أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - أزهار أبدية (الجزء الأول)















المزيد.....



أزهار أبدية (الجزء الأول)


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 8143 - 2024 / 10 / 27 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


أزهار أبدية
_1_
بعد مرور أسابيع على إجراء عملية استئصال رحمي ،هجرني ولدي (إيفان).
قال أنه قد ضاق ذرعا" بمنزل أشبه بدير أو مستشفى أو مكتبة صامتة ،مع والدة تدير المنزل وتديره هو وفقا" لقواعد صارمة وسخيفة لا قيمة لها ، وأنه قرر العيش مع أصدقاء له ،حيث تنتظره الحياة الحقيقية ،وحيث يمكنه العيش لا الموت ونحن أحياء على حد تعبيره .
لم يصدمني قراره ،فقد كنت على دراية مسبقة بأن ولدي يفلت مني ،منذ تلك الليلة البائسة ،حين اتصل بي صديقه (مجد) وأعلمني بأنهما في المستشفى القريب لمنزلنا لتضميد جرح ولدي الذي تسبب به عراك مع شاب مسلح بسكين في أحد الشوارع .
هرعت حينها هلعة إلى المستشفى ،مستعملة قدمي المرتجفتين ،فقد كنت لا أملك سيارة رغم أنني أملك ثمنها منذ زمن بعيد ،وتساءلت حينها وأنا أركض في طريقي إليه عن سبب هذا ،فما وجدت جوابا" سوى أنني غفلت عن ذلك ،كما غفلت عن أشياء كثيرة ،منها كيف وصل بي الحد بأن أرى ولدي في المستشفى بهذه الحال ؟ ولدي أنا ، (حنان حنون )الطبيبة أخصائية التغذية السابقة التي دفعها زوجها لهجر عملها يوما" ،لتفتتح مكتبة هادئة صغيرة في ركن قصي عن صخب المجتمع وقنوات البث الإذاعي ودور النشر ،ثم ليموت هو في الحرب ويتركها أرملة وجدت في الهامش أفضل خيار منعزلة حتى عن ولدها ،لا تملك سوى دموعها تعبر فيها له عن حبها وخوفها عليه .
وهذا فعلا" ما استطعت أن أقدمه له في المستشفى ،دون أي لوم أو استفسار أو حتى عناق ،لأنني خشيت من ردة فعله ،وهو الذي كان على الدوام يوبخني على معاملتي له كطفل ،وهو الشاب الذي أتم العشرين من عمره .
ومع هذا ومع كل ذلك هجرني ،رغم توسلي لضابط الشرطة بالعفو عنه حين اصطحبتنا سيارة الشرطة إلى مركز الأمن الجنائي في تلك الليلة ،وتركته في زنزانة وحيدا" ريثما يعترف بما حصل معه حقا" ،ويدلي باسم من قام بطعنه في ذراعه ،آه على تلك الذراع الغالية .
ورغم زجه في الزنزانة لساعات ،لم يعترف ولدي باسم من قام بتلك الفعلة وأصر على أقواله بأن شخصا" مجهولا" هو من قام بذلك .
كان إيفان يرى بأن من صفات الرجل الناضج عدم الوشاية للشرطة ،ولذا اضطررت أنا إلى التوسل للضابط ودفع رشوة كي يخرجه ،لأنني التمست في وجهه عدم تصديقه لكلام ولدي .
وحين سألته يومها عن اسم الشخص ،لما عدنا إلى المنزل لم يغير كلامه ولما تجرأت على سؤاله فيما لو طعن هو نفسه ،وتوسلت إليه باكية بأن يخبرني بالحقيقة وأنني لن أخبر أحدا" بشيء وسره سيبقى بيننا نحن الاثنين ،نظر إلي متقززا" وأخبرني بأنني كعادتي ساذجة وأشطح في الخيال ،ومزعجة وأنني لا أعيش في الواقع وإنما فيما يجول به رأسي المتخم بأشياء فارغة .
ورغم ذلك بقي سيناريو محاولة الانتحار في رأسي محتملا" ،مع أن إيفان لم يشعر بأي نفور من الحياة يوما" حتى أنه لم يعرف العزلة في أي مرحلة من مراحل عمره .
كان محبا" دوما" للحياة منفتحا" على أصدقائه ،ومليئا" بالطاقة ،يغيب طوال النهار في النادي الرياضي أو أحيانا" في دروسه الخصوصية التي استمرت لثلاث سنوات دون أن يحصل على شهادته الثانوية ،ورغم ذلك لم أواجهه يوما" بذلك ،واشتريت له كل مستلزمات رياضته المفضلة الملاكمة من قفاز وكيس رمل للتدريب ،حين قرر أن يلج عالم الملاكمة واختارها شاغلا" في حياته .
كان محبا" دوما" لأصدقائه ولم يمل نحو العدوان يوما" مع أي أحد ،بشخصية قوية وجسد رياضي وصحي ،مع أنه كان دائم التذمر من نصائحي الطبية في انتقاء غذائه ،فقد كان يفضل السمك المقلي على المشوي بدون إضافة قطرات من الليمون الحامض ،ولا يستسيغ تناول السبانخ ،ويتناول بشراهة كميات كبيرة من الكافئين متغاضيا" عن نصائح مدربه الشخصي في النادي الرياضي وعن محاولاتي في نصحه .
كان يمقت سماع نصائحي وأنا اتخذت أسهل موقف إزاء ما يتعلق بذلك ،وهو ألا أنصحه مجددا" ،ومن هنا ربما تشكلت تلك الثغرة بيننا وكانت مبشرا" بالقطيعة .
فهربت أنا إلى الكتب كعادتي في مكتبتي المتواضعة في شارع فرعي والتي صارت كل حياتي منذ هربت للمرة الأولى بعد رضوخي لقرار زوجي الراحل بالعزوف عن مهنتي الأساسية كأخصائية للتغذية بعد أن أخبرني بأن نمط حياتي الصاخب لا يناسب هدوءه وعمله كضابط في الجيش ،الأمر الذي يجعل من أوقات اجتماعنا سوية قليلة نسبيا" ولأنني كنت أحبه وكان الأولوية في حياتي ،قبلت بكل ما اشترطه علي .
ومنذ انتقلت إلى المكتبة صارت حياتي روتينية ،سعيدة ربما وجعلني وجود زوجي بقربي أشعر بالأمان على الدوام حتى غرقت في خدر تام لم يوقظني منه حتى وفاة زوجي بقدر ما أيقظني هجر إيفان .
حينما توفي زوجي حزنت كثيرا" حتما" ،إلا أنني وكما لو أنني اعتدت على الخسائر أمست مسألة موت زوجي واحدة من الأحداث الأليمة التي حصلت معي والتي كان منها التضحية بعملي ذات يوم ،ذلك أنني اكتشفت حينها دوائي المناسب ألا وهي الكتب .
الكتب هي ما جعلت من حياتي تستمر ومكنتني من تجاوز كل المصائب ،هذا ما اعتقدته دوما" لكوني اعتبرت وجود إيفان ثانويا" على الدوام منذ مات والده ولربما كان هذا خطئي .
وكأنني قتلته بموت والده ،حين كان عمره سبع سنوات ،وكنت أنا قد بدأت أجد نفسي في القراءة والنقد واقتحمت عالم الكتابة و رحت أكتب عمودا" أسبوعيا" في مجلة ،أدلي فيه بآرائي الانطباعية عن روايات كنت قد قرأتها .
لربما ظننت بذلك أنني ابتدأت مرحلة جديدة من حياتي متناسية بكل أنانية كل ما خلفته حياتي السابقة والتي لشد ما آلمتني .
وغفلت بذلك عن إيفان ،إيفان الذي بهجره لي فضح الخواء الذي يكتسحني ويكتسح حياتي ،وكشف لي تعاستي المؤجلة و أعاد لي وخز الضمير عن كل التنازلات التي قدمتها على حساب حياتي ،الأمر الذي جعلني أجرم في حق نفسي ،ثم بالضرورة في حق ولدي ،لما استسهلت المضي قدما" مع كل ما قدمته لي الحياة بحلوها ومرها إلى الحد الذي نسيت فيه نفسي ونسيت ولدي .


ولدت يتيمة الأم على عكس ولدي ،فتزوج أبي بأول امرأة اصطدم بها ،مبررا" فعلته بأن المجتمع الشرقي لايرحم الرجل الأرمل من الثرثرة والنخر في الرأس عن أهمية وجود امرأة بجانب الرجل لخدمته !
كانت فتاة عانسة كبيرة في السن ،تملك جسد رجل ،أمية لا تعرف سوى الثرثرة عن الجيران والتعامل بعنف مع كل ما تجلبه الحياة .
كانت امرأة متوحشة ،تجلدني بالعصا حين لا يروق لها سلوكي ،وتحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة ،وشيئا" فشيئا" تمكنت من السطو على سلطة المنزل ،وأخذها من والدي بيقينها المضحك ،يقين جاهلة بربرية تظن نفسها عارفة بكل الأمور ،لمجرد أنها تملك قوة جسدية أكبر من والدي تمكنها من العمل في الحقول لدى أثرياء القرية حيث نسكن ،مما يجعلها تصرف في المنزل أكثر منه .
فقد كان والدي مدرسا" بسيطا" للغة العربية ، وجل ما قد يستعمله هو قوته الفكرية في بناء قصيدة ما ،أو نسج شعر زجلي لحفلة ما يقيمها أحد أثرياء أعضاء حزب البعث لابنه مثلا" .
ورغم أن والدي كان ينتقد على الدوام تحول هذا الحزب إلى البرجوازية على نحو ساخر لتناقض ذلك مع اشتراكيته المزعومة ،إلا أنه لم يزج نفسه يوما" في السياسة وقبل بالمنصب الذي منحه له الحزب كمدير للمدرسة الثانوية .
ولطالما بررت له تلك الفعلة ،بأنه كان يفكر بي ،وأن صدمته بوفاة والدتي جعلته أضعف من أن يعترض على شيء ،او أن يملك ضراوة المتمرد وشجاعته .
كنا نعيش في الطابق العلوي لمنزل جدي والد أبي ،الذي كان فلاحا" بسيطا" دينه وديدنه العمل ،عاش حياته في كسب رزقه إلى أن أصبح ولي نعمة .
ولذا وحين كنت أفر من قبضة زوجة أبي كنت ألوذ بحضن جدي ،وعماتي اللواتي لم يتزوجن ،والمحاطات بالأزهار والمزروعات وثمار المواسم المتنوعة ،وثرثرات الجيران والعمال والأقارب القادمين من المدينة ليحظوا بنصيبهم من المواسم ،وأحيانا" كنت أهرب إلى الحقول أتنشق الهواء المحمل برائحة الطمأنينة وأغرق في سكون ناعم ،وأرسم في مخيلتي حياة أخرى لي وربما أستوهبها من الله .
وهكذا يمر الوقت علي صامتة على عيش مرهق على الدوام ،تتخلله لحظات حلوة ولحظات رجاء ،إلى أن تحمل لي الحياة معها في المقصورة التالية دربا" آخر لم أكن لأنتظره ،كما حصل معي حين تفوقت في الشهادة الثانوية و وولجت كلية الطب .
وهذا ربما لم يحصل مع ولدي أبدا" ،فهو لم ينتظر يوما" من حياته أن تصنع قدره بل كان يقول على الدوام بأننا نحن من نصنع أقدارنا وكان دائم السخرية مني على انشغالي الدائم بأمر ما يعتبره هو لا جدوى منه ،كقراءة كتب لكتاب لم يسمع بهم أحد ،او الذهاب لعرض مسرحي محلي وكان يقول بأنه من الأفضل لي أن أضيع وقتي في أشياء حقيقية كالذهاب الى السباحة معه وتعريض جسدي للضوء والهواء ،أو أن أذهب للرقص في حفلة ما وتناول المشروبات الكحولية ،او حتى اصطحاب عشيق ما في إجازة صيفية ! والتي كان يقترحها بكل جدية مع ضحكة مفعمة بالحياة ،ولكنة ناصح يشفق علي وله دراية بما هو أفضل لي أكثر مني .
لكنني كنت أتجاهل على الدوام ما كان يقوله ،وأوبخه تارة على استهتاره ،أو حين ينتقد مشاهدتي لنشرات الأخبار ويسب نظامنا السياسي ،و الشعب الذي يسكت على نظام فاسد وسخيف مثل هذا النظام ،ويقترح ثورة ضده ،وكان لم يسامح هذا النظام على تسببه بخسارة والده ،والده الذي استشهد في مفرزة جسر الشغور العسكرية وعاد بين الجثث المرقمة المعدومة الملامح والمجهولة الهوية على نحو جعل من قبر والده مئات من قبور يحار المرء أين يبكي عليه.
كان إيفان دائم اللوم علي بأنني لم أفعل شيئا" إزاء التأكد من جثة والده ،وأنني اكتفيت بالسير كالبلهاء في الجنازة أنظر إلى التوابيت وأنا نصف متوازنة تسندني ذراعه الصغيرة الهشة .
لكنه لم يعلم بتاتا" بما شعرت به يومها .
كنت مصدومة كعادتي ،كان شيئا" لم أعتد عليه رغم قساوة كل ما مررت به إلا أن ذلك المشهد فعل بي ما لم يفعله غيره ،لدرجة انني تخدرت عن الاحساس بقسوته ،وجعلني أخطو في زمن خارج عن الزمن ،كانت لحظات من العيش في سحابة من الغبش ،في مكان اختصر ألوانه إلى بضعة ألوان وحتى حين أتذكره اليوم يبدو لي مثل مشهد عابر من فيلم حضرته يوما" رغما" عني .
لكن ما أذكره بحدة ،هو صراخي الفجائي ونحن عائدون من المقبرة والتلويح بيدي لشخص ما كي ينتقم لي .
جنود كثر ،وأناس وأطفال يسيرون في اتجاه واحد ،في منطقة معزولة عن العالم ،عن الأزمنة ولا شيء يعلو المشهد سوى القتامة .
بحثت عن إيفان ولم أجده اختفى بين الأطفال الذين من عمره ،راحوا يبحثون عن الحقيقة ،عن معلومة مؤكدة ،عن مصائر عليها أن ترسو على بر ماضيها …
لكنني حينها عثرت عليه وضممته إلى صدري حيث الحقيقة الوحيدة التي احتاجها حينها ..
لكنني اليوم فقدته من حضني ،وربما هذه المرة لن يعود أبدا" ..
انتظرت عدة أيام قبل أن أذهب للبحث عنه،كثفت فيها علاجي بالمضادات الحيوية بعد أن تعرض جرح العملية لالتهاب حاد ومؤلم ،فأصبحت إثر ذلك منهكة القوى ،لا أقوى حتى على المشي .
وحين استعدت صحتي وعزيمتي ،خرجت أبحث عنه .
و أول ما فكرت بزيارته هو منزل صديقه مجد ،الذي يشاطره نفس الألم بفقدانه لوالديه في مدينة ادلب المنفصلة عن البلاد ،ومقتلهم بقسوة إثر قذيفة استهدفت منزلهم ،تاركين ابنهم الوحيد مغتربا" في مدينة أخرى طامعا" بصفحهم عنه .
اتجهت صوب منزله وأنا أفكر فيما يمكن قوله ،وترددت في خطوي المتثاقل صوب باب الشقة حين وصلت .


كان باب شقة مجد موصدا" ،دفعته بيدي مترددة في الدخول ،ثم استجمعت كل حبي واندفاعي لاستعادة ولدي ،واستعملتها كوقود يحركني .
حين ولجت الصالون رأيت إيفان هناك مستلقيا" على الأريكة ،لكنه لم يكن وحيدا" ،بل كان برفقة فتاة .
انسدل شعر الفتاة الطويل والفوضوي فوق صدره العاري ،كانت تقبله في مواضع مختلفة من جسده ،ثم أمسكت بعضوه الملتهب بين أصابعها كمن عثر على زهرة ضائعة ووضعته في فمها .
وقفت ساكنة دون أي حراك ،أفكر في اختلافي وولدي ،فأنا دوما" كنت وحيدة بينما هو ثمة دوما" شخص ما يريده بقربه ،وكان دائما" محاطا" بمن يرغب فيه بشدة .
حدقت في وجهه عله يلتفت إلي ،وشعرت بأنني على وشك أن أتوسل أحدا" ما أو إلها" ما ليرسل إشارة له لكي يلتفت إلي في تلك اللحظة تحديدا" ،لكي يدرك بأن والدته مازالت حية ،مازالت موجودة وأنها سعيدة به ،وأنها لا تحمل أي نوع من اللوم أو العتب عليه .
ونظر إلي بالفعل كما لو أن قوة خفية أنذرته ،نظر بطرف عينه لبرهة ثم عاد إلى التحديق في وجه الفتاة وهويبتسم لها ابتسامته المعهودة .
التفت إلي و حدق في عيني بكل ثقة ،وكأنه ينبئني بشيء ما ،أو يحثني على القيام بفعل ما .
كأنما يحاول إخباري أنه علي أن أحذو حذوه ،و أن أعيش بكل بساطة .
بعد هذه النظرة ،لم أقوعلى مواجهة عينيه ،وارتجفت أوصالي من تشبثه القوي بالحياة ،وأربكني إصراره فخجلت من نفسي عوضا" عن خجله المفترض على حسب ما نربى عليه .
لقد خجلت ببساطة من موتي ،ودفعني خجلي إلى الانسحاب من كل هذا ،واعتباره خسارة جديدة في حياتي .
لذا خرجت من المنزل مغلقة الباب ورائي كما لو أنني أخفي عيبا" ما ،او ربما أمنح ولدي كعادتي متعة أخرى أو ربما فرصة أخرى تمكنه من ألا يشبهني .
ذكرني ذلك بأوقات ممارسات الحب مع زوجي الراحل ،وما اكتشفته أنني كنت على الدوام سعيدة بقرب جسده .
لم نمارس الحب بهذه الوقاحة ،وإنما كنا أكثر تحشما" وربما نحتاج الليل كله لكي نصل إلى النشوة .
كان ما نفعله دافئا" ،مفعما" بالحنان والتعاطف والتوحد الجسدي إلى حد الغرق في بعضنا البعض والانسلاخ عن العالم كليا" .
نعم ،جعلتني رؤية ولدي في تلك الوضعية أتذكر لحظات كانت الحياة فيها منصفة معي إلى حد ما ،وأتذكر أن الحب والشغف كانت دوما" أشياء تسعدني .
لكنني فكرت فيما لو أنني أردت أن أحب من جديد ،فأين يمكنني أن أجد ذلك الحب ياترى ،سوى في ماضي الذي فر مني وولى ..

لم أعد إلى المنزل بعدها ،بل قصدت إحدى المقاهي الثقافية القديمة التي يملكها صديق قديم لزوجي والتي لم أزرها منذ رحيله.
كنا عادة نأتي إليها معا" ،وهذه هي المرة الأولى التي أدخلها وحدي .
من هنا انطلقت فكرة افتتاحي للمكتبة ،حين ذات ليلة عرفني صديقه الشاعر (أنين) بالأدب ،وبالعوالم الأدبية التي حين تخطو أولى خطواتك لاستكشافها تنزلق قدماك في هول لا نهاية له من الروعة .
سألت عنه فقالوا بأنه لا يزور البلاد كثيرا" ،فقد غادرها إبان الحرب بعد أن اعتقل لمرات ومرات ،فاخترت الطاولة التي كانت تجمعني بزوجي (عابد) في الماضي ،وجلست إليها أحملق بمنفضة السجائر وأخال أصابع عابد ممسكة بها .
تساءلت فيما لو كان عابد حيا" ،هل كان لذلك أن يحصل ؟
ولو حصل كيف كان سيتصرف؟ هل سيتصرف مثلي ؟
فكرت لبرهة بذلك ثم جزمت بأن هذا لم يكن ليحدث أصلا" لو كان موجودا" ،فالسبب في كل هذا ببساطة هي أنا .
مرت عدة دقائق دون أن أطلب شيئا" أو حتى أن أحرك ساكنا" .
في هذا الوقت دخلت امرأة المقهى ،وسرعان ما شعرت بارتياح تجاهها ،فقد بدت لي قريبة مني كثيرا" ،كما لو أنها قادمة من زمن حلو خصيصا" إلي ،إلى الحد الذي لم أشعر معه بأية استغراب من توجهها نحو طاولتي والاستئذان بالجلوس في الكرسي المقابل لي .
هززت رأسي موافقة على طلبها وأنا مازلت مستغرقة في هيئتها التي تجعلها تبدو كبطلة من بطلات روايات إيزابيل ألليندي ،أنثى متكاملة مضرجة بأزمان شتى وشخصيات كثر عركتها حياة ما ،وظروف مفجعة ربما على نحو أشد قسوة من ظروفي ربما ،لكنها خارقة الجمال والأنوثة .
اعتذرت مني مبررة تصرفها بأن تلك الطاولة تحمل لها ذكريات خاصة ،وأنها تأتي إلى المقهى لغرض قهري .
لم أتجرأ وأسألها عن غرضها من الجلوس إلى هذه الطاولة بالتحديد .
بعد صمت دام لفترة قصيرة ،أخبرتني بمفردها عن السبب وراء ذلك ،دون حتى أن نتعرف بداية ،كما لو أنها حملت ذات الشعور تجاهي .
قالت بأن تلك الطاولة كانت تجمعها بحبيبها القديم والذي استشهد في الحرب ،قالت بأنها كانت عشيقته رغم معرفتها بأنه متزوج .
للوهلة الاولى ظننته زوجي ،لقد جعلني ولدي أفقد الثقة في كل ما سبق وجرى لي في حياتي حتى بدأت أشكك حتى في أجمل ما مر معي .
لكن حين نطقت باسم عشيقها وكان اسما" مختلفا" ،شعرت بفرحة عارمة وابتسمت على نحو أبله ،على نحو جعلها تتنبه إلي مستغربة من تصرفي .
فصدمتها أكثر بسؤالي المقحم دون سابق إنذار :وهل أحببت بعده ؟
ذهلت لبرهة ثم أجابت :نعم ،وتزوجت عدة مرات ،وأنا الآن متزوجة ،ورغم ذلك آتي إلى هنا ،لأرمم نقصا" ما في مشاعري وأروض نوعا" من التخبط نشأ عندي بعد رحيله بالرغم من ثقل حياتي بالعاطفة وفحولة الرجال .
حين أخبرتني بذلك أيقنت بأنني على الأقل مخلصة لذكرى زوجي ،وهذا ما جعلني أستعيد قليلا" من الثقة في نفسي .
إلا أنه سرعان ما اكتسحني سؤال ما :من منا نحن الاثنتان أقوى ؟هي بحاضرها المثقل ،أم أنا بخوائي الذي يقتات على الماضي أو ربما أحيانا" على حيوات مئات من شخصيات أخرى تحملها الروايات التي أقرؤها بين سطورها .
استأذنت بعدها بالمغادرة دون حتى أن نتعارف ،كما لو أنني انتصرت عليها ،ولم يعد يهمني حتى اسمها .
راودني ذلك السؤال في طريقي إلى مكتبتي الصغيرة ،وحين وصلت جلست إلى طاولتي الاعتيادية فيها ،وانفجرت باكية حد الإنهاك وغفوت بعدها بعمق .

حين استيقظت في اليوم التالي ،كان ذهني صافيا" متحررة من أي فكرة معكرة ،وساقتني قدماي دون أي تردد نحو الجامعة ،قاصدة كليتي القديمة حيث درست الطب يوما"،بشق الأنفس وبكل ما يتطلبه طموح عظيم من مجهود عظيم .
وبرغم ذلك شعرت بأنني غريبة عن هذا المكان ،لا لأنني تجاوزت كل ما فيه وعشته بكل تفاصيله كما اعتقدت بداية ،بل لأنني أصبحت امرأة مختلفة كليا" ،لا تمت لهذا المكان بصلة ،أو ربما كما كنت أقول ،هذا ما اعتقدته بداية .
حتى أنني فشلت في جلب ذكريات كثيرة من قاع ذاكرتي عنه ،رغم أنني قضيت فيه أكثر من ستة سنوات .
بل وحتى أنني رأيت أشياء وأماكن وتفاصيل لم أرها من قبل ،او ربما كنت قد رأيتها لكن لم تكن بهذا الوضوح كما لم تكن بكل هذا السكون الباعث على الرعب .
ولجت كليتي ورحت فورا" أتمشى في الممر الذي تتوزع على جانبيه مخابرنا القديمة ،وأسفت لكونها لم تثر في أي شيء يذكر ،وبدت كما لو أنها حمل ثقيل نفضته عني منذ زمن .
لم يتغير شعوري إزاءها منذ غادرتها يوم حفل تخرجنا ،مديرة ظهري لها وأنا أمسك بيد عابد ،وهو يتمتم في أذني :
لا داعي لأن تدرسي بعد التخرج لتتخصصي في طب ما ،لن تحتاجي إلى العمل .
ورغم ذلك عملت كطبيبة عامة ،وثقفت نفسي في مجال التغذية الذي شغفت به ،وراح الناس يقصدون عيادتي بالآلاف إلى أن أنهى زوجي كل هذا بقبلة استسلمت لها كليا" مكتفية بطمأنينة اللحظة الراهنة التي ظننتها سهوا" أبدية .
زرت مخبر الدمويات والمناعيات الذي أفضل ،وتذكرت أنني كنت الفتاة الوحيدة التي جرؤت على وخز اصبعها بالإبرة ليسيل الدم اللازم للكشف عن الزمرة الدموية حين قمنا بتلك التجربة العملية ذات يوم .
حينها وخزت اصبعي بكل قسوة ،كما لو أنني أريد أن أبرهن لنفسي أنه يمكنني فعل أي شيء في سبيل نجاحي ،أو في سبيل مرور هذه المرحلة ،نكاية بهشاشة والدي وبوقاحة زوجة أبي ،ونكاية بمستقبل علي أن أعاني من أجل بلوغه .
وحين كنت سارحة في طاولة التجارب حيث قمنا بتلك التجربة ،سمعت صوتا" مألوفا" يطلب من أمينة المخبر التحضر لاستقبال الطلاب ،التفت إليه فكان (عصام) أحد أصدقائي القدامى في الكلية ،والذي سمعت عنه يوما" بأنه أصبح عضوا" في هيئة التدريس في الكلية .
وحالما التفت جاءت عيناه في عيني ،فابتسمنا معا" .
كان مرد ابتسامتنا المتزامنة إلى سر قديم يجمع بيننا ،سر قصة حب خفية وقصيرة وخجولة ،لم يكتب لها حتى الولادة .
وما إن عزمت على المضي باتجاهه لأسلم عليه ،فاجئني دخول امرأة منادية عليه ب (حبيبي )،فعزفت عن ذلك .
إلا أنه أشار إلي ملوحا" بيده بأن أقترب منهما ،وعرفنا إلى بعضنا ،مطلقا" علي صفة الزميلة القديمة وعليها صفة زوجتي .
حين غادرا فكرت في أنني كنت قاسية للغاية معه في الماضي ليطلق علي صفة (زميلة) ،مع أنني كنت معجبة به على الدوام لما كان يرأس الهيئة الطلابية ويدافع عن حقوق الطلاب ويفضح ممارسات المدرسين أحيانا" .
ما زلت أذكر كيف أنني بادرت حينها في العلاقة ،حين جلبت رقم هاتف منزله من لوحة الإعلانات واتصلت به ذات ليلة وتحدثت إليه عن إعجابي به ،هكذا على نحو فجائي ومثير للريب سواء من جهتي أو من جهته .
فأنا نفسي لم أعرف حينها لم فعلت ذلك ،واعتبرته تصرفا" طائشا" مني ،فعلته في ليلة اكتشفت فيها تجاوزي للسنة الدراسية الثالثة ،وكأنني أكافئ نفسي على هذا !
في اليوم التالي ،حين قابلته في ردهة الكلية ،اقترب مني لنتعارف أكثر فأخبرته بأنني لست جاهزة لأي نوع من العلاقات وأن جل ما يهمني هو التخرج من الكلية بداية .
قلتها حينها بحزم ولؤم شديدين ،وقاطعته بعدها تماما" .
أدرك اليوم أنني كنت خرقاء حينها ،ولذا ربما لا أرغب اليوم في تذكر شيء عن حياتي الجامعية ،ليس لأنها لا تعنيني بل لكي لا أشعر ببساطة بتأنيب الضمير تجاه ما فعلته بنفسي ،وقتلت حبا" ربما كانت حياتي لتصيرمعه أفضل .
وجعلني كل ذلك أتساءل مجددا" فيما لو أنني أحببت زوجي أصلا" ،أو أنني أحببته بالفعل إلا أنه كان حبا" من نوع آخر ،حبا" ممزوجا" بالتوق إلى السلطة والحماية ،إلى الأمان الذي افتقدته دوما" ،والذي حتما" لن يصنف مع حبي المفترض لعصام صديقي في نفس الخانة ،بل كان ليكون حبي لعصام يحمل معه حياتي الصحيحة التي ضاعت ربما مني .

اتصل بي مجد صديق إيفان بالتزامن مع خروجي من الكلية ،وأخبرني برغبته في رؤيتي والجلوس معا" لنتحدث في أشياء مهمة عن إيفان ،فحددت موعدا" لنلتقي معا" .
ثم سرعان ما شعرت بيد تربت على كتفي ،التفت إلى الخلف وراودني شعور مختلف وجديد كليا" علي .
كانت يد عصام ،وبالرغم من كل شيء لم أشعر بأية غرابة ،بل تقبلت ما قدمه لي القدر بكل رحابة صدر ،وكأنني كنت على يقين بأن ذلك سيحصل .
(هيا لنحتسي القهوة في كافيه الكلية ) .قال عصام ،فهززت برأسي موافقة .
جلسنا في المقهى نتحدث عن الماضي ،عن ذكريات مشتركة فيما يخص المدرسين وتجارب التشريح القاسية ثم صمت عصام لبرهة ليخبرني بعدها :
ولكن ،ألم تلاحظي بأننا لم نجلس من قبل سوية ،ونتحدث عن كل هذا بهذه العفوية ،هل يصير المرء أكثر عفوية مع الزمن أم العكس صحيح ؟
أجبته بيقين مطلق :لا ،السبب في أنا ،أنا لم أكن موجودة في الماضي ،كنت مجرد آلة تتحرك في الجامعة لا أكثر .
اندهش من كلامي ثم أردف: ولكنني مازلت أحتفظ بذكريات عنك ،ومادمت هكذا فهذا يعني انك كنت تمثلين شيئا" بالنسبة لي .
انظري (حنان ) ،في الماضي كان كلانا مختلفين ،وانا أيضا" لم أكن على حق ،ولم أفعل شيئا" لأجعلك تتمسكين بي .
إذا" كلانا مخطئان ،أليس كذلك؟
فكرت فيما لو أنني أخطأت فقط في هذا الأمر لكان الحل سهلا" ،ولتمكنت من ترميم كل أخطائي ،وأنه لا يعلم بما جرى معي .
لم اتمالك نفسي وانفجرت بالبكاء فصار يواسيني ممسكا" رأسي بين يديه قائلا":أخبريني حنان ،ما الذي يحصل؟
أجبته:ولدي ،ولدي يضيع من بين أيدي يا عصام .
لفظت جملة لم أكن لأتوقع يوما" لفظها بكل هذا الابتذال ،كما لو أنها خارجة من فيلم عربي قديم .
ثم أردفت :هجرني ابني إيفان ،قال بأنه لن يعود إلي مجددا" .
تخيل أن يحدث هذا معي أنا ،بعد كل ما ضحيته في حياتي .
ثم فكرت في أنه لا يعلم شيئا" عما قدمته من تضحيات ،حتى انه لا يعلم بالضرورة أنني غدوت بلا رحم بسبب التهابات مقيتة لم أقو عليها .
صمت لبرهة ثم نطق بصوت منخفض:لا أعلم ما علي قوله لك ،فمن الصعب الجزم أي من المصيبتين أكبر ،مصيبتي أم مصيبتك ؟
لقد تم تشخيص سرطان الدم لزوجتي وهو من الدرجة الرابعة ،أي أنه ليس لدينا وقت كثير .
أجبته بتعاطف كبير ماسحة دمعي عن عيني :حقا" ،يؤسفني ذلك .
في هذه الأثناء نادت زوجته عليه وطلبت منه الإسراع في إنهاء المقابلة ،كما لو أنه أخبرها عني شيئا" غير ما هو حقيقي .
كانت امرأة جميلة ،أسفت لكونها ستغادر الحياة قريبا" وتساءلت في سري فيما لو كان لديها أولادا" .
لكنني لم أتمكن حتى من سؤال عصام عن ذلك الأمر فقد اعتذر مني مغادرا" بسرعة دون حتى أن أحصل على رقم هاتفه .
بقيت بعدها لساعات جالسة لوحدي في مقهى الكلية ،ونظرت عبر زجاج الواجهات المحيطة بالمقهى إلى الطلاب والطالبات وراودتني أمنية غريبة ،بأن أعود طالبة طب في هذا الزمن لأكرر تجربتي ولكن بقواعد جديدة أو ربما دون أية قواعد .

قابلت مجد صديق إيفان في مقهى قريب من الجامعة مساء"،وأخبرني عن حاجة إيفان للنقود لأنه يعزم على السفر إلى العراق للمشاركة في بطولة ما ،وأنه يفكر بالاستقرار هناك
حينها سارعت وفتحت محفظتي ،وأخرجت كل النقود التي بحوزتي والتي جمعتها من المبيعات الضئيلة في المكتبة بعد غلاء أسعار الكتب وعزوف الناس عن الخيال وانشغالهم في الواقع البحت .
ثم أردفت قائلة: سوف أحاول ان أؤمن له المزيد ،سأسحب أجر المقالات التي نشرتها في الجريدة للأشهر الثلاثة السابقة فقد نسيت جلبها من شركة الحوالات .
وإذا منحني وقتا" إضافيا"،سأسحب له ما ادخرته ووالده في بنك خاص ،والذي خططنا بأن نشتري به سيارة يوما" ما .
حدق مجد بي لبرهة ،ثم ابتسم قائلا" :لا لاداعي لذلك .
ثم تابع وهو يضغط على يدي :أنت ام عظيمة ،أحسد إيفان عليك .
هل أنا أم عظيمة ياترى ،أم أم تكفر عن ذنوبها ؟
تساءلت وأنا أحتسي فنجان القهوة بصمت ،مشيحة بوجهي عن مجد الذي اغرورقت عيناه بالدموع .
نظرت إليه بعدها بكل ثقة ،وأخبرته بأنه يمكنه الاعتماد علي وقت ما شاء ،وأنه في منزلة ابني إيفان .
ودهشت من نفسي على قول كهذا ،أنا التي لم أعرف يوما" التعامل مع ولدي وتجاهلته دوما" فكيف مع ولد غريب عني .
فكرت في أن الجميع غرباء عني ،والأمر ليس حكرا" عليه .
لقد أصبحت ببساطة غريبة عن كل من حولي ،حتى عن نفسي ،عن تلك الأخرى التي عاشت في الماضي ،وحتى التي درست في الجامعة لم تكن ذاتها تلك التي جابهت عصا زوجة أبيها يوما" ،ولا ذاتها التي كانت تضع برامج التغذية الصحيحة للمرضى للتخلص من البدانة أو لخفض السكر في دمهم ،أو المحافظة على صحة قلوبهم .
إنني الآن مجرد امرأة يربطها بالواقع جسدها فقط وما تتطلبه قوانين الفيزياء والفيزيولوجيا ،أما روحها وما تشعر به كله مأسور في خيالها ومتوقف على ما تقرأه في كل يوم وما تكتبه في مقالاتها .
لقد أبعدت الواقع لكن من الصعب الجزم فيما لو أن ذلك حصل بإرادتي أو رغما" عني .
لكنني الآن مستعدة لدفع كل ما أملك من ثروة لأستعيد ابني ،نعم أقول هذه المرة تلك الكلمة وأعنيها بكل معناها .
أخبرت مجد بذلك ،فنظر إلي بشفقة وقال: أمي ،واسمحي لي بمناداتك على هذا النحو ،لا تحزني ولكن إيفان لا يهمه كل ذلك ،وربما حتى أنت أصبحت لا تعنين له شيئا" ،لقد بنى حياة أخرى تماما" وأنت غافلة عنه ،هذا ما يقوله دوما" .
طأطأت برأسي نحو الأسفل ،مدركة ما يقوله مجد او بالأحرى ما أكد لي مجد من شكوك كانت تلتهم رأسي ،في أن ولدي لن يعود مجددا" إلي هذه المرة .

حين عدت إلى المنزل بعد هذا اللقاء ،غطست نفسي في حوض الاستحمام الدافئ بعد أن خلعت عني ملابسي وأساوري وكل ما يقيدني ،ومكثت هناك لساعات .
خرجت بعدها من الحوض امرأة أخرى كليا" ،وكأنني وأدت ذاكرتي حية بكل لؤم .
سارعت نحو صيدلية المنزل وأخرجت علبة مكمل غذائي يحتوي على الفيتامينات اليومية الضرورية لامرأة مثلي ،وتناولت حبة منها .
وقلت بيني وبين نفسي :كفى ضعفا"،لا نزيف بعد اليوم ولا خطو متثاقل ولا بكاء أيضا" .
علي أن أستعيد قوتي وعافيتي ،وأن أواجه كل تلك المشاكل التافهة التي وضعها القدر في طريقي .
إن كان ولدي لايريدني ،فأنا أريده رغما" عنه ،ربما هذا ما كان ينتظره مني ،أن أكون حقا" أما" له وليس مجرد والدة .
لذت بالشرفة حاملة بين يدي كوبا" من القهوة الساخنة ،و رحت أنظر إلى الشوارع كما لو أنني أراها للمرة الأولى .بدت قاتمة ومظلمة ، هذا ما فعله نظام البعث بها .
تجرأت على قولها بيني وبين نفسي ،كما كان يقولها ولدي (إيفان) .
لن أهرب مجددا" إلى الكتب دون أن أواجه الواقع كما هو بعد اليوم ،لن أكون مثالية بعد الآن ،وأسقط اللوم على نفسي .
زوجي عليه اللوم ،لقد كان ظلاميا" ورغب في استملاكي ،فقط لأنه وجدني ضعيفة وبحاجة إلى حماية .
وولدي اليوم يستغل عاطفة الأمومة التي أملكها كي ينتقم من قدره ،ومن بلاد لم تعطه شيئا" سوى الحزن ،والحرمان وأم غريبة عنه ،لا تقوى على مواجهة التوحش الذي أحاط بها فلجأت إلى الخيال كدواء لروحها المحطمة .
فكرت في أن القصة تبدأ من والدي ،والذي حطمه هذا النظام من قبلي ،حين عاش على الهامش مذعورا" وخائفا" لما راحت السلطة تقفز بين أحضان الجهلاء والفاسدين والأصوليين .
لقد فقد دوما" ثقته بنفسه حتى أمام زوجته الأمية ،وهذا ربما ما كررته أنا في حياتي مع زوجي عابد ،الذي لم أسأله يوما" عن عمله وشؤونه وكيف يؤمن لنا حياتنا الكريمة ،بل كنت أكتفي على الدوام بابتسامته وقبلته لجبيني ما إن يلج باب المنزل ،وأستسلم لدور المرأة التي يريدها هو ،الزوجة المحبة السعيدة والمكتفية به وبطفلها .
نهضت عن كرسي على نحو مفاجئ وأنا أفكر في ذلك ،وسارعت نحو مكتبة المنزل حيث نسيت كتب الطب هناك وبقيت مهملة لم يمسسها أحد منذ زمن بعيد .
رحت أقلب فيها عبثا" ،ولم أشعر بأي شيء نحوها ،فدفعني ذلك إلى التساؤل :ما الذي جعلني أدرس ذلك الفرع وأستميت للتخرج منه ،وأتخلى عن أجمل أيام حياتي وأجعلها تضيع سدى ،طالما أنني اليوم أدركت أنه لا يعني لي شيئا" .
هل زواجي من عابد أيضا" لم يكن يعنيني بالفعل أيضا"؟ وإن كانت كل تلك الأمور كما أفكر ،فلماذا قمت بها ؟هل بحثا" عن القوة أو التفوق او الأمان ؟
لكن ها أنا اليوم وحيدة ولم أحظ بأي منها .
(لقد عشت حياة زائفة ببساطة ) تمتمت لنفسي وأنا أخر أرضا" شيئا" فشيئا" ،ثم جثوت على ركبتي ،وحدقت بجمود في صورة ولدي الموضوعة فوق طاولة صغيرة ،في زاوية مهملة من الصالون .

في صباح الغد ،قصدت مأوى العجزة حيث يعيش والدي ، بعد وفاة زوجته وسفر أختيّ منه ،كل منهما إلى بلد ما مع زوجيهما .
حين طلبت من المشرفة هناك مقابلته ،أخبرتني بأنه يجلس في الحديقة كعادته ،يقضي اليوم كله متأملا" حوض الزهور الكبير في الحديقة ،ولا يخلفه عن ذلك حتى أشد الأيام بردا" وعصوفا" في السنة .
هذا ما أخبرتني به المشرفة بلهجة ساخرة لم تعجبني البتة .
مشيت باتجاه الحديقة ،وبحثت عنه متلفتة يمنة ويسرى ،فوجدته يجلس بعيدا" على كرسيه المتحرك بالقرب من السياج تقريبا" .
هرولت إليه بكل اندفاع ،مستعدة لأي ردة فعل منه حتى ولو كانت ردة فعله صفعي مثلا".
وقفت في مواجهته ونظرت في وجهه المرهق الذي غيرته السنون وأحالته إلى وجه طفولي مجددا" ،بدلا" من أن تنحته كما تنحت وجوه من يخوضون عراكات كثيرة مع الحياة .
فقد عاش والدي حياة بسيطة ،ولم يرهق نفسه في المواجهات و حروب الأفكار،عاش مستسلما" لكل ما تفرضه الحياة عليه ،إلى الحد الذي ربما دفعه إلى التخلي عن ذاكرته شيئا" فشيئا" .
كان مغمض العينين ،ولاحظت كم أن حاجبيه الكثيفين الأشيبين فقدا نصف كثافتهما .
فتح عينيه بصعوبة كمن يستيقظ من نوم أبدي ونظر في وجهي ،ولم يتعرف إلي بداية .
ثم ابتسم وتمتم بصوت متحشرج :حنان ، هل أتيت من المدرسة ؟ تأخرت لأنك كنت تقابلين إيلي حبيبك أليس كذلك ؟ أنا أعرفك جيدا" .
كنت أعلم أنه تم تشخيص مرض الألزهايمر لوالدي منذ مدة ، وكنت على ثقة بأن السبب في ذلك هو توقفه عن القراءة في السنوات العشر السابقة ،ونمط عيشه المغترب والانطوائي حتى لما كان يعيش مع أختي الاثنتين وزوجته .
كنت متأكدة بأنه لو استمر في القراءة لما أصيب بهذا المرض ،ولما اعتقد الآن أنني قادمة من المدرسة متأخرة لمقابلتي إيلي عشيق المراهقة ،في المدرسة الإعدادية حيث كان مديرا" لها طوال سنوات دراستي فيها .
ولكن ما الذي ذكره بإيلي تحديدا" ؟فأنا حتى كنت قد نسيت اسمه تقريبا" ،بعد رسوبه في الشهادة الإعدادية .
اقتربت منه وجثوت على ركبتي أمامه ممسكة بذراعيه وتمتمت: والدي حبيبي ،هيا لندخل إلى غرفتك ،الطقس بارد جدا" .
اعترض وهو يحاول أن يوضح لي بصعوبة بأنه يستمتع بمراقبة الأزهار .
نظرت في حوض الأزهار أمامي فلم أجد سوى سوق خشبية تخلو من أية أزهار او أوراق ،وكان هذا بديهيا" فنحن كنا في فصل الشتاء .
لم أحاول تصحيح أي شيء له ،وفضلت أن أجلس بجانبه وأرضخ لرغبته .
سألته عن أختي فتذكرهما ،وقال بأنهما تتحدثان إليه هاتفيا" ،لورا من لوكسمبورغ وهي سعيدة مع زوجها الخياط ،ونائلة من إيران التي يسجنها زوجها في قصر كبير ،بعد أن تزوجت به بسرعة هنا وذهبت معه دون حتى أن تأخذ شهاداتها الجامعية التي تعبت سنينا" للحصول عليها بل وكانت متفوقة في كل مراحلها ،كانت تحصل على المركز الأول دوما" ،إلى أن تعرفت بزوجها المقيم في إيران واقتنعت بأنه الزوج الصالح لها ،حين كانت تقصد جمعية دينية خيرية أثناء فترة دراستها واغترابها عنا و إشغال نفسها بكل ما هو ديني وروحاني .
(هي تقول بأنها سعيدة لكنني التمست في صوتها العكس ).قال والدي .
ثم أردف: لكن إيلي يزورني بانتظام .
حينها جزمت بأن والدي بدأ يخلط بين الوهم والحقيقة ،ولم أبدي له أية ردة فعل .
لكنه أصر على كلامه مقترحا" بقائي لفترة أطول علني أجتمع به مجددا" ، (ألم تشتاقي إليه؟ ) سألني بجدية أثارت استغرابي .
على أية حال ،تجاهلت كل ما قاله ،وحين أدركت أنه لن يتمكن من نصحي أو تقديم أي شيء لي بخصوص استعادة ولدي ،قبلته في جبينه و وعدته بالقدوم دوما" إليه ،ولم أعلم في قرارة نفسي فيما لو كنت سأفي بوعدي حقا" .
ثم غادرت مسرعة كمن يبعد عاصفة من الضعف قبل أن تتلبسه .
في الممر الطويل المؤدي إلى مدخل المأوى ،قابلت رجلا" في عمري تقريبا" يحمل في يده باقة مذهلة من الزهور .
كان يخطو مسرعا" ولم ينتبه إلي ،لكن شعورا" ما انتابني بأنني أعرف هذا الشخص جيدا" ،وقد يكون إيلي حقا" كما يصر والدي ،من يدري ؟
لكنني على أية حال لم أكترث للأمر على نحو كبير .

قصدت بعدها منزل مجد صديق إيفان ،ففتح لي إيفان الباب ،فدخلت عنوة دون أن ألقي التحية عليه وجلست على الأريكة ونطقت بصوت عال: ما الذي تريده إيفان ؟ ماهي غايتك من السفر ؟
نظر إلي مندهشا" وتمتم بسخرية وهو يجلس على الأريكة المقابلة بفوضوية :ومنذ متى تعترضين على أمر أقوم به أو حتى تستفسرين عن الغرض منه ؟
_لن أسمح لك بالسفر ،لن أسمح .
قلتها بحدة قبل ان أسقط في بركة ضعفي واستسلامي .
فراح يقهقه على نحو وقح وغير مكترث بمشاعري ولا حتى بجدية الأمر الذي هو مقبل عليه ،كما لو أنه يعبث .
إلا أنه أجابني بعدها بجدية لم أكن لأتوقعها :
أرغب في جمع النقود بنفسي دون الاعتماد عليك ،سوف أتزوج قريبا" ،والفتاة لن تحترمني إلا إذا كسبت لهذا الزواج بعرق جبيني .
ماذا ؟سيتزوج؟بمن ؟ حتما" بتلك الفتاة التي كانت تمص عضوه .فكرت في سري .
ثم استجمعت قواي وسألته :بمن ؟من هي ؟
ضحك بخبث وأجاب بما كنت أتوقعه :تعرفينها ،أقصد رأيت فقط شعرها من الخلف .
_ماذا ؟هل ستتزوج بفتاة وقحة مثلها .
قالت المرأة الشرقية التي في داخلي والتي انبثقت مني دون سابق إنذار.
_لا تنعتيها بالوقحة ،إنها تحبني ..ثم أنت لا تعلمين من هي ؟أتعلمين من أي عائلة .
صعقت عندما أدلى لي باسم العائلة ،حينها ارتجفت متوترة وصرخت في وجهه لأول مرة :ومنذ متى وأنت تواعد أبناء هؤلاء ألم تكن تسبهم على الدوام ؟ما الذي تغير ؟هل ترغب في بيع نفسك ؟
_إنها لا تشبههم ، وتعارضهم على الدوام ، ستتزوجني نكاية بهم .
ذهلت لما يقوله ،وأيقنت بحزن بأن قضية ولدي ليست مسألة هجران فحسب وإنما يمكن القول بأنني على وشك أن أخسره تماما" دون أي أمل بأن أستعيده مرة ثانية .
وحرت في أمري ،ماذا علي أن أفعل ؟ هل أصفعه أو أحبسه ؟ أم أنسحب من الأمر كله وأتركه يقلع شوكه بيده ؟
وكعادتي حسمت أمري فورا" ،فنهضت عن الأريكة دون أن أتفوه بكلمة وسرت باتجاه الباب .
لكن قبل خروجي ببرهة ،نطقت بصوت متحشرج رجولي صدر مني للمرة الأولى : لن أعطيك أي فلس بعد الآن ،إن أردت الزواج بتلك الفتاة لا شأن لي بمصروفك ،اصرف بنفسك على نفسك وعليها .
خرجت بعدها وصفقت الباب خلفي بقوة .

أخرجت علبة المكمل الغذائي من محفظتي ،وتناولت حبة منها ،عازمة على تجاهل كل ما حصل وعدم الالتفات إلى الوراء ،ثم مشيت في طريقي بثبات وبخطوات مستعجلة .
سمعت صوت إيفان وهو ينادي علي من خلف ظهري ،فلم ألتفت صوبه أبدا" وألغيت حاسة السمع تماما" في تلك اللحظات .
إلا أنه لحق بي وأخذ يرجوني بأن ألتفت إليه ،ويحلف برحمة والده .إلا أنني رفضت سماعه .
فكرت وأنا اهرول مسرعة كي لا يسبقني بخطواته الرياضية الهائلة ،في أنه هل كان علي أن أكلمه بهذا الأسلوب منذ البداية حتى يحترمني و يحسب لي حسابا"؟
هل ولدي من ذلك النوع من الناس الذين لا يحترمون سوى من لا يحترمونهم ؟معنى ذلك أنني أخطأت في التربية .
لذا قررت عدم الاكتراث لأمره .
وحين قطعت الشارع المكتظ بالسيارات والحافلات ،وأصبحت بعيدة عنه شعرت بالسكينة .
أخرجت هاتفي الخليوي واتصلت بمجد صديقه ،وطلبت منه أن نلتقي في المقهى نفسه الذي تقابلنا فيه للمرة الأولى ،وأن يحضر المال الذي أعطيته إياه إن لم يكن قد أخذه إيفان بعد .
ولحسن الحظ أنهما لم يتقابلا بعد ذلك اليوم ،فقد كان ابني إيفان يقضي أيامه برفقة عشيقته في شاليه شتوي على شاطئ البحر ،وعادا صباح اليوم .
هذا ما أخبرني به مجد ،الأمر الذي يعني أنها كانت في الداخل ،وسمعت كل حديثي وإيفان .
تلك العاهرة ،تلك العاهرة ..رحت أردد وأنا أفكر بالعودة إلى المنزل حيث إيفان وصفعها بقوة .
لم اتمالك نفسي وقمت بذلك فعلا" ،عدت مسرعة إلى منزل مجد ،وحين وصلت كانت خارجة للتو من باب المنزل ،فدفعتها بقوة إلى الداخل وأمسكت بشعرها بين يدي وطرحتها أرضا" ثم صفعتها بقوة وأنا أشتمها وأصرخ :عاهرة ،ابتعدي عن ولدي أيتها الفاسدة العاهرة .
فراحت تصرخ بقوة :ابتعدي عني ،أنت لا تعلمين من أنا سأجعلك تندمين ..
خرج إيفان من الحمام مبللا" وعاريا" ،وقد تدلى قضيبه بوقاحة كقضيب كلب مخصي ،وركض نحوي يهدئني ،محاولا" إنقاذ الفتاة من بين يدي .
وحين أفلت الفتاة صرخ في وجهي :أمي ،ماذا تفعلين الآن هل أصبحت الآن قوية وشجاعة ،هل تفرضين شخصيتك عليها الآن ؟أو تنتقمين من ضعفك واستسلامك وفشلك في مواجهة من ظلمك ؟ هل تصبين غضبك على كل ما همشك عليها ؟ قلت لك أنها تحبني .
حينها صرخت تلك العاهرة : أحبك لكنني لن أسامحها على هذا سأجعلها تندم .
ثم التفتت إلي وصرخت في وجهي باكية كطفلة بلهاء:سأجعلك تندمين ،فهمت ؟!
أمسك ولدي بذراعيها وساعدها على النهوض ،ثم ربت على شعرها و ترجاها بأن تهدأ وهو يقبل جبينها .
مشيت حينها بخطو متثاقل وكأنني أكرر مشهدا" من فيلم ،لأنني عجزت عن معرفة ما علي فعله .
ولم أنتظر منه أن يناديني ،لم أنتظر شيئا" ،وهو لم يفعل ذلك طبعا" .
لقد كان محقا" ،لقد صببت غضبي على تلك الفتاة التي قد لا تكون بريئة إلا أنه لم يكن يتوجب علي على الإطلاق بأن أجعل منها حطبا" أوقد فيه نيرانا" خمدت في داخلي طوال تلك السنوات .



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمع (٨)
- القمع (٨)
- القمع (٧)
- القمع (٦)
- القمع (٥)
- القمع (٤)
- القمع (٣)
- القمع (٢) منقحة
- القمع (٢)
- القمع (الجزء الأول)
- قم هات عودا-
- سوق السلام
- اعترافات البومة القاتلة
- أحفاد زورو
- الأنثى التي تكتنفني
- قصائد مختارة
- ما يهم أنك حي
- لو عاد بي الزمن
- حرب رشيدة
- شقاء اسماعيل


المزيد.....




- مسلسل تل الرياح الموسم الثاني الحلقة 148 مترجمة قصة عشق
- المغرب: فيلم -عصابات- يتوج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطن ...
- نخبة من نجوم الدراما العربية في عمل درامي ضخم في المغرب (فيد ...
- هذه العدسات اللاصقة الذكية تمنحك -قدرات خارقة- أشبه بأفلام ا ...
- من بينها -يد إلهية-.. لماذا حذفت نتفليكس الأفلام الفلسطينية؟ ...
- تونس تحيي الذكرى المئوية لانتهاء مهمة السرب البحري الروسي
- مصر.. نجمات -جريئات- يثرن جدلا في مهرجان الجونة السينمائية ( ...
- منصة ايكس تعلق حساب قائد الثورة الاسلامية باللغة العبرية
- -مصور العراة- يجرد الآلاف من المتطوعين من ملابسهم لالتقاط صو ...
- إسرائيل لم تضرب المنشآت النووية والنفطية الإيرانية فهل هي مس ...


المزيد.....

- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - أزهار أبدية (الجزء الأول)