أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإله الياسري - الإحتجاج بالشعر إجتماعياً ووطنياً















المزيد.....


الإحتجاج بالشعر إجتماعياً ووطنياً


عبدالإله الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


(آُلقيت هذه المحاضرة في"منتدى الثلاثاء الثقافي"بولاية أونتاريو بكندا،في اليوم الخامس عشر من شهر تشرين الأول/إكتوبر لسنة ٢٠٢٤م.ودونكم نصها:)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحيي الحضور المستمع لما أقول أحسن تحية.وأشكر للصديق الأستاذ عبدالله فليفل ماتفضل به علىّ من تقديم ذي إضاءة تاريخية مهمة ومفيدة،كما أشكر لمنتدى الثلاثاء الثقافي دعوته إياي ،لأتحدث اليكم عن تجربتي الشعرية التي سأقف،باختصار، عند المرحلة الجامعية منها فقط ،لضيق الوقت المتاح لي .ولا أريد أن أتحدث اليكم عنها من حيث هي تجربتي،بل أريد أن أتحدث عنها لأنها تكشف الحياة الأدبية،وماكان بينها وبين الحياة الاجتماعية والسياسية من صلة في السبعينيات من القرن الماضي في العراق ،فضلاً عن أنها مُعين لمن يود من الباحثين أن يعرف تطوري الشعري من الإحتجاج العاطفي في مراهقتي الى الإحتجاج الفكري في شبابي..على أية حال قُبلتُ،في كليّة التربية في بغداد في سنة 1968م ،كما ذكر الأستاذ فليفل في تقديمه،وكنت في الثامنةَ عشرةَ من عمري ،.وفي مطلع السنة الدراسية الأولى، كان أساتذة قسم اللغة العربية يستطلعون المواهب الأدبيــة بيـن الطـلاب الجـدد،.وحينما علم،أحد أساتذتي ،أنّي أقول الشعر، خفّ إِليّ واستنشدني بعضاً مما عندي، فأنشدته قصيدة لي في رثاء والدتي. أقتطف منها الأبيات الآتية:
أَيـــــا أُمِّـي لمَن أَشـــكـو؟ومَن يَنصِتُ للشَّـاكي؟
أَرَى حتَّى العصافيــرَ تُجـافي اليـــــومَ شـــبَّاكي
لقد جَفَّتْ أَزاهيــري.فيــا أَهــلاً بأَشــــــــــواكي
وماإن فرغَت من إنشادها كاملة،حتى بشَّ لها محيّاه،وسُرَّ بها رضاً.كانت هذه القصيدة هي التي عرَّفت أساتذتي بباكورة شعري في الكلية،وجعلتهم يدعونني للمشاركة في احتفـالاتها الشعرية. ولما حان موعد الحفل الشعـري الأوّل لسنتي الدراسيـة الأولى،دعيت
للمشاركة فيه.ولئن كانت مشاركتي هي الأولى في حفل جامعي ،فماكانت هي الأولى في غيره،إذ ألِفت من قبل أن أشـــارك الشعــــراء في بعض المحافل النجفية التي تعلمت منها أنّ الخَطابة فنّ،وأنّ الشاعر قد يخيب مطلوبه إذا لم يحسن اختيـار ما يلائم جمهوره ؛لذا فكّرت في أن أختار من شعري ما يلائم البيئة البغدادية المتحضرة ،فاخترت قصيدة لي في النسيب ـأي(الغزل).أذكر لكم منها الأبيات الآتية:
طلعـت ليلى ما أحـلاهـــا*** سكرى ببهاء محيّاهــا/يتغنّى الطيـــر بطلعتهــــا*** ويضوع الورد بريّاها/لم تخشَ لصوصاً تتبعها ***حرستها منهم عيناهـا/..حتى أقول:لم أتمم زهـرة عشريني*** وبُليت بشــوك أذواهـا/إلى آخره..وعلى الرغم من أن هذه القصيدة لم تكن ذات حظ عالٍ من الجودة والإبداع،غير أنها قد اشتهرت في بغداد.وما كانت لِتشتهرَ بينهم لولا حلاوة وزنها أي موسيقاها. ولا أزعم أنّ البيئة البغداديّة كانت غير عميقة فنياً ،بل على العكس مما يظهر..ولقد لقيت فيها من بواعث التطور مالم ألقَ مثله في غيرها؛ولاسيما الحرية الفنية التي جعلتني انطلق بشعري كلّ الإنطلاق ،مصوّرا نفسي كما هي من دون أن أتحفظ أو أحترز؛لأنّي اقتنعت،من ناحية ،بأن الإنطــــلاق الفنيّ هو من حقّ الشاعر ،ومن حقّ الفنّ عليه كذلك؛واقتنعت،من ناحية أخرى،بأن خروج الشاعر على السلطات القمعية في العراق سواء أكانت رسمية أم غير رسمية لهو الفضيلة بعينها. فلأحتجَّ ــ إذن ــ عليها احتجاجا لايحيد عن الخير. واحتججت بالشعر فعلاً.وكان شعري الاحتجاجي خـــــلال دراستي الجامعية على قسمين:شعرغزليّ حسّي وشعر سياسيّ وطنيّ..أولاًـ شعري الغـزلي الحسي:
لم أَنِ في أَنْ تمردت على سلطة المجتمع المهيمنة على العلاقــة بين الرجل والمرأة ،وعلى مفاهيمها المصبوغة بالطلاء الديني والعشائري.وبدأ تمرّدي يطرح شعراً ذاتياً مختلفاً عن الأشعار الذاتية المطروحة في زمني. ويظهر هذا الإختلاف في أني جهرت بمشكلة "الجنس" التي هي من أكبر مشاكلنا المسكوت عنها ؛إذ رأيت الغـريزة الجنسية ليست خارجة عن كينونتنا البشرية.ولا مفرّ لنا من تلبية ندائها.فإذا كانـت هي فينـا،ونحن منها،فلماذا ــ إذن ــ أتحرج من أن أذكـر مايدلّ عليها في شعري؛وقد ذكر الله ألفاظها صريحة في القرآن ،بل بيّن حتى كيفية المجامعة وتوقيتها.ولم أكد أخجل بعد هذا كله من أن أتناول موضوع الجنس بكل تفاصيله في شعري.ومن الأمثلة عليه قولي :رغبة الجنس ومن يوقفها*** أودع الله بها سر البقــا/ يالهــا من سبب أوجدنـــا*** كل مخلوق بهــا قد خلقا.أو قولي:قـــدْ تَعَتَّـقـْـتِ خَمـــرَة *** وتَصفّيْـتِ سُــــكَّــــــرا/ فــوْق ســـاقيْــكِ جَنَّـة ٌ*** وجحيــمٌ بـهـا جَــرَى/ ونَبيــــــذٌعلـى فـــــم ٍ*** قـَبِّـليـنـي لأَسْـكَــــــرا/وَلأَذقْ منـــــكِ مَـرَّة ً*** مـانـُسـَمِّيــهِ مُنْـكَـــــرا / أوقولي في الكبت الأنثوي: صــارحِـيْـــنيْ بالـَّذي فـيـــــــكِ بصمـتٍ يتــألـَّــــــمْ/ هـاهـُوَ الـجنس بعينيــــكِ صـريحـــاً قـدْ تـَكـَلـَّــــــمْ / قـَبِّـلِـيْــنـيْ قـُبْــلـَـــةً أبْـــــرَدُهـــــا نـــــارُ جَـهَنـَّـــمْ/أو قولي في الكبت الذكوري:أرسم أنثى .أصرخْ: ظمئٌ لشفاهك ياعطشى مائي/ ظمئ ضوئى/ظمئ طيني/ فارتشفيني / فأنا أتنفس من شفتيك نسائم أفراحي المقتولة .
وقد يبدو شـعــري من الأمثلة المتقدمة حسيّاً تغلب عليه الرغبة الجنسية تصريحـاً وتلميحـاً ؛لكن مـن يقرأه كله بإزاء العلاقة بين الرجل والمرأة يجده مختلفاً عن هذا المفهوم الضيّق في شيئين:أولهما في نظرتي للمرأة ،وثانيهما في نظرتي للرجل .أما نظرتي للمـرأة،فإني كنت أراهـا نصفي الإنساني الآخر في الرغبة الجنسية.قلت في بعض ذلك: شاركيني ياابنة الكبت الهوى*** ولنطفئ بــه فينـا الحُرقـا/ وليقـل عنــك وعني جاهــل *** خالفا العـرف وسـاءا خلقا/..هي ـ إذن ـ ليست شريكتي في الجنس وحسب،وانما شــريكتي في الإحتجاج على التخلف الاجتماعي أيضاً. ولطالما وقفت مبهوراً حِيالَ جلالِ أنثوتها وجمالِها.قلت: وتعري لتريـــني*مـــاتخبى بالتعري/ لأرى الله بعينيّ جليّـاً فيـــك يســري/..ولعلّ هذا المثال الأنثوي الأرضيّ الذي لم أتطلع إلى أكمل منه فيمـا وراء الطبيعـة هـو الذي صرفني عن أن أتصنّع التعفّف؛لأنّ العفـــة ليست غايـة بذاتها؛وانما هي وسيلة لشئ آخر؛.قلت فيها: أتخفيـن الهـوى عبثــاً بثـوب *** وهل يخفى حريــق بالثيـابِ؟/ وتبدين الوقار بخفض صوت ***وفي عينيك زلــزال الشبـــاب/ تعـالَيْ جَـرِّبِيْ يـومـاً سـمـائي*** لتُطبِقَ فوقَ سهلكِ والهضابِ /.. هذه هي بايجاز نظرتي للمرأة التي عبرت عنها ،بلغــة شعريــــــــة مجازية في الجزء الثاني من ديواني.وأما نظرتي للرجل في مجتمعي، فإني رأيتــه مزدوج السلـوك بإزاء المرأة.فهــو ــ من جانـب ــ يفـرض الحصانة عليها،ويطالبهـــا بالتعفف الجنسـيّ ويبيح ــ من جانب آخر ــ لنفسه الحرية الجنسية.ولقد جاهـدت أنا نفسي هذه الإزدواجية الذكورية في سلوكي لكي تتقـــــوم شخصيتي .وتتجلّى تلــــك المجاهدة واضحة في قصيدتي"سـيدة الليـل" التي تناولت بمضمونهـا مشكلة البِغاء بنظرة مغايرة للنظرة الذكوريـة السائدة ،لا لتبرير فعل البغي أي(الزانية)،وانما لإدانة فعل شريكها الرجل المسكوت عنه اجتماعياً. قلت فيها: ســيَّــــدةَ الليـــــلِ احكمي*** تـاجُــكِ تَحــتَ المِحـــــزَمِ/ جسْـــــمُـــــــكِ باللَّحـــم ِ يُنَــــــــادِيْ النــــاسَ لا بالكَلِـــــمِ/ مُسْـــــتَهْــزِئـــاً بالعُـــرْفِ،بالــقانـــــونِ،بالمُـــحَـــــــــــرَّم / لرَفْــعِ ســاقيْـــكِ انحَنَــتْ *** رؤوسُ أهْــــــل ِالشَّــمَــــمِ/..تعرض البغي في هذه الأبيات مفاتن جسدها لإغراء الرجــــــل،وهو لايكاد يميّز الحُب من الجنس؛إذ تصبح ماهية المرأة غير مهمة عنده. انما المهم هو جسدها وكيفية امتلاكه لتحقيق لذته الجنسيــــــــــة.هذا المفهوم المكتسب اجتماعياً يدفعه لتبجيل البغي مؤقتاً والخضوع لها تمهيدا للقضـــاء على شهوته كما قد تبيّن في الأبيات السابقـة. وقلت فيها أيضاً: مملكـــة الـلّــــذات طــــوع أمــــرك المحــتــــرمِ/ لافَـــــرْقَ في الـــــزوَّارِ بَيْـنَ كافـِــــرٍ ومُسْلِــــمِ/ فخيْــــرُهـــُمْ كَشــَـرِّهِـــمْ*** وُجُــــوْدُهُـــــم ْ كالعـــــدَمِ/ سَــــــاوَيْـتِهِـمْ كأنَّــــــكِ المــــوْتُ، وهُــــــمْ كالرَّمَــــــــم/ حَيْـثُ الـــــزِّنَى الأعْمَـــــقُ بالأرواح ِلا بالأجْسُـــــــــــــمِ/إذا كانت النساء تتساوى عنـد الزاني في مفهومـــه اللذائــــذي، فإنّ الرجال يتساوون عند الزانية في مفهومهـا التجـــــاري.ولئن تنجس بالبِغاء جسدها ،فان الرجال الزناة قد تنجست به أرواحهـــــــم قبـلأجسادهم، لأنهم هم المسؤولون عن النساء أخلاقياً في المجتمـــــــع الذكوري.ولا ريب في أن نجاسة الروح هي أشد من نجاسة الجسد؛ لأن قيمة الإنسان تكمن في مضمونه لا في جســده.وبهذا يكون فعل الرجل في البغاء أخطر من فعل المــرأة.وعلى الرغــم من خطورة فعله،فانه يرى المرأة هي المسؤولــــة عن إثمه لا هو.لماذا؟ لأنهـــا هي الأضعف وهو الأقوى كما يظهر ذلك واضحـاً في قولي: سَـيِّــدَتي!نَحـنُ قَـتَـلـْــنـَـاكِ،ولَــمْ نُـتَّهـَـمِ / ألحَـقُّ في التـاريـــــخ ِلِلـْـغالِـــبِ،لا المُنْهَـــزِمِ/
وقلت على لسانه هو: ويَـسْــــألُ الإلـــــــــــهَ أنْ*** تَــدْخــــلَ فـي جَهَـنَّــــــمِ/ لأنَّهــــــــا قـــَـــــدْ أثِمَـــتْ***وأنَّــــهُ لــــمْ يَأثـَـــــــــــمِ/.. هذا التناقض في المفهوم بين ما يفعله الرجل الزاني وبين مايقولــه عن شريكتـه الزانيـة من سوء،جعلني أحتج شعريا على القيـم السائدة في مجتمعي وأرفضها داعياً إلى التغيير بدءاً بثورتي أنا على شخصيتي الذكوريّة ،وانتهاء بتثوير البغي نفسها على سلطـة الذكورة في المجتمع. قلت فيما يتعلق بي أنا: سَــيِّـدتي! لـَـوْ تَعْلَميـْـنَ مِنْ شَبــابٍ سـأمي/ كرهــتُ عشــرينيَ حتـَّى صــرتُ صنوَ الهـَـــــــــرِمِ/.. مُنتفضـــــاً للعــــدل ِوالإنْسـان ِعبْــرَ الأُمَــــــــمِ/ وثائِــــرا ًمَـعَ المَسِـيـْـــحِ.رافِضــا ًأنْ تُرْجــمــــي/..وقلت فيما يتعلّق بها هي: سَيِّـــدَةَ الليْــــــلِ احكمـي***قــدْ آنَ أنْ تَـنْـتَــقِـــمـي/ دُوْسِيْ عَلَى وَهْـمِ الرجوْلاتِ وزَيْـــــفِ الهـِمَمِ / وكـلِّ مــَنْ داسَ عـلى***صَدرِكِ كالثـوْرِ العَمِي/ إعتقليهـــــــمْ واحـــــداً ***فواحـــداً كالغَنَـــــمِ/ وعَلِّميهــــــمْ ثــــورةَ الـحـقِّ،وَوَعْيَ المُلْهَـــــــــــــمِ / وكَيْـفَ تَكســـــرُ الــحـديـــــدَ هِـمَّــةُ المُقتحِـــــــــــمِ /.. وبعد ذكر هذه الأمثلة الموجزة جدا من شعري في المرأة، استطيع أن أقول الآن إن هذا الشعر ، قبيل العقد الثاني من عمري وفي أثناء المراهقة،هو مرآة نفسي ،فيما نظرت به إلى المرأة من خلال علاقتي بها ،وفيما نظرت به الى الرجل من خلال علاقتـــه بها. وفي كلتا النظرتين هو شعر احتجاج على السيطرة الذكورية في مجتمعي.ومهما يكن الإحتجاج فيه؛ فانه ليس من أحبّ شعــــــــري
عندي الآن ؛لأنني لم أحبب المرأة بعقلي ولا بقلبي في أكثره؛وإنما أحببتها بحسي الشهواني.ولأنني لم أصف حالتها الداخلية في أكثره،وإنما وصفت صورتها الخارجية ورغبتي الجنسية فيها.وما إن جاوزت العقد الثاني من عمري حتى تخطيت هذه النظرة بحيث صار شعري الغزلي يدور كله أو أكثره حول الجمــــال المعنوى للمرأة لا المادي.وصار جمالها مرتبطاً عندي بحالتها الفكريــةوالنفسية لا البدنية..وأكتفي،لضيق الوقت، ببعض الأمثلة دليلا على ماأزعم.ومنها قولي:أَسـمعهــا.تقـــولُ ليْ عيـونُــهـــا:*** فـكَّ قيـودي.مَزِّقِ الأَســجـافْ/
وفَجـّـِرِ الأنهـــارَ في صحـرائِنـــــا*** حتَّى متَى يَحكمُنــا الجفــافْ؟/..وقولي:أَخرجيني من جنانٍ أَغلقـتْ***كـوَّةَ الضـوءِ عـلَــى كــلِّ فَطيـنِ/خـوَّفــوكِ الأَهـلُ منِّـي وأَنا***منكِ باسـم الديـنِ أَهلي خوَّفوني/وقولي لها:أَأَنتِ الإلهْ؟/ يُميتُ،ويَبعثْ/سأُعلنُ رغم ذكوريّةِ الأنبياءْ،/
سأُعلنُ أنَّ الإلهَ مؤنّثْ./وأنّكِ كلِّي.وفيكِ اندمجتُ،وفيَّ اندمجتِ/أَأَنتِ أَنا أَمْ أَنا هو أَنتِ؟/..تختفي في هذه الأمثلة الشعرية الثلاثة صفات المرأة الجسمانية تماما، ولايكاد يظهر منها غير فكرها الذي يكمن فيه جوهرها الإنســـــاني. الإنسانيّ.وبتأكيدي على مضمونها دون شكلها تكون رؤيتي لهـــــا قد تغيرت في شعري تغيراً نوعياٍ.فأنا لم أعـد أنظــــــــر إليها كما كنت بالأمس ،وانما صرت انظر اليها نظرة إنسان يعيش في عصــره في القرن الواحــد والعشـرين.أريد لها من الحرية والكرامــــة والحقوق مثـل ماأريد لنفسي.كنت أجهر بهذا الرأي في الـراق،وكان الناسيسخطون عليّ كل السخط ،ثم شاءت الظروف السياسية في العـــراق أن تزيد على هذا السخط الإجتماعي سخطاً أشــــد منه وأخطر.أقصد السخــط الحكومي.. ثانياً – شعري السيـاسي الوطـني: ظننت أني قد تحررت من قيدي السلطة الدينية والسلطة العشائريـــة حين أقمت طالباً جامعياً في بغداد المنفتحة اجتماعياً على الإختلافـات العراقية بكل أشكالهـــــا.وهذا ماجعلني أتغنّى بهـا طربــاً.مثل قولي: لالاوعينيك يابغـداد ماضحكتْ*صحراء عمري ولا مسّ الندى ثمري/.. كما أني ظننت أن طريق الحرية الفنيّة قد خلت لي للتعبيرعما يختلـج في صدري،ولكن الأمر لم يكن كما ظننتت؛إذ انضـاف قيـــد سـياسيّ جديـد الى القيدين السابقين حين استولى حزب (النظام السابـق) على السلطة في العـراق في سنة 1968،وشرع يدير دفّة الثقافة والتعليم على هواه ،،فألغى ،مثلاً، كليتنا كلية التربية وألحقها بكليـــة الآداب، لإيقاف المد السياسيّ المعارض له فيها ،واستبدل اأساتذتنـا اأعضـاء اللجنة الثقافية في الكلية بطلاب حزبيين يمثلونه ولايمثلون الثقافة.ولا أريد أن أستطرد هنا في ذكر تلك السلطــة التي حكمت العراق خمساً وثلاثين سنة استطرادا مملا ،ولا أن أعيـد ماقيل فيها بعد سقوطهــــا ولكن الشئ الذي أريد أن أقوله ؛هو أنهـــا حرفت الشعر العراقي عن مساره الفني،وأمالته عن الصدق والجمال إلا ماقلّ منه ؛إذ أمسى جلّ الشعــراء العراقيين مقيدين بأهدافهـــا السياسيـــة خوفا أو طمعا.ولقد إضطرّني هذا الإنحراف الشعريّ إلى أن أخــــــرج عليه رافضاً أن أنافق ساتراً احتجاجي بقلبي، ومظهراً خلافه بلساني.ولئن تزعزعت أحلامي بالحرية ؛فقد ترسخت قدمي في طريق الإحتجاج ضد القمع على الرغم من وحدتي واغترابي في وطني ؛ولعـــــــــل قصيدتي" الضياع"التي أنشدتها في أحد المهرجانات الشعرية في الكلية في سنة 1969م،قـد كشفت كثيرا مما كنت أُعاني.ومنها هـــذه الأبيات:مَلَّتْ من النَّغمِ المحزونِ ناياتي**وأَتعبـتْ فَـَسَ الأَحزانِ آهــاتي/أُناغمُ الجرفَ والأَقدارُ قد سحقـتْ*منِّي الشراعَ وهَـدَّ الموجُ مرساتي/ وأَقتفي الشَّمسَ والأَشباحُ قافلتي***ودمعـةُ الشَّعـبِ يابغدادُ راياتي/..عندما استمع الجمهور الجامعي إليّ وأنا أنشد هذه االقصيدة في الكلية،انقلبت صورتي عنده، من شاعر طرِبٍ غزِلٍ إلى شاعر حزِنٍ ضجِرٍ؛وكيفما يرَني الجمهور،فإن أقلّ ماتدلّ عليه هذه القصيدة التائية شيئان: أولهما أن المحبوبة فيها لم تعد امرأة مثل ليلى التي ورد اسمها في قصيدتي المذكورة آنفاً؛وانما هي مدينة اسمها بغداد.وقد استعملتها في معناها المجازي لا الحقيقي لتشـمل العراق كله.وثانيهما أن عالمي الذاتي قد امتزج بعالمها الموضوعي حتى صرنا في الحزن واحداً. ومن هنا يمكن القـول أن معاناتي الظاهــرة في أغلب ابيات هذه القصيدة ،هي في دلالتهـا العميقة تمهيد لمعاناتيالوطنية التي ستظهر في قصائدي اللاحقات تلميحاً مرّة وتصريحاً أخرى،وباشكال مختلفة.ومما يدل على تلك المعاناة الوطنية تلميحاً قولي:
بغدادُ ياظمأَ السمَّارِ بيْ ظماٌ***الى البكاءِ وبيْ شكوَى من السـمرِ/إنَّا حزينانِ ماغنَّـتْ ربـابتُنـا***إلاَّ بحشرجـةٍ من ثغـرِ مُحتضِــــرِ/ولازوارقُــنـا عبَّـتْ مُهـلِّـلَةً***إلاَّ وأَفـزعَها طيــفٌ من الخطـــــرِ/خلِّي الحكايةَ سـكِّيناً تجـزَّ بنا***وزغردي،فغــداً لابــدَّ من مطـرِ/..ومما يدل على تلك المعاناة الوطنية تصريحاً قولي : بلاديَ أَذوَى صَرخةَ الفجرِ صمتُها**لوَى شمسَها ليلٌ،وأَطفأَها نهـبُ/بلادي حبلى.راعها النزف.طفلة*** تضيع. نبي دربه القتل والصلب/..وكلّما ضيّق الحزب الحاكم الخناق على الحياة في العـــراق،واشتدّت استهانته بكرامة الإنسان وقيمته،تحرّقت إلى الإحتجاج شعريّاً، وتهيأت للبذل من أجـل الحق،ومما يدل على معنى ذلك قولي:إِذا أَنا لم أُحرَقْ ومثليَ صاحبيْ*فمَنْ ذا يُضئُ الدَّربَ إِنْ أَظلمَ الدَّربُ؟/وقد مَلَّـني صَبـري.أُريدُ جنازةً***لحُبِّيَ،أَو شـمساً يُغنِّي لهـا الشَّعـبُ/أنا بيت شعـر للجيـاع تخـافـني*** زبانيـة الـوالي وتخشـاني الكتـب/..لقد تسلط الحزب الحاكم على منابع الثقافة الجامعية كل التسلط ، وعبث مسؤولوه بالحركة الأدبية شرّ عبث حتى خمدت شعلـة الإبــداع الأدبي في كلية الآداب.وما إن شاع خبر خمودها في الصحافة الحكومية في سنة1971 حتى بذل عميد الكلية ورئيس "الإتحاد الوطنيّ لطلبة العراق"وأتباعهما كل مالديهم من جهد لإحياء حفل شعري يثبتون فيه لذوي الشأن الثقافي في الحكومة خلاف ماشاع في الصحافة عن الأدب في كلية الآداب.ولعل استماتة أعضاء "اللجنة الثقافية"في إنجاح الحفل في الكلية،جعلتهم يتناسون مابيني وبينهم من صد واعراض،ويطلبون إليّ أن أشارك في ذلك الحفل الشعري الكبير.وشاركت فيه فعلاً بقصيدتي "قافلة الأحزان"التي كان مطلعها:حملتُ شراعَ الموتِ في صمتِ آلامي*وأَرضعتُ من ثدي التباريحِ أَعوامي/..ولم يخطــر في بالي أن أرضي بقصيدتي رئيس الجمهوريــة الذي حضر الحفل نيابة عنه الفريق صالح مهدي عماش، ،ولا أن أرضي كبار مسؤولي الدولة والجامعة الحاضرين، ؛ وانما كنت أريد أن أرضي ضميري ووجداني لاغير. وما إن فرغت من حزني الخاص في البيت الأول من القصيدة ،حتى اتسع ليعم حزن الناس كلها في البيت الثاني بقولي: حملت دموع الأرض في جفن لوعتي*وخضبت في جرح الملايين أنغامي/ثم ختمت القصيدة بالبيت الآتي:أَنا المغرمُ الهيمانُ شعبـيْ حبـيبتيْ*وأَنفاسُه لحنيْ،وعيناه إِلهـامي/...كان البيت الثاني والبيت الاخير في القصيدة صريحين في كشف مذهبي الذي جاوز البعد القومي الضيق ؛إلى البعد الإنساني الأوسع.ومابين البيتين المذكورين(الثاني والأخير) كانت هناك أبيات شديدة النقد قد اغتاظ لسماعها ممثلو السلطة من الحاضرين ،ولاسيما استاذي عميد الكلية الذي لم يقتدرعلى أن يكظم غيظه ضدي أمام الجمهور،فقال ماقال. لقد ألمحت محتجاً بهذه القصيدة إلى أهم الأشياء المسكوت عنها في المحافل الشعرية:ألمحت احتجاجاً إلى التفاوت الطبقي في ظل سلطة سياسية تدعو إلى مبدأ الإشتراكية دون أن تعمل به ،حين قلت:
فذي دجلةٌ تَرغُو،وتلكَ حدائقيْ***تَجفُّ،وغصني يَلتويْ وردُه ظامي/وذا السنبل النامي وذلك منجلي * يحنّ إلى طيف من السنبل النامي/..وألمحت احتجاجا إلى قمع السلطة للمثقفين الأحرار وهي تدعو إلى مبدأ الحرية؛إذ قلت في عدم القدرة على الكلام:
خذي الحزنَ من عَينيَّ يَقصصْ حكايتي*ويُنبئْكِ كيف الريحُأَلوتْب أَعلامي/..وألمحت احتجاجا إلى أن العراق البلد الزراعي أخذ يتصحر إهمالاً وبدأ المواطن يُذل جوعا في دولة نفطية.قلت في ذلك:أَنا القريَّةُ الخضراءُ قحطٌ أَذلَّـني*فأَطفأتُ فانوسي وأَخفيتُ إِكرامي/
وألمحت إلى موضوعات احتجاجية أخرى لم يتسع الوقت لذكرهــــا. وقـد يغض الحاكم الطرف عن التلميحــــــات في القصيــــدة بســـوء الأوضاع الاجتماعية والثقافية والزراعية وغيرهـا ؛ولكن لن يغض الطرف عن التلميح بالثورة عليه احتجاجا حين طلبت من الجوع أن يأخذ قمحه من دميْ لا من يدي بقولي:تعال وخذ ياجوع قمحك من دمي *ودعني أمت وحدي على رمح آلامي/ وخلِّ عراق الحزن يبتلّ رمله*وتخضرّ باليوم المذهّب أحلامي؟/..وإذا كان ذوالحكم أعجز من أن يصبر على المعنى المجازي ضده، أتظنه سيصبـــر على المعنى الحقيقي في وصف معاناة الشعب تحت قيادته بقولي: أَنا قصَّةُ الجوعِ العراقيِّ.أَختبيْ**بضحكتيَ البلهاءِ،أَقتاتُ أَسقامي/ أَنا البلدُ المنكودُ.أَتربني الأَسَى**وأَفزَعَني طيفي وأَشبـــاحُ أَيَّامي/..لقد أغضبت الحكومة بهذه القصيدة حقاً.وسرّ غضبها يكمن في أني أذعتها على الملأ وأنا حر طليق،ولم أذعها ضمن شروط العبودية وقيودها في العراق؛إذ الشاعر بمفهوم الحكومة يتضمن التبعية لها، حيث سلطتها هي فوق سلطة الإنسان.وهكذا واجهت بعد إلقاء هذه القصيدة سلطة تساوي بين الشاعر والسلعة الإستهلاكية.وعندما فشلت تلك السلطة في أن تجعلني أداة مفيدة لها،لم تفكر في سبب فشلها؛وانما اتهمتني وأدانتني ونفتني وهي تحسبني سأنـــــــــدم حين أتجرّع كأس الموت على يدها.ولم تحسب أن الموت الحقيقي للشاعر هو في جبنه حين يستسلم خاضعا للحكومة المستبدة،وإن منحته امتيازات ومكافآت،وبدا موظفا مسيطرا في مؤسساتها الثقافية،وشعره مسيطراً على الساحة الأدبية.إنّ الموت بالاحتجاج على الاستبداد من أجل الحق والعدل والجمال ليـس موتاً في دلالته العميقة،وإنما هو إنتصار لجوهر الإنسان في الحياة ولقيمته وكرامته. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحتجاج بالشعر اجتماعياً ووطنياً / عبدالإله الياسري



#عبدالإله_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموقف الإجتماعي للشاعر
- مكياج
- إِغتياب الوطن في العيد
- في سيرتيَّ الذاتيّة والشعريّة
- المُتَّهم
- مختلف
- غريبان في مطار
- رسالة الشاعر الإجتماعية
- لوسي
- رزيئة عروس
- نبذة من حركة الشعر العراقيّ في كندا،والهجرة إليها.
- يالهفي عليكَ
- نزيف الشمس
- الشاعر الحريب
- -أشعار مقاتلة-والمسكوت عنه في الشعر العراقي*
- من وحي كُرونا
- كفّوا لسانكم عن الثوَّار
- في حضرة الشهيد
- مراهقة
- عيشة الغرباء


المزيد.....




- “استمتع بمشاهدة الأفلام الكرتونية وحملها” تردد قناة بطوط الج ...
- الأفلام الكرتونية الجميلة مع قناة ماجد كيدز.. ترددها الجديد ...
- أشهر المسلسلات التاريخية .. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان المو ...
- مشروع القرن الـ21 يعرض كنوزاً أثرية تاريخية في قلب القاهرة
- الأضخم عالميا.. معرض -فرانكفورت الدولي- للكتاب يستقبل زواره ...
- في ليل ليبيا الدامس: تحالفات سرية وجواسيس ضد الاحتلال الإيطا ...
- مسلسل عثمان اليوم.. استقبل تردد قناة الفجر الجزائرية 2024 وت ...
- افتتاح مركز -بريكس- الثقافي الإعلامي في موسكو
- مصر.. منى فاروق في ورطة من جديد بسبب المخرج خالد يوسف
- مصر تفتتح مشروع القرن الـ21


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإله الياسري - الإحتجاج بالشعر إجتماعياً ووطنياً