|
إيران.. من يمين إلى وسط المحافظين
عبدالجليل النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 1778 - 2006 / 12 / 28 - 11:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جرت في إيران انتخابات المجالس البلدية ومجلس الخبراء الذي تتلخص وظيفته في انتخاب مرشد الثورة الإسلامية ومراقبته. ولأن الراديكاليين المحافظين يهيمنون منذ انتخابات العام الماضي على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كافة، بما في ذلك تقييم المترشحين للانتخابات الأخيرة، فإن أنصار التيار الإصلاحي المؤيد للرئيس السابق السيد محمد خاتمي لم يستطيعوا تقديم مرشحيهم. ولهذا انحصر التنافس بين جناحي المحافظين (الراديكالي المؤيد للرئيس الحالي أحمدي نجاد بقيادة أبه الروحي أية الله مصباح اليزدي والوسط المعتدل المؤيد للرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني). وعلى رغم هذا الحصر، إلا أن بارومتر الحياة الاجتماعية في إيران يشير من جديد إلى درجة عالية من التحفز. وكانت هذه الانتخابات ذات مغزى انتقالي، لكنها شدت انتباه العالم وترقبه. واعتبرها بمثابة التمرين العامز قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2008 - .2009 وشارك في انتخابات مجلس الخبراء نحو 26 مليون ناخب يشكلون 60% ممن يحق لهم التصويت. وتعد هذه النسبة مرتفعة إذا ما قيست بالعام ,1998 حيث بلغت 46% فقط. الناخبون هذه المرة هم في الغالب الشباب الذين شكلوا قرابة 70% من القوة الانتخابية في البلاد. وكما أن تصنيف القوى السياسية في إيران بين محافظين ووسط وإصلاحيين ويسار وغيرها لا تتطابق والمواصفات المأخوذ بها في المجتمعات المتطورة، كذلك فإن نتائج الانتخابات بدت غير خاضعة للمنطق إذا ما قسنا الأمور باعتبارات الثقافة السياسية الغربية. فلم يمض عام على فورة الثقة الذي تمتع بها الرئيس أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الماضية حتى خبا نجمه في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول الجاري. نتائج هذه الانتخابات شكلت، كما في علم الرياضيات ‘’قيمة متجهة’’ حرّكت ميزان القوى السياسية في إيران من يمين المحافظة إلى جهة مركزها. في الانتخابات الرئاسية الماضية جاء الراديكاليون المحافظون على أنقاض الإصلاحيين الذين وجهت إليهم سهام نقد قاتلة. الآن تتجه هذه السهام إلى الذين أطلقوها بالأمس، لكن لم يفلحوا في الإبقاء على البلاد في إطار التطور المستقر والوطيد ولم يحققوا الوعود التي قطعوها على أنفسهم و’’اشتروا’’بها الناخب البسيط. لقد انقضوا على النهج الاقتصادي السابق، لكنهم فشلوا في تحسين الحياة الاجتماعية للسكان. وفي حين حققوا نجاحات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية في العام ,2005 فقد قابلتها إخفاقات كبيرة على المستوى الاجتماعي. اتجهت إيران بكل قوة لأن تصبح دولة إقليمية عظمى، لكنها سخّرت من أجل ذلك جل الموارد الداخلية من نفط وغاز ومال. وسرعان ما شعر الشعب بوطأة تناقض السياستين الخارجية والداخلية على كاهله، ولذلك فلم يعد لادعاء الراديكاليين السابق بأن إيران لا تحكمها النخب، بل الناخب العادي، أي معنى، ولذلك أيضاً فلم يستطيعوا احتكار ثقة الناخب، ولم تجتذبه ‘’الرائحة الزكية لخدمة الناس’’ (وهو اسم قائمة أنصار الرئيس أحمدي نجاد). لقد أشاح الناخب بوجهه عنهم، لكنه لم يستطع العودة بصوته للإصلاحيين الذين غابوا عن ساحة المنافسة للأسباب التي ذكرنا أعلاه. ولم يجد بداً من تفويض أمره إلى وسط المحافظين بقيادة هاشمي رفسنجاني. وهكذا وجد ‘’الكاردينال الرمادي’’ مصباح اليزدي نفسه في ذيل قائمة الفائزين وبالكاد استطاع أن يدخل في عداد مجلس الخبراء الجديد. الآن يمكن القول بكل ثقة إن الشيخ هاشمي رفسنجاني سيغادر موقعه نائباً لرئيس مجلس الخبراء ليحتل موقع رئيسه. وأثبت رفسنجاني أن هزيمته في انتخابات العام الماضي الرئاسية لم تستنفد خزين القوة الذي يتمتع به. لكن النتائج أثبتت أكثر من ذلك، أن الشعب الإيراني قد تعب من بدع السياسات التجريبية التي مارستها قوى اليمين المحافظ على حساب قوته وصحته وتعليمه وراحته، ناهيك عن حريته، وأنه يسعى نحو التطور المستقل والقابل للتنبؤ. لقد تبلور هذا المزاج في المجتمع الإيراني على أساس مقدمات موضوعية. فعلى رغم الورع والزهد والبساطة التي أبداها الرئيس أحمدي نجاد، وكذلك الاقتراب من مصالح الشعب والبعد عن الفساد اللذين أبداهما التكنوقراط المهنيون الذين ضمتهم حكومته، إلا أن كل ذلك لم يكن كافياً من أجل ضمان التطور الداخلي الثابت والوطيد. كان من الضروري أيضاً وعي أن تزايد الاعتماد المتبادل في عالم اليوم لا يسمح لأية دولة بالتعامل مع قضاياها الداخلية بشكل منفرد. وحتى ولو تمتعت هذه الدول بموارد طبيعية جبارة فمن دون فتح أبواب نقل التكنولوجيات المتقدمة إلى داخل البلاد وتوطينها، ومن دون خلق مناخ جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، لا يمكن استغلال هذه الموارد بالشكل الأمثل. وينطبق هذا على إيران بشكل مضاعف، إذ إنها تعاني من حصار أميركي فعلي مضروب عليها منذ زمن. هذا التحول السريع في اتجاهات الناخبين يعطي إشارة جدية للقوى الحاكمة في إيران بأنه عاد من الضروري ليس فقط تغيير أولويات الدولة والتحول نحو استراتيجيات جديدة للتنمية، بل يتطلب الأمر إحداث تحوّل نوعي من الأفكار’’الراديكالية’’ إلى ‘’المعتدلة’’ والبحث عن أفضل السبل لدخول إيران في النظام الاقتصادي العالمي، شريكاً فاعلاً طبعاً، للحفاظ على المصالح الوطنية الإيرانية وتعزيزها. والتجربة التاريخية الإيرانية نفسها أثبتت أن نوازع بناء الدولة الإقليمية الكبرى على حساب المصالح الداخلية للشعب لا تمر من دون عقاب من الشعب. فعلى مثل هذه التربة تنامى سخط الجماهير على ثورة أطاحت نظام حكم الشاه المطلق. لا نختلف في أن الأمر مختلف في إيران اليوم. فليس للحكومة أية معارضة جدية من خارج النخبة القابضة على السلطة بإحكام. ويمتلك المرشد الأعلى للثورة/ الدولة الأدوات كافة، لكي يغيّر أي رئيس حكومة لا يروق له. لكن الواضح أيضاً أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2008 - 2009 ستقف أمام قرار مصيري. فهناك سيتحدد الخيار السياسي بين المحافظين (راديكاليين ووسطيين معتدلين). وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن غياب مرشحي جناح خاتمي ‘’الإصلاحي’’ في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول، فإن تياره دخل في تحالفات قوية مع وسط المحافظين أثرت كثيراً في أن تتجه النتيجة إلى صالحهم. هذا يعني أن خميرة التحولات بدأت منذ الآن تتفاعل لصالح ‘’الإصلاحيين’’ الذين جاء بهم الناخب إلى الحكم في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، لكنه ملّ - أيضاً - كثرة كلامهم وقلة إنجازاتهم فأطاح بهم فيما بعد. ومادامت آليات ‘’الديمقراطية’’ الخاصة من نوعها في إيران تدار بهذا الشكل المحكم، يبقى على المواطن أن يدور في حلقتها المفرغة إلى أن يقضي الله أمراً يسمح للناخب أن يلتقي بمترشحين ليسوا من طبيعة النظام القائم وحده.
#عبدالجليل_النعيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
11 سبتمبر.. كل عام وأنتم بخطر
المزيد.....
-
ترامب يأمر الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية في الصومال
-
تظاهرات في مدن ألمانية ضد سياسة الهجرة المدعومة من البديل
-
نتنياهو: سنواصل العمل لتحقيق أهداف الحرب
-
شاهد.. نيران وحطام طائرة متناثر في الشوارع إثر الحادث الجوي
...
-
مصر.. اجتماع عربي لرفض تهجير الفلسطينيين
-
صحيفة: في الغرب يدركون أن بوتين يعرف نقطة ضعفهم
-
اختفاء معلومات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من
...
-
السودان.. الجيش يعلن استعادة السيطرة على عدة مدن في ولاية ال
...
-
دانماركي يحرق مصحفا أمام السفارة التركية في كوبنهاغن (فيديو)
...
-
واشنطن: يجب إجراء انتخابات في أوكرانيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|