بموازاة انعقاد قمة الثماني الكبار في إيفيان خرج منظمو القمة من أجل عالم آخر، من الاتحادات والتنظيمات الشعبية المناهضة للرأسمالية والعولمة والحروب، بجملة خلاصات حول المحاور التي تطرقت لها القمة الرسمية فيما يتعلق بمشاكل العالم وأزماته الاقتصادية-الاجتماعية دون أن تخرج هذه الأخيرة بشيء يتجاوز الوعود بحيث أصبحت تلك القمة: قمة ثمانية لأجل لا شيء.
فقد اعترف زعماء الثماني الكبار بالأزمة العميقة التي يمر بها النظام العالمي الحالي: التباين المتزايد بين الأغنياء والفقراء، تدهور الظروف الاجتماعية، البيئة المحتضرة، تزايد النزاعات المسلحة. ورغم ذلك فقد جدد رؤساء الدول والحكومات ببلاغتهم الليبرالية الجديدة ثقتهم بالنمو الاقتصادي العالمي مكررين ضرورة تسريع تحرير التجارة العالمية أكثر رافضين في الوقت ذاته الاعتراف بأن سياساتهم المنفذة وتلك التي ينادون بها هي بالذات سبب الفوضى العالمية.
أما «الحوار الموسع» الذي تم تقديمه كانفتاح سخي من الثماني نحو بلدان الجنوب ليس سوى خديعة تحتفظ من خلالها البلدان الأكثر ثراءً لنفسها بالحق في اختيار ضيوفها، وإن هذا التصور لا يستجيب لأزمة مشروعية الثماني بل إنه يجعل من ضرورة إعادة تحديد هيكل «إدارة عالمية» ديمقراطية حقاً، أمراً أكثر تعقيداً.
ولوضع النقاط على الحروف فإن الاتحادات الموقعة أدناه تدين عجز حكومات الثماني عن تولي مسؤولياتها المفترضة في عدد من المواضيع الأساسية:
الإيدز: حساب غير كامل!
التصريحات السخية تصبح هشة، إذ أن من دواعي القلق البالغ هو استمرار واشنطن في إقران مساعداتها بالشروط ويترافق ذلك مع عدم تقديم القمة لأي ضمانة لمسألة حصول دول الجنوب على الأدوية واكتفت بإحالة المسألة إلى مؤتمر منظمة التجارة العالمية المقبل في كانكون.
الديون: لاشيء إطلاقاً!
بعد أربع سنوات من التزامات الثماني في كولونيا يبقى تخفيض الديون ضئيلاً للغاية نظراً لضخامة الاحتياجات المالية التنموية في بلدان الجنوب الفقير. وبعد الإلغاء الفوري لديون البلدان الفقيرة وتخفيفها لبلدان الدخول المتوسطة ينبغي إنشاء محكمة دولية للديون تحت رعاية الأمم المتحدة يعهد إليها بالحكم على حالات العجز عن السداد والديون المشينة.
التجارة: الهروب إلى الأمام!
يتواصل تقديم المضي في تحرير التجارة الدولية بوصفها الطريق الأمثل للنمو العالمي وخاصة في البلدان النامية. وبعد تحرير الخدمات الأساسية يجري التحضير لمفاوضات حول مواضيع جديدة في كانكون.
الفساد: كّنسوا أمام منزلكم!
تم التركيز بصورة خاصة على مسؤوليات بلدان الجنوب ولم يجر التطرق بكلمة واحدة للفراديس الضريبية في دول الشمال.
مسؤولية المؤسسات: تقدم خجول!
أبدت بلدان الثماني التي تضم 415 من أكبر 500 شركة متعددة الجنسيات في العالم تقدم خجولاً حين نادت بأن تتحمل هذه الشركات «طوعاً» مسؤوليات اجتماعية وبيئية مشيرة إلى نصوص تم إبراز ضعفها سابقاً من شاكلة مبادئ منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في أوربا OCDE.
وعليه تضعنا قمة ايفيان أمام مطالبتنا بحل الثماني الكبار ودعوتنا لإقامة نسق دولي يستند إلى الحق ونظام مجدد ومعزز للأمم المتحدة في خدمة السلام والمساواة وحماية البيئة.
الاتحادات الموقعة والمنظمة للقمة من أجل عالم أفضل:
العمل هنا، أصدقاء الأرض، أتاك، لجنة إلغاء ديون العالم الثالث، اللجنة الكاثوليكية ضد الجوع ومن أجل التنمية، مركز أبحاث ومعلومات التنمية، ملفات وحوارات من أجل التنمية المستدامة، السلام الأخضر.
انطباعات من على ضفاف القمة المناهضة للعولمة
■ ماري أيف تيجيدور، فرنسية سويسرية، معلمة، 27 سنة، نقابية طلابية منذ خمس سنوات:
رسالتنا بسيطة: قمة الثماني غير شرعية. صحيح أن الزعماء الثمانية للدول المعنية انتخبوا بشكل ديمقراطي نوعاً ما ولكنهم لم ينتخبوا لإدارة العالم وتقرير مصير شعوبه. ينبغي النضال ضدهم إنني أدين نهب بلدان الجنوب على يد بلدان الشمال، وتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية تعمل جميعاً ضد الشعوب.
■ نويل دوغلاس، بريطاني، 32 عاماً، مدرس فنون جميلة بدوام جزئي في لندن، منخرط في حركة «عولمة المقاومة» البريطانية:
تبقى الرأسمالية بالنسبة لي هي العدو الرئيسي وخاصة تلك التي تمثلها أمريكا جورج بوش. تعود أول مشاركة لي في التظاهرات إلى عام 1989 في أواخر حكم تاتشر، كما انخرطت بحماس في الحركة المناهضة للحرب على العراق. نحن نؤمن بالحركات الجماهيرية، وإنه لأمر رائع أن نرى في أثناء تظاهرنا في إيطاليا وإسبانيا الناس وهم يلوحون لنا من نوافذ منازلهم مساندين. ليس لدينا وقت لنضيعه، إذ ينبغي إقامة نظام جديد يلبي احتياجات الأفراد وخاصة حين نرى صعود القوى اللاعقلانية والفاشية والسلفية.
■ أوليفر مولدنهاور، ألماني، 28 عاماً، من حزب الخضر سابقاً، مشارك في تأسيس فرع اتاك في برلين، مناصر لدول العالم الثالث، لا يعترف بالأحزاب التقليدية:
الأحزاب لم تعد تعمل لأن المنتسبين إليها مستاؤون منها أو يحملون أفكاراً تزعجها. يتضمن عملنا إقامة ديناميكيات جديدة لإرغام الزعماء على تغيير توجهاتهم لاحظت عن الخضر أنهم باتوا يميلون أكثر لتجنب الضغط عبر التأقلم معه. إن قمة الثمانية غير شرعية وهي رمز للظلم، والمجيء إلى ايفيان يعني الاحتجاج على فكرة أن يعطي ثمانية أشخاص أنفسهم الحق في إدارة العالم، إنها طريقة ضغط كي يفهم سياسيونا أنهم إذا أرادوا أن يعاد انتخابهم فعليهم العمل.
■ ريكاردو غارثيا ثالديبار، اسباني، 55 عاماً، مهندس تخطيط مدن، مشارك في تأسيس أتاك مدريد، يتلقى موقعه الإلكتروني 15 ألف زيارة شهرياً:
اهتممت على الدوام بالعلاقات الدولية والبؤس والفقر وناضلت في السبعينات في صفوف اليسار ثم ابتعدت في الثمانينات لكن في منتصف التسعينات أدركت أن المواثيق الاجتماعية الديمقراطية العائدة للسبعينات أخذت تتعدل لأسباب تتعلق بالرأسمالية المالية التي تتزايد عدوانيتها باطراد. كانت حركات التحرر الوطني تختفي ولم نكن نرى بديلاً نعارض به مفكري الليبرالية الجديدة الأوربيين والأمريكيين. لقد أدى التفكير الأوحد إلى تسريحنا ونزع أسلحتنا تماماً في مجتمع فردي انطوائي وكانت الخصخصة تلاقي رواجاً وكانوا يقولون لنا بأن القطاع الخاص يعمل جيداً وبأن القطاع العام غير فعال. هذا الخطاب حول مجتمع السوق المخالف لقناعاتي هو الذي دفعني للعودة إلى النشاط ثانية. لقد برهن منتدى بورتو الليغري على أنه بالإمكان القيام بشيء ما وإطلاق خطاب آخر.
■ جولي نارغانغ، أمريكية، 23 عاماً، خريجة معهد علوم اقتصادية من لندن:
في عامي التاسع اكتشفت في الولايات المتحدة التناقض الصارخ بين عالمين: عالم أغنياء تكساس وعالم البروليتاريا الذي يتألف بمعظمه من العمال المهاجرين من المكسيك المجاورة والذين لم يكن لدى معظمهم مصدر للمياه النقية. أدركت المظالم وضرورة النضال ضدها. بعد أحداث أيلول انضممت لمعارضي الحرب على أفغانستان وإن الوضع الرهيب الذي يسود تلك البلاد يدفعني للاعتقاد بأننا كنا على صواب. وفي لندن انخرطت بالطبع بالحركة المناهضة للحرب على العراق التي يتمثل هدفها الاستراتيجي في السيطرة على الثروات النفطية والمواد الأولية في تلك المنطقة. حالياً اعتبر نفسي مناهضة للرأسمالية قبل كل شيء. إن الليبرالية الجديدة وموكب الخصخصة المرافق لها يعيث فساداً ويولد الفقر في كافة أرجاء العالم. وسوف نضغط على الكونغرس ضد إقرار مشروع معاهدة إنشاء منطقة التبادل الحر لأمريكا. إنني ضد لعبة السوق الحر.
■ اوليفيه دو مارسيلوس، 60 عاماً، أمريكي من أصل فرنسي مقيم منذ 1966 في جنيف تجنباً من الإرسال إلى فيتنام:
في فترة السبعينات كانت النسبة في الولايات المتحدة بين راتب العامل وراتب رئيس مجلس الإدارة 1 إلى 30. الآن أصبحت النسبة ذاتها 1 إلى أكثر من 300. يزيد راتب رئيس مجلس إدارة شركة نايك 500 ألف مرة عما يمكن أن يكسبه الأشخاص الذين يصنعون هذه الأحذية الرياضية في أندونيسيا. إننا ندين هذا الظلم ويتهمنا الناس أننا لا نقدم بديلاً لكن الثماني هم الذين لا بديل لديهم! بديلهم هو: ما بعدنا الطوفان! نحن ندين وعود الثماني التي لم يتم الوفاء بها كما هي الحال بالنسبة للإيدز مثلاً. الأمريكيون لم يدفعوا سوى 6% فقط مما وعدوا بدفعه للصندوق الدولي لمكافحة الإيدز. إنها فضيحة.