|
هل الحرب النووية ممكنة ؟ 2
مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب
(Marzouk Hallali)
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 00:17
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
عصر نووي جديد"
توقفنا في الحلقة السابقة عند فكرة إن الردع النووي كان بلا شك مفتاحاً أساسياً، وربما "المفتاح"، للسلام بين القوى العظمى ، ولكن إذا كان الأمر كذلك بالفعل، فهل يمكننا أن نؤكد أن الردع سيستمر في لعب هذا الدور في المستقبل؟
فالنظام النووي يقوم على إطار تحديد عدد الدول الحائزة والحد من الأسلحة. ولكن هذا أمر عرضة للتآكل. فالعديد من الدول -الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية- أعربت عن إحباطها إزاء عدم الامتثال لالتزامات نزع السلاح التي تعهدت بها القوى النووية، وانضمت إلى "معاهدة حظر الأسلحة النوويةالتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021. أما بالنسبة للأداة التي تهدف إلى منع تحول إيران إلى سلاح نووي، خطة العمل الشاملة المشتركة (2015)، فقد عفا عليها الزمن الآن. إن أدوات الحد من الأسلحة تختفي الواحدة تلو الأخرى: فقد علقت موسكو تطبيقها لمعاهدة ستارت الجديدة وألغت تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية؛ أما الولايات المتحدة، فقد انسحبت من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، بحجة انتهاك روسيا لهذه المعاهدة.
ومع ذلك، يبدو أن ضبط النفس لا يزال هو السائد. ولم تنسحب أي دولة من معاهدة منع الانتشار النووي، باستثناء كوريا الشمالية في عام 2003، في ظل ظروف قانونية مشكوك فيها. وكوريا الشمالية نفسها هي الدولة الوحيدة التي أجرت تجارب منذ عام 1996. وبالتالي، فليس من المناسب الحديث عن "سباق تسلح جديد".
لكن تواصل عدد من الدول تحديث ترساناتها، ففي آسيا، لم تصل الجهات الفاعلة النووية بعد إلى ما تعتبره مستوى "الكفاية" اللازم. هذا لكننا بعيدون كل البعد عن إعادة اكتشاف ديناميكيات الحرب الباردة من حيث وتيرة إنتاج الأسلحة. وللتذكير فقط، في ذروتها، كانت واشنطن وموسكو تمتلكان معًا أكثر من 70 ألف سلاح نووي. فهل قد يعني هذا أنه من الممكن أن الردع النووي عفا عليه الزمن اليوم لأنه بفعل تنافس وسائل عسكرية بديلة- هجومية (وسائل دقيقة تفوق سرعتها سرعة الصوت، وما إلى ذلك) أو دفاعية (الدفاعات المضادة للصواريخ)؟
على الرغم من سرعة التطورات التكنولوجية المعاصرة، لا شيء يثبت أن أداة عسكرية أخرى يمكن أن تحل محل الأسلحة النووية، التي تظل فريدة ليس فقط من خلال آثارها، ولكن أيضًا من خلال "هالة الرعب" التي تحيط بها، لا سيما ويلات النشاط الإشعاعي المدمرة. ولأنها تتضمن المكونات الأساسية للمادة، فلا توجد تكنولوجيا أخرى، في الأفق المنظور، تقدم نفس المزيج من التدمير الفوري على نطاق واسع، بقدر هائل ويمكن التنبؤ به. إن فعالية الردع تعتمد على وجه التحديد على هذه التوقعات الدقيقة للأهوال التي قد يجلبها التراشق النووي. وهناك أيضا تطورات أخرى تعمل على تعديل إطار الردع، ولكن ليس إلى حد جعل شروط ممارسته مختلفة بشكل أساسي. إن القوى النووية تعمل على تطوير وسائل تفوق سرعتها سرعة الصوت، مما سيقلل من زمن الرحلة والقدرة على التنبؤ بالصواريخ النووية. علما أن الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية تسير بالفعل بسرعة تفوق سرعة الصوت. ويحذر بعض المحللين من أن دقة وسرعة الصواريخ المستقبلية يمكن أن تجعل الضربات أكثر سهولة مما كانت عليه في الماضي. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو افتراضيا. وقد تميل الصين وروسيا، على الرغم من الحظر المفروض على هذا الموضوع، إلى وضع أسلحة نووية في الفضاء لضمان بقاء ترسانتهما والقدرة على "مفاجأة الخصم"، لكن هذا الجهد سيكون بلا شك مبالغا فيه لأنه مكلف بالنسبة لهما. والنتيجة غير مؤكدة. فهل يمكن للتكنولوجيات الجديدة - أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي - أن تجعل من الممكن اكتشاف الغواصات، التي تضمن إمكانية استعمال "قدرات الضربة الثانية"، وهي أساس الاستقرار الاستراتيجي حسب الخبراءالذين يروون ان هذا غير محتمل؟ ل. أما بالنسبة للخوف من تحييد موارد القيادة النووية بفِعل الهجمات السيبرانية، فهذا أمر مشكوك فيه: فشبكاتها، بالإضافة إلى كونها محمية بشكل جيد بشكل خاص، لا يمكن حاليا الوصول إليها عموما من الخارج.
فاليوم، أصبح الردع الوظيفة العسكرية الفريدة للأسلحة النووية: فلم تعد أي دولة تعتبر هذه الأسلحة وسيلة "للمعركة" أو "للاستخدام". جميع الدول المعروفة بامتلاكها أسلحة نووية تدعي أن لديها استراتيجية ردع. وعلى الرغم من صخبهم، لم يبدو أن فلاديمير بوتين، ولا الكوري كيم جونغ أون، ولا دونالد ترامب على وشك الضغط على الزر.
إن الحرب في أوكرانيا رغم كل ما قيل لم تُبطل مُسلَّمات الردع. ومن المرجح أن امتلاك القدرة النووية جعل روسيا أكثر ثقة في القيام عمدا بعملية عسكرية كبيرة على حدود دول الناتو. وبالمثل، يمكن القول دون خشية اجتناب الصواب إنها – أي الحرب- ساهمت بشكل أو بآخر- في ضبط النفس لدى الدول الحليفة في مساعدتها للجيش الأوكراني. فصورة الاشتباكات غير المباشرة أثناء الحرب الباردة،. لقد عاينا، مع الغزو الروسي، مثالاً مذهلاً لما سمي في أوائل التسعينيات بـ "الملاذ العدواني": دولة تحتمي بمظلتها النووية لمهاجمة بلد لا يحميه هذا السلاح. كما رأينا أن هذا المفهوم يعمل جيدا في آسيا عبر تصرفات الصين (1969)، وباكستان (1999)، وكوريا الشمالية (2010)، ولكن أيضًا في أوروبا من خلال تصرفات روسيا منذ عام 2008. ومع ذلك، وعلى عكس ما قد تقودنا القراءة المتسرعة للتصريحات الروسية أحيانًا إلى الاعتقاد، فإن موسكو لم تبدو تهديدًا بشكل خاص خلال الحرب في أوكرانيا، وكانت تصريحات المسؤولين الروس النادرين المصرح لهم بالتعبير عنها دائمًا تقريبًا متوافقة تمامًا مع العقيدة الروسية المعلنة، والتي تشير إلى عتبة نووية عالية إلى حد ما. وظل تشكيل القوات ووضعها متسقاً مع هذا المبدأ، كما هو الحال مع التدريبات التي أجريت.
إن ظروف ممارسة الردع النووي آخذة في التطور. وأصبح عدد الجهات التي تمتلك أسلحة نووية أعلى (تسعة) مما كان عليه في نهاية الحرب الباردة (ستة). وقد تؤدي هذه التعددية القطبية النووية المتنامية إلى جعل الردع أكثر إشكالية. لقد قيل إذا كان الردع المكون من شخصين يعتبر في كثير من الأحيان لعبة شطرنج، و الردع المتعدد الأشخاص يمكن أن يكون لعبة بوكر في أفضل الأحوال، ولعبة الروليت الروسية في أسوأ الأحوال. ويصدق هذا بشكل خاص مع التعزيز السريع للترسانات النووية في آسيا، دون أن تنضج إلى الحد الذي يجعلها قادرة على ضمان قدر معين من الاستقرار الاستراتيجي. وفي المقام الأول من الأهمية، يبدو أن العديد من اللاعبين النوويين ــ روسيا، والصين، وباكستان، وكوريا الشمالية ــ يميلون بشكل خاص إلى خوض المخاطر الاستراتيجية: ولكن حتى لو ظلوا حذرين في المجال النووي، فإن مبادراتهم قد تؤدي إلى أزمات صعبة. وعلى هذا فمن غير المسؤول، حسب الخبراء -على سبيل المثال- أن نتجاهل إمكانية الاستخدام المتعمد من جانب الكرملين، وخاصة إذا تعثر النظام. حتى لو لم يكن من المؤكد تماما أنه سيكون كافيا أن يصدر الرئيس الروسي الأمر بفتح النار النووية – فهو الوحيد المخول بذلك. إن صعود الصين كقوة نووية كبرىقد يطرح تساؤلات جديدة، وبالنسبة للغربيين فإن التوازن الاستراتيجي قد يشبه قريباً "مشكلة ثلاثية الأطراف عوض الثنائية التقليدية". وأخيرا، فإن ارتفاع الدفاعات المضادة للصواريخ يمكن أن يجعل حسابات الهجوم/الدفاع أكثر تعقيدا.
لكن كل هذا لا يخلق بالضرورة الظروف الملائمة لظهور "عصر نووي جديد". وفي الأساس، تظل عناصر وقواعد الردع النووي دون تغيير. ومن المرجح حسب أغلب الخبراءأن يؤدي انهيار معاهدة منع الانتشار النووي- بعد انسحاب إيران منها إلى تغيير جذري في إطار الردع على المدى القصير والمتوسط. أما "الاستخدام الثالث" لهذا السلاح، بعد هيروشيما وناجازاكي، فإنه سيدخل العالم إلى قفزة حقيقية نحو المجهول. _____ يتبع هل الحرب النووية ممكنة ؟ 3 - موضوع الحرب النووية سيناريو___________________________________________
#مرزوق_الحلالي (هاشتاغ)
Marzouk_Hallali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الحرب النووية ممكنة ؟ 1
-
طهران ضد إسرائيل: ما هو الحل ؟ 3من 3
-
طهران ضد إسرائيل: ما هو الحل ؟ 2 من 3
-
السوق العالمي للمخدرات 2
-
طهران ضد إسرائيل: ما هو الحل ضد؟ 1 من 3
-
السوق العالمي للمخدرات 1
-
لقد قيل : إذا كنت في المغرب فلا تستغرب
-
اقتصاد الجهل أعلى مرحلة للرأسمالية
-
حول كتاب عودة القوى العظمى ل - جيم سيوتو - Jim Sciutto
-
حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK وجهة نظر - فرنسا نموذجا
-
حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK -1من 2
-
هل العالم على أعتاب صراع عالمي كبير مقبل- حرب عالمية اخرى-
-
امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية - 4 -
-
امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية - 3 -
-
امحو فلسطين لبناء إسرائيل -تحول المشهد وتأصيل الهويات الوطني
...
-
امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية
-
الجيش المغربي عزز دفاعه الجوي بمنظومة صينية
-
رفض المجتمع المغربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني للذكرى ليس إل
...
-
استراتيجية جيوسياسية : لماذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل؟
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن -8
المزيد.....
-
حلقت بشكل غريب وهوت من السماء.. فيديو يظهر آخر لحظات الطائرة
...
-
من ماسة ضخمة إلى أعمال فنية.. إليك 6 اكتشافات رائعة في عام 2
...
-
بيان ختامي لوزراء خارجية دول الخليج يشيد بقرارات الحكومة الس
...
-
لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والا
...
-
20 عامًا على تسونامي المحيط الهندي.. إندونيسيا تُحيي ذكرى كا
...
-
من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأم
...
-
مستشار خامنئي: مسؤولون أتراك حذروا إيران من إثارة غضب إسرائي
...
-
الحكومة المصرية تفرض قيودا على استيراد السيارات الشخصية
-
-الإمبراطور الأبيض-.. الصين تكشف عن أول طلعة جوية لطائرة من
...
-
الجيش الإسرائيلي: القضاء على قياديين 2 في -حماس-
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|