أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - الكاتب الذي ظلمه عصره وكرَّمه المستقبل: -جول فيرن-















المزيد.....

الكاتب الذي ظلمه عصره وكرَّمه المستقبل: -جول فيرن-


نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)


الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


القوانين الوضعية التي صنعها البشر لتنظيم ورسم ملامح المجتمعات المختلفة يجدها العديد مجحفة، ولذا لن يكون من الغريب وجود أفراد تكسر القواعد الجامدة أو تلتف حولها لإيجاد قدر كافٍ من الحرية التي تؤهِّلهم للتعبير عن أنفسهم بطريقة يجدونها مناسبة لميولهم الشخصية، حتى ولو كان التعبير في شكل اقتراف جرائم. على النقيض، القوانين الطبيعية لا يمكن كسرها؛ فهي ناموس كوني يسري على جميع المخلوقات، دون أدنى تمييز. بيد أن الإنسان بطبيعته المتمرِّدة استطاع ليس فقط الالتفاف حول قوانين الطبيعة، بل أيضًا كسرها لحد بعيد من خلال "العلوم" والاختراعات التي نراها في الوقت الحالي تتجلَّى في أفضل صورها بسبب وتيرتها المتسارعة، إلَّا أن العلماء يؤكِّدون أن ما نشهده من تقدُّم حاليًا قد تعتبره الأجيال القادمة مجرَّد محاولات بدائية في طريق التقدُّم.
ويجب الأخذ في الحسبان أن العلوم الحديثة والاختراعات التي تذهل البشرية لم يكن العلماء فقط هم من فكَّروا في اختراعها. ولعل القائمون على كتابة الأعمال الأدبية هم الطائفة المؤهلة لصنع الخيال؛ لأن أعمالهم بوجه عام أساسها الخيال الذي يتبلور إلى واقع ملموس عند تحويله لعمل أدبي؛ إلَّا أن ليس كل عمل أدبي مؤهَّلًا لأن يتحوَّل إلى اختراع يضعه عالم في حيِّز التنفيذ.
وكثيرًا ما يتم نعت كاتبًا أن له نظرة تستشرف المستقبل؛ فالكاتب ليس مُنجِّمًا أو متبصِّرًا، بل أنه إنسان استطاع أن يعطي لعقله وأفكاره قدر كافي من الحرية التي استطاعت بدورها أن تتجانس مع عالم الخيال وتجوب جنباته للتنقيب عن حقائق خيالية قد تضاهي ما قد يحدث في المستقبل. ولعل من أهم الكتَّاب الذين استشرفوا المستقبل بطريقة مباشرة وألهبوا عقول العلماء بأفكارهم كان الكاتب الفرنسي "جول فيرن" Jules Verne (1828-1905) الذي استطاع أن يحرر عقله وأفكاره ليتخيَّل ملامح العالم كما نعيشه الآن.
وعقيدة "جول فيرن" الثَّابتة في إبداعه الفكري والأدبي مصدرها مقولته الشهيرة "الحرِّية تستحق أن ندفع ثمنها"، وهذا بالفعل ما فعله طوال مسيرة حياته. فلقد ولد "جول فيرن" في مدينة "نانت" Nante السَّاحلية بالقرب من باريس. وكانت لحركة السفن في الميناء أثرًا كبيرًا على وجدانه؛ حيث غذَّت به عشق الترحال والتوق للمغامرات، وانبلج ذلك فيما بعد في شكل امتلاكه يخت يجوب به دول عدَّة. أمَّا في طفولته، شرع "فيرن" في السفر عبر خياله عندما دأب على كتابة القصص القصيرة والأشعار عندما كان طالبًا في مدرسة داخلية. وبعد تخرُّجه منها، أرسله والده لدراسة القانون في باريس وألحقه بكلية الحقوق. لكن ذات "جول فيرن" الدؤوبة التي استمتعت بطعم الحرية في الترحال عبر دهاليز الخيال أبت أن تستعبدها القوانين الوضعية، ولذلك تردد "فيرن" على الصالونات الأدبية في باريس. وبعد عام واحد، ألَّف مسرحية من فصل واحد تحت عنوان "القش المتكسِّر" والتي تم عرضها على المسرح.
وبعد أن تخرَّج من كلية الحقوق، رفض امتهان المحاماة، وارتضى لنفسه العمل كمجرَّد سكرتير في مسرح حتى يتمكَّن من التأليف وعرض ومسرحياته. لكن هذا العمل لم يدر عليه دخلًا مرضيًا، وكذلك لم تحقق أعماله نجاح جماهيري. لكن واتته الفرصة أخيرًا بعد أن التقى بالمحرر والناشر "بيير-جول هتزل" Pierre-Jules Hetzel عام 1862 حينما كان يكتب رواية تنطوي على العديد من الحقائق العلمية وبالفعل وجد "فيرن" تشجيعًا من "هتزل" الذي نشر له الرواية، تحت عنوان "خمس أسابيع على متن بالون". وبعدها، توالت أعماله الأدبية التي تهتم بالمغامرات، مما أغرى "هنزل أن يوقِّع معه تعاقدًا بأن ينشر له رواية سنويًا ينشر منها مقتطفات في مجلة "التعليم والترفيه" التي تصدرها دار النشر الخاصة به.
ومن أهم وأشهر الروايات التي كتبها "جول فيرن" وتلقى رواجًا عالميًا حتى الوقت الحاضر "حول العالم في ثمانين يومًا"، و"رحلة إلى مركز الأرض"، و"عشرون ألف فرسخ تحت البحر"، هذا بالإضافة لروايات علمية أخرى أذهلت وأثارت دهشة القارئ الحديث بسبب وصفها للمستقبل بدقة وكأن كانت لديه آلة زمن أطل بها على الوقت الحاضر.
وتميَّز "جول فيرن" بغزارة الانتاج الأدبي وامتلاكه لرؤية علمية مستقبلية. فلقد تحدَّث عن الغواصات والسفر الجوي والسفر للفضاء والهبوط على ظهر القمر واستكشاف البحار، ولقد تحققت جميع تلك الأفكار كما تنبَّا بها تمامًا. أمَّا المفارقة الكبرى أنه قد تم رفض نشر رواية كتبها تحت عنوان "باريس في القرن العشرين"، وفيها تنبّأ بوجود مركبات وقودها الغاز تجوب الشوارع وكذلك وجود ناطحات سحاب وأنظمة نقل جماعي؛ والعجيب أن سبب الرفض أنه يكتب عن اختراعات من المستحيل حدوثها. لكن كل ما تنبَّأ به حدث بالفعل. ومن المثير للسخرية طبع الرواية عام 1994 وبسببها اكتشف القارئ مدى عظمة عقل "جول فيرن" الذي استطاع أن يخلِّص نفسه من قيود المجتمع والأفكار السائدة بكل ثبات وشجاعة؛ لقد استطاع أن يجد حريته.
وكما استطاع خيال "جول فيرن" أن يتخطى حدود الزمان والمكان، استطاعت أيضًا رواياته تخطِّى حدود الزمان؛ حيث أن انتاجه الأدبي الغزير الذي لم يُنشر وهو لا يزال على قيد الحياة، نشر بعد أكثر من قرن. ويعد "فيرن" المؤسس الفعلي لجنس "أدب الخيال العلمي" برواياته التي تنبأت بالمستقبل بدقة متناهية، وهو أيضًا ثاني أكثر كاتب تُتَرجم أعماله باستمرار بعد "أجاثا كريستي" التي تقع في المركز الأول.
والغريب أن النقَّاد استخفوا برواياته واعتبروها مجرَّد مادة ترفيهية غير جديرة بالنقد والدراسة، على الرغم من نجاحها الجماهيري. وأسهمت الترجمة الرديئة لأعماله في ترسيخ تلك الفكرة السلبية عن أعماله، وبالتالي حُرِم من الجوائز والاحتفاء بأعماله في الدوائر الأدبية سواء على الساحة العالمية أو حتى المحلية.
وكما كانت حياة "جول فيرن" زاخرة بالمفارقات، فإن ذلك قد انتقل أيضًا لأعماله الأدبية التي وجدها أحد الباحثين في منتصف القرن العشرين تقريبًا جديرة بالدراسة، وبعد ذلك الوقت احتفى بها النقَّاد وكذلك الدوائر الأدبية. فيما يبدو أن دقَّة "فيرن" في استشراف المستقبل قابلها اكتشاف عظمته أيضًا في المستقبل ونشر أعماله أيضًا في المستقبل؛ فهناك أعمال تم نشرها لأول مرة بعد 150 عاما بعد موته. وتكمن عظمة هذا الأديب أن عزمه لم يهن ولم يتأثَّر بالاستخفاف بانتاجه، بل ظل يكتب حتى وهو على فراش الموت.
لقد دفع "جول فيرن" ثمنًا باهظًا لحرية أفكاره، لكنه صاحب أكبر براءة اختراع للحرية التي تحققت بعد موته كما تحققت تمامًا جميع الاختراعات التي تنبَّأ بها.



#نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ)       Naeema_Abdelgawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -وشم-والنقد الوجودي للمجتمع
- سحرية الواقع حلم مرعب: ستيفن كينج
- حلقات التاريخ ما بين روسو والذكاء الاصطناعي
- روسو وفلوبير بين السيادة على الأفكار وعبودية الشعور
- هروب فرانسواز ساجان من سجن النُّخبة
- عندما خرج ويلز من بلد العميان
- هكذا تحدَّث زوربا: حُرِّيات كازانتزاكيس
- الواقع الجمعي للأمَّة والمجموعات المرَضِيَّة: فؤاد التكرلي
- أدب المقاومة بنكهة كافكا: إميل حبيبي
- الذكاء البشري أسير الخوف
- أعداءك ضمان النجاح والبقاء
- تاريخ الحجاز في العصر الأموي من خلال شعر الأحوص
- شرارة الضحك والسخرية: مارك توين
- ما بين التعاسة والسخرية ضحك ملوَّن
- المسرح الشعري وديونيسوس إله الممارسات الدنيوية
- هيفاستوس إله الابتكارات والرقمنة
- الهوية والتأريخ الشعبي
- -آلهة أمريكية- فلك أسطوري معاصر خلقه نيل جيمان
- الدولة الأموية والعرجي فارس الشعر
- الحضارة العربية وتاريخ من الواقعية السحرية


المزيد.....




- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...
- -مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - الكاتب الذي ظلمه عصره وكرَّمه المستقبل: -جول فيرن-