتب السجين قصائده : ابراهيم الزليتني إنموذجاً
- ميشيل فوكو : بين الذات المفكرة والذات المتلذذة
- فيزياء الكوانتم : من زمن الحقيقة الواحدة إلى زمن الحقائق الم ...
- فعل القراءة بين إدراك الجزء وإدراك الكل
- التطرف الديني : مقاربة سيميائية
- سيميائية جسد المرأة
- العالم بعد كورونا : قراءة في كتاب -ورقات من كورونا - لمؤلفه ...
- النص الأدبي بين الإستقلال والتأثر وفق نظرية هارولد بلوم
- عندما يكتب السجين روايته : إبراهيم الزليتني أنموذجاً
- الفلاسفة يتدبّرون جائحة كورونا : الشيوعية العالمية بديلاً لل ...
- قراءة في كتاب - دروس في الألسنية العامة
- الذعر الأخضر
- الإعلام وإمكانية صناعة القيم


المزيد.....




- صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن ...
- شاهد.. فيلم وثائقي جديد يعرض صورًا لم تُنشر من قبل للأمير وي ...
- -الأندلسيات الأطلسية- في دورة جديدة -مليئة بالوعود- بالصويرة ...
- افتتاح مهرجان -سيمفونية الثقافات- في بطرسبورغ
- طوفان الرواية ورواية الطوفان.. عن معركة السردية بين المقاومة ...
- البدء بعرض مسلسل -الجريمة والعقاب- على منصة إلكترونية روسية ...
- -إكس- تُغلق حساب قائد الثورة باللغة العبرية
- مسلسل تل الرياح الموسم الثاني الحلقة 148 مترجمة قصة عشق
- المغرب: فيلم -عصابات- يتوج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطن ...
- نخبة من نجوم الدراما العربية في عمل درامي ضخم في المغرب (فيد ...


المزيد.....

- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عمر النائلي - قراءة في رواية - مرُ القدر - لمؤلفها د . محمد حسين محجوب