أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أصول العدمية














المزيد.....


أصول العدمية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8134 - 2024 / 10 / 18 - 13:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


٢٥٣ أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
١ - أصول التيارات العدمية

إذا كان بارمينيدس من أوائل الفلاسفة الذين شرعوا في إستكشاف ما يكون وما لا يكون، الكائن واللاكائن، ووضع االمفاهيم التي بنيت عليها كل الأنطولوجيا اللاحقة، فإن الفلسفة المعاصرة، والفينومينولوجيا بالذات تعمقت كثيرا في دراسة وبحث تفاصيل الكينونة والعدم، مثل هايدغر وسارتر وغيرهم. ولكن كما سبق القول، سنترك هذه التفاصيل جانبا في الوقت الحالي، وسنوجه إهتمامنا إلى فكرة أو مقولة أكثر عمومية من العدم وهي ظاهرة العدمية كنوع من البراكسيس، أو كتيار سياسي وإجتماعي وجمالي فني، ظهر فجأة في أوروبا ثم أنتشر وتطور وأصبح مصطلحا عاما يستعمله كل من هب ودب ولم يعد يدل على أي شيء محدد، أو بالأحرى يشير إلى مواقف وظواهر متعددة مختلفة ومتناقضة. ولهذا السبب يجب العودة إلى هذه الظاهرة ومعاينة تاريخها وجغرافيتها ودلالتها الإجتماعية والسياسية والفنية. وكل التفاصيل المتعلقة بالفلسفة اليونانية وأساطير التكوين الدينية منها والعلمية، والتي ذكرناها سابقا ستشكل الخلفية التي ستساعدنا على تحليل وإدراك المعنى والمعاني المباشرة والفرعية لظاهرة العدمية التي لم يتوقف معناها عن التغير والتطور من عصر إلى عصر وإن أحتفظ على الدوام، أوفي أغلب الأحيان بجانب سلبي ومدمر. وعند إستشارة القواميس اللغوية بخصوص دلالة الكلمة، نجد أن أغلبها تركز على فكرة رفض القيم الإجتماعية والسياسية والدينية، عدم الإيمان بأي شيء إطلاقا والرغبة في تحطيم المجتمع وأسسه الأخلاقية. على الرغم من ذلك، فإن مفهوم العدمية يطلق على تيارات ومعتقدات ومواقف فكرية، سياسية وإجتماعية وفنية شديدة الإختلاف تصل لحد التعارض والتناقض في الكثير من الإحيان. والعديد من مؤرخي العدمية، يرجعون أصولها إلى الفلسفة اليونانية وبالذات إلى ديوجين السينيكي وإلى سقراط نفسه. فهذا نولِن غيرتز Nolen Gertz يؤكد في كتابه عن العدمية - الصادر في ٢٠١٩ عن The MIT Press، بأن سقراط يريدنا أن ندرك أننا عدميون. وغيرتز هو أستاذ مشارك في الفلسفة التطبيقية بجامعة توينتي University of Twente في هولندا ومتخصص في دراسة الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في الحياة اليومية، بشكل أساسي في مجالات الفلسفة السياسية وفلسفة التكنولوجيا والظواهر الوجودية، وهو مؤلف كتاب العدمية MIT Press 2019، والعدمية والتكنولوجيا (Rowman Littlefield International 2018)، وفلسفة الحرب والمنفى (Palgrave 2015). ومن وجهة نظر غيرتز.تشكِّل العدمية، من المنظور السقراطي، خطرًا على المستوى المعرفي والوجودي على حدٍّ سواء بالنسبة للمجتمع الأثيني ذلك الوقت. إذ يذهب سقراط، إلى أن السجناء، في الفصل السابع من الجمهورية، الذي يتحدث فيه إفلاطون عن سجناء الكهف، الذين لم تقع أعينهم منذ البداية، إلا على الظلال التي تلقيها النار التي خلفهم على حائط الكهف المواجه لهم وهي التي تشكل في نظرهم الواقع الوحيد الذي يعرفونه وحقيقة الأشياء وليس هناك شيء آخر غير هذه الأشباح المرتجفة. وهم لا يتمسَّكون باعتقادهم في الظلال، التي تشكل الحقيقة في نظرهم حتى مع تقديم دليل نفي لهم فحسب، بل «يفتكون» بأي شخص يأتيهم بدليل النفي هذا، أي شخص يحاول إقناعهم بأن ما يحسبونة ما هي إلا ظلال، أي شخص يحاول تحريرهم من سجنهم. فالسجناء، الذين لا يعلمون أنهم سجناء، لا يرون الكهف سجنًا، وإنما يرونه بيتًا عاديا، تمامًا مثلما لن يرى سجناء كهف إفلاطون الشخصَ الذي يريد إخراجهم من الكهف محرِّرًا، بل إنسانا فاقدا لعقله. فمجتمع أثينا حاكم سقراط وحكم علية بالموت بتجرع السم وهو الذي كان يحاول تحريرَهم من أوهامهم الموروثة، بتهمة محاولة تحريرهم، لان سقراط، من منظور الأثينيين، كان مهرطقًا وعنصرَ إفساد شديد الخطورة للشباب. وقد فسر البعض هذه القصة الفلسفية بأنها ترمز إلى ان النفس الانسانية في حالتها الحاضرة، أي خلال اتصالها بالبدن، اشبه شيء بسجين مقيد بالسلاسل، وُضِع في كهف، وخلفه نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على جدار اقيم امامه، فهو لا يرى الأشياء الحقيقية بل يرى ظلالها المتحركة، ويظنها حقائق. فالكهف في هذه الاسطورة هو العالم المحسوس، والظلال هي المعرفة الحسية، والأشياء الحقيقية التي تحدث هذه الظلال هي المُثُل الإفلاطونية المعروفة. وإذا سلمنا بهذه الفرضية، أي بعدمية سقراط، فإن هذه العدمية هي عدمية فلسفية تتعلق بالمعرفة ولا علاقة لها بالعدمية التي نريد دراستها، ذلك أن العدمية كما سبق القول، هي ظاهرة متعددة الوجوه، ويمكن تتبعها في أغلب الظواهر والمواقف الناتجة عن الإنتاج الفكري أو العملي للبشرية.
فالمسيحية مثلا أعتبرها نيتشة فلسفة عدمية، حيث يؤكد في ملاحظاته عن العدمية "القلق، سواء أصاب الروح أو الجسد أو العقل، لا يمكن في حد ذاته أن يُنتِج العدمية (أي الاستنكار الجذري للقيمة والمعنى والرغبة). فدائمًا ما يصاحب مثل ذلك القلق كثيرٌ من التفسيرات. أما العدمية فلها تفسير واحد محدَّد تضرب فيه بجذورها؛ وهو التفسير القائم على المنظور المسيحي للأخلاق." وهذا المنظور في رأي نيتشة هو تبخيس قيمة الحياة وتمجيد الضعف والإستسلام والتسامح بدلا من المقاومة وإرادة الحياة.
والإسلام المتطرف أيضا يعتبر حاليا رؤية عدمية للعالم، نظرا لرغبة هذه الإيديولوجية تمجيد الموت والإستشهاد من أجل قيم مجتمع قبلي ترجع أصوله إلى أربعة عشر قرنا. ولكن الإلحاد بدوره يعتبر عدمية، وكذلك الشيوعية والأناركية والرأسمالية والإرتيابية والمثالية والمادية والوجودية.. إلخ.
فلابد إذا، ومن الضرورة القيام بعملية فرز وتنظيم كل هذه المعطيات المتشابكة لتوضيح صورة العدمية كفكرة تنشر ظلها العملاق على هذا العصر العصيب الذي تمر به البشرية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدم الوجودي
- لماذا الكون ؟
- حدوث أم أزلية الكون
- دموع البحر
- مسرحية ماكرون ونتنياهو
- نظرية كل شيء
- الشعب الذي يرفض أن يموت
- لماذا لا نزحف على إسرائيل ؟
- المادة العجيبة
- عن العرب والإسلام والتخلف
- ما هي المادة ؟
- لماذا العبور
- أزمة الفيزياء النظرية
- عالم الذرة وعالم المجرات
- نهاية العالم بين الجحيم والجليد
- الأدلة على نظرية Big Bang
- مراحل الإنفجار الكبير
- الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
- نظرية تمدد الكون
- وتأخر المسيح عن موعده


المزيد.....




- كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش ...
- الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال ...
- توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
- الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
- تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
- منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر ...
- أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته ...
- الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
- إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا ...
- إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أصول العدمية