|
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 7
عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 20:55
المحور:
الارشيف الماركسي
الحلقة السابعة
3 ـ عشيرة الإيروكوا ننتقل الآن إلى اكتشاف آخر لمورغان يتسم على الأقل بنفس القدر من الأهمية الذي يتسم به بعث الشكل البدائي للعائلة على أساس أنظمة القرابة. فقد أثبت مورغان أن جماعات الأقرباء بالدم، المسماة بأسماء الحيوانات، في داخل قبيلة من الهنود الحمر الأميركيين، مماثلة من حيث الجوهر لـ genea اليونانيين و لـ gentes الرومانيين، و أن الشكل الأميركي هو الشكل الأولي، و أن الشكل اليوناني الروماني هو الشكل اللاحق، المشتق، و أن لتنظيم اليونانيين و الرومانيين الاجتماعي كله في الأزمنة البدائية في عشيرة و "فراترية" phratria و قبيلة، مقابلاً دقيقاً في تنظيم الهنود الحمر الأميركيين، و أن العشيرة هي (بقدر ما تسمح لنا مصادرنا الحالية بالحكم عليها) مؤسسة مشتركة بين جميع الشعوب حتى دخولها في عهد الحضارة بله في مرحلة لاحقة.إن هذا البرهان قد أوضح على الفور أصعب أقسام التاريخ اليوناني و الروماني و أعطانا في الوقت نفسه تفسيراً غير متوقع للسمات الأساسية للنظام الاجتماعي في الأزمنة البدائية، قبل نشوء الدولة. و مهما بدا هذا لاكتشاف بسيطاً بعد الاطلاع عليه و معرفته، فإن مورغان لم يكتشفه مع ذلك إلا في الآونة الأخيرة، ففي كتابه السابق الذي صدر في عام 1871 (80)، لم يكن قد تسرب بعد إلى هذا السر الذي أجبر اكتشافه مذ ذاك الخبراء الإنجليز في التاريخ البدائي، الواثقين عادة فائق الثقة بأنفسهم، على لزوم الصمت فترة من الوقت. إن الكلمة اللاتينية gens ("جنس") التي يستعملها مورغان في كل مكان ليعني بها هذه الجماعة العشيرية، تنحدر مثلها مثل الكلمة اليونانية المناسبة genos، من الأصل الآري الواحد gan (بالألمانية kan، إذ أن الحرف الآري g يتحول حسب القاعدة العامة في الألمانية إلى k) الذي يعني "ولد"، "نسل". إن gens، genos، و dschanas السنسكريتية و kuni الغوطية (بموجب القاعدة المذكورة آنفاً)، و kyn السكاندينافية القديمة و الأنجلو سكسونية، و kin الإنجليزية، و künne بالألمانية- العليا الوسطى، تعني جميعها "نسب"،"أصل". و لكن gens اللاتينية و genos اليونانية تستعملان خصيصاً لتسمية جماعة عشيرية تعتز بأصلها المشترك (و هنا، من جد واحد مشترك) و تشكل بحكم مؤسسات اجتماعية و دينية معينة، جماعة خاصة متميزة لا يزال أصلها و طبيعتها مع ذلك غير واضحين حتى الآن بالنسبة لجميع مؤرخينا. و قد سبق و رأينا، عند دراسة العائلة البونالوانية، تركيب العشيرة بشكلها الأولي، البدائي، فهي تتألف من جميع الأشخاص الذين يشكلون، عن طرق الزواج البونالواني و بموجب التصورات السائدة حتماً في ظل هذا الزواج، الذرية المعترف بها لجدة واحدة معينة، هي مؤسسة العشيرة. و بما أنه لا تمكن في ظل هذا الشكل للعائلة معرفة الأب بدقة و ثبوت، فلا يؤخذ بالحسبان إلا خط المرأة، حبل النسل النسائي. و بما أنه لا يحق للأخوة أن يتزوجوا أخواتهم، و بما أنه لا يحق لهم أن يتزوجوا إلا من نساء من أصل آخر، من خط آخر، فإن الأولاد الذين تلدهم هؤلاء النساء الغريبات عنهم يكونون، بحكم الحق الأمي، خارج العشيرة المعنية. و لذا لا يبقى داخل الجماعة العشيرية غير أخلاف بنات كل جيل، أما أخلاف الأبناء فإنهم ينتقلون إلى عشائر أمهاتهم. و ماذا يحدث لهذه الجماعة من أقرباء الدم بعد أن تتشكل في جماعة خاصة، متميزة، بالنسبة للجماعات المماثلة الأخرى في داخل القبيلة.؟ و يأخذ مورغان العشيرة عند الإيروكوا، و على الأخص عند قبيلة "سينيكا" كشكل كلاسيكي لهذه العشيرة البدائية. ففي هذه القبيلة توجد ثماني عشائر مسماة بأسماء حيوانات: 1- الذئب، 2- الدب، 3- السلحفاة، 4- القندس، 5- الأيل، 6- دجاجة الأرض، 7- مالك الحزين، 8- الصقر. و لكل عشيرة العادات التالية: 1.تنتخب العشيرة "ساخماً" sachem (شيخاً في زمن السلم) و زعيماً (قائداً عسكرياً). و كان ينبغي انتخاب "الساخم" من قوام العشيرة بالذات، و كانت وظيفته تنتقل بالوراثة داخل العشيرة، لأنه كان ينبغي، في حال فراغها، إملاؤها من جديد على الفور. و كان يمكن انتخاب القائد العسكري من غير أعضاء العشيرة أيضاً، و كان يمكن أحياناً الاستغناء عنه تماماً. و كان ابن "الساخم"السابق لا ينتخب أبداً "ساخما"، لأن الحق الأمي كان السائد عند الإيروكوا، و لأن الابن كان بالتالي ينتسب إلى عشيرة أخرى، و لكن أخ "الساخم" السابق أو ابن أخته هو الذي كان ينتخب في أحيان كثيرة. و كان الجميع، رجالاً و نساء، يشتركون في الانتخابات. و لكن الاختيار كان يخضع لمصادقة العشائر السبع الأخرى، و بعد هذا فقط كان المختار ينصّب باحتفال في وظيفته من قبل المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و فيما يلي من البحث، ستتضح أهمية هذا الواقع. فقد كانت سلطة "الساخم" داخل العشيرة سلطة أبوية، ذات طابع معنوي صرف، و لم تكن لديه أي وسائل للإكراه. و فضلاً عن ذلك كان بحكم وظيفته عضواً في مجلس قبيلة "سينيكا" و عضواً في المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و لم يكن بوسع الزعيم العسكري أن يصدر الأوامر إلا في زمن الحملات الحربية. 2.تقيل العشيرة بملء إرادتها "الساخم" و الزعيم العسكري. و هذا الأمر أيضاً يقرره الرجال و النساء معاً. و بعد الإقالة، يصبح المقالون محاربين عاديين، أفراداً عاديين، مثلهم مثل الآخرين. و من جهة أخرى، يستطيع مجلس القبيلة أيضاً أن يقيل "الساخم" حتى رغم إرادة العشيرة. 3.لا يحق لأي من أعضاء العشيرة أن يتزوج في داخل العشيرة. و هذه هي القاعدة الأساسية في العشيرة، و العروة التي تشد لحمتها، و هي تعبير سلبي عن تلك القرابة بالدم المحددة تماماً و التي هي وحدها تجعل من الأفراد الذين تشملهم عشيرة. و باكتشاف هذا الواقع البسيط، اكتشف مورغان للمرة الأولى جوهر العشيرة. أما ما أقل ما كانوا يفهمون قبل ذاك هذا الجوهر، فتبينه القصص السابقة عن المتوحشين و البرابرة حيث المجموعات التي تشكل عناصر العشيرة تختلط بدون تفهمن و تمييز تحت أسماء: قبيلة و "كلان" و "توم" thum، الخ.، و حيث يقال أحياناً كثيرة أن الزواج ممنوع داخل هذه أو تلك من هذه المجموعات. و هذا ما خلق ذلك التشوش المستعصي الذي استطاع السيد ماك-لينان أن يقوم فيه بدور نابليون لكي يبسط النظام بحكم مبرم: جميع القبائل تنقسم إلى قبائل الزواج ممنوع في داخلها (القبائل الخارجية الزواج) و إلى قبائل الزواج مسموح في داخلها (القبائل الداخلية الزواج). و بعد تشويش المسألة على هذا النحو انصرف إلى أبحاث في منتهى العمق ليعرف أياً من هاتين المقولتين السخيفتين أقدم عهداً، مقولة الزواج الخارجي أم مقولة الزواج الداخلي. و قد تبددت هذه السخافة من تلقاء ذاتها عند اكتشاف العشيرة القائمة على قرابة الدم و عند اكتشاف استحالة الزواج بين أعضاء العشيرة بسبب هذه القرابة- و بديهي أن تحريم الزواج داخل العشيرة في الطور الذي نجد فيه الإيروكوا لا يزال ساري المفعول بكل صرامة. 4.كانت أموال الموتى تنتقل إلى أعضاء العشيرة الباقين، و كان ينبغي أن تبقى داخل العشيرة. و بما أن الأشياء التي كان يمكن أن يخلفها الإيروكي بعد موته زهيدة جداً، فإن أقرب أقربائه كانوا يتقاسمونها فيما بينهم، فإذا توفي رجل، تقاسم التركة أخوته و أخواته من أمه و خاله، و إذا توفيت امرأة، تقاسم التركة أولادها و أخواتها من أمها، دون أخوتها. و لسبب نفسه، لم يكن بإمكان الزوج و الزوجة أن يرث أحدهما الآخر، و كذلك لم يكن بإمكان الأولاد أن يرثوا أباهم. 5.كان أعضاء العشيرة ملزمين بعضهم حيال بعض بتقديم المساعدة و الحماية و لا سيما بالمساهمة في أخذ الثأر عن أذى ألحقه الغير. و كان كل فرد يتكل على حماية العشيرة فيما يتعلق بضمان أمنه و سلامته، و كان بوسعه الاعتماد عليها، فإن من كان يؤذيه إنما كان يؤذي بالتالي عشيرة بأسرها. و من هنا، من روابط الدم في العشيرة، نشأ واجب أخذ الثأر، الذي كان يعترف به الإيروكوا بلا قيد و لا شرط. فإذا قتل عضو من العشيرة شخصاً من عشيرة أخرى، فإن كل عشيرة القتيل كانت ملزمة بأخذ الثأر. في البدء كانت تجري محاولة للصلح. فإن مجلس عشيرة القاتل كان يجتمع و يعرض على مجلس عشيرة القتيل إنهاء المشكلة حبياً، معرباً في معظم الأحيان عن أسفه و مقدما هدية كبيرة. فإذا قبل العرض، اعتبر الخلاف مفضوضاً، و إلا، فإن العشيرة المتضررة كانت تعين شخصاً أو عدة أشخاص من أجل الانتقام، و كان هؤلاء ملزمين بأن يتتبعوا القاتل و يقتلوه. و إذا تم ذلك، فلم يكن يحق لعشيرة هذا الأخير أن تتشكى و تطالب، و كان الخلاف يعتبر مفضوضاً. 6.تملك العشيرة أسماء معينة أو مجموعات من الأسماء لا يحق لغيرها في القبيلة كلها أن يستعملها، و هكذا كان اسم كل فرد بمفرده يبين كذلك العشيرة التي ينتسب إليها. و كان كل اسم مقروناً بالضرورة بحقوق العشيرة التي يخصها هذا الإسم. 7.وسع العشيرة أن تتبنى أغراباً، و أن تقبلهم بالتالي كأعضاء في القبيلة بأسرها. و عليه كان أسرى الحرب الذين لا يقتلونهم يصبحون، بحكم تبنيهم في عشيرة ما، أعضاء في قبيلة سينيكا و ينالون بالتالي جميع حقوق العشيرة و القبيلة. و كان التبني يجري باقتراح من مختلف أعضاء العشيرة، باقتراح النساء اللواتي يأخذن الغريب كإبن، و للمصادقة على التبني، كان ينبغي إقامة احتفال خاص بالقبول في العشيرة. و في كثير من الأحيان، كانت بعض العشائر المستضعفة لأسباب قاهرة تقوى على هذا النحو عدداً بتبني أعضاء عشيرة أخرى بالجملة، بموافقة هذه العشيرة الأخيرة. و عند الإيروكوا، كان القبول الاحتفالي في العشيرة يجري أثناء جلس علنية لمجلس القبيلة، الأمر الذي كان يحول عملياً هذا الإجراء إلى احتفال ديني. 8.من العسير تقديم البرهان على وجود احتفالات دينية خاصة عند عشائر الهنود الحمر، و لكن احتفالات الهند الحمر الدينية ترتبط إلى هذا الحد أو ذاك بالعشيرة. و في أعياد الإيروكوا الدينية السنوية الستة، كان "الساخمات" و القادة العسكريون في كل عشيرة يعتبرون، بحكم وظائفهم، من عداد "حراس الإيمان" و يقومون بوظائف الكهان. 9.تملك العشيرة مدفناً مشتركاً. و قد زال هذا المدفن الآن عند الإيروكوا بولاية نيويورك الذين يضيق عليه البيض من جميع الجهات، و لكنه كان موجوداً من قبل. و هو لا يزال موجوداً عند الهنود الحمر الآخرين، و منهم مثلاً أقرباء الإيروكوا، التوسكارورا، فعند هؤلاء في المدفن، رغم أنهم مسيحيون، صف خاص بكل عشيرة، بحيث أنهم يدفنون الأم، لا الأب، قرب الأولاد في صف واحد. ناهيك بأن كل عشيرة المتوفى عند الإيروكوا تشترك في الدفن و تعني بالمدفن و كلمات التأبين، الخ.. 10.للعشيرة مجلس هو عبارة عن جمعية ديموقراطية لجميع أعضاء العشيرة الراشدين، رجالاً و نساءً، و لجميعهم الحق نفسه في التصويت. كان هذا المجلس ينتخب و يقيل "الساخمات"، و القادة العسكريين، و كذلك "حراس الإيمان" الآخرين. و كان المجلس يتخذ القرارات بشأن فدية (vergeld، ثمن الدم) أو أخذ ثأر القتلى من أعضاء العشيرة، و كان يقبل الأغراب في قوام العشيرة. و بكلمة، كان المجلس السلطة العليا في العشيرة. هذه هي وظائف العشيرة النموذجية من الهنود الحمر. "جميع أعضائها أناس أحرار و ملزمون بحماية حرية بعضهم بعضاً، و متساوون في الحقوق الشخصية- فلا "الساخمات" و لا القادة العسكريون يدعون بأي أفضليات. و هم يشكلون أخوية تشد لحمتها روابط الدم. إن الحرية و المساواة و الأخوة كانت المبادئ الأساسية في العشيرة، رغم أنها لم تتبلور يوماً في صيغة معينة، و كانت العشيرة بدورها وحدة نظام اجتماعي كامل و أساس مجتمع الهنود الحمر المنظم. و هذا ما يفسر الشعور الثابت الذي لا يلين بالاستقلال و بالكرامة الشخصية، ذلك الشعور الذي يعترف به كل امرئ للهنود الحمر"(81). في عهد اكتشاف أمريكا، كان الهنود الحمر في عموم أميركا الشمالية منظمين في عشائر حسب الحق الأمي. إلا في بعض القبائل، كقبيلة داكوتا، مثلاً، كانت العشائر قد زالت، و كانت عند بعضها الآخر، كما عند قبيلتي أودجيبفه و أوماها، منظمة حسب الحق الأبوي. و عند عدد كبير جداً من قبائل الهنود الحمر التي تضم كل منها خمس أو ست عشائر، نجد ثلاث أو أربع عشائر أو أكثر متجمعة في جماعة خاصة يسميها مورغان فراترية phratria (أخوية fraternité)، مترجماً اسمها الهندي بكل أمانة إلى مقابله اليوناني. فعند قبيلة سينيكا، مثلاً، فراتريتان (أخويتان)، الفراترية الأولى تضم العشائر 1-4 و الفراترية الثانية تضم العشائر 5-8. و قد بين المزيد من البحث و الدراسة أن هاتين الفراتريتين تمثلان في معظم الحالات العشائر الأولية التي انقسمت إليها القبيلة للمرة الأولى. لأنه كان ينبغي بالضرورة على كل قبيلة أن تشمل عشيرتين على الأقل لكي تتمكن من العيش بصورة مستقلة، لأن الزواج كان ممنوعاً داخل العشيرة.و بقدر ما كانت القبيلة تنمو، كانت كل عشيرة تنقسم بدورها إلى عشيرتين أو أكثر كانت كل منها تظهر بأنها عشيرة مستقلة، بينا العشيرة الأولية التي تشمل جميع العشائر البنات تظل قائمة بوصفها فراترية. و عند قبيلة سينيكا و أغلبية الهنود الحمر الآخرين، تعتبر عشائر فراترية واحدة عشائر شقيقة،بينا عشائر الفراترية الأخرى تعتبر بالنسبة لها عشائر شقيقة من الدرجة الثانية، - و هذه تعابير لها في نظام القرابة الأميركي، كما سبق و رأينا، معنى فعلياً جداً و واسع الدلالة. ففي البدء، لم يكن بوسع أي عضو من قبيلة سينيكا أن يتزوج في داخل فراتريته، و لكن هذه العادة زالت من زمان بعيد، و لا يسري مفعولها إلا ضمن العشيرة. و تقول أساطير قبيلة سينيكا أن عشيرتي "الدب" و "الأيل" كانتا العشيرتين الأوليين اللتين تحدرت منهما العشائر الأخرى. و ما أن رسخ هذا التنظيم الجديد، حتى أخذ يتغير حسب الحاجة، فإذا اندثرت عشائر فراترية من الفراتريات، كانت عشائر بكاملها تنتقل إليها، على سبيل التعويض، في كثير من الأحيان، من فراتريات أخرى. و لهاذ نرى عند مختلف القبائل عشائر بالأسماء نفسها، متجمعة بصور مختلفة في فراتريات. إن وظائف الفراتريات عند الإيروكوا هي اجتماعية جزئياً و دينية جزئياً: 1.تلعب الفراتريات في الكرة إحداها ضد الأخرى. و كل فراترية تنتدب خيرة لاعبيها، بينا الباقون يشاهدون اللعب، كل فراترية في مكان خاص بها، و يراهنون بعضهم بعضاً على انتصار لاعبيهم. 2.في مجلس القبيلة، يجلس ساخمات كل فراترية و قادتها العسكريون معاً، جماعة مقابل جماعة، و كل خطيب يخاطب ممثلي كل فراترية كأنما يخاطب فئة خاصة، متميزة. 3.إذا وقعت في القبيلة جريمة قتل، و إذا كان القاتل و القتيل لا ينتسبان إلى الفراترية ذاتها، فإن العشيرة المنكوبة كانت في كثير من الأحيان تستنجد بالعشائر الشقيقة، و آنذاك كانت تعقد مجلس الفراترية و تطلب من الفراترية الأخرى ككل أن تعقد هذه الأخيرة بدورها مجلسها لأجل تسوية القضية. و هكذا تظهر الفراترية هنا من جديد بوصفها العشيرة الأولية، البدائية،-و على هذا النحو كانت احتمالات النجاح تتوفر للفراترية أكثر مما للعشيرة المنفردة، الضعيفة، المتحدرة منها. 4.في حال وفاة الأشخاص البارزين، كانت الفراترية المقابلة تأخذ على عاتقها أمر الاهتمام بالدفن و مراسم الجنازة، بينا كان أعضاء فراترية المتوفى يشتركون في الدفن بوصفهم أقارب الراحل. و إذا توفي "الساخم"، كانت الفراترية المقابلة تنبئ مجلس الإيروكوا الاتحادي بفراغ المنصب. 5.و عند انتخاب "الساخم" كان مجلس الفراترية يدخل الحلبة أيضاً. فقد كانت مصادقة العشائر الشقيقة على الانتخاب تعتبر بمثابة أمر بديهي، و لكنه كان بوسع عشائر الفراترية الأخرى تقديم اعتراض. و في هذه الحالة، كان مجلس هذه الفراترية ينعقد. فإذا اعتبر الاعتراض صحيحاً، فإن الانتخاب يصبح باطلاً لا مفعول له. 6.من قبل، كان عند الإيروكوا أسرار دينية خاصة سماها البيض médicine- lodges * . و هذه الأسرار الدينية كانت تحتفل بها عند قبيلة سينيكا أخويتان دينيتان تتبعان قواعد خاصة لإشراك الأعضاء الجدد في معرفة هذه الأسرار. و كان لكل فراترية من الاثنتين أخوية واحدة. 7.و إذا كانت الـ lineages (الأسباط) الأربعة التي كانت تسكن أحياء تلاسخالا الأربعة في زمن الفتح (82) أربع فراتريات،- و هذا أمر لا ريب فيه تقريباً،- فإن هذا يثبت أن الفراتريات كانت في الوقت نفسه وحدات عسكرية، شأنها شأن الفراتريات عند اليونانيين و شأن جماعة عشيرية مماثلة عند الجرمان. و هذه الـ lineages الأربعة كانت تدخل المعركة كل منها كفصيلة خاصة متميزة لها لباسها الخاص و رايتها الخاصة، و تحت أمرة زعيمها الخاص. و كما أن بضع عشائر تؤلف فراترية، كذلك تؤلف بضع فراتريات قبيلة، إذا أخذنا بالحسبان الشكل الكلاسيكي. و في بعض الحالات، لا توجد عند القبائل المستضعفة جداً الحلقة الوسطية، أي الفراترية. فما الذي يميز إذن قبيلة الهنود الحمر في أميركا؟ 1.الأرض الخاصة و الاسم الخاص. فكل قبيلة كانت تملك، عدا مكان إقامتها الفعلي، منطقة كبيرة من الأرض لأجل الصيد البري و المائي. و فيما وراء حدود هذه المنطقة كان يقع قطاع حيادي شاسع يمتد حتى حدود أرض أقرب قبيلة، و كان هذا القطاع أضيق بين القبائل التي تتكلم بلغات متقاربة، و أوسع بين القبائل التي تتكلم بلغات مختلفة. إن هذا القطاع هو مثل الغابة- الحد عند الجرمان، و الربع الخالي الذي كان suéves (سويف) القيصر ينشئونه حول أرضهم، و îsarnholt (بالدانماركية jarnved, limes Danicus) بين الدانماركية و الجرمان، و الغاب الساكسوني و branibor (بالسلافية:"الغابة الحامية")- التي جاء منها اسم براندنبورغ- بين الجرمان و السلاف. و كانت المنطقة المحددة على هذا النحو غير واضحة تشكل بلد القبيلة العام المشترك، و كانت القبائل المجاورة تعترف بها بهذه الصفة، و كانت القبيلة المعنية تحميها من الاعتداءات. و في معظم الأحيان ، لم يكن عدم وضوح الحدود يمسي في الواقع أمرً مزعجاً إلا عندما كان عدد السكان ينمو كثيراً جداً. – و يبدو أن أسماء القبائل كانت تنشأ في معظم الأحيان بفعل الصدفة أكثر مما كانت نتيجة اختيار مقصود. و مع مرور الزمن، كان يحدث أحياناً كثيرة أن تطلق القبائل المجاورة على القبيلة اسماً يختلف عن الاسم الذي اختارته هي لنفسها، مثلما أطلق السلت على الألمان اسمهن المشترك الأول في التاريخ، و هو اسم "الجرمان". 2.لهجة dialecte خاصة تتميز بها هذه القبيلة وحدها. و في الواقع تتطابق القبيلة و اللهجة من حيث جوهر الأمر. إن التشكل الجديد للقبائل و اللهجات من جراء الانقسامات كان لا يزال يجري لأمد قريب في أميركا، و من المؤكد أنه لم يتوقف بعد كلياً الآن. و حيث كانت تندمج قبيلتان ضعفتا عددياً في قبيلة واحدة، كان يحدث بصورة استثنائية أن يتكلموا في القبيلة نفسها بلهجتين متقاربتين جداً. إن متوسط عدد أفراد كل من القبائل الأميركية أقل من 2000 شخص، و لكن أفراد قبيلة تشيروكي 26000، و هذا أكبر عدد من الهنود الحمر في أميركا يتكلمون بلهجة واحدة. 3.الحق في الاحتفال بتنصيب "الساخمات" و القادة العسكريين الذين انتخبتهم العشائر. 4.الحق في إقالتهم، حتى رغم إرادة عشيرتهم. و بما أن هؤلاء الساخمات و القادة العسكريين هم أعضاء في مجلس القبيلة، فإن حقوق القبيلة هذه حيالهم تفسر نفسها بنفسها. و حيث كان يتشكل اتحاد من قبائل و حيث كانت جميع القبائل الداخلة فيه تتمثل في مجلس اتحادي، كانت هذه الحقوق تنتقل إلى هذا المجلس. 5.تصورات دينية مشتركة (ميثولوجيا) و طقوس دينية مشتركة. "كان الهنود الحمر، على طريقتهم البربرية، شعباً دينياً"(83). إن ميثولوجيا الهنود الحمر لم تكن أبداً حتى الآن موضع دراسة انتقادية، فقد كانوا يضفون على أغراض تصوراتهم الدينية- الأرواح من كل شاكلة و طراز-سيماء بشرية، و لكن الطور الأدنى من البربرية الذي كانوا قد بلغوه لا يعرف بعد التشخيصات الواضحة، الملموسة، المسماة بالأصنام. كانت تلك عبادة الطبيعة و عناصر تتطور نحو تعدد الآلهة. و كانت لمختلف القبائل أعياد منتظمة مرفقة بأشكال معينة من الطقوس، هي الرقصات و الألعاب. و كانت الرقصات على الأخص جزءً جوهرياً لا يتجزأ من جميع الاحتفالات الدينية. و كانت كل قبيلة تحتفل بأعيادها بمفردها. 6.مجلس القبيلة لبحث الشؤون المشتركة، العامة. و كان يتألف من جميع الساخمات و جميع القادة العسكريين لمختلف العشائر، أي من ممثليها الحقيقيين، لأنه كان يمكن دائماً إقالتهم. كان المجلس يعقد جلساته علناً، محاطاً بسائر أعضاء القبيلة، و كان لهؤلاء الحق في الاشتراك في المناقشة و في عرض آرائهم. و كان المجلس هو الذي يقرر. و على العموم، كان في وسع كل حاضر أن يعرب عن رأيه، إذا ما رغب في ذلك. كما كان في وسع النساء أيضاً عرض اعتباراتهن بواسطة الخطيب الذي ينتخبنه. و عند الإيروكوا، كان الإجماع ضرورياً لاتخاذ القرار النهائي، كما كان الحال في الماركات- المشاعات الألمانية لأجل حل بعض القضايا. و كانت صلاحيات مجلس القبيلة تشمل مثلاً تسوية العلاقات مع القبائل الأخرى. و كان مجلس القبيلة يستقبل السفراء و يرسل السفراء، و يعلن الحرب و يعقد الصلح. و إذا نشبت الحرب، فقد كان المتطوعون هم الذي يخوضون غمارها على العموم. و من حيث المبدأ، كانت كل قبيلة تعتبر في حالة حرب مع كل قبيلة أخرى لم تعقد معها معاهدة صلح حسب الأصول. و في معظم الأحوال، كان المحاربون البارزون ينظمون بصورة فردية الحملات الحربية ضد الأعداء من هذا النوع، فكانوا ينظمون الرقص الحربي، و كل من يشترك في هذا الرقص كان يصرح بالتالي بانضمامه إلى الحملة و على الفور كانت الفصيلة تنتظم و تبدأ العمل. كذلك الدفاع عن الأرض التي تخص القبيلة إنما كان يتأمن في معظم الأحوال بتعبئة المتطوعين. و دائماً كان ذهاب هذه الفصائل و عودتها من القتال مناسبة لاحتفالات عامة. و لم تكن ثمة حاجة إلى موافقة مجلس القبيلة على مثل هذه الحملات، و لم تكن هذه الموافقة موضع سؤال و عطاء. و هذا ما يشبه تماماً الحملات الحربية الخاصة التي كانت تقوم بها العصائب الجرمانية، كما وصفها لنا تاقيطس (84)، إلا أن هذه العصائب اكتسبت عند الجرمان طاباً أكثر دواماً، و هي تشكل نواة ثابتة تنتظم في زمن السلم و يلتف حولها في زمن الحرب المتطوعون الآخرون. و نادراً ما كانت هذه الفصائل الحربية تضم عدداً كبيراً من الأفراد، فإن أكبر حملات الهنود الحمر الحربية، حتى على مسافات كبيرة، كانت تقوم بها قوات حربية ضئيلة. و إذا اتحد بعض من هذه الفصائل للقيام بمشروع كبير إلى هذا الحد أو ذاك، فإن كلاً منها كانت لا تخضع إلا لزعيمها بالذات، أما وحدة خطة الحملة، فقد كان يؤمنها، بهذه الدرجة أو تلك، مجلس هؤلاء الزعماء. و بهذه الطريقة أيضاً، كان الألمان في أعالي الرين يخوضون غمار الحرب في القرن الرابع، حسبما جاء في وصف أميان مرسيللان. 7.عند بعض القبائل، نجد زعيماً أعلى، صلاحياته مع ذلك ضئيلة جداً. و هو واحد من "الساخمات" ينبغي عليه، في الأحوال التي تقتضي العمل الفوري، أن يتخذ إجراءات مؤقتة إلى أن يتمكن المجلس من الانعقاد و يتخذ القرار النهائي. و هنا نجد نموذجاً مسبقاً لموظف يتمتع بالسلطة التنفيذية، و لكنه نموذج لا يزال في أوائل عهده و لم يتطور فيما بعد في معظم الأحوال. إلا أن هذا، كما سنرى فيما بعد، قد ظهر في معظم الأحوال، إن لم يكن دائماً، نتيجة لتطور سلطة القائد العسكري الأعلى. إن الأغلبية الساحقة من الهنود الحمر الأميركيين لم يتجاوزوا درجة الاتحاد في قبيلة. و كانت قبائلهم القليلة، التي تفصلها بعضها عن بعض رقع عريضة جداً من الأراضي، و التي أضعفتها الحروب الدائمة، تشغل، بعدد قليل من الناس، أرحاباً شاسعة. و هنا و هناك كانت القبائل التي تجمع بينها صلات القربى تعقد الاتحادات بحكم ضرورة مؤقتة، و كانت هذه الاتحادات تزول بزوال هذه الضرورة. و لكن القبائل التي كانت تجمع بينها أولاً صلات القربى، و التي تفرقت فيما بعد، تجمعت من جديد في بعض المناطق في اتحادات دائمة، و بذلك خطت الخطوة الأولى نحو تشكل الأمم. و في الولايات المتحدة نجد عند الإيروكوا الشكل الأكثر تطوراً لاتحاد من هذا النوع. فإن الإيروكوا قد نزحوا من مكان إقامتهم في غربي نهر الميسيسيبي حيث كانا يؤلفون، حسب كل احتمال، فرعاً من جماعة الداكوتا الكبيرة، و أقاموا بعد ترحلات طويلة في ولاية نيويورك الحالية، و انقسموا إلى خمس قبائل: سينيكا، كايوغا، أونونداغا، أونيدا، موهاوك. و كانوا يعيشون من صيد السمك و الصيد البري و البستنة البدائية. و كانوا يسكنون في قرى تحميها الأسيجة الوتدية في معظم الأحوال. و لم يبلغ عددهم أبداً أكثر من 20000 شخص، و كانت في جميع قبائلهم الخمس بعض عشائر مشتركة، و كانوا يتكلمون بلهجات متقاربة جداً من لغة واحدة، و يسكنون في رقعة متصلة من الأرض جرى تقاسمها بين القبائل الخمس. و بما أنهم كانوا قد استولوا على هذه لأرض من زمن غير بعيد، فإن الأعمال المشتركة ين هذه القبائل الظافرة ضد القبائل المطرودة أصبحت ظاهرة طبيعية و من حكم العادة. و على هذا النحو، تكون في مستهل القرن الخامس عشر على أبعد حد، "اتحاد أبدي"-اتحاد تعاهدي confédération ، أحس بقواه الجديدة، فاكتسب على الفور طابعاً هجومياً، و استولى في أوج بأسه، حوالي عام 1675، على رقعة كبيرة من الأراضي المحيطة به، طارداً السكان من بعضها و فارضاً الجزية على سكان بعضها لآخر. إن اتحاد الإيروكوا التعاهدي هو أرقى تنظيم اجتماعي توصل إليه الهنود الحمر قبل أن يتجاوزوا الدرجة الدنيا من البربرية (ما عدا، بالتالي، سكان المكسيك و المكسيك الجديدة (85) و البيرو). و فيما يلي سمات الاتحاد الأساسية: 1.الاتحاد الأبدي بين القبائل الخمس التي تجمع بينها قرابة الدم، على أساس المساواة التامة و الاستقلال في جميع الشؤون الداخلية للقبيلة. إن قرابة الدم هذه كانت تشكل الأساس الحقيقي للاتحاد. و كانت ثلاث من القبائل الخمس تسمى بالقبائل الأبوية، و كانت شقيقة فيما بينها. و كانت القبيلتان الباقيتان تسميان بالقبيلتين البنتين، و كانتا شقيقتين فيما بينهما. و كانت ثلاث عشائر- هي أقدمها- لا تزال تتمثل بأشخاص أحياء في جميع القبائل الخمس، و ثلاث عشائر أخرى في ثلاث قبائل. و كان أعضاء كل من هذه العشائر جميعهم أخوة فيما بينهم في جميع القبائل الخمس. و كانت اللغة المشتركة، التي لا تنطوي إلا على فوارق في اللهجات، تعبيراً عن الأصل المشترك و برهاناً عليه. 2.كان المجلس الاتحادي، المؤلف من 50 "ساخماً" متساوين في المنزلة و السلطة، هو هيئة الاتحاد. و كان هذا المجلس يتخذ القرارات النهائية في جميع شؤون الاتحاد. 3.عند تأليف الاتحاد، جرى توزيع مناصب هؤلاء "الساخمات" الـ 50 بين القبائل و العشائر، بوصفهم قائمين بوظائف جديدة أنشئت خصيصاً لأغراض الاتحاد. و في حال شغور المنصب، كانت العشيرة المعنية تملأه من جديد عن طريق الانتخاب. كذلك كان بوسع العشيرة أن تقيل "ساخمها" في أي وقت كان. و لكن تقليد المنصب كان من حق المجلس الاتحادي. 4.كان هؤلاء "الساخمات" الاتحاديون "ساخمات" أيضاً في قبائلهم و كان يحق لهم الاشتراك و التصويت في مجلس القبيلة. 5.جميع قرارات المجلس الاتحادي كان ينبغي اتخاذها بالإجماع. 6.كان التصويت يجري في كل قبيلة بمفردها بحيث أنه كان ينبغي على كل قبيلة و على جميع أعضاء المجلس في كل قبيلة أن يصوتوا بالإجماع لكي يعتبر القرار نافذ المفعول. 7.كان بوسع كل من مجالس القبائل الخمس دعوة المجلس الاتحادي إلى الانعقاد، و لكنه لم يكن بوسع المجلس الاتحادي أن ينعقد من تلقاء ذاته. 8.كانت الجلسات تجري بحضور الشعب المجتمع. و كان بوسع كل إيروكي أن يأخذ الكلام. و لكن المجلس وحده هو الذي كان يتخذ القرارات. 9.لم يكن للاتحاد أي رئيس، لم يكن فيه أي شخص يرأس السلطة التنفيذية. 10.و لكنه كان له زعيمان عسكريان أعليان يتمتعان بصلاحيات متساوية و سلطة متساوية (ملكان عند السبرطيين، قنصلان في روما). هذا هو النظام الاجتماعي الذي عاش الإيروكوا في ظله أثر من أربعمائة سنة و لا يزالون يعيشون في ظله حتى الآن. و لقد وصفت هذا النظام بالتفصيل، حسبما وصفه مورغان لأنه تسنح لنا الفرصة هنا لدراسة تنظيم مجتمع لم يعرف بعد الدولة. فإن الدولة تفترض سلطة عامة منفصلة عن مجموع الأفراد الذين تتالف منهم. و إن مورير، الذي يرى، بدافع الغريزة الصادقة، أن نظام "المارك" الألماني هو مؤسسة اجتماعية صرف تختلف اختلافاً جوهرياً عن الدولة، رغم أنها كانت بمعظمها فيما بعد أساساً للدولة- إن مورير يدرس في جميع مؤلفاته نشوء السلطة العامة تدريجياً من النظام البدائي لـ "المارك" والقرية و العائلة و المدينة، و إلى جانبه (86). و من مثال الهنود الحمر في أميركا الشمالية نرى كيف أن قبيلة واحدة موحدة في البدء تنتشر تدريجياً في قارة شاسعة، و كيف أن القبائل تنقسم أقساماً و تتحول إلى شعوب، إلى مجموعات كاملة من قبائل، و كيف تتغير اللغات فلا تبقى مفهومة فيما بينها، و ليس هذا و حسب، بل تفقد أيضاً كل أثر تقريباً لوحدتها الأولية، و كيف ينقسم بعض العشائر داخل القبيلة إلى عدة عشائر، و كيف تبقى العشائر الأمية القديمة بصورة "فراتريات" مع العلم أن أسماء هذه العشائر الأولية تبقى مع ذلك هي هي عند قبائل بعيدة بعضها عن بعض من حيث المكان و منفصلة بعضها عن بعض من زمان بعيد،- إن "الذئب" و "الدب" لا يزالان اسمين عشيريين عند أغلبية جميع قبائل الهنود الحمر. و جميع هذه القبائل يلازمها على العموم النظام الموصوف أعلاه، مع فارق وحيد، هو أن عدداً كبيراً منها لم يصل إلى مرحلة الاتحاد بين القبائل التي تجمع بينها صلات القربى. و لكننا نرى أيضاً أن نظام العشائر و الفراتريات و القبائل كله يتطور بضرورة محتمة لا مناص منها تقريباً ،- لأنها ضرورة طبيعية تماماً- من هذه الخلية الاجتماعية الأساسية التي هي العشيرة. فإن هذه المجموعات الثلاث كلها – العشائر و الفراتريات و القبائل- هي درجات مختلفة من قرابة الدم، مع العلم أن كلاً منها منطوية على نفسها و تصرف شؤونها بنفسها، و لكنها كذلك بمثابة مكملة للأخرى. و إن حلقة الشؤون التابعة لها تشمل مجمل شؤون الإنسان العامة، الاجتماعية، في الطور الأدنى من البربرية. و لهذا عندما نجد عند شعب من الشعوب العشيرة بوصفها الخلية الاجتماعية الأساسية، ينبغي علينا أن نفتش عنده عن تنظيم قبلي يشبه التنظيم الموصوف هنا، و حيث يتوفر ما يكفي من المصادر، كما عند اليونانيين و الرومانيين، لا نجده و حسب، بل نقتنع أيضاً بأن المقارنة مع النظام الاجتماعي الأميركي، حتى و إن كانت المصادر لا تكفي، تساعدنا في تفهم أصعب الشكوك و الألغاز. و أي تنظيم عجيب هذا النظام العشائري مع كل سذاجته و بساطته! فبدون جنود و درك و شرطة، بدون نبلاء و ملوك و حكام و مدراء و قضاة، بدون سجون، بدون محاكمات، يسير كل شيء حسب النظام المقرر. و جميع المنازعات و المخاصمات يحلها معاً أولئك الذين تمسهم- تحلها العشيرة أو القبيلة، أو بعض العشائر فيما بينها، و لا يظهر التهديد بالثأر إلا بوصفه الوسيلة الأخيرة، الوسيلة التي نادراً ما تطبق، و إن عقوبة الإعدام عندنا ليست غير شكلها المتمدن الذي تلازمه جوانب المدنية، الإيجابية منها و السلبية على السواء. صحيح أن الشؤون العامة كانت أكثر بكثير مما هي عليه اليوم- فإن الاقتصاد البيتي تديره مجموع من العائلات بصورة مشتركة و على الأسس الشيوعية، و الأرض ملك للقبيلة بأسرها، ما عدا قطع صغيرة توضع مؤقتاً تحت تصرف مختلف البيوت – إلا أننا لا نجد أثراً لجهازنا الإداري المضخم و المعقد. و جميع الشؤون يحلها ذوو العلاقة بأنفسهم، و في معظم الأحوال، سوّت العادة المزمنة كل شيء سلفاً. و لا يمكن أن يكون ثمة فقراء و معوزون، لأن الاقتصاد الشيوعي و العشيرة يعرفان واجباتهما حيال الشيوخ و المرضى و مشوهي الحرب. الجميع متساوون و أحرار، بمن فيهم النساء. و لا وجود بعد للعبيد، و لا وجود بعد، على العموم، لاستعباد القبائل الغريبة. و عندما تغلب الإيروكوا حوالي عام 1651 على قبيلة يري و على "الأمة المحايدة"(87)، عرضوا عليهما الانضمام إلى اتحادهم بحقوق متساوية. و عندما رفض المغلوبون هذا العرض ، عند ذاك فقط، طردوهم من أرضهم. أما أي رجال و نساء يلدهم مثل هذا المجتمع، فهذا ما يبرهنه جميع البيض الذين عرفوا هنوداً حمراً غير مفسودين بإعجابهم بما يتصف به هؤلاء البرابرة من شعور بالكرامة الشخصية، و استقامة، و قوة طبع، و بسالة و جرأة. و منذ وقت غير بعيد رأينا أمثلة على هذه البسالة في إفريقيا. فإن الكفر- الزولو، منذ بضعة أعوام، مثلهم مثل النوبيين، منذ بضعة أشهر- و هم قبيلتان لم تندثرا بعد عندهما المؤسسات العشائرية- قد فعلوا ما لا يستطيع فعله أي جيش أوروبي (88). كانا مسلحين بالرماح و المزاريق فقط، و لا يملكون أي سلاح ناري، و مع ذلك كانوا، تحت وابل من رصاص البنادق السريعة الطلقات لدى المشاة البريطانيين- الذين يعتبرهم الجميع الأوائل في العالم في القتال صفوفاً- يسيرون إلى أمام حتى حراب المشاة البريطانيين، و يزعزعون صفوفهم أكثر من مرة، بل كانوا يدحرونهم، رغم التفاوت الهائل في الأسلحة، و رغم أنهم يجلهون الخدمة العسكرية و لا يعرفون ما هو التدريب العسكري. أما ما يستطيعون احتماله و أداءه، فيشهد عليه الإنجليز أنفسهم حين يتذمرون من أن الكفر-الزولو يقطع في يوم واحد أكثر مما يقطعه الحصان، و بصورة أسرع. إن أصغر عضلاته قوي كالفولاذ، و يبرز مثل سير مجدول، كما قال رسام إنجليزي. هذا جانب من المسألة. و لكن لا ننس أن هذا التنظيم كان مكتوباً له الزوال. فإنه لم يتخط نطاق القبيلة. إن تشكيل اتحاد القبائل كان يعني بداية تفسخ هذا التنظيم، كما سنرى فيما بعد، و كما رأينا في محاولات الإيروكوا لاستعباد القبائل الأخرى. فكل ما كان خارج القبيلة كان خارج القانون. و حيث لم تكن معاهدة صلح معقودة حسب الأصول، كانت الحرب تسود بين القبائل، و كانت هذه الحرب تخاض بالقساوة التي تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى و التي لم تخف حدتها إلا فيما بعد بتأثير المصالح المادية. إن النظام العشائري في أوجه، كما رأيناه في أميركا، كان يفترض إنتاجاً بدائياً جداً، و بالتالي، سكاناً قليلين جداً مبعثرين في رقعة شاسعة من الأرض، و من هنا خضوع الإنسان خضوعاً تاماً تقريباً للطبيعة المحيطة به التي تقابله بالعداء و التي لا يفهما، الأمر الذي ينعكس في تصوراته الدينية الساذجة الطفولية. و قد بقيت القبيلة بالنسبة للإنسان حداً سواء حيال ابن قبيلة أخرى، أو حيال نفسه بالذات: كانت العشيرة و القبيلة و مؤسساتهما مقدسة و منيعة لا يجوز المساس بها، و كانت سلطة عليا منحتها الطبيعة و ظل الفرد بمفرده خاضعاً لها بلا قيد و لا شرط في مشاعره و أفكاره و تصرفاته. و مهما بدا أناس ذلك الزمن مهيبين في عيوننا، فإنه لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض، و لم ينفصلوا بعد، على حد قول ماركس، عن حبل المشاع البدائية السري. كان نبغي تحطيم سلطة هذه المشاعة البدائية، فحطمت. و لكنها حطمت بتأثيرات تبدو لنا من الوهلة الأولى، بمثابة انحطاط، بمثابة خطيئة أصلية بالمقارنة مع المستوى الأخلاقي العالي الذي بلغه المجتمع العشائري القديم. إن أحط الدوافع –الجشع الخشن، الولع الفظ باللذائذ، البخل القذر، السعي الأناني إلى نهب الملك المشترك- هي التي تدشن المجتمع الجديد المتمدن، المجتمع الطبقي، و أن أخس الوسائل – السرقة، العنف ، الغدر، الخيانة- هي التي تقوض المجتمع العشائري اللاطبقي القديم و تؤدي إلى هلاكه. أما المجتمع الجديد نفسه، فإنه لم يكن خلال الألفين و الخمسمائة سنة كلها من وجوده غير لوحة عن تطور الأقلية الضئيلة على حساب الأغلبية الهائلة من المستثمرين و المظلومين، و هو لا يزال الآن كذلك و لكن بقدر أكبر مما في أي وقت مضى. الهوامش: 80)راجعوا الملاحظة رقم 36. (81)يورد إنجلس الاستشهاد نقلاً عن "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"" لكارل ماركس. (82)المقصود هنا استيلاء الفاتحين الإسبان على المكسيك في سنوات 1519-1521. (83)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877). (84)هنا و فيما بعد، يقصد إنجلس كتاب تاقيطس "جرمانيا". (85)المكسيكيون الجدد. راجعوا الملاحظة رقم 13. (86)المقصود هنا مؤلفات غيورغ لودفيغ مورير "Einleitung zur Geschichte der Mark, Hof-, Dorf- und Stadt-Verfassung und der öffentlichen Gewalt". München, 1854. ("مقدمة لتاريخ نظام المارك و العائلة و القرية و المدينة و السلطة العامة". ميونيخ، 1856)، " Geschichte der Fronhöfe, der Bauernhöfe und der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1862-1863 ("تاريخ دور الأسياد و دور الفلاحين و نظام العائلة في ألمانيا". المجلدات 1-4. أرلنغن، 1862-1863)، "Geschichte der der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-II, Erlangen, 1865-1866 ("تاريخ نظام القرية في ألمانيا". المجلدان الأول و الثاني. أرلنغن، 1865-1866). " Geschichte der Stadt-Verfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1869-1871 ("تاريخ نظام المدينة في ألمانيا". المجلدات. 1-4، أرلنغن، 1869-1871). (87)"الأمة المحايدة"، هكذا كان يسمى في القرن السابع عشر الحلف العسكري بين بضع قبائل من الهنود الحمر كانت لها صلة قرابة بقبائل الإيروكوا و كانت تعيش عند الضفة الشمالية من بحيرة يري. و قد كان المستعمرون الفرنسيون هم الين أطلقوا هذا الاسم على هذا الحلف لأنه بقي على الحياد في الحروب بين قبائل الإيروكوا الصرف و قبائل الهورون. (88)المقصود هنا نضال التحرر الوطني الذي خاضه الزولو و النوبيون ضد الاستعماريين البريطانيين. هاجم البريطانيون قبائل الزولو في كانون الثاني 1879، و لكن قبائل الزولو ظلت ، برئاسة زعيمها كتشفايو، تقاوم بصلابة خارقة طول نصف سنة و لم يستطع البريطانيون إحراز النصر إلا بعد جملة من المعارك، و بفضل تفوقهم الساحق في الأسلحة. و لم يستطيعوا إخضاع الزولو لسيطرتهم نهائياً إلا فيما بعد، في عام 1887، باستغلالهم الحرب التي استثاروها بين مختلف قبائل الزولو و دامت بضع سنوات. في عام 1881 نشبت ثورة التحرر الوطني التي اشترك فيها النوبيون و العرب و القوميات الأخرى في السودان برئاسة محمد أحمد بن عبد الله المهدي، و أحرزت نجاحات خاصة في 1883 و 1884، و ذلك حين تم تحرير أراضي السودان كلها تقريباً من قوات المستعمرين البريطانيين التي كانت قد تغلغلت في السودان في السبعينات. أثناء الثورة، تشكلت دولة مهدية مركزية مستقلة. و لم تستول قوات المستعمرين البريطانيين على السودان إلا في عام 1899، و ذلك باستغلالها ضعف هذه الدولة الداخلي من جراء الحروب المتواصلة و المنازعات بين القبائل ، و كذلك باعتمادها على التفوق الساحق في الأسلحة. يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
في الحياة ما يستحق 15
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 16
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ا
...
-
فيسبوكيات 5
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 15
-
مسؤولية المثقف في التطور الحضاري
-
بين حركة التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها
-
مساهمة المثقف العضوي في التغيير
-
ليس للسارق انسب من اطفاء كل الاضواء لنهب ما حلو له
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 14
-
تذكير برد مستفز عن بدايات وضعنا اليساري المأزوم
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|