أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (16)















المزيد.....


عن الطوفان وأشياء أخرى (16)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 15:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


-ألّا تكون "ضحية" ولا "آخر"
اشتغلت الصهيونية عبر تاريخها على "إنتاج" العدو ونقيضه. عدو حقيقي مرئي وليس متخيلاً، والعمل على اقتران نقيضه؛ أي "اليهودي" بـ "العالمية" والموازاة، بالأحرى المساواة تبادلياً بين "اليهودي" و"الصهيوني"؛ كي يلبس تماماً ثوب الضحية، بما يفترض استدامة اليهودي كمثال واحد ووحيد لها. وهذا لا يستقيم إلا بإنكار مزاعم الآخر، بكونه ضحية*، وحتى لو اضطرت لقبوله كذلك فينبغي لمعنى الضحية الجديد هذا "وهو الفلسطيني هنا" ألا يتمجد أكثر مما هو مسموح للدال "اليهودي"، بل يتأرجح بين "جار مزعج" أو "عدو سيء"... أيهما أنسب. وهذا في الواقع تعيين استعماري على الفلسطيني التحرك فيه ضمن مسارات وحدود "عرقية" وفيزيقية مادية وحتى بيولوجية معينة إسرائيلياً، مما سيؤدي في النهاية إلى تشويه "الإنسان" الفلسطيني بحث لا يمكنه، الادعاء بمضاهاته للآخر لليهودي-الإسرائيلي، لأن تثبيت هذا الادعاء، يفضي إلى استدعاء فلسطيني قابل للتعيين والتفسير – بدرجة ما- في مواجهة الإسرائيلي، بحلاف ما ترى إسرائيل فيه مجرد منتج استعماري ضعيف وعاجز، تتحكم فيه علاقات الضم والاستبعاد والاستئصال.
مهما تنوع التحليل ومهما اختلفنا في تفسير الأحداث الجارية الآن، لن يخرج سقف أفكارنا عن كون إسرائيل واقع استعماري استيطاني إحلالي شمولي الطابع يتصف؛ أولاً، بإلغاء الفلسطيني أيا يكون (كذات وتاريخ وحضور مادي ملموس)، والحلول؛ ثانياً، مكانه حلولاً كاملاً ونهائياً. وإذن؛ على الفلسطيني الخروج من مأزق رؤية ذاته كضحية والعبور من هذه الرؤية إلى رؤية تضعه في إطار النضال والمقاومة كنقيض لهذا المشروع. فالاستسلام للمشروع الصهيوني سوف ينعكس – بلا شك- على هيئة استلاب عقلي ومادي لواقع الفلسطينيين، وهذا يعني أنهم، بحكم تعريفهم الحالي وبحكم قضيتهم، ليس بمقدورهم، على الأغلب، العيش في حالة "طبيعية" وإن بدوا طبيعيين في مجتمع طبيعي.
وهذا -باعتقادي- أشد حالات الاستلاب حدةً وتطرفاً وقسوةً، بل أشدُّ ما يكون عزلةً، ما يجعل الواحد منا ينام ويصحو على أوهام قد تكبر أو تصغر... لكن دون آفاق حل، مثل وهم قيام دولة مزعومة سواء أحادية أو ثنائية القومية أو أوهام تحقيق "منجز" وطني في ظل حراب الاحتلال.
-الفلسطيني كإنسان عاجز
"لا يمكن أكل البيضة دون كسرها"... هكذا كان ردد المؤرخ الإسرائيلي في مقابلة قديمة مع آري شافيط في صحيفة هآرتس. في سياق تفسيره لسياسات التظهير ["الإثني/العرقي"] أثناء أحداث نكبة العام 1948... غير أنه لا ينبغي فهم هذا التفسير -والكلام لموريس- كتبرير لحوادث مثل الاغتصاب أو المجازر، فتلك جرائم حرب، ولكن [دائماً هناك ولكن] في بعض الحالات [والكلام لا زال لموريس] لا يعدّ الطرد جريمة حرب: "لا أعتقد أن الطرد الذي حصل في العام 1948 يعد جرائم حرب. هناك ظروف تاريخية تبرر التطهير ["الإثني/ العرقي"]. أعرف أن هذا المصطلح هو سلبي تماماً في خطاب القرن الـ 21، ولكن عندما يكون الخيار بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية، الإبادة الجماعية لـ (أبناء شعبي) فسوف أختار التطهير العرقي"**.
الملاحظة الأولى على هذه "الهرتلة" أن بيني موريس ومن يشبهه لا يرون -أصلاً- الفلسطيني... يعني يتحدث الأخ وكأنه يناقش تجربة مخبرية ناقصة لا بد من استكمالها للوصول إلى النتائج المطلوبة... وكما هو الحال في أي تجربة؛ يتم التخلص من العينات دون اكتراث..
هكذا نحن الفلسطينيون في نظر هذا المؤرخ.. بل ربما أكثر
بيد أنه -وبلغة أكثر جدية واتساق- يمكن تفسير كلام بيني موريس -الذي يبدو في ظاهره صادماً للبعض- بمعايير العنف الإسرائيلي "المبرر" ضد الفلسطيني، فقتل هذا الأخير و/ أو عدم قتله لا يشكل فرق جوهري هنا، لأنه يتم في إطار وطقوس "نمذجة الضحية" واستبدال الضحية بالبديل الذي يطلق عليه الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين "الإنسان العاجز" أو "الإنسان المستباح" homines sacri الذي يعود بجذوره للفقه الحقوقي الروماني في وصف الأفراد الذين لا تنطوي حياتهم على أي قيمة مهما كانت ضئيلة ويمكن التخلص منهم و/ أو قتلهم دون أن يعاقب قاتلهم، الأمر الذي يساعد، المجمع الاستعماري في فلسطين، في الحفاظ على الادعاء الذاتي للتفوق الأخلاقي لحكومته "المنتخبة ديموقراطياً"-وسوف يتجسد هذا الادعاء بمزاعم ذاتية حول امتلاك المجمع والحكومة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم-. وفي العموم تساعد هذه الرواية في تفسير الفشل في تشكيل رأي عام قوي ومتماسك في الغرب يمكن أن يكوّن تيار غضب ورفض لما يتعرض له الفلسطينيون، فالفلسطيني في المتخيل الغربي ينظر له كموضوع متغاير، وهو ليس ضحية بطريقة ما؛ بل في أغلب الحالات معتدٍ على الإسرائيلي وهو منتِج للإرهاب، نظراً لأن "اليهود" هم دائما "هدفاً للإرهاب"- وليسوا إرهابيين- وكلما دق الكوز بالجرة سوف يردد الساسة الغربيون أن على السلطة الفلسطينية " نبذ " الإرهاب وكأن هذه الصفة لصيقة وتنتقل بالوراثة. (لنلحظ في هذا السياق نشاط الدراما الإسرائيلية" أفلام ومسلسلات" على شبكة نيتفليكس خلال الأعوام القليلة الفائتة في تثبيت هذه الصورة عن الفلسطينيين)، وعندما نقول إن إسرائيل استعمار ليس كمثله شيء، فسوف يقودنا هذا إلى الحديث عن جوهر مشكلة الفلسطينيين (التي هي قبل كل شيء مشكلة بنيوية خلقتها الحالة الاستعمارية الصهيونية ومشروعها " القومي/العنصري" في المنطقة).
ثمة الكثير مما يمكن أن يقال هنا لتوصيف صورة الفلسطيني من منظور" الاستشراق" و " الحرب على الإرهاب". والشي بالشيء يذكر، فقد كشفت صحيفة جيروزاليم بوست قبل عدة سنوات (بداية العام 2019) أن محتويات إسرائيلية أضيفت بصمت وهدوء إلى خدمات "نيتفليكس” ومن بينها أعمال درامية تشكل ترويجاً مباشراً للاحتلال الإسرائيلي، مثل فيلم The Red Sea Diving Resort الذي يتحدث عن جهود الموساد في تهريب مجموعة من يهود الفلاشا عبر الأراضي السودانية. وكذلك مسلسل "عندما يطير الأبطال" الذي يتم بثه بعدة لغات، وبرنامج "الشرطي الطيب/هشتور هتوف" الكوميدي، وفيلم "صانع الكعك" الذي رشحته إسرائيل كمنافس في صنف الأفلام الأجنبية للأوسكار. ولاننسى فيلم " الملاك" الذي عرضته الشبكة في العام 2018 والذي يروي قصة الجاسوس المصري أشرف مروان رجل الأعمال وزوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وكذلك مسلسل "الجاسوس" الذي عرض في أيلول 2019 على مدار 6 حلقات تناول خلالها سيرة حياة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين.
وإذن؛ لم يعد سراً أن يجد الخلط المتعمد والمنهجي بين الضحية والمعتدي طريقه إلى الموقف العربي الرسمي متساوقاً مع الموقف الغربي في تصوير الإسرائيليين أنهم " يعيشون في واحة الديمقراطية" الوحيدة في المنطقة والمحاصرة من الأعداء حيث تنهال عليهم الصواريخ العبثية " المتطرفة-الجهادية" من كل صوب وحدب. ومن شأن هذا الملمح أن يقودنا إلى استنتاجات مضللة حتى قبل أن نبدأ بطرح تساؤلاتنا ليزيد من تشويه " الآخر" أخلاقياً قبل أن يشوهه ثقافياً. وبالنظر إلى آلية التمثلات المجردة لن يستطيع الفلسطيني تقديم نفسه كآخر " مضطهَد" لأن هذا سيؤدي إلى اختزال صورة اليهودي كنموذج لهذا الآخر (كما يظهر ذلك في النقاش الغربي العام بخصوص السياسة الإسرائيلية). فتظهر معاناة "اليهود" كمعاناة تاريخية غير مسبوقة؛ مما يسمح لهم " كضحايا" أن يكونوا نموذجاً للضحية الإنسانية وبالتالي التواجد في مطرح محظور غير قابل للنقد.
.....
*لعل هذا أكثر ما ينعكس في فكرة التطبيع في الذهنية الإسرائيلية، التي يحكمها هوس التفوق والتعالي على شعوب المنطقة، بحيث تبدو فكرة التطبيع أقرب ما تكون بحثاً عن حذاء لعبور المستنقع.
**للمزيد راجع، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 15، العدد 58 ربيع 2004 ص 137. نقلاً عن "هآرتس: الملحق، 9 كانون الثاني/يناير 2004، الترجمة عن العبرية: خالد عايد)



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (14)
- عن الطوفان واشياء أخرى (12)
- عن الطوفان واشياء أخرى (13)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (11)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (10)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (9)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (8)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(7)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(6)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (5)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (4)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(3)
- دور حدّادي أفريقيا و-صنع- الثورة الصناعية في أوروبا
- عن الطوفان وأشياء أخرى(2)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(1)
- الاستعمار البديل لفلسطين: 1917-1939
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
- من شارون إلى شارون: منظومة التخطيط المكاني والفصل في إسرائيل ...


المزيد.....




- سارت خلف المنضدة وهددته.. كاميرا توثق ما فعلته سيدة بعد مهاج ...
- دخلت قصر صدام وحاولت الإيقاع بالقذافي.. -فخ العسل- ورحلة الت ...
- السفارة السورية في الأردن تحصي عدد الجوازات التي أصدرتها بعد ...
- إسرائيل.. مستشفيات الشمال تخرج من تحت الأرض بعد أشهر من الحر ...
- تايلاند: إحياء الذكرى العشرين لتسونامي المحيط الهندي في بان ...
- المغرب.. السلطات تحرر الحسون (صور)
- عاجل | مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاصر مستشفى ك ...
- الائتلاف السوري ينضم للإدارة الجديدة بمهاجمة إيران
- طعن شرطي تونسي خلال مداهمة أمنية
- قتل ودمار وحرق.. هذا ما خلّفه الاحتلال في مخيمات طولكرم


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (16)