أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - عبدالرحيم قروي - من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 6















المزيد.....



من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 6


عبدالرحيم قروي

الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 00:21
المحور: الارشيف الماركسي
    


الحلقة السادسة

2/4 العائلة الأحادية
إنها تنشأ، كما سبق و قلنا، من العائلة الثنائية، في المرحلة الواقعة بين الطورين الأوسط و الأعلى من أطوار البربرية. و انتصارها النهائي هو إحدى العلائم على بداية عصر الحضارة. إن هذه العائلة تقوم على سيادة الزواج مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد تكون أبوتهم ثابتة لا جدال فيها، و ثبوت الأبوة هذا ضروري لأن الأولاد سيملكون أموال والدهم ذات يوم بوصفهم ورثته المباشرين. و هي تمتاز عن الزواج الثنائي بكون عرى الزواج أمتن بكثير، و بأنه لم يعد من الممكن فسخ هذه العرى كلما طاب لأحد الزوجين. فالزوج وحده على العموم، هو الذي يسعه الآن أن يفسخ هذه العرى و يطلّق امرأته. ثم أن حق الخيانة الزوجية لا يزال مضموناً له في الوقت الحاضر أيضاً، و أن بحكم العرف و العادة على الأقل،( إن Code Napoléon * تمنح الزوج هذا الحق بكل وضوح، شرط ألا يأتي بعشيقته إلى المنزل العائلي (58))، و هذا الحق يمارس على نطاق أوسع فأوسع بقدر ما يستمر التطور الاجتماعي. أما إذا تذكرت الزوجة الممارسة الجنسية القديمة و أرادت أن تستأنفها، فإنها تتعرض لعقاب أقسى مما في أي وقت مضى.
إن شكل العائلة الجديد يظهر أمامنا بكل صرامته عند الإغريق. فإن دور الآلهات أي الميثولوجيا، كما لاحظ ماركس (59)، يصور لنا عهداً أسبق كانت فيه النساء يشغلن مركزاً أوفر حرية و تقديراً و احتراماً، أما في العهد البطولي، فإننا نجد المرأة منحطة المقام من جراء سيادة الرجل و مزاحمة العبدات. حسبنا أن نقرأ في "الأوذيسة" كيف يقاطع تيليماك أمه و يجبرها على السكوت (60). و في مؤلفات هوميروس، تصبح النساء الشابات الأسيرات عرضة لأهواء المنتصرين الجنسية، فإن القادة العسكريين يختارون لأنفسهم بالدور و تبعاً لمراتبهم أجمل الأسيرات، و جميع أحداث "الإلياذة" تدور، كما هو معروف، حول النزاع بين أخيل و أغممنون على إحدى العبدات. و مع كل بطل هوميري على جانب ما من الأهمية، يرد اسم الفتاة الأسيرة التي يشاطرها خيمته و سريره. و هؤلاء الفتيات يأخذونهن أيضاً إلى الوطن و إلى البيت الزوجي، كما فعل مثلاً، عند إسخيلوس، أغممنون مع كاسندرا (61). و الأولاد الذين يولدون من هذه العبدات ينالون نصيباً صغيراً من إرث الوالد و يعتبرون مواطنين أحراراً. فإن توكر، مثلاً، ابن تيلامون غير الشرعي، يحق له أن يتسمى باسم والده. و المطلوب من الزوجة الشرعية أن تتحمل كل هذا، و أن تتقيد بكل دقة بواجب العفاف و واجب الأمانة الزوجية. صحيح أن المرأة اليونانية من العهد البطولي تتمتع باحترام يفوق احترام المرأة في عصر الحضارة، إلا أنها في آخر المطاف ليست بالنسبة لزوجها أكثر من أم ورثته الشرعيين المولودين في ظل الزواج، و المديرة العليا لبيته و المراقبة العليا لعبداته اللواتي يستطيع أن يجعل منهن، حسبما يطيب له، و يجعل منهن فعلاً، عشيقات له. و أن وجود العبودية إلى جانب أحادية الزواج، و وجود العبدات الجميلات الفتيات الخاضعات لمطلق تصرف الرجل، هو الذي أضفى على أحادية الزواج منذ البدء طابعها الخاص، إذ جعل منها أحادية زواج بالنسبة للمرأة فقط، لا بالنسبة للرجل. و هذا الطابع لا تزال تحتفظ به في أيامنا.
و يجدر التمييز عند اليونانيين من مرحلة لاحقة بين الدوريين و الأيونيين. فعند الأوائل الذين كانت إسبرطة مثالهم الكلاسيكي، كانت علاقات الزواج في العديد من النواحي أكثر بدائية حتى من تلك العلاقات التي صورها هوميروس. و في إسبرطة، يسود الزواج الثنائي معدلاً حسب المفاهيم السبارطية عن الدولة، ناهيك بأنه يشبه الزواج الجماعي في كثير من الجوانب. و الزواج بلا أولاد يُحَلْ: فإن الملك أنكسندريداس (السنة 560 قبل الميلاد) اتخذ لنفسه زوجة ثانية بالإضافة إلى زوجته العاقر، و أسس اقتصادين بيتيين، و في الوقت نفسه تقريباً، اتخذ الملك أريستون، الذي كانت عنده زوجتان عاقران، زوجة ثالثة، و لكنه طلّق بالمقابل إحدى الزوجتين الأوليين. و من جهة أخرى، كان من الممكن أن يكون لبضعة أخوة زوجة واحدة مشتركة. و كان بوسع الرجل الذي تعجبه زوجة صديقه أن يشاطره إياها، و كانوا يعتبرون من اللائق أن يضع الرجل زوجته تحت تصرف "فحل" قوي، كما كان يقول بيسمارك، حتى و إن لم يكن هذا "الفحل" من عداد المواطنين. و عند بلوتارك مقطع ترسل فيه إسبرطية إلى زوجها محباً لها يحاول كسب حبها، و من هذا المقطع يمكن الاستنتاج، على حد قول شومان، أنه كانت تسود في الأخلاق حرية أوسع و أكبر (62). و لهذا كانت المخالفة الفعلية للأمانة الزوجية، أي خيانة الزوجة لزوجها، عملاً غريباً خارقاً. و من جهة أخرى، لم تعرف إسبرطة، في خيرة عهودها على الأقل،العبودية البيتية، و كان الهيلوت الاقنان يعيشون على حدة في العقارات، و لهذا كانت احتمالات إغراء نسائهم أقل عند الإسبرطيين (63). و بحكم جميع هذه الظروف، كان من الطبيعي أن تحظى النساء في إسبرطة بمركز مشرف أكثر بكثير مما عند اليونانيين الآخرين. و كانت النساء الإسبرطيات و خير قسم من الهيتيرات الآثينيات النساء الوحيدات في اليونان اللواتي كان الأقدمون يتحدثون عنهن باحترام و يعتبرون أقوالهن جديرة بالاستشهاد بها.
و الحال مختلف تماماً عند الأيونيين الذين كانت أثينا نموذجاً لهم. فقد كانت الفتيات لا يتعلمن غير الغزل و الحياكة و الخياطة، و كن في أفضل الأحوال يتعلمن أيضاً قليلاً من القراءة و الكتابة. و كن يعشن في عزلة تامة تقريباً، و لا يعاشرن غير نساء أخريات. و كان مخدع النساء في قسم خاص منعزل من البيت، في الطابق الأعلى أو في مؤخرة البيت، و لم يكن من السهل على الرجال، و لا سيما الغرباء منهم التسرب إلى هذا القسم، و إلى هذا القسم كانت تنسحب النساء عندما يزور الرجال البيت. و كن لا يخرجن بدون مصاحبة العبدات. و في البيت كن يخضعن لرقابة فعلية. و يتحدث أرستوفانس عن كلاب حراسة كانوا يستخدمونها لتخويف مخالفي الأمانة الزوجية (64)، و في المدن الآسيوية على الأقل، كانوا يستخدمون لمراقبة النساء الخصيان الذين كانوا يصنعونهم في زمن هيرودوتس في جزيرة خيوس لأجل المتاجرة بهم و الذين كان يشتريهم كما يقول فاكسموت، البرابرة (65) و غير البرابرة أيضاً. و ينعت أوريبيدس المرأة oikurema (66)، و تعني شيئاً ألأجل تدبير شؤون البيت (و الكلمة من الجنس المحايد** )، و علاوة على إنتاج الأولاد، لم تكن بالفعل بالنسبة للأثينيين إلا الخادمة الرئيسية. و كان الزوج يمارس تمارينه الرياضية و يقوم بشؤونه العامة التي كانت المرأة مقصية عنها، و فضلاً عن ذلك كانت عنده في كثير من الأحيان عبدات لتلبية رغائبه، كما كان يستفيد في زمن ازدهار أثينا من بغاء واسع الانتشار و موضوع على كل حال تحت حماية الدولة. و على أساس هذا البغاء بالذات، نشأت و تطورت نماذج ساطعة فريدة من نساء يونانيات كن، بذكائهن و ذوقهن الفني، أعلى من المستوى العام لنساء الأزمنة القديمة، مثلما كانت الإسبرطيات أعلى بطبعهن. و هكذا كان ينبغي للمرأة أن تصبح من الهيتيرات لكي تصبح امرأة حقيقية، و هذا الواقع كان أقسى حكم على العائلة الأثينية.
و مع مرور الزمن غدت هذه العائلة الأثينية نموذجاً أخذ يقلده، لا سائر الأيونيين و حسب، بل أيضاً و أكثر فأكثر، جميع اليونانيين سوءا أفي داخل البلد أم في المستعمرات، و يبنون بموجبه أوضاعهم البيتية. و لكن اليونانيات كن يجدن في أحيان كثيرة جداً، و رغم المراقبة و العزل، الفرصة لخداع أزواجهن و خيانتهم، و كان هؤلاء يخجلون من إبداء أي شعور من الحب لزوجاتهم، و يتلهون بشتى المغامرات الغرامية مع الهيتيرات، و لكن إذلال النساء ثأر لنفسه مع الرجال أنفسهم إلى حد أنه دفعهم إلى ممارسة اللواط مع الغلمان، و إلى الحط من كرامة آلهتهم و كرامتهم بالذات بأسطورة غانيميد.
و هكذا نشأت أحادية الزواج، بقدر ما يمكننا أن نتتبع نشوءها عند أكثر شعوب العالم القديم حضارة و أكثرها تطوراً. فلم تكن أبداً ثمرة الحب الجنسي الفردي، و لم يكن يجمع بينها و بينه أي جامع على الإطلاق، لأن الزواج ظل كما من قبل زواج انتفاع. و قد كانت أول شكل للعائلة لم يرتكز على الشروط الطبيعية، بل ارتكز على الشروط الاقتصادية، و نعني بها انتصار الملكية الخاصة على الملكية المشتركة البدائية و العفوية. سيادة الزوج في العائلة و ولادة أولاد لا يمكن أن يكونوا غير أولاده من دمه و صلبه، و لا بد لهم أن يرثوا ثروته في المستقبل، -ذلك كان الهدف الوحيد من الزواج الأحادي، كما نادى به اليونانيون بلا لبس و لا إبهام. و ما عدا ذلك، كان الزواج الأحادي عبئاً عليهم و واجباً حيال الآلهة و الدولة و أجدادهم بالذات، كان ينبغي أداؤه. و في أثينا كان القانون لا يفرض الزواج و حسب، بل و أداء الزوج الحد الأدنى مما يسمى بالواجبات الزوجية.***
و عليه لا يدخل الزواج الأحادي إطلاقاً في التاريخ بوصفه اتحاداً اختيارياً بين المرأة و الرجل، و لا حتى بوصفه الشكل الأعلى لهذا الاتحاد. بل بالعكس. فهو يظهر كاستعباد جنس من قبل الآخر، كإعلان لتناقض بين الجنسين لم يعرفه التاريخ كله من قبل. و إني أجد في مخطوطة قديمة غير مطبوعة وضعتها أنا و ماركس في عام 1864 ما يلي:
"إن أول تقسيم للعمل كان بين الرجل و المرأة لأجل إنتاج الأولاد"(67).
و بوسعي الآن أن أضيف إلى هذا القول: إن أول تضاد بين الطبقات ظهر في التاريخ يصادف تطور التناحر بين الزوج و الزوجة في ظل الزواج الأحادي، و أول اضطهاد طبقي يصادف استعباد جنس النساء من قبل جنس الرجال. لقد كان الزواج الأحادي تقدماً تاريخياً كبيراً، و لكنه يدشن في الوقت نفسه، إلى جانب العبودية و الثروة الخاصة، تلك المرحلة التي لا تزال مستمرة حتى أيامنا، و التي يعني فيها كل تقدم تراجعاً نسبياً، و التي يتحقق فيها ازدهار و تطور البعض بآلام البعض الآخر و قمعه. إن الزواج الأحادي إنما هو هذه الخلية من المجتمع المتمدن التي تمكننا من دراسة طبيعة التناحرات و التناقضات المتطورة تماماً في قلب هذا المجتمع.
إن الحرية النسبية القديمة في العلاقات الجنسية لم تزل كلياً مع انتصار الزواج الثنائي أو حتى مع انتصار الزواج الأحادي.
"إن نظام الزواج القديم، الذي حُصِرَ ضمن حدود أضيق نتيجة لاندثار الجماعات البونالوانية تدريجياً، كان لا يزال تلك البيئة التي تطورت فيها العائلة، و ظل يعيق تطورها حتى عصر الحضارة الناشئة... و لقد زال في آخر المطاف بتحوله إلى شكل جديد للهيتيرية لا يزال يتبع الناس في عصر الحضارة أيضاً أشبه بظل أسود يخيم على العائلة"(68).
و يقصد مورغان بالهيتيرية العلاقات الجنسية خارج الزواج بين الرجال و النساء غير المتزوجات، القائمة إلى جانب الزواج الأحادي، و قد كانت هذه العلاقات، كما هو معروف، مزدهرة بأكثر الأشكال تبايناً في سياق عصر الحضارة كله و أخذت تتحول أكثر فأكثر إلى بغاء سافر. إن هذه الهيتيرية تنجم مباشرة من الزواج الجماعي، من مجامعة الغرباء التي كانت النساء يشترين بها حقهن في العفاف. لقد كانت المجامعة من أجل المال عملاً دينياً في البدء. و كانت تجري في معبد آلهة الحب، و كان المال يعود في البدء إلى خزينة المعبد. فإن الهييرودول (69)، خادمات أنايتيس في أرمينيا، و خادمات أفروديت في كورنثيا، و كذلك الراقصات الدينيات المحلقات بالمعابد في الهند، اللواتي يسمونهن بـ"البايادير"(و هذه الكلمة تشويه للكلمة البرتغالية bailadeira و تعني راقصة) كن أولى الباغيات. كانت مجامعة الرجال الغرباء في البدء واجب كل امرأة، ثم غدت من نصيب هؤلاء الكاهنات وحدهن، كأنما يقمن بها عوضاً عن جميع النساء الأخريات. و عند شعوب أخرى، تنجم الهيتيرية من الحرية الجنسية الممنوحة للفتيات قبل الزواج، و هي أيضاً بالتالي بقية من الزواج الجماعي، إلا أنها بقية وصلت إلينا بسبيل آخر. و مع ظهور التفاوت في الملكية، أي في الطور الأعلى من البربرية، أخذ العمل المأجور يظهر هنا و هناك إلى جانب عمل العبد، كما أخذ احتراف البغاء من قبل النساء الحرات يظهر في الوقت نفسه إلى جانب إكراه العبدة على مجامعة الرجال، بوصفه مرافقاً لازماً للعمل المأجور. و لهذا كان الإرث الذي تركه الزواج الجماعي للحضارة مزدوجاً، كما هو مزدوج، و ذو وجهين، و ذو حدين و مناقض كل ما تصنعه الحضارة: فمن جهة، أحادية الزواج، و من جهة أخرى الهيتيرية مع شكلها المتطرف، البغاء. إن الهيتيرية إنما هي أيضاً مؤسسة اجتماعية ككل مؤسسة أخرى، و هي تؤمن استمرار وجود الحرية الجنسية القديمة- في صالح الرجال. إنها تتعرض للشجب قولاً، مع إنها في الواقع لا تلقى التساهل و التغاضي و حسب، بل تمارس على نطاق واسع و لا سيما من قبل الطبقات السائدة. و لكن هذا الشجب لا يقصد إطلاقاً الرجال الذين يمارسونها، بل يقصد النساء فقط، فيعاملونهن باحتقار و ينبذونهن من المجتمع لكي ينادوا على هذا النحو مرة أخرى بسيادة الرجال المطلقة على جنس النساء قانوناً أساسياً من قوانين المجتمع.
و لكن تناقضاً ثانياً أخذ إلى جانب هذا يتطور في قلب أحادية الزواج نفسها. فإلى جانب الزوج الذي يرفه حياته بالهيتيرية، تعيش الزوجة المتروكة. إن أحد جانبي التناقض غير ممكن بدون الآخر، كما لا يمكن أن تكون في اليد تفاحة بكاملها بعد أكل نصفها. و لكن الرجال لم يكونوا، على ما يبدو، يرون هذا الرأي طالما لم تحملهم زوجاهم على أن يروه. فمع الزوج الأحادي يظهر على الدوام نموذجان اجتماعيان مميزان لا سابق لهما، هما عشيق الزوجة الدائم و الزوج المخدوع. لقد تغلب الرجال على النساء، و لكن المغلوبات هن اللواتي تسامحن و أخذن على عاتقهن بسخاء و كرامة وضع الأكاليل على رؤوس المنتصرين. فإن الزنى، الممنوع، المعاقب بصرامة، و لكن الذي يستحيل القضاء عليه، قد أصبح، إلى جانب الزواج الأحادي و الهيتيرية، مؤسسة اجتماعية راسخة. و كما من قبل، ظلت صحة الأبوة، صحة تحدر الأولاد من الوالد الشرعي، ترتكز، أكثر ما ترتكز، على القناعة الأخلاقية، المعنوية، و لأجل حل هذا التناقض المستعصي، نصت قوانين نابليون في المادة 312 منها على ما يلي:
"L enfant conçu pendant le mariage a pour père le mari" "الزوج هو والد الولد الذي تحبل به أمه أثناء الزواج".
تلك هي النتيجة الأخيرة لثلاثة آلاف سنة من الزواج الأحادي.
إن العائلة الفردية، -عندما تبقى أمينة لمنشئها التاريخي، و عندما يكتسب التناقض بين الرجل و المرأة فيها طابعاً واضحاً بحكم سيادة الرجل المطلقة،- تعطينا إذن صورة مصغرة عن تلك التناحرات و التناقضات التي يتحرك في داخلها المجتمع المنقسم إلى طبقات منذ بداية عصر الحضارة، و التي لا يستطيع هذا المجتمع لا حلها و لا التغلب عليها. و غني عن البيان أني لا أقصد هنا غير حالات الزواج الأحادي التي تطابق فيها الحياة الزوجية بالفعل الفروض النابعة من طابع هذه المؤسسة الأصلي، الأولي، و التي تثور فيها الزوجة مع ذلك على سيادة الزوج. أما أن الزواجات لا تجر على هذا النحو، فليس ثمة من يعرف هذا خيراً من التافة الضيق الأفق الألماني الذي يعجز عن أن يكون سيداً سواء في عائلته أم في الدولة. و لهذا تستأثر زوجته بكامل الحق بسلطة الزوج التي لا يستحقها. و لكنه بالمقابل يتصور أنه أعلى بكثير من رفيقه الفرنسي في التعاسة الذي يصطدم أكثر منه بكثير بمصاعب و منغصات أشد و أسوأ.
و من جهة أخرى، لم تتخذ العائلة الفردية إطلاقاً في كل مكان و كل زمان الشكل الكلاسيكي الصارم الذي اتخذته عند اليونانيين. فعند الرومان الذين كانوا يتحلون، بوصفهم فاتحي العالم العتيدين، بنظرة إلى الأمور أكثر اتساعاً و إن كانت أقل دقة، من نظرة اليونانيين، كانت الزوجة تتمتع بمزيد من الحرية و مزيد من الاحترام. و كان الروماني يعتقد أن الأمانة الزوجية مؤمنة كفاية بفضل ما يملكه من حق الحياة و الموت على زوجته. و فضلاً عن ذلك، كان بمقدور الزوجة هنا، مثلها مثل الزوج، أن تفسخ الزواج حين يطيب لها. و لكن أكبر تقدم تحقق في تطور الزواج الأحادي إنما تحقق، بلا ريب، مع دخول الجرمان حلبة التاريخ، لأن أحادية الزواج لم تكن بعد، على ما يبدو، قد تطورت في ذلك الوقت من الزواج الثنائي، و ذلك بسبب فقرهم على الأرجح. و نحن نخلص إلى هذا القول استناداً إلى ظروف ثلاثة ذكرها تاقيطس. أولاً، رغم كل قداسة الزواج، "كانوا يكتفون بزوجة واحدة، و كانت النساء يعشن محصنات بعفافهن"(70)،
و مع ذلك، كان تعدد الزوجات منتشراً عندهم بين الأعيان و زعماء القبائل، مثلما كان الحال عند الأميركيين الذين كان يوجد عندهم الزواج الثنائي. ثانياً، لا بد أن الانتقال من الحق الأمي إلى الحق الأبوي كان آنذاك حديث العهد ، لأن أخ الأم، - و هو أقرب نسب لها بين الرجال في العشيرة بموجب الحق الأمي- كان يعتبر تقريباً نسيباً أقرب إليها من والدها بالذات، و هذا ما يطابق كذلك وجهة نظر الهنود الحمر الأميركيين لفهم ماضينا بالذات. ثالثاً، كانت النساء عند الجرمان يتمتعن بقدر كبير من الاحترام و يؤثرن تأثيراً كبيراً في الشؤون العامة، الأمر الذي يناقض تماماً سيادة الرجال الملازمة لأحادية الزواج. و في كل هذا تقريباً، لا يتميز الجرمان عن السبارطيين الذين كان الزواج الثنائي عندهم لم يندثر بعد كلياً، كما سبق و رأينا. و من هذه الناحية أيضاً، أحرز إذن عنصر جديد تماماً، مع الجرمان، سيطرته على العالم. فإن أحادية الزواج الجديدة التي تطورت على أنقاض العالم الروماني في سياق تخالط الشعوب، أضيفت على سلطان الرجال أشكالاً أخف، و منحت النساء، و إن في الظاهر، وضعاً أوفر احتراماً و حرية لم تعرفه يوماً الأزمنة القديمة الكلاسيكية. و بذلك أنشئت للمرة الأولى المقدمة التي استطاع على أساسها أن يتحقق، إطلاقاً من أحادية الزواج، - في داخلها، أو إلى جانبها، أو رغما عنها، حسب الظروف،- أعظم تقدم أخلاقي نحن مدينون به لها، عنيت به الحب الفردي العصري بين الجنسين الذي كان العالم القديم كله يجهله.
و لكن هذا التقدم نجم على وجه الضبط من أن الجرمان كانوا لا يزالون يعيشون في مرحلة العائلة الثنائية و أنهم أدخلوا على أحادية الزواج، بقدر ما كان ذلك ممكناً، وضع المرأة الذي كان يطابق العائلة الثنائية. فإن هذا التقدم لم ينجم أبداً مما نسب إلى الجرمان من فطرة أسطورية عجيبة على نقاوة الأخلاق، تقتصر، من حيث جوهر الأمر، على كون الزواج الثنائي يخلو بالفعل من التناقضات الأخلاقية الحادة الملازمة لأحادية الزواج. بل بالعكس، فإن الجرمان قد انحطوا كثيراً من الناحية الأخلاقية في سياق هجراتهم، و لا سيما في اتجاه الجنوب الشرقي، إلى مستوى رحل سهوب ساحل البحر الأسود، و أخذو عن هؤلاء الرحل، فضلاً عن فن ركون الخيل، عيوبهم الشنيعة المنافية للطبيعة، الأمر الذي يشهد عليه بكل وضوح أميان فيما يتعلق بالتايفال و بروكوبيوس فيما يتعلق بالهيرول (71).
و لكن إذا كانت أحادية الزواج بين جميع لأشكال المعروفة من العائلة الشكل الوحيد الذي أمكن أن ينشأ منه و يتطور الحب الجنسي الحالي، العصري، فإن هذا لا يعني أن هذا الأخير قد تطور في قلب أحادية الزواج بوجه الحصر، أو حتى بصورة رئيسية بوصفه حباً متبادلاً بين الزوج و زوجته، فإن طبيعة الزواج الأحادي المتين ذاتها كانت تستبعد ذلك في ظل سيادة الزوج. و عند جميع الطبقات النشيطة تاريخياً، أي عند جميع الطبقات السائدة، بقي عقد الزواج كما كان عليه منذ الزواج الثنائي، أي صفقة يعقدها الآباء. و عندما ظهر الحب الجنسي للمرة الأولى في التاريخ بشكل عشق، و بوصفه عشقاً في منال كل فرد (من الطبقات السائدة على الأقل)، بوصفه أعلى شكل للغريزة الجنسية،- الأمر الذي يشكل طابعه الخاص المميز،- لم يكن هذا الشكل الأول، الحب الفروسي في القرون الوسطى، حباً زوجياً على الإطلاق. بل بالعكس. فإن الحب الفروسي بشكله الكلاسيكي، عند البروفنساليين، يسعى بكل أشرعته نحو انتهاك الأمانة الزوجية، و شعراؤه ينشدون هذا السعي. إن زهرة الشعر الغزلي (72) البروفنسالي هي أغاني "ألبا" albas، و بالإلمانية Tageliede (أغاني الصباح، التصبيحات). إن هذه التصبيحات تصور بألونا ساطعة كيف ينام الفارس في سرير حسنائه،- و هي امرأة رجل آخر،- بينا يقف في الخارج حارس ينبئه بأولى تباشير الصباح alba لكي يتمكن من التملص دون أن يراه أحد، ثم يلي مشهد الوداع، و هو ذروة الأغنية. إن سكان فرنسا الشمالية، و كذلك الألمان البواسل تبنوا هم أيضاً هذا الضرب من الشعر مع طرائق الحب الفروسية التي تناسبه، و قد ترك صاحبنا العجوز ولفرام فون إيشنباخ حول هذا الموضوع الحساس، ثلاث أغنيات رائعة تعجبني أكثر مما تعجبني قصائده البطولية الطويلة الثلاث.
في أيامنا يجري عقد الزواج في البيئة البرجوازية بطريقتين. ففي البلدان الكاثوليكية، يبحث الوالدان، كما من قبل، عن زوجة تليق بشاب ابن برجوازي، و هذا ما يؤدي بالطبع إلى تطور التناقض الملازم لأحادية الزواج أكمل التطور، أي إلى ازدهار الهيتيرية من جانب الزوج، و إلى ازدهار الخيانة الزوجية من جانب الزوجة. و إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية قد حرمت الطلاق، فلسبب واحد فقط، كما ينبغي الظن، هو أنها اقتنعت بأنه لا مفر من الخيانة الزوجية كما لا مفر من الموت. أما في البلدان البروتستانتية، فالأمر بالعكس، فإن ابن البرجوازي يتمتع، على العموم، بحق اختيار زوجة له من بنات طبقته، بهذا القدر أو ذالك من الحرية، و لهذا يمكن أن يكون الحب، بقدر ما، أساساً لعقد الزواج، ناهيك بأنه ينبغي دائماً، بحكم اللياقة، افتراض وجوده تبعاً لروح الرياء البروتستانتي. و هنا يمارس الزوج الهيتيرية بأقل من الحمية، بينا خيانة الزوجة أقل حدوثاً. و لكن بما أن الناس يبقون في ظل الزواج، أياً كان شكله، مثلما كانوا من قبله، و بما أن البرجوازيين في البلدان البروتستانتية هم بمعظمهم تافهون ضيقوا الأفق، فإن أحادية الزواج البروتستانتية هذه، حتى في أفضل الأحوال، لا تؤدي مع ذلك، إلا إلى مساكنة زوجية مملة لا تطاق يسمونها بالسعادة الزوجية. و خير مرآة لهذين النوعين من الزواج هي الرواية، الرواية الفرنسية لآجل الزواج الكاثوليكي و الرواية الألمانية لأجل الزواج البروتستانتي. و في كل من الروايتين، "ينال الرجل نصيبه": في الرواية الألمانية ينال الشاب الفتاة، و في الرواية الفرنسية، ينال الزوج قرنين. ليس من الواضح دائماً في هذه الحال معرفة أي منهما أسوأ نصيباً. و لهذا يثير ملل الرواية الألمانية في نفس البرجوازي الفرنسي من الرعب و الذعر قدر ما تثيره "لا أخلاقية" الرواية الفرنسية في نفس البرجوازي الألماني التافه ضيق الأفق. و لكن في الآونة الأخيرة، أي منذ أن "أخذت برلين تصبح عاصمة عالمية"، طفقت الرواية الألمانية تتطرق بأقل من الارتباك و الوجل إلى ظاهرتي الهيتيرية و الخيانة الزوجية المعروفتين جيداً هناك من زمان بعيد.
و لكن الزواج في هذه الحالة و تلك يقوم على وضع الطرفين الطبقي، و لذا كان دائماً زواج انتفاع. و في كلا الحالين، ينقلب زواج لانتفاع هذا في أحيان كثيرة جداً إلى بغاء في منتهى القذارة و الخساسة من جانب الطرفين أحياناً، و في أحيان أكثر بكثير من جانب الزوجة التي لا تختلف عن البغية العادية إلا بكونها لا تؤجر جسدها بالقطعة كما تؤجر العاملة عملها، بل تبيعه دفعة واحدة و إلى الأبد كالعبدة. و على زواج الانتفاع بجميع مظاهره و أشكاله، تصح كلمة فوريه:
"كما أن نفيين في قواعد اللغة يعنيان تأكيداً، كذلك يعني بغاءان في قواعد الأخلاق فضيلة"(73).
إن الحب الجنسي لا يمكن أن يكون و لا يكون بالفعل قاعدة في العلاقات مع المرأة إلا في بيئة الطبقات المظلومة، أي، في أيامنا، في بيئة البروليتاريا، سواء أكانت هذه العلاقات مسجلة رسمياً أم لا. و لكن جميع أسس أحادية الزواج الكلاسيكية مهدومة هي أيضاً في هذه البيئة. فهنا لا وجود لأي ملكية أنشئت من أجل صيانتها و توريثها على وجه الضبط أحادية الزواج و سيادة الرجال، و لذا، لا وجود هنا لأي وسيلة لأجل تحقيق هذا الغرض: فإن الحق البرجوازي الذي يحمي هذه السيادة لا يوجد إلا من أجل المالكين و من أجل خدمة علاقاتهم مع البروليتاريين، و هو يكلف غالياً ، و لذا لا يصلح أبداً في علاقات العامل مع زوجته نظراً لفقر العامل. هنا تضطلع بالدور الحاسم ظروف خاصة و اجتماعية مختلفة تماماً. و هناك اعتبار آخر. فمنذ أن انتزعت الصناعة الكبيرة المرأة من البيت، و أرسلتها إلى سوق العمل و إلى المعمل و حولتها في كثير من الأحيان إلى معيلة للعائلة، زالت في المسكن البروليتاري كل تربة لآخر بقايا سيادة الرجل، اللهم إلا بعض الفظاظة في معاملة الزوجة متوارث منذ دهور أحادية الزواج. و هكذا لم تبق عائلة البروليتاري أحادية الزواج بمعنى الكلمة الصرف، حتى و إن سادها أحر الحب و أمتن الإخلاص من كلا الطرفين، و رغم جميع البركات الدينية و الدنيوية من كل شاكلة و طراز. و لهذا يضطلع هنا مرافقاً أحادية الزواج الدائمان، الهيتيرية و الخيانة الزوجية، بدور ضئيل و حين لا يبقى بوسع الطرفين أن يعيشا معاً، فإنهما يفضلان الانفصال. و خلاصة القول أن الزواج البروليتاري زواج أحادي بمعنى الكلمة الأصلي لا بمعناها التاريخي.
بيد أن حقوقيينا يعتبرون أن تقدم التشريع ينتزع أكثر فأكثر من النساء كل مبرر للشكوى. إن قوانين البلدان المتمدنة العصرية تعترف أكثر فأكثر، أولاً، بأنه ينبغي للزواج، لكي يكون صحيحاً، أن يكون عبارة عن عقد يعقده الطرفان بملء اختيارهما، و ثانياً، بأنه ينبغي أن يكون للطرفين خلال مدة الزواج كلها نفس الحقوق و الواجبات حيال أحدهما الآخر. فإذا ما تحقق هذان الشرطان بدأت و انسجام، لحصلت النساء على كل ما بوسعهن أن يرغبن فيه.
إن هذه المحاكم الحقوقية الصرف تطابق تماماً المحاكمة التي يلجأ إليها الجمهوري البرجوازي الراديكالي الذي يدعو البروليتاري بين الفينة و الفينة إلى التزام جانب النظام. إن عقد العمل يُعَدّ معقوداً بملء رضا الطرفين. و لكنه يعد معقوداً بملء رضا الطرفين لأن القانون يقرر على الورق المساواة بين الطرفين. أما السلطة التي يخولها اختلاف الوضع الطبقي لأحد الطرفين، و الضغط الذي يمارسه هذا الطرف بفضل ذلك على الطرف الآخر، أي وضع الطرفين الاقتصادي الفعلي، فإن القانون لا يذكرهما بأي كلمة. و أثناء مدة عقد العمل، يظل الطرفان متمتعين، حسب القانون، بالمساواة فيما بينهما طالما أن أحدهما لم يتنازل صراحة عن حقوقه. أما أن الوضع الاقتصادي يجبر العامل على التنازل حتى عن آخر مظهر من مظاهر المساواة في الحقوق، فلا شأن أيضاً للقانون بذلك.
و فيما يخص الزواج، يشعر القانون بأكمل الارتياح، حتى و إن كان أكثر القوانين تقدماً، إذا أعرب الطرفان المعنيان، حسب الأصول، عن موافقتهما طوعاً و اختياراً على الزواج. أما ما يجري ما وراء كواليس القانون حيث تجري الحياة الفعلية، و كيف تتحقق هذه الموافقة الحرة، فإن القانون و رجل القانون لا يأبهان لذلك. و مع ذلك، لا بد لأبسط مقارنة بين قوانين مختلف البلدان من أن تبين للحقوقي ما تعنيه بالفعل هذه الموافقة الحرة. ففي البلدان التي يكفل فيها القانون للأولاد نصيباً إلزامياً من تركة والديهم، و التي لا يمكن فيها بالتالي حرمانهم من التركة،- في ألمانيا و في البلدان التي تتبنى القانون الفرنسي، و في بعض البلدان الأخرى،- ينبغي على الأولاد أن يحصلوا على موافقة الوالدين لأجل عقد الزواج. أما في البلدان التي تتبنى القانون الإنجليزي، و التي لا يفرض فيها القانون موافقة الوالدين لأجل عقد الزواج، فإن الوالدين يتمتعان بكامل الحرية عند التوصية بتركتهما، و بوسعهما، كما يطيب لهما، أن يحرما أولادهما من التركة. و لكنه واضح أن حرية عقد الزواج في إنجلترا و أميركا ليست أبداً بالفعل، رغم هذا، و حتى بسبب هذا على وجه الضبط، عند الطبقات التي يوجد لديها ما تورثه، أكبر مما هي عليه في فرنسا و ألمانيا.
و ليست الحال أفضل فيما يخص المساواة القانونية بين الرجل و المرأة في الزواج. إن التفاوت في الحقوق بين الطرفين، الذي ورثناه من العلاقات الاجتماعية السابقة، ليس سبب اضطهاد المرأة في المضمار الاقتصادي، بل نتيجته. ففي الاقتصاد البيتي الشيوعي القديم الذي كان يشمل عدداً كبيراً من الأزواج مع أولادها، كانت إدارة هذا الاقتصاد المعهود بها إلى النساء ضرباً من النشاط الاجتماعي الضروري للمجتمع، شأنها شأن حصول الرجال على وسائل العيش. و لكن الوضع تغير منذ ظهور العائلة البطريركية، و بالأحرى منذ ظهور العائلة الفردية الأحادية الزواج. فقد فقدت إدارة الاقتصاد البيتي طابعها الاجتماعي. و لم تعد لها علاقة بالمجتمع. و أصبحت خدمة خاصة، و صارت الزوجة الخادمة الرئيسية، و أقصيت عن الاشتراك في الإنتاج الاجتماعي. إن الصناعة الكبيرة في أيامنا هي التي فتحت أمام المرأة –المرأة البروليتارية فقط- السبيل إلى الإنتاج الاجتماعي، و لكنها، إذا ما قامت بواجباتها الخاصة في خدمة العائلة، بقيت خارج الإنتاج الاجتماعي و عجزت عن تحصيل أي أجر مستقل، و إذا ما شاءت أن تشترك في العمل الاجتماعي و أن تحصل على أجر مستقل، عجزت عن أداء واجباتها العائلية. إن حال المرأة واحد في هذا الصدد، سواء في المصنع أم في جميع ميادين النشاط الأخرى، بما فيها ميدانا الطب و المحاماة. إن العائلة الفردية الحالية ترتكز على عبودية النساء السافرة أو المقنعة، و المجتمع الحالي إنما هو كتلة تتألف بوجه الحصر من عائلات فردية هي بمثابة جزيئاتها. و في الوقت الحاضر، يتعين على الزوج في أغلبية الأحوال أن يكون سند العائلة و معيلها، على الأقل في بيئة الطبقات المالكة، و هذا ما يضمن له سيادة لا تحتاج إلى أي امتيازات قانونية خاصة. فالرجل في العائلة هو البرجوازي بينا المرأة تمثل البروليتاريا. و لكن ميزة الاضطهاد الاقتصادي الذي ينيخ بكلكله على البروليتاريا في ميدان الصناعة لا تبرز بكل حدتها إلا بعد القضاء على جميع الامتيازات الخاصة التي يعترف بها القانون لطبقة الرأسماليين و بعد قرار المساواة التامة في الحقوق بين الطبقتين من الناحية القانونية. إن الجمهورية الديمقراطية لا تزيل التضاد بين الطبقتين، و هي، على العكس، لا تفعل غير أن تمهد التربة التي يحتم عليها الصراع من أجل حل هذا التضاد. كذلك ميزة سيادة الزوج على الزوجة في العائلة الحالية و ضرورة و طريقة إقرار المساواة الاجتماعية الفعلية بينهما لن تتجلى بكل سطوع إلا متى أصبح الزوج و الزوجة، من الناحية القانونية، متساويين تماماً في الحقوق. و آنذاك يتبين أن الشرط الأول لتحرر المرأة هو عودة جنس النساء بكليته إلى الإنتاج الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب بدوره زوال العائلة الفردية بوصفها وحدة اقتصادية في المجتمع.
هناك إذن ثلاثة أشكال رئيسية للزواج تناسب بالإجمال المراحل الرئيسية لثلاث من تطور البشرية. فالوحشية يناسبها الزواج الجماعي، و البربرية يناسبها الزواج الثنائي، و الحضارة تناسبها أحادية الزواج المقرون بالخيانة الزوجية و البغاء. و بين الزواج الثنائي و أحادية الزواج، تتسرب في الطور الأعلى من البربرية سيادة الرجال على العبدات و تعدد الزوجات.
إن أصالة التقدم الذي يتجلى في تعاقب الأشكال هذا تقوم، كما يتبين من كل عرضنا السابق، في حرمان النساء، أكثر فأكثر، لا الرجال، من الحرية الجنسية الملازمة للزواج الجماعي. و بالفعل، لا يزال الزواج الجماعي في الواقع قائماً في صالح الرجال في الوقت الحاضر أيضاً. و ما هو جريمة من جانب المرأة و يستتبع عواقب وخيمة، قانونية و اجتماعية، إنما هو بالنسبة للرجل أمر مشرف أو، في أسوأ الأحوال، لطخة أخلاقية طفيفة يحملها بسرور. و لكن بقدر ما تتغير الهيتيرية القديمة في أيامنا تحت تأثير الإنتاج البضاعي الرأسمالي و تتكيف له، و بقدر ما تتحول إلى بغاء سافر، بقدر ما يشتد تأثيرها المفسد. و هي تفسد أخلاق الرجال أكثر بكثير مما تفسد أخلاق النساء. و بين النساء، لا يفسد البغاء غير التعيسات اللواتي يصبحن ضحاياه، و لكنه يفسدهن أقل مما يعتقد عادة. بيد أنه بالمقابل يذل طبع جنس الرجال كله. فإن استطالة زمن العزوبة، مثلاً، هو في تسع حالات من أصل عشر، مدرسة إعدادية حقيقة للخيانة الزوجية.
و لكننا نسير الآن نحو انقلاب اجتماعي ستزول فيه حتماً الأسس الاقتصادية القائمة حتى الآن لأحادية الزواج شأنها شأن أسس مرافقها، البغاء. فقد نشأت أحادية الزواج من تمركز ثروات كبيرة في يد واحدة –هي يد الرجل- و من الرغبة في نقل هذه الثروات بالميراث إلى أولاد هذا الرجل بالذات، لا إلى أولاد رجل آخر ما. و لهذا الغرض، كانت تنبغي أحادية زواج المرأة لا أحادية زواج الرجل، و هكذا لم تكن أحادية زواج المرأة لتعيق أبداً تعدد زوجات الرجل، الظاهر و المستتر. و لكن الانقلاب الاجتماعي العتيد الذي سيحول على الأقل القسم الأعظم من الثروات الدائمة التي يمكن توريثها، أي وسائل الإنتاج- إلى ملكية عامة، اجتماعية، سيقلل إلى الحد الأدنى من جميع هذه الهموم المتعلقة بمعرفة الورثاء و كيفية نقل الإرث. و لكن هل تزول أحادية الزواج التي نشأت من الأسباب الاقتصادية إذا زالت هذه الأسباب؟
قد يمكن الجواب، و ليس دون مبرر، بأنها لن تزول، و ليس هذا و حسب، بل أنها، على العكس، لن تتحقق تماماً إلا آنذاك. لأنه مع تحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة، اجتماعية، يزول كذلك العمل المأجور و تزول البروليتاريا، و تزول بالتالي الضرورة التي تقضي على عدد يمكن إحصاؤه من النساء ببيع أجسادهن لقاء المال. إن البغاء سيزول، أما أحادية الزواج، فلن تزول، بل تصبح في آخر المطاف واقعاً بالنسبة للرجال أيضاً.
و هكذا سيتغير وضع الرجال، على كل حال، تغيراً عميقاً. و لكن وضع النساء، جميع النساء، سيطرأ عليه هو أيضاً تغير كبير. فمع تحول وسائل النتاج إلى ملكي عامة، اجتماعية، لا تبقى العائلة الفردية وحدة المجتمع الاقتصادية. فإن الاقتصاد البيتي الخاص يصبح فرعاً من فروع النشاط الاجتماعي. و تغدو العناية بالأطفال و تربيتهم من شؤون المجتمع:فإن المجتمع سيعنى بالقدر ذاته بجميع الأطفال، سواء أكانوا شرعيين أم غير شرعيين. و بفضل هذا، يزول همّ "العواقب" الذي يشكل في الوقت الحاضر أكبر سبب اجتماعي، أخلاقي و اقتصادي، يمنع الفتاة من الاستسلام بلا تحفظ للرجل الذي تحبه. ألن يكون هذا سبباً كافياً لكي يقوم تدريجياً مزيد من الحرية في العلاقات الجنسية، و لكي يتكون بالتالي رأي عام أكثر تساهلاً حيال شرف العذارى و حشمة النساء؟ أو لم نر، أخيراً، أن أحادية الزواج و البغاء هما في العالم الحالي متضادان حقاً و فعلاً، و لكنها متضادان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، و قطبا وضع اجتماعي واحد؟ و هل يمكن أن يزول البغاء دون أن يجر معه أحادية الزواج إلى الهاوية؟
هنا يدخل الحلبة عنصر جديد لم يكن موجوداً في أفضل الأحوال إلا بصورة جنين، نواة، في عهد نشوء أحادية الزواج، و هذا العنصر هو الحب الجنسي الفردي.
قبل القرون الوسطى، لم يكن من الممكن حتى الكلام عن الحب الجنسي الفردي. و غني عن البيان أن الجمال البدني، و العلاقات الودية، و الميول المتماثلة، الخ.. ، قد أيقظت على الدوام عند أفراد الجنسين المختلفين الرغبة في الاتصال الجنسي، و أن الرجال و النساء على السواء لم يكونوا أبداً غير مبالين في معرفة أولئك الذين سيقيمون معهم هذه الاتصالات الحميمة. و لكن الشقة بين هذا و بين الحب الجنسي الحالي كبيرة إلى ما لا حد له. ففي سياق الأزمنة القديمة كلها، كان الآباء هم الذين يعقدون زواج المعنيين بالأمر، و كان هؤلاء يتكيفون للأمر بكل هدوء. و ذلك النصيب الطفيف من الحب بين الزوجين الذي عرفته الأزمنة القديمة، ليس ميلاً ذاتياً، بل واجب موضوعي، ليس أساس الزواج، بل تابع له. إن علاقات الحب بمعناها الحالي لا تقوم في الأزمنة القديمة إلا خارج المجتمع الرسمي. فإن الرعاة الذين ينشد لنا ثيوكريتوس و موسخوس و كذلك دفنيس و كلويا عند لونغ (74) مسرات و آلام حبهم، إنما هم بوجه الحصر عبيد لا يشتركون في تصريف شؤون الدولة الذي هو المجال الحيوي للمواطن الحر. و لكن، إلى جانب العلاقات الغرامية بين العبيد، لا نجد هذه العلاقات إلا كنتاج لتفسخ العالم القديم المحتضر، ناهيك بأن هذه العلاقات تقام مع نساء يعشن هن أيضاً خارج المجتمع الرسمي،- أي مع الهيتيرات، أي مع أجنبيات أو مع معتقات، في آثينا عشية سقوطها، وفي روما في عهد الإمبراطورية. و إذا كانت قد قامت بالفعل علاقات غرامية بين مواطنين أحرار و مواطنات حرات، فإن ذلك لم يكن إلا من باب الخيانة الزوجية. بل أن العجوز أناكريونت، الشاعر الغزلي الكلاسيكي في الأزمنة القديمة، كان لا يبالي بالحب الجنسي حسبما نفهمه الآن بقدر ما كان لا يبالي حتى بجنس الكائن المحبوب.
إن الحب الجنسي الحالي يختلف اختلافاً جوهرياً عن مجرد الرغبة الجنسية، عن "إيروس" eros الأقدمين. فهو، أولاً، يفترض عند الكائن المحبوب حباً متبادلاً، و المرأة في هذا الصدد مساوية للرجل، في حين أن موافقتهما لم تكن دائماً مطلوبة في "إيروس" eros القديم. ثانياً، يبلغ الحب الجنسي قوة و مدة تجعلان الطرفين يتصوران الانفصال و استحالة الوصال بلية كبيرة إن لم تكن أفدح البلايا، فيقدمان على مجازفة ضخمة، بل أنهما يعرضان حياتهما للخطر لمجرد أن يملك أحدهما الآخر، الأمر الذي لم يحدث في الأزمنة القديمة إلا في حال الخيانة الزوجية. و أخيراً، يظهر معيار أخلاقي جديد لأجل شجب أو تبرير العلاقة الجنسية، فلا يسألون فقط ما إذا كانت قائمة على الزواج أو خارج الزواج، بل يسألون أيضاً ما إذا كان الحب متبادلاً أم لا. و مفهوم أن هذا المعيار لا يلقى من الاحترام في الممارسة الإقطاعية و البورجوازية أكثر مما تلقاه جميع المعايير الأخلاقية الأخرى، فهو لا يؤخذ بالحسبان. و لكنه لا يعامل أسوأ مما تعامل المعايير الأخرى: فهو معترف به مثله مثل غيره- نظرياً، على الورق. و الآن لا تمكن المطالبة أكثر من ذلك.
و لقد انطلق القرون الوسطي من النقطة التي توقف عندها العالم القديم مع بوارده في مضمار الحب الجنسي، أي من الزنى. و قد وصفنا آنفاً الحب الفروسي الذي خلق أغنية الصباح. و بين هذا الحب الساعي إلى هدم الزواج و بين الحب الذي يجب أن يصبح أساس الزواج، لا تزال تقع طريق طويلة ينبغي قطعها، و لكن عصر الفروسية لم يقطعها قط إلى النهاية.و حتى عندما ننتقل من اللاتين المستهترين إلى الألمان الفاضلين، نجد في "أغنية نيبيلونغ" إن كريمهيلدا التي تحب زيغفريد سراً بقدر ما يحبها زيغفريد، تجيب غونتر بكل بساطة عندما يخبرها أنه خطبها لفارس لا يذكر اسمه:
"لا داعي لك أن ترجوني، كما تأمرني، كذلك سأعمل على الدوام. و من تعطني إياه زوجاً، يا سيدي، أكن خطيبته بكل سرور" (75).
بل أنه لا يخطر في بال كريمهيلدا أنه يمكن هنا على العموم أخذ حبها بعين الاعتبار. إن غونتر يخطب برونهيلدا، و إيتسل يخطب كريمهيلدا، مع أنهما لم يريهما قط، كذلك في "غودرون" Gudrun (76)، يخطب الإرلندي زيغيبانت النروجية أوتا، و يخطب هيتل من هيغلنغن الإرلندية هيلدا، و أخيراً يحاول كل من زيغفريد من مورلند و هارتموت من أورمان و هرفيغ من زيلنده أن يخطب غودرون. و في هذه الحالة الأخيرة وحدها، تقرر غودرون، بكل حرية في صالح هرفيغ. إن والدي الأمير الشاب هما، على العموم، اللذان يختاران خطيبة ابنهما، إذا كانا لا يزالان حيين، و إلا اختار بنفسه خطيبته بعد استشارة كبار أتباعه الذين لرأيهم دائماً وزن كبير في الموضوع. ناهيك بأنه لم يكن من الممكن أن يكون الحال آخر. فإن الخطبة هي بالنسبة للفارس أو البارون، و كذلك بالنسبة للأمير نفسه، عمل سياسي، و فرصة لزيادة بأسه بمساعدة حلفاء جدد. إن مصالح البيت، لا الرغائب الشخصية، هي التي يجب أن تكون لها الكلمة الفاصلة في الموضوع. فكيف يمكن في مثل هذه الأحوال أن تكون الكلمة الأخيرة للحب عند عقد الزواج؟
و كان الحال نفسه عند بورجوازي الحرف في مدن القرون الوسطى. فإن الامتيازات التي كانت تحميه، و الأنظمة الداخلية الحرفية التي كانت تفرض شتى القيود، و الحدود المصطنعة التي كانت تفصله قانوناً، هنا عن الحرف الأخرى، و هناك عن رفاقه بالذات في الحرفة، و هناك أيضاً عن صناعه و أجرائه، كانت تقلص بصورة ملحوظة الحلقة التي كان بوسعه أن يبحث ضمنها عن زوجة مناسبة له. و في هذا النظام المشوش، كانت مصالح العائلة، لا رغائبه الشخصية، هي التي تقرر أي خطيبة تناسبه أكثر من غيرها.
و عليه بقي عقد الزوج في عدد لا يحصى من الأحوال، حتى نهاية القرون الوسطى بالذات، ما كان عليه في البداية بالذات، أي قضية لا يحلها العازمون على الزواج أنفسهم. ففي البداية، كان الناس يولدون متزوجين، متزوجين من جماعة كاملة من أفراد الجنس الآخر. و في آخر أشكال الزواج الجماعي، بقي الوضع نفسه، أغلب الظن، و لكن الجماعة أخذت تتقلص أكثر فأكثر. و في ظل الزواج الثنائي، تتفق الأمهات، على العموم، بصدد زواجات أولادهن، و هنا أيضاً يعود الدور الفاصل إلى اعتبارات بشأن علاقات النسب الجديدة ينبغي لها أن تضمن للزوج و الزوجة الشابين مركزاً أثبت و أقوى في العشيرة و القبيلة. و عندما بدأ عهد سيادة الحق الأبوي و أحادية الزواج مع انتصار الملكية الخاصة على الملكية العامة و مع ظهور المصلحة في نقل الملكية بالوراثة، أصبح عقد الزواج آنذاك رهناً بكليته باعتبارات اقتصادية. إن شكل الزواج بالشراء يزول، و لكن هذا الزواج يجري، من حيث جوهر الأمر، على نطاق أوسع فأوسع، بحيث أنه صار للرجل أيضاً، علاوة على المرأة، سعر يحدد حسب ثروته لا حسب صفاته الشخصية. إن تغلب ميل الطرفين المتبادل على جميع الاعتبارات الأخرى عند عقد الزواج كان منذ البداية بالذات أمراً لا سابق له في ممارسة الطبقات السائدة. و لم يكن يحدث شيء من هذا القبيل إلا في عالم الروايات أو في أوساط الطبقات المظلومة التي لم يكن يحسب لها أي حساب.
ذلك كان الحال الذي وجده الإنتاج الرأسمالي عندما أخذ يستعد، بعد الاكتشافات الجغرافية، للسيطرة على العالم بفضل تطوير التجارة العالمية و المانيفاكتورة. كان يمكن الظن أن هذا الأسلوب لعقد الزواج سيكون أنسب أسلوب له، و هكذا كان بالفعل. و لكن- و سخرية التاريخ العالمي لا ينضب لها معين- الإنتاج الرأسمالي بالذات هو الذي كان مكتوباً له أن يشق هنا الثغرة الحاسمة. فبتحويله كل شيء إلى بضاعة، قضى على جميع العلاقات القديمة، التقليدية، و أقام الشراء و البيع و العقد "الحر" مقام العادات المتوارثة و الحث التاريخي. و ها هو ذا الحقوقي البريطاني ه.س.ماين يظن أنه حقق اكتشافاً في غاية الأهمية حين قال أن كل تقدمنا بالنسبة للعصور السابقة يتلخص في الانتقال *from status to contract، أي من الشروط المتوارثة إلى الشروط المقررة بموجب عقد حر (77)، الأمر الذي قيل في "البيان الشيوعي"(78) بقدر ما هو صحيح على العموم.
و لكنه ينبغي لأجراء العقد أناس بمقدورهم أن يتصرفوا بحرية بأشخاصهم و أعمالهم و أملاكهم، و متساوون في الحقوق بعضهم حيال بعض. و لقد كان صنع هؤلاء الناس "الأحرار" و "المتساوين" شأناً من أكبر شؤون الإنتاج الرأسمالي. صحيح أن ذلك لم يحدث في البدء إلا بصورة نصف واعية و تجلبب خارجياً بجلباب ديني، و لكنه منذ الإصلاح اللوتري و الكلفيني ثبت المبدأ القائل أن الإنسان لا يتحمل كامل المسؤولية عن أعماله إلا إذا قام بها و هو متمتع بكامل حرية التقرير، و أن مقاومة كل إكراه على القيام بمسعى غير أخلاقي هي واجب أخلاقي. و لكن كيف كان يمكن أن يتوافق هذا المبدأ مع الممارسة السابقة لعقد الزواج؟ لقد كان الزواج، حسب المفهوم البرجوازي، عقداً، صفقة قانونية، له أهم الصفات لأنها كانت تقرر مصير جسد و روح شخصين مدة حياتهما بكاملها. من حيث الشكل، كانت هذه الصفقة تعقد آنذاك، و الحق يقال، طوعاً و اختياراً، فلم تكن تتم بدون موافقة الطرفين. و لكنه كان معلوماً جيداً جداً كيف كان يتم الحصول عل هذه الموافقة و من كان يعقد الزواج في الواقع. و فضلاً عن ذلك، إذا كانت تنبغي حرية التقرير الفعلية لإجراء العقود الأخرى، فلماذا لا تنبغي هذه الحرية في هذه الحالة، لأجراء عقد الزواج؟ ترى، ألم يكن للشاب و الشابة اللذين كان ينبغي الجمع بينها الحق في التصرف بحرية بشخصيهما، بجسدهما و أعضائه؟ ترى، ألم يكن الحب الزوجي حيال الحب الفروسي المقترن بالزنى، شكله البرجوازي الحقيقي؟ و لكن إذا كان واجب الزوجين أن يحب أحدهما الآخر، ترى، ألم يكن بالقدر نفسه واجب المحبين أن يتزوج أحدهما الآخر لا من أي ثالث؟ ترى، ألم يكن حق المحبين هذا يعلو على حق الوالدين و الأقارب و سماسرة و وسطاء الزواج العاديين الآخرين؟ و إذا كان حق الاختيار الشخصي الحر يقتحم بلا تكلف و لا انزعاج ميدان الكنيسة و الدين، فهل كان بوسعه أن يتوقف أمام ادعاءات الجيل الأكبر سناً التي لا تطاق بالتصرف بجسد الجيل الأصغر سناً و روحه و ماله و سعادته و بؤسه؟
و هذه الأسئلة كان لا بد أن تثار في زمن ضعفت فيه جميع عرى المجتمع القديمة و تزعزعت فيه جميع التصورات الموروثة عن الماضي. و قد كبر العالم دفعة واحدة زهاء عشر مرات، فعوضاً عن ربع نصف واحد من الكرة الأرضية، ظهرت الآن الكرة الأرضية كلها، أمام أنظار الأوروبيين الغربيين، فأسرعوا يستولون على الأرباع السبع الباقية. و مع الحواجز القديمة التي تعيق أسلوب التفكير التقليدي في القرون الوسطى منذ آلاف السنين. و أمام عين الإنسان و بصيرته، انفتح أفق أوسع بما لا حد له. فأي أهمية كان يمكن أن تتسم بها السمعة بالاستقامة و الامتيازات الحرفية المشرفة المتوارثة من جيل إلى جيل بالنسبة لشاب كانت تجتذبه و تسحره ثروات الهند و مناجم الذهب و الفضة في المكسيك و بوتوسي؟ كان ذلك، بالنسبة للبرجوازية، عهد الفرسان التائهين. و لقد كانت للبرجوازية أيضاً رومانطيقيتها و أحلامها و تأوهاتها الغرامية، و لكن على الطريقة البرجوازية و بأهداف برجوازية في آخر المطاف.
و هكذا أخذت البرجوازية الصاعدة- و لا سيما في البلدان البروتستانتية حيث تزعزع النظام القائم أكثر مما في البلدان الأخرى- تعترف أكثر فأكثر، بحرية إجراء العقد فيما يتعلق بالزواج أيضاً، و تمارس هذه الحرية بالطريقة الموصوفة أعلاه. لقد ظل الزواج زواجاً طبقياً، و لكن الطرفين المعنيين نالا في حدود طبقتهما حرية معينة في الاختيار. و على الورق، في الأخلاق النظرية و في الوصف الشعري، لم يقرر أي مبدأ بنحو أثبت و أرسخ من المبدأ القائل بلا أخلاقية كل زواج لا يقوم على الحب الجنسي المتبادل و على موافقة الزوجين الحرة حقاً و فعلاً. و بكلمة، نودي بزواج الحب من حق الإنسان، و ليس فقط من ** droit de l`homme ، بل أيضاً و على سبيل الاستثناء من *** droit de la femme.
و لكن حق الإنسان هذا كان يختلف من ناحية عن جميع الحقوق الأخرى المسماة بحقوق الإنسان. و بما أن هذه الحقوق لم تشمل أيضاً في الواقع غير الطبقة السائدة،-الطبقة البرجوازية،- و لم تطبق مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالنسبة للطبقة المظلومة، -البروليتاريا،- فإن سخرية التاريخ تبرز هنا من جديد. فإن الطبقة السائدة لا تزال خاضغة لسلطان مؤثرات اقتصادية معينة، و لهذا لا تقع في بيئتها زواجات معقودة فعلاً بحرية إلا بصورة استثنائية، بينا هذه الزواجات، كما رأينا، هي القاعدة في بيئة مظلومة.
و عليه، لا يمكن للحرية التامة في عقد الزواج أن تتحقق بصورة تامة و عامة إلا بعد أن يقضي إلغاء الإنتاج الرأسمالي و علاقات الملكية التي خلقها الإنتاج الرأسمالي، على جميع الاعتبارات الثانوية، الاقتصادية، التي لا تزال تؤثر الآن تأثيراً كبيراً في اختيار الزوج و الزوجة. و آنذاك لن يبقى أي دافع غير دافع الميل المتبادل.
و بما أن الحب الجنسي هو بطبيعته حب فردي صرف لا منازع فيه،- مع أنه لا يراعيه الآن بطبيعته هذه غير المرأة،- فإن الزواج القائم على الحب الجنسي هو إذن، بطبيعته، زواج أحادي. و لقد رأينا كم كان باهوفن على حق حينما اعتبر الانتقال من الزواج الجماعي إلى الزواج الأحادي خطوة تقدمية قامت بها النساء أساساً. إلا أن الخطوة التالية من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج كانت هي وحدها من صنع الرجال. و من حيث جوهر الأمر، أدت هذه الخطوة تاريخياً إلى تردي وضع المرأة و إلى تسهيل الخيانة الزوجية من جانب الرجال. و لذا، ما أن تزول الاعتبارات الاقتصادية التي كانت النساء يحتملن بسببها هذه الخيانة العادية الأليفة من جانب الرجل (الاهتمام بمعيشتهن بالذات و لا سيما بمستقبل أولادهن)، حتى تؤدي مساواة المرأة في الحقوق، المحقق بفضل ذلك، إلى الأمر التالي، إذا أخذنا بالحسبان كل الخبرة السابقة، و هو أنها ستيسر حقاً و فعلاً أحادية الزواج عند الرجل أكثر إلى ما لا حد له مما تيسر تعدد الأزواج عند النساء.
و لكنه في هذه الحال ستزول بكل تأكيد من أحادية الزواج تلك السمات المميزة التي طبعها بها نشوؤها من علاقات الملكية، و هذه السمات هي، أولاً، سيادة الرجل، و ثانياً، استحالة فسخ الزواج. إن سيادة الرجل في الزواج هي مجرد نتيجة لسيادته الاقتصادية، و ستزول من تلقاء ذاتها مع هذه الأخيرة. أما استحالة فسخ الزواج، فهي جزئياً عاقبة للظروف الاقتصادية التي نشأت في ظلها أحادية الزواج، و جزئياً تقليد من ذلك الزمن الذي لم تكن قد فهمت فيه بعد الصلة بين هذه الظروف الاقتصادية و أحادية الزواج فهماً صحيحاً و الذي كان فيه الدين يفسر هذه الصلة تفسيراً مشوهاً. إلا أن استحالة فسخ الزواج الاستحالة الظاهرية تنتهك في الوقت الحاضر في آلاف الأحوال. و إذا كان الزواج القائم على الحب هو وحده الزواج الأخلاقي، فإنه وحده يبقى كذلك ما دام الحب قائماً. و لكن مدة شعور الحب الجنسي الفردي تختف كثيراً باختلاف الأفراد، و لا سيما عند الرجال، و حين يستنفد كلياً أو يحل محله حب متأجج جديد، يغدو الطلاق عمل خير سواء بالنسبة للطرفين أم بالنسبة للمجتمع. و لكنه ينبغي فقط تجنيب الناس ضرورة الغوص في وحل دعوى الطلاق.
و لذا، إن ما يمكننا أن نفترضه الآن فيما يتعلق بأشكال العلاقات بين الجنسين بعد القضاء العتيد على الإنتاج الرأسمالي، يتسم على الأغلب بطابع سلبي، و يقتصر في أكثرية الأحوال على ما سيزول. و لكن أي عناصر ستحل محل العناصر الزائلة؟ إن هذا سيتقرر عندما ينمو الجيل الجديد، أي جيل من رجال لن يتأتي لهم أبداً في الحياة أن يشتروا المرأة بالمال أو بوسائل اجتماعية أخرى من وسائل السلطة، و جيل من نساء لن يتأتى لهن أبداً في الحياة أن يستسلمن لرجل بدوافع غير دافع الحب الحقيقي، و أن يمتنعن عن معاشرة الرجل المحبوب، خوفاً من العواقب الاقتصادية. و حين يظهر هؤلاء الناس، فإنهم لن يأبهوا أبداً لما ينبغي عليهم أن يفعلوا حسب الاعتبارات الحالية، فإنهم سيعرفون بأنفسهم ما ينبغي عليهم أن يفعلوه، و سيرسمون وفقاً لذلك رأيهم العام في سلوك كل فرد بمفرده، و هذا كل ما في الأمر.
و لكن لنعد إلى مورغان الذي ابتعدنا عنه كثيراً. إن دراسة المؤسسات الاجتماعية التي تطورت في مرحلة الحضارة دراسة تاريخية تتجاوز نطاق كتابه. و لهذا لا يتناول إلا بإيجاز مصير أحادية الزواج في سياق هذه المرحلة. و هو يرى كذلك في تطور العائلة الأحادية الزواج تقدماً، خطوة نحو المساواة التامة في الحقوق بين الجنسين، بيد أنه لا يعتبر أنه تم بلوغ هذا الهدف. و لكن، كما يقول،-
"إذا اعترفنا بأن العائلة قد مرت على التوالي بأربعة أشكال و بأنها الآن تمر بالشكل الخامس، واجهنا السؤال التالي:هل يمكن لهذا الشكل أن يدوم زمناً طويلاً في المستقبل؟ الجواب الممكن واحد وحيد، هو أنه لا بد لهذا لشكل أن يتطور بقدر ما يتطور المجتمع، و يتغير بقدر ما يتغير المجتمع، مثلما كان الحال فيما مضى. و بما أنه نتاج نظام اجتماعي معين، فنه سيعكس حالة تطوره. و بما أن العائلة الأحادية الزواج قد ترقت منذ بداية عصر الحضارة و لا سيما في العصر الحديث، ففي الوسع الافتراض، على الأقل، أن بمقدورها أن تترقى مستقبلاً، إلى أن تتحقق المساواة بين الجنسين. أما إذا تبين في مستقبل بعيد أن العائلة الأحادية الزواج غير قادرة على تلبية حاجات المجتمع، فمن المستحيل التنبؤ سلفاً بطابع العائلة التي ستليها" (79).
الهوامش:
(58)المقصود هنا المادة 230 من القانون المدني، الصادر في عهد نابليون عام 1804.
(59)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(60)هوميروس . "الأوذيسة". النشيد الأول.
(61)إسخيلوس. "أوريستية. أغممنون".
(62)بلوتارك. "أمثال الإسبرطيات". الفصل الخامس. راجعوا كذلك G.F. Schoemann. "Griechische Alterthümer" , Bd. I, Berlin, 1855. (غ. ف. شومان. "الأزمنة القديمة اليونانية" . المجلد الأول، برلين، 1855).
(63)الإسبرطيون، مواطنون كاملو الحقوق في إسبرطة القديمة. الهيلوت، سكان إسبرطة القديمة المحرومون من الحقوق، و المربوطون بالأرض و الملزمون بتقديم أتاوات معينة في صالح ملاكي الأراضي الإسبرطيين. لم يختلف وضع الهيلوت في شيء عن وضع العبيد.
(64)أرستوفانس. "النساء في عيد فسموفوريا".
(65)هيرودوتس. "التاريخ". الكتاب الثامن. الفصل 105. راجعوا كذلك W.Wachsmuth, "Hellenische Alterthumskunde aus dem Gesichtspunkte des Staates", Th. II Abth. II, Halle , 1830. (و. فاكسموت. "دراسة الأزمنة القديمة الهيللينية على صعيد أنظمتها السياسية". القسم الثاني، الباب الثاني، هالة، 1830).
(66)أوريبيدس. "أوريست".
(67)يورد إنجلس فكرة ظهرت في مؤلف ماركس و إنجلس "الإيديولوجية الألمانية".
(68)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).
(69)الهييرودول Hiérodule، في اليونان القديمة و المستعمرات اليونانية، العبيد و العبدات التابعون للهياكل. في كثير من لأنحاء، و لا سيما في مدن آسيا الصغرى و في كورنثيا، كانت النساء الهييرودول يتعاطين الدعارة في الهياكل.
(70)تاقيطس. "جرمانيا"، الفصلان 18 و 19.
(71)أميان مرسيللان. "التاريخ في 31 كتاباً". الكتاب الحادي و الثلاثون، الفصل التاسع. بروكوبيوس من قيصرية. "الحرب ضد القوط"، الكتاب الثاني، الفصل الرابع عشر. (الكتاب السادس من "تاريخ حروب بوسطينيانوس ضد الفرس و الفندال و القوط").
(72)المقصود شعر التروبادور (المغنين الجوالين) في فرنسا الجنوبية أواخر القرن الحادي عشر حتى أوائل القرن الثالث عشر).
(73)هنا يحور إنجلس مقطعاً من مؤلف شارل فوريه "Théorie de l unité universelle":Vol: III2-em éd. Oeuvres complètes, t. IV, Paris, 1841.(شارل فوريه."نظرية وحدة الكون"، المجلد الثالث. الطبعة الثانية. المؤلفات الكاملة، المجلد الرابع، باريس، 1841). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف تحت اسم "Traité de l association domestique- agricole", T. I-II, Paris- London, 1882 ("بحث في الرابطة البيتية الزراعية". المجلدان الأول و الثاني، باريس، 1822).
(74)دفنيس و كلويا- بطلا رواية يونانية من القرنين الثاني و الثالث. لم تبق عن مؤلفها لونغ أي معلومات.
(75)"أغنية نيبيلونغ". الأغنية العاشرة.
(76)"غودرون" (أو "كودرون") – قصيدة ملحمية ألمانية من القرن الثالث عشر.
(77)H.S. Maine. "Ancient Law: its Connection with the Early History of Society, and its Relation to Modern Ideas"(هنري سامنر ماين. "القانون القديم: صلته مع التاريخ الباكر للمجتمع، و علاقته بالمفاهيم القانونية العصرية")، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن عام 1861، المقطع الذي أشار إليه إنجلس ورد في الصفحة 170 من هذه الطبعة.
(78)كارل ماركس و فريدريك إنجلس. "بيان الحزب الشيوعي". الفصل الأول.
(79)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).
يتبع



#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحياة ما يستحق 15
- في الحياة ما يستحق الذكرى 16
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- 1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ا ...
- فيسبوكيات 5
- في الحياة ما يستحق الذكرى 15
- مسؤولية المثقف في التطور الحضاري
- بين حركة التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها
- مساهمة المثقف العضوي في التغيير
- ليس للسارق انسب من اطفاء كل الاضواء لنهب ما حلو له
- في الحياة ما يستحق الذكرى 14
- تذكير برد مستفز عن بدايات وضعنا اليساري المأزوم
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل ...
- في الحياة ما يستحق الذكرى12


المزيد.....




- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...
- شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
- الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل ...
- العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها ...
- روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال ...
- لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين ...
- الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ ...


المزيد.....

- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - عبدالرحيم قروي - من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 6