أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سامح قاسم - المُطبعون بين الكلب المحبوب والإنسان المكروه














المزيد.....

المُطبعون بين الكلب المحبوب والإنسان المكروه


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8136 - 2024 / 10 / 20 - 18:16
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


التطبيع مع الكيان الصهيوني هو جرح عميق ينخر في قلب الأمة العربية، يثقل الضمير الجمعي ويزرع الشك في ولاء بعض الساسة والمثقفين والفنانين لقضية العرب الأولى: فلسطين. عندما يأتي كلام الكاتب اليهودي شاي جولدبيرغ ليكشف الوجه الحقيقي للعلاقة بين المحتل وأولئك الذين يهرولون للتطبيع معه، تتجلى الحقيقة بصورة صادمة، إذ يقول: "عندما تخون، أنت كعربي، أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية، فنحن نحبك مباشرة، لكن حبًا كحبنا للكلاب." هذا الكلام يدعو للتأمل، حيث يعبر بوضوح عن رؤية الصهاينة للمطبعين العرب باعتبارهم مجرد أدوات يتم استخدامها لتحقيق مصالح الاحتلال، دون أي احترام حقيقي أو تقدير لقيمتهم.

لقد شهدت العقود الأخيرة تزايدًا في وتيرة التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، مدفوعة بمصالح اقتصادية أو ضغوط سياسية. إلا أن الحقيقة المرة تظل قائمة، وهي أن التطبيع لا يجلب السلام ولا يحقق العدالة. إنه فقط يغطي على جرائم الاحتلال ويمنحه شرعية زائفة للتوسع والاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني. بهذا، فإن المطبعين يضعون مصالحهم الآنية فوق معاناة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، متجاهلين تاريخًا طويلاً من التضحيات والشهداء.

إن اعتراف جولدبيرغ بأن الإسرائيليين "يحترمون أولئك الذين تمسكوا بما لديهم" يعكس فكرة مهمة؛ فالصهاينة يدركون قيمة الكرامة والتمسك بالمبادئ، حتى وإن كان ذلك على حساب العلاقة معهم. إن هذا الاحترام المشروط يُظهر بجلاء أنهم ينظرون إلى المطبعين بازدراء، لأن هؤلاء ببساطة اختاروا خيانة قضيتهم مقابل مصالح فردية ضيقة. وعليه، فإن المطالبين بالتطبيع ليسوا سوى أدوات تُستخدم في لعبة سياسية لا أخلاقية.

إن التطبيع لا يقتصر فقط على العلاقات السياسية أو الاقتصادية، بل يمتد ليشمل الفكر والثقافة، حيث يظهر بعض المثقفين والفنانين العرب وهم يروجون للتطبيع كوسيلة لتحقيق "السلام" والتعايش بين الشعوب. لكنهم يتجاهلون أن هذا "السلام" الذي ينادون به هو سلام مبني على القمع والاستيطان وسلب الأرض والحقوق. إن الثقافة العربية، منذ نشأتها، قائمة على قيم العدل والكرامة والدفاع عن المظلومين، والتطبيع مع كيان عنصري يقف ضد هذه القيم هو بمثابة خيانة للتراث الثقافي والأخلاقي العربي.

كما أن التطبيع الثقافي والفني يُستخدم كوسيلة لتلميع صورة الاحتلال أمام العالم، وإخفاء الجرائم التي تُرتكب يوميًا بحق الفلسطينيين. عندما يقف فنان عربي على خشبة المسرح في تل أبيب، أو يُشارك في مهرجان سينمائي أو محفل ثقافي أو أدبي ليصافح إسرائيلي، فإنه بذلك يعطي شرعية للسياسات العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ويشوه صورة الفن الذي كان من المفترض أن يكون صوت المظلومين والمضطهدين.

من المعروف أن الكرامة الوطنية تتجسد في الثبات على المواقف المبدئية وعدم المساومة على حقوق الأمة. وعندما يتنازل بعض السياسيين والمثقفين والفنانين عن هذه المواقف من أجل التطبيع، فإنهم بذلك يفقدون احترام شعوبهم ويقوضون مكانتهم في الوجدان العام. إن قول جولدبيرغ: "نحن نحبك مباشرة، لكن حبًا كحبنا للكلاب" يعكس بوضوح هذا الفقدان للكرامة، حيث ينظر المحتلون إلى المطبعين العرب على أنهم أدوات يمكن استبدالها عند الحاجة، دون أي احترام حقيقي لهم.

إذا كانت إسرائيل نفسها لا تحترم هؤلاء المطبعين، فما الفائدة من التطبيع؟ وكيف يمكن لمثقفين أو فنانين عرب أن يقنعوا شعوبهم بجدوى مثل هذه العلاقات، في حين أن المحتل يعلن صراحةً أنه يحتقرهم ولا يحترمهم؟ إن هذا التناقض يفضح حقيقة التطبيع كعملية تنطوي على إهانة عميقة للكرامة الوطنية.

غالبًا ما يلجأ المطبعون إلى تبرير مواقفهم بالقول إنهم يسعون "لتحقيق السلام" أو "إنهاء الصراع". لكن الواقع يقول شيئًا مختلفًا تمامًا. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن التطبيع لم يؤدِّ إلى تحقيق أي تغيير إيجابي على الأرض، بل على العكس، زادت الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتوسع الاستيطان، واستمر تهجير السكان الأصليين من أرضهم. إذا كان التطبيع فعلاً سيساهم في تحقيق السلام، فأين هي ثماره؟ ولماذا لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن تدمير البيوت وتهجير الأطفال وقتل الأبرياء؟

إن مقاومة التطبيع ليست مجرد موقف سياسي، بل هي موقف أخلاقي وإنساني ينبع من قيم العدالة والحرية التي ينادي بها جميع الشعوب الحرة. إن الاعتراف بالحق الفلسطيني في الأرض والوجود هو واجب على كل عربي، وعدم المساومة على هذا الحق هو السبيل للحفاظ على الكرامة الوطنية. فالمطبعون قد اختاروا الطريق السهل، طريق الخيانة والتخلي عن المبادئ، لكن الشعوب الحية تظل ثابتة على مواقفها، تدافع عن حقوقها ولا تساوم على كرامتها.

لقد آن الأوان ليقف المثقفون والفنانون العرب ضد موجة التطبيع، ويعلنوا بوضوح رفضهم لهذه الخيانة العلنية لقضية العرب المركزية. إن رسالة جولدبيرغ يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار لكل من يعتقد أن التطبيع يمكن أن يجلب الاحترام أو يحسن من صورة العربي في عيون الإسرائيليين، فالاحتلال لا يحترم سوى أولئك الذين يتمسكون بمبادئهم، ويحافظون على كرامتهم وكرامة أمتهم.

كلمات شاي جولدبيرغ تكشف بوضوح حقيقة الموقف الإسرائيلي من المطبعين العرب: "إما كلب محبوب أو مكروه محترم". هذا الخيار الذي يطرحه جولدبيرغ يعبر عن احتقار عميق لكل من يختار التطبيع والتنازل عن الكرامة والقيم. إن الدفاع عن الكرامة الوطنية والتضامن مع القضية الفلسطينية هو الذي يضمن للشعوب العربية احترام العالم، ويحافظ على إرثها الأخلاقي والإنساني.

إن موقف الشعوب العربية واضح وثابت في رفض التطبيع، وإدانة كل من يسعى لتبرير العلاقات مع الاحتلال. علينا أن ندرك أن النضال من أجل فلسطين ليس مجرد مسألة جغرافية أو سياسية، بل هو اختبار للقيم والكرامة. لذا، يجب أن نقف جميعًا ضد موجة التطبيع، ونحافظ على موقفنا الأخلاقي والإنساني، وندعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة أرضه.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المساواة في الألم
- ما فائدة الحياة إذا لم تظل مقاوماً؟
- معنى أن تعيش تحت القصف
- الخيانة: من طير الوقواق والقردة إلى بني البشر
- المُطبعون أشد إفكا ونفاقاً
- الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم
- موجز تاريخ الشقاء
- صوت المقاومة يتحدى الصمت
- ما الذي حل بالكرامة العربية؟
- تسقط إسرائيل.. تحيا المقاومة
- بيروت.. وجه الله في مرآة البحر
- عواقب الخذلان العربي للمقاومة في غزة ولبنان
- المثقف والمقاومة وجهان لعملة واحدة
- الخيانة ليست وجهة نظر
- المقاومة فوق القوة
- المثقفون المرتزقة: من تحريف الحقيقة إلى تشويه الثقافة
- مثقفو الهامش: بين الاستبعاد والخروج عن المألوف
- في وصف الخذلان
- تاريخ الكذب: من الفلسفة إلى الواقع
- مجنون ليلى عند المتصوفة: تجليات العشق وصولا إلى العرفان


المزيد.....




- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...
- شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
- الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل ...
- العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها ...
- روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال ...
- لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين ...
- الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سامح قاسم - المُطبعون بين الكلب المحبوب والإنسان المكروه