أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد غانم عبد الجليل - مجنون الثورات















المزيد.....



مجنون الثورات


أحمد غانم عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 8132 - 2024 / 10 / 16 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


مجنون الثورات


(فانتازيا سياسية)




المكان: مستشفى مجانين مهجور على أطراف العاصمة.

الشخصيات: عبد الحكيم قاسم - عبد الوهاب عارف - نبهان عارف - محمد سعد البكر - غنام حسين - المجنون.





الفصل الأول


يُفتح الستار على خمس غرف في نصف دائرة، إلى جانب باب كل غرفة مكتوب اسم إحدى الشخصيات بالترتيب، بلون أحمر قانٍ، وبخط اليد.
غنام حسين بالزي العسكري المهترئ والمترَب، ينظر ناحية شباك على جانب المسرح، ويسطع في وجهه وهج النيران والانفجارات، مع سماع دوي بين آونة وأخرى، يعلو حينًا ويخفت حينًا آخر. يبتعد عن الشباك ويمشي نحو وسط المسرح في غطرسة من تتعقبه الكاميرات والهتافات.
غنام: أرادوا أن أترك كل شيء، فتركته، وهذه هي النتيجة، خراب، خراب، خراب، والحمقى يغطون في نومهم مثل الأموات.
يصمت، ثم يقول كأنه يحَدث نفسه: ولولا أنهم كانوا حمقى منذ البداية لما وصلتُ أنا، والآن يحلمون بالعودة، وكل منهم أضعف من سابقه. لأوقظهم فقد زهقت من البقاء وحدي في مستشفى المجانين المهجور هذا، مع أني أشعر أحيانًا بوجود شخص يجوب أنحاء المكان دون أن نلمحه، شيء مثل الشبح المتنصت والمراقب لنا على الدوام، لكن أعود وأقول أن مثل هذا الهاجس الأمني اعتدت عليه منذ عقود، وإلا لما تمكنت من البقاء في السلطة كل هذه السنوات، ممسكًا بزمام كل شيء في قبضة واحدة، كما أني تأكدت من خلو المكان تمامًا، قبل أن يتوافد الرفاق الأربعة تباعًا، وكما سبقوني إلى حكم البلاد جاءوا من بعدي إلى هنا، كأن كلًا منهم لم يأمن على نفسه إلا معي لينجوا بحياته، ربما لأنهم يعرفون جيدًا مدى حرصي على انتقاء أماكن اختبائي، لكن هذا أفضل، كي يبقوا دومًا أمام عيني، وأعرف كيف أستفيد من وجودهم لصالحي قدر الإمكان.
يناديهم: عبد الحكيم قاسم، استيقظ ولا تخف، فلا تنتظرك قذيفة دبابة. ماذا نفعل لك، إن كنتَ دخلت القصر ونسيتَ البوابة مفتوحة وراءك… (يضحك)
عبد الوهاب عارف، وأنت لا تنتظرك مروحية قد تغيبها عاصفة رملية…
(يضحك أكثر وبصوت أقوى)
أخوه نبهان عارف، أنت كنت مجَهز حقيبة ملابسك في انتظار دخولنا القصر، لا تخف لن نرسلك إلى الخارج، لأن بلاد اللجوء في هذا الزمن لم تعد تستقبل الرؤساء، فقد سبقتهم شعوبهم إلى كل مكان… (يضحك أقوى وأطول)
محمد سعد البكر، رفيق الدرب وأبي القائد، لا أنسى أفضالك عليّ، وأنا أيضًا كنتُ صمام الأمان لك، لا تنكر ذلك، حتى انتهت فترة التدريب، ولكل قطار، أقصد رئيسًا، محطته…
(يصل الضحك إلى حد القهقهة المتممة لدويّ الانفجارات)
يستأنف بعد أن تنتهي موجة الضحك: والآن لنرَ من سوف يكون مع من ومن ضد من، ويا أهلًا بالجميع في مسرح القائد، قائد الضرورة، أم الأسطورة، أم… لا، لا، حتى الأسماء والشعارات يجب أن تكون جديدة كي تناسب المرحلة الجديدة، فلتكن مرحلة غنام والحلم السعيد، ولو مع الشياطين، لكن لأرتب أموري أولًا مع قادة الأزمنة الماضية كي أضمن عدم منافستهم على المستقبل الذي يجب أن يكون لي، لي وحدي.

لا ينتبه لوجود عبد الحكيم قاسم خلفه، يرتدي بزته العسكرية التي ظل يلبسها طيلة سنوات حكمه، محافظًا على ذات هيئتها رغم مرور الزمن. يلتفت غنام نحوه جهة غرفهم بعد أن يسمع ضحكته الصاخبة.

عبد الحكيم: سوف تبقى كما أنت، مهووس بداء العظمة، تتكلم وتقرر وتسخر مع نفسك، هذا غير الموَشحات التي اعتدتَ أن توقظنا عليها، وكأنك ممثل يحفظ دوره في مسرحية ويخشى نسيانه من قلة التكرار.
غنام في سخرية: منك تعلمنا الخطابات الحماسية يا سيدي.
- لكن أحدًا منكم لن يستطيع أن يكون مثلي، أنت بالذات لم تكن مؤهلًا إلا لتكون من ضمن عصابة الاغتيالات، حتى لم تكن قائدها كما ادعيتَ بعد ذلك.
غنام مبتسمًا في خبث: كم أنت لئيم يا عبد الحكيم. ثم كيف تريدنا أن نفوت الفرصة وسيارتك تجوب شوارع العاصمة دون حراسة؟ خمسة سيارات مصفحة على الأقل، ومواكب تمويه.
- لأنني لم أكن مثلك، استوليتَ على الرئاسة فقط كي تثأر من عقد حرمانك وتحاول نسيان ما كنتَ عليه قبل دخولك القصر برفقة محمد سعد الذي كان ضعيفًا منذ البداية ولا يسمع به أحد. كنتَ عصاه التي انقلبت إلى آفعى ظلت تلدغه لسنوات حتى ركنته في بيته.

البكر يخرج من غرفته، يرتدي بذلة سوداء، موديل عقود خلت، إلا أنها تبدو كبيرة عليه، كما لو كانت لشخص آخر، أكبر حجمًا بكثير.

البكر يخاطب عبد الحكيم في عصبية: ما دخلك بما حدث من بعدك، على الأقل نحن دخلنا بسلام، ثورة ناصعة البياض، بلا مجزرة مثل التي حدثت في فجر أولى الثورات العظيمة.
قاسم: لكن ماكينة الدماء ظلت تعمل في الداخل حتى صفى بعضكم بعضًا.
- أليس هذا ما حدث أيضًا مع عدد من رفاقك؟
- أنا لستُ مثلكم، والدليل أني عفوت عن عبد الوهاب عارف عندما تم الحكم عليه بالإعدام بعد محاولته قتلي في وزارة الدفاع.
ضحك غنام، وقال: فكافأكَ بالانقلاب المبارك وهو صائم، على يد العسكريين من حزبنا الخالد، درس تغلمتُه جيدًا، وطبقته على الجميع منذ أن تسلمت السلطة، وحتى من قبل ذلك، ألا أسامح أي أحد يومًا.
- إلى حد أن المؤامرات كانت تنطلق من خيالك وتبحث عن منفذيها.

تحفز كل منهما للعراك مع الآخر، لكن البكر الواقف بينهما حاول ابعادهما عن بعضهما، فحُشر بينهما حتى استطاع دفعهما عنه، وقد علا صوت صراخه كما لو كان دوي انفجار جديد.

البكر يزعق في وجه غنام: أنت استغللتَ الموقف وضربتني عن قصد.
عبد الحكيم: حتى تعرف جيدًا من هو رفيقك الذي يحاول استغلالك من جديد كي يعود إلى مجد سلطانه، وكأنك لم تجرب غدره في السابق، مع ذلك أراهن أنه قادر على خداعك مرة أخرى وأخرى.
غنام: أنت أول المخادعين يا زعيم الملايين، أبعدتَ الكثير من رفاقك في التنظيم وصرت الحاكم العام للبلاد ما أن رأيت صورك مرفوعة مع الأعلام الحمراء في كل مكان، وظل الرفاق يخدعوك حتى أوصلوا صورتك إلى وجه القمر، وعند الضرورة وقف الجميع يتفرج على عرض الشهر المبارك.

غنام يضحك.

عبد الحكيم: الشهر الذي أعدمتَ فيه رفاقك دون محاكمة، لتبدأ بعد ذلك سلسلة الحروب التي انتهت بالاحتلال، وها نحن مختبئون في ذات الجحر على أطراف العاصمة بسبب حماقاتك.
غنام ساخرًا: ادعوا لي لأن ما حصل جعل أسماءكم الجميلة ترجع إلى الأذهان، ولو كنوع من الحنين إلى زمن مضى ولن يعود، وإلا من كان يجرؤ على ذكركم قبل ذلك، كنتُ…
عبد الكريم يقاطعه: سوف تفنيه وأهله بالكيماوي، وتدفنهم في مقابر جماعية.
البكر سبق غنامًا في الكلام: انسوا الآن كل هذا الردح، المهم أن نتفق على ما يمكن أن نفعله لإنقاذ البلاد.
عبد الحكيم: لإنقاذ البلاد أم من أجل أن تعود رئيسًا، وإن وجدتَ من يدير دفة الحكم بالنيابة عنك كما حصل المرة الماضية.
غنام ضاحكًا: في خدمتك يا رفيقي العجوز.

يعلو صوت القصف، مع رصاص، وتسطع في المسرح أضواء حمراء متقطعة وسط الظلام الذي يسود.
تعود الإنارة للمسرح. الثلاثة منبطحون على الأرض، غنام بين البكر وقاسم، مستندًا على ذراعيه، فيعلو رأسه رأسيّ كل منهما.
تبدو الرؤوس مثل مثلث من الوجوه المرتعبة، وعلى الجانبين يقف عبد الوهاب ونبهان عارف، يرتدي كل منهما بذلة رمادية اللون، قديمة لكنها تبدو كما لو أنها مكوية لتوها.
ينهض غنام أولًا، ثم عبد الحكيم الحريص على أناقة بزته العسكرية، فينفض عنها التراب على مقربة من عبد الوهاب.

عبد الوهاب عارف: لا تنفض تراب هندامك في وجهي!
قاسم في حنق: أزعجتُ سيادتك يا شيخ القومية العربية؟ لو استطعتُ لرميتُ عليك الرصاص بدل التراب.
- يكفي جعجعة كالتي كنتَ تطلقها في كل مكان وأنت لا تدري بماذا تهرفط.
- أما أنت فكانت الخطابات تأتيك من خارج البلاد.
يتدخل غنام ليقول: لنحمد الله قبل كل شيء على سلامتنا من نيران القصف الذي يدمر البلاد، والحمد لله أن هناك انفجارًا، أودى بالكثيرين على الأغلب، قد أيقظ سيادتكما أخيرًا، لا أدري من أين تأتيان بكل هذا النوم العميق.
نبهان: قال القائد. يجب آن تتدخل! اشتقتَ للخطابات التي تطول لساعات حتى يضطر الناس للنوم من شدة اليأس من كل شيء.
غنام: يا ناكر الجميل! ألم أكَرمك وأمنحك وسامًا لم تحصل على واحد مثله في كل تاريخك العسكري؟
- بعد ماذا، بعد سنوات من النفي والاتهام بالرجعية، وفي النهاية الجميع رجع للوراء إلى ما قبل تأسيس الدولة.
- أنت كنتَ غافلًا عن أقرب رجالك، فاتفقنا معهم على الدخول إلى القصر على رؤوس الأصابع ليلًا، بينما كنتَ تغط في نومك وتحلم مع الملائكة، وفي بلادنا غبي من لا ينتهز الفرصة.
عبد الحكيم: وأنت انتهزت كل فرصة وحولتها إلى غنيمة، فصرتَ اسمًا على مسمى، منذ أن جلبتكَ الصدفة لتشارك في محاولة اغتيالي وسط العاصمة، ثم ثورتكم المباركة، ومن بعدها ثورتكم النظيفة، أو البيضاء، ورعب البكر من بسطال أي عسكري يقترب من القصر الجمهوري الذي لم أقم فيه وبقيتُ قرب رجالي في وزارة الدفاع.
- وماذا فعل لك رجالك والقذائف تنهمر فوق رأسك؟ وحتى لو استطعتَ البقاء في مكانك كانوا سوف يقومون هم بالانقلاب عليك بعد ذلك، لأن شعبنا لا يثق إلا بالقوي الذي يفرض الخوف على الجميع ويصادر منهم حق الفعل قبل التفكير به.
- لهذا يلعنوك الآن في كل مكان، ومزقوا صورك وحطموا تماثيلك.
غنام في لا مبالاة: هي عمومًا لم تعد تعجبني، صارت ذات طابع قديم وتقليدي، فرصة كي أعود بالجديد وفي أحدث طراز.
- وكأنك تضمن عودتك.
- بالتأكيد.
صاحت بقية الشخصيات: ونحن!
يأتيهم صوت جهوري بنبرة القرارات الرئاسية غير القابلة للمراجعة أو التعديل، لا يدرون مصدره:
كلكم ميتون.

*



الفصل الثاني


عبد الوهاب ونبهان عارف يجلسان إلى طاولة خشبية عتيقة وعلى ثلاث جوانب منها خمسة كراسي.

نبهان في قلق واضطراب: ماذا يعني أننا ميتون؟
عبد الوهاب: أظن أنها لعبة من ألاعيب عبد الحكيم أو محمد أو غنام من أجل التلاعب بأعصاب البقية، لا تدع مثل هذه السخافة تؤثر عليك.
- أية سخافة؟ ألم ترَ الدهشة كيف نالت من وجوه الجميع!
- هذا طبيعي، وإلا كيف يحْبك مدَبر الخدعة خدعته على الآخرين.
- أستغرب دومًا من برود أعصابك وقدرتك على المغامرة في هدوء مقامر يعرف كل الأوراق التي لدى الآخرين.
- وأنا أستغرب كيف أن العسكري داخلك لم يعلمك الثبات والقدرة على التحكم بمن حولك. عندما تسلمتَ الحكم كانت كل الأوضاع هادئة ومستقرة، بعد أن استطعتُ إدخال الجميع إلى الجحور، وكان يمكنك السيطرة أكثر على كل الخيوط، لكنك ماذا فعلت، بقيتَ جالسًا في مكانك كأنك تختبئ عن الأنظار، كما هو حالنا الآن، حتى جاءوا وطلبوا منك المغادرة فرحبتَ دون أي محاولة للمقاومة.
- كيف أقاوم ولم يكن معي أحد ولا حتى سلاح.
- ولمَ لم تسيطر على كل شيء سيطرة تامة؟ لمَ كنتَ ضعيفًا إلى هذا الحد! لا تصدر أحكامًا بالإعدام، لا تعتقل إلا في ما ندر، ثم سرعان ما تصدر عفوًا عن هذا وذاك، فقط لتكون الحاكم الصالح الذي يخاف شبهة الظلم، مع أني أخبرتك كثيرًا أن كرسي الرئاسة غير منبر الجامع.
نبهان في حدة تشبه حنق الأطفال: وأنتَ ماذا استفدتَ من كل مكرك ودهائك في النهاية؟ لو أنك استطعت أن تؤسس دولة حقيقية لما استطاع أعداؤك التسلل من كل مكان دون درايةٍ منك، وفجأة وجدتَ نفسك معلقًا ما بين السماء والأرض.

تباغتهما ضحكة من غنام وهو يدخل المسرح من أحد جانبيه، ثم يقف قريبًا من الطاولة، كما لو كان يقبل نحو طفلين محتفلين بأحد أعياد ميلاده التي كان يحتفل بها كل الشعب ولو في أصعب الظروف.
غنام: حلوة قصة المعلَق ما بين السماء والأرض، ربما لأنه كان يهيم بحلم القومية العربية.
عبد الوهاب: حلم القومية الذي أضعته أنت بدخول الجيش إلى دولة جارة بعد أن اعترفتُ أنا بها.
- بسبب ضعفك وقلة حيلتك وانهزاميتك، مع أن الظروف كانت ملائمة في ذلك الوقت كي تكون سيد الموقف في كل المنطقة، ولم تكن هناك دولة مستعدة لخوض معركة من أجل إمارة لم يسمع بها أحد بعد، فالحروب الباردة في كل مكان كانت تشغل الجميع.
- وأنت أيها الذكي لم تحتل إمارة النفط تلك إلا بعد تمركز قوة العالم في جهة واحدة.
غنام في برود السكارى: ماذا أفعل إن كانت سفيرتهم الجميلة غمزت لي وقالت ألا شأن لهم بشيء ولن يتدخلوا حتى يعرفوا مع من سوف يتعاملون في المستقبل، فظننتُ أن هذا في مصلحة الجميع، وبعد ذلك سوف يضغطون على الآخرين من خلال عامل الخوف الذي أزرعه في النفوس ليكونوا أكثر انقيادًا وطواعية من أي وقت، أليست هذه السياسة يا سيد المكائد والحيَل، أم أنك نسيت كيف استغللتنا للقضاء على المساندين لرفيقك السابق عبد الحكيم ثم انقلبتَ علينا بحجة ما قام به حرس الثورة القومية.
- وأنت استغللتَ هذا بدورك كي تصعد وتبرز في القيادة، وقد كنتَ نكرة لا يعرفك أحد، خاصة من بعد الانشقاق الذي حدث وتشتت رفاقك ودخول أكثرهم المعتقلات.
غنام في غضب: أنا نكرة يا دلدول العروبة؟ إذًا انهض أنت وأخوك النائم أغلب الوقت عن طاولتي.
- طاولتك!
- نعم طاولتي، أنا الذي وجدتها والكراسي في أحد مخازن المستشفى عندما كنتُ أحاول العثور على صاحب صوت "كلكم مِيتون" الذي خفتم منه حتى كدتم تفعلونها في بناطيلكم.
عبد الوهاب ساخرًا: ووجدتَ الكراسي حسب عددنا بالضبط.
- لا، توجد كراسي أكثر، لكن هذا عدد الرؤساء السابقين، إن شاء الله في المستقبل يزيد عدد المعزولين في مستشفى المجانين.
عبد الحكيم يدخل وهو يقول: آه من خفة دمك. لو أن كل واحد منكم لم يتملكه هوَس السلطة لكنتُ بقيت أحكم على الأقل حتى تقوى الجمهورية الفنية، لكنكم تستعجلون كل شيء وكأنكم في سباق لا ينتهي، أو أن ملَك الموت يهم أن يقبض على أنفاسكم.
يضحك غنام ثم يقول: الجمهورية الفتية التي ظلت تحبو، والأخوان هنا - مشيرًا إلى عبد الوهاب ونبهان - جعلاها متخلفة ومُنقادة وراء حلم العروبة ، من المحيط حتى الخليج.
عبد الوهاب: وهذه إحدى عقدك التي لم تستطع التغلب عليها، وأيضًا لم تستطع أن تلمَ الجميع من حولك، مع أنك طوال حرب السنوات الثمان كنتَ تزعم أنك تحارب نيابة عن كل الدول المجاورة، وأنك فارس الأمة، لكنك لم تحصل على شيء فعلي في المقابل فانقلبتَ على شوارب أصحابك وصرتَ تلعن اهتزازها، كما لو لم تغادر قريتك، وإن لم يتسنَ لك حضور أي مجلس هناك أيضًا لأنك…
ضربت قبضة غنام الطاولة بقوة، وهو يصرخ: أخرس يا سافل. على الأقل أنا فعلت ما خاف أن يفعله أي عسكري منكم، فقط كنتَ تتباهى بالخاكي ولم تستطع أن تحرك دبابة واحدة جهة الحدود، أما أنا فقد جعلت جيش البلاد محط أنظار العالم على مدى سنوات ومبعث خوف القريب والبعيد.
عبد الحكيم: نرجع ونقول أن النتيجة ضياع البلد ودمار وموت لا ينتهي. الحرب الحقيقية والمشَرفة هي التي شاركتُ بها في أرض فلسطين، عندما جعلتُ الصهاينة يتقافزون أمامي كالجرذان، هذا هو تاريخ وشرف الجيش الذي أضعتَه في هزائم مغامراتك المخبولة، فقط لكي تعتلي كرسي غرورك الذي لا يقف عند حد.
غنام ساخرًا: أي كرسي الذي تتكلم عنه، أنا جلبتُ لكم طاولة وكراسيًا لتجلسوا عليها كما تشاؤون، بدل الوقوف المستمر، وتتعاركون معي من أجل كرسي واحد، أهذا كلام يا رجل.
- ماذا تقول يا مجنون، ما هذه السخافة!
عبد الوهاب: هو يتعمد مثل هذه الحماقة الغبية، كما لو أنه يتعامل مع أطفال.
غنام: لأنكم أطفال فعلًا يا سيدي الرئيس الأسبق، ولا مجال للمقارنة بيني وبينكم، كل واحد منكم وصل كرسيه دون أن يعرف ماذا يفعل بعد ذلك، كيف يتصرف، أي مواجهات وتحديات تنتظره؛ أما أنا فقد كنت أعدُ مخطط عشرة أعوام مقبلة على الأقل، ومن قبل تسلمي منصب الرئيس، حتى صرتُ اسمًا من ضمن الأسماء التي لا يغفلها التاريخ أبدًا.
عبد الحكيم: ماذا يعني كل هذا، تتباهى بجبروتك؟
- قلتُ هذا كي يعرف كل واحد حده ولا تأخذكم الأمنيات بعيدًا. البلد لن يستطيع السيطرة عليه غيري كي يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي، وأنتم لن يكون لكم مكان إلا معي، وليس ضدي، لأنكم ببساطة، ورغم كل ما تفتخرون به من بطولات ولى زمانها لا تصلحون إلا لتنفيذ الأوامر.
عبد الوهاب في استكبار: أوامرك أنت؟
- بل أوامر المصلحة التي تربطنا جميعًا، وإلا عدتم إلى أوهام الماضي الذي فشلتم في قيادته. أنتم لم تستطيعوا موازنة حبل السلطة بين حزبين، فكيف تتخيلون أن بإمكانكم تجاوز مثل هذا المهرجان واللغو الصارخ في كل مكان، من جميع الجهات، وبكل الألوان.
نبهان: غنام صار يلقي الشعر.
غنام ينحني نحوه: صح النوم يا نائم من قبل النكسة.
يضحك عبد الحكيم ويسأل: أي نكسة وكل عهودكم نكسات ونكبات.
غنام: وأنت سابقنا إلى أكبر نكسات الوطن يا زعيم النوائب.
عبد الوهاب: بمناسبة النوائب، أين البكر.
يضحك الأربعة، ثم يقول غنام: أنه يعد لنا الطعام، فقد أصرَ أن يطبخ لنا اليوم مما وجده من مؤن.
نبهان: وأنتما من أساتذة الطبخ.
غنام: صرتَ تعرف كيف تكيد بالكلام، على كل حال لنتجاوز مثل هذه الثرثرة، ولو لبعض الوقت، كي يحدد كلٌ منا موقفه من الآخر.
عبد الحكيم: ماذا تقصد، أن نساعدك للعودة كي نكون من أعضاء القيادة الذين يتقافزون من حولك ويقَبلون كتفك ويدك، وحذاءك إن لزمَ الأمر؟
عبد الوهاب: الموت أهوَن من مثل هذه المهانة بكثير.
غنام: إذًا نعمل على ترشيح اثنين من بيننا، ثم نختار الأفضل بينهما.
نبهان: كيف، نقيم مناظرة مثل الانتخابات الغربية؟
- ولمَ لا، ألسنا في زمن الديمقراطية، ثم يجب أن نقر أن عهد الحزب الواحد والرأي الواحد قد انتهى بلا عودة.
عبد الوهاب: ولمَ لم تقر بهذا قبل وقوع الكارثة، يا قائد الكوارث.
يستبق عبد الحكيم رد غنام، ويقول: هذا اللوم على ما حدث لا فائدة منه، ومن ناحية أخرى الأمر محسوم، فأنا كنت الأول بينكم في تولي الحكم، ومن الأفضل أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل استعار حمى ثوراتكم المهووسة كي نتجاوز كل المآسي التي حدثت، كما لو أننا نقطعها من شريط الزمن.
غنام في سخرية: أي أحداث نقطعها من شريط الزمن! نحن نتكلم عن أحداث سياسية، لا عن فيلم نقطع منه ما نريد كي لا يشاهد الناس إلا ما نريده نحن.
عبد الوهاب: ثم من قال أن عهدك كان الأنسب، عهد المشانق والسَحل، مرة مع الشيوعيين ضد القوميين حتى تشعر أنهم صاروا دولة داخل الدولة، فتعود لتطلِق سراح من حاولوا قتلك كي ينقذوك من رُكاب قطار السلام. حتى تأميم النفط ظللتَ مترددًا بشأنه، كما بقيت متقلبًا ما بين الشرق والغرب، فكيف تريد أن تعود لحكم البلد في مثل هذه الظروف وأنت أبعد ما يكون عن السياسة.
عبد الحكيم: سياسة الغدر والخيانة والطعن بالظهر، أم السياسة التي كانت مرسومة لك من قبَل جماعة المد القومي.
يتدخل غنام لينهي الجدال: كفى، لا تتصرفان مثل الأطفال، هكذا لن نصل إلى نتيجة. بالنسبة لنا، أنا والبكر، اتفقنا أن نكون معًا من جديد، لكن هذه المرة أكون أنا الرئيس.
عبد الوهاب: وهو النائب الذي لا يغادر مكتبه، ينام ويحلم أنه سوف يستطيع الانتقام منك ذات يوم ويجبرك على التنحي.
- لا تتدخل أنت. اهتموا فقط باختيار واحد من بينكم.
يصمت، ثم يردف في سخرية خبيثة: ما رأيكم أن يكون نبهان الرئيس المرشَح والعبدان نائبيه.
يزعق قاسم وعارف كما لو كانا شخصًا واحد: لا، لا…
عبد الحكيم: مستحيل.
عبد الوهاب: أنتَ تسخر منا؟
نبهان في عصبية: لماذا كل هذا الاستنكار من سيادتكما وعهدي أكثر استقرارًا من عهد كل منكما المليء بالمشاحنات والصراعات؟
عبد الحكيم: لا تزيدوا من اللغو السخيف، أنا أكون نائب نبهان على آخر الزمن!
غنام: إذًا كن نائبي، أو استلم وزارة الدفاع، لا أمانع.
يضحك عبد الحكيم بقوة أشبه بالصراخ، ثم يقول: أنت من لا يمانع! ماذا جرى لكم أيها الحمقى.
يخاطب غنامًا: أنت حتى لم تؤدِ الخدمة العسكرية، فقط ترتدي البزة الخاكية التي تبدو فيها مثل الأراجوز يتفرج عليه العالم كل حين، والآن تطلب مني أن أكون وزير دفاعك بينما تختبئ في الحفر والجحور! ما الذي جرى في البلد لأصل إلى هذا الحال، ولو على سبيل المزاح.
غنام: ألا تعرف؟ اصغ إلى صوت القصف والانفجارات جيدًا لعلك تدرك ما تتهرب من الاقتناع به. عهد دخول الدبابات القصر على حين غفلة انتهى يا صاحبي.
- إياك أن تناديني صاحبي، ففي الوقت الذي كان فيه اسمي يردَد على كل لسان كنتَ أنت مجرد علامة استفهام ظلت تتضخم مع توالي السنوات.
- وفي يوم مبارَك صار اسمك العظيم شتيمة وتهمة يتنكر منها مناصروك.
- هذا ما ينطبق على الجميع في بلد مثل بلدنا، مع ذلك أنا الأكثر شعبية من بينكم لحد الآن.
- عدنا إلى تصديق مسلسلات الحنين.
عبد الوهاب: ما بالكما تتجادلان وكأنه لا يوجد سواكما؟ البلد يحتاج اليوم إلى أشقائه أكثر من أي وقت مضى.
عبد الحكيم: ها نحن نرجع إلى عربة القومية ومسلسل بلاد العُرب أوطاني.

يدخل البكر وبين يديه طنجرة كبيرة تكاد تغطي وجهه، وهو في كامل أناقته، يحطها على الطاولة.

البكر: هاتوا ما تجدون من أطباق وملاعق من مطبخ المستشفى، أنا لستُ خادم رؤساء العهود البائدة.
عبد الحكيم يتكلم مع غنام في سخرية: ما الذي جرى لسيادة النائب، أعلن تمرده عليك منذ الآن.
غنام: يحمل همَ الطعام الذي بدأ ينفد.
عبد الوهاب للبكر: أطمئن لن تطول اقامتنا هنا.
البكر: كم أنت متفائل.
غنام: لعلك تنتظر أن يأتيك الرفاق مرة أخرى كي يدعونك لتتسلم مقاليد الأمور وتصبح رئيس البلاد.

يبدأ الجميع الصراخ في وجه بعضهم حتى تبدأ أصواتهم بالتداخل.

غنام: أنا رئيس البلاد ولا أحد غيري، أنا أكثر من يعرف كيف ينقذ البلاد
عبد الحكيم: أنا رئيس الوزراء الذي خلَصكم من بقايا الاستعمار.
عبد الوهاب: أنا رئيس البلاد بعد سنوات من صراع كاد يُدخل البلاد في أتون حرب أهلية.
نبهان: أنا لم أؤذِ أحدًا، لذا أنا الأنسب لإعادة البلاد إلى ما قبل زمن الإعدامات والحروب والاحتلال.
البكر: الطعام سوف يبرد، الطعام سوف يبرد… الطعام يا رؤساء.
يصدر الصوت المجهول فيُجبرهم على الصمت والذهول:
كلكم ميتون لا محالة. لن ترجعوا بنا إلى الوراء.

*



الفصل الثالث


ظلام دامس، وفي وسط المسرح وهج ضوء ساطع.

المشهد الأول

غنام ومحمد وسط المسرح.
غنام: لم تضع لهم السُم في الطعام؟
محمد: لم أستطع فعل ذلك، ثم أن ثلاثتهم لا خوف منهم.
- ولا فائدة منهم أيضًا.
- لكنك تعرف كيف تستفيد من الجميع، وكل واحد حسب المرحلة المناسبة له.
غنام في لوم: عدنا للدس في الكلام، ألم نتفق أن نكون يدًا واحدة؟
- لم أقصد، لكن كل واحد منهم يمكن أن يفيد في شيء لو أنك عرفت كيف تتحكم به وتوجهه عن بعد، أي أن يشعر أنه سيد القرار ولا سلطان لأحد عليه، بل هو الآمر الناهي في كل شيء، وأنتَ الأدرى بغطرسة الرؤساء.
- آه من لؤمك ومكرك يا عجوز، لن أنجو من لسانك، مع ذلك معك حق بما تقول، لكن كيف؟
- عبد الحكيم مثلًا، سَلِمه كتيبة مدَربة بشكل جيد، مع عتاد حرب كامل وانظر ماذا يمكن أن يفعل، مع ذلك لا تترك دبابة قريبة منه كي لا يركبها كلما جنح مزاجه نحو انقلاب جديد يحلم أن تعيد سيرة ابن الثورة البار.
- وماذا عن عبد الوهاب وأخيه؟
- وهاب لا يعرف غير أن يلتف من الوراء كي يستغل كل فرصة ممكنة، ونبهان كما تعرف، أينما تضعه يمكن أن ينفذ الأمر الموَجه إليه.
غنام: داهية كبيرة أنت يا رجل.
محمد: لكن إياك أن تنقلب عليّ أنا الآخر.
- عيب، قلنا أن الماضي لن يعود.
- وماذا عن الصوت المجهول المتوَعد بالموت؟ بدأ الأمر يوَترني فعلًا، وصرت غير مقتنع أنه من ألاعيب عبد الوهاب عارف كما أخبرتني من قبل.
- ولمَ لا، هل أنت غافل عن دهاء الثعلب الماكر رغم تدينه؟ بالمناسبة، هذا التدين أيضًا يمكن له أن ينفعنا إن عرفنا كيف نوَظفه لصالحنا.
يضحك البكر ويقول: وتقول عني داهية.
- المهم أن نوَحد الدهاء قدر استطاعتنا، فهذه المرة سوف نكون في مواجهة دهاة الداخل والخارج، ويجب أن نعرف كيف ننسج حولهم شبكة خلاصنا بالتدريج.


المشهد الثاني

عبد الحكيم، عبد الوهاب، ونبهان وسط المسرح.
عبد الحكيم: نحن مهما اختلفنا وتصارعنا وتقابلنا نبقى قادة جيش، ندرك جيدًا معنى شرف ومهابة البزة العسكرية ووقعها في النفوس، ليس داخل البلاد فحسب، بل لدى كل من يعرف ماذا فعل جيشنا عبر مراحل مختلفة، حتى أعدائي لم يستطيعوا أن ينكروا عليّ ما فعلته أثناء معاركنا مع الصهاينة، والآن نكون رهن رغبات هذين الأحمقين الذين جلبا جزم الاحتلال إلى أرض الوطن!
عبد الوهاب: تقصد أن نتجاوز عما حدث في الماضي ونتفق ضد محمد وغنام، لكن كيف؟
- من الغريب أن تسألني وأنت أستاذ في حبك خطط الانقلابات السياسية دون إطلاق رصاصة واحدة.
- الآن قلنا أننا يمكن أن نتفق.
- ولهذا أذَكرك بقدراتك الماكرة كي تعرف كيف تستخدمها مجددًا، لكن هذه المرة معي، وليس ضدي، على الأقل حتى تستقر الأوضاع في البلاد، لصالحنا دون الآخرين.
عبد الوهاب ضاحكًا: لكن إياك أن تعَينني من جديد سفيرًا في أبعد دولة تخطر على بالك، فقط كي تتخلص مني بركلة إلى الخارج.
عبد الحكيم في ضيق من لؤم عبد الوهاب: نحن مجبرون على الاتفاق وتبادل الثقة فيما بيننا.
- هذه هي السياسة التي لم تستطع فهمها من قبل، فن الممكن.
فجأة ينتبه كلٌ منهما لوجود نبهان لدى سماع صوت يسأل: وأنا، ما دوري في كل هذا، ولمَ جئت للاختباء معكم منذ البداية، فقط لكي أستمع للمهاترات والاتفاقات، أم كي أنتظر تنفيذ تهديد "كلكم ميتون"؟
عبد الوهاب: أي تهديد، أخبرتك أنها لعبة من ألاعيب غنام الشيطانية، حرب أعصاب لا أكثر.
- حرب أعصاب؟ كأن الثورات والانقلابات والحروب التي عشناها لم تستنزف أعصابنا لحد الآن.
عبد الحكيم: لا تكن خوافًا إلى هذا الحد، لو أننا خفنا في السابق لما قمنا بثورة غيرت تاريخ بلد بأكمله، ولحد الآن يحكي عنها جيل تلو الآخر.
- ربما لو لم نقم بها لما حصل كل هذا البلاء بالبلاد وانتهى بنا الحال في مستشفى حتى المجانين غادروه منذ زمن.
ينظر نحو عبد الحكيم وعبد الوهاب، ويكمل: ولما خَسرتما صداقتكما وصار أحدكما يكيل للآخر أبشع التهم، ولما سُجنتُ داخل القصر الرئاسي بتهمة رئيس البلاد.
عبد الحكيم: أما كنتَ تقول أن عهدك هو عهد الاستقرار، فجأة غيَرت رأيك وتريد أن تولي ظهرك لكل شيء وتمضي إلى حيث لا تدري؟
نبهان في حسرة حرّى: هكذا كنتُ أيضًا وأنا داخل القصر، كل حين بحال، وقد أتفاجأ عندما أستيقظ من النوم من مكان وجودي وأظل أسأل نفسي ماذا أفعل هنا.
عبد الوهاب في حِدة: هذا ليس وقت التأملات والهواجس. نحن هنا في أهم معركة نواجهها في حياتنا، إما أن ننتصر أو ننكسر، وهذه المرة إن انكسرنا فلن نستطيع النهوض ولو حتى كي نعيش حياة المتقاعدين الخاملة، عندها يكون الموت لنا أفضل فعلًا.


المشهد الثالث

تضاء أنوار المسرح. يظهر رجل بشعر منكوش أبيض، ولحية طويلة، يرتدي جلبابًا مهترئًا، متسخًا، ومرَقعا، يبدو مثل شحاذ، يعَلق بأحد كتفيه رشاشًا قديم الطراز.
يقف في جانب من المسرح وبقية الشخصيات في الجانب الآخر، كما لو أنهم في صف عسكري بوضع الاستراحة، مع حالة شدوه تتملك وجوههم.

غنام بصوت حاد كما لو أنه لم يغادر كرسي الرئاسة بعد: من أنت؟
المجنون: طالما سألتُ نفسي ذات السؤال، من أنت كي تفعل بنا كل هذا، من أنت لتدَمر بلادنا حربًا بعد أخرى، ومن أنت لتنفي شعبًا ما بين المعتقلات والمهاجر، من أعطاك حق تسريب كل عقد النقص التي رافقتك منذ الصغر فينا، من تكون كي تسقينا كل المر الذي عانيتَ منه حتى فقدتَ معنى الإنسان داخلك.
غنام يصرخ: اسكت يا مخبول، واضح أنك مجنون، لكن أين كنتَ تختبئ كل هذا، وكيف لم نشعر بك؟
- مع أني استأنستُ دون دراية منكم برفقة المجانين الذين توافدوا على المستشفى من بعد إغلاقها، فلم يعد هناك من حاجة إلى مستشفى مجانين، والمدينة مزدحمة بحالات جديدة من المجانين، مجانين من كل حدب جاءوا لكي يرثوا تَركة الخراب التي تراكمت عهدًا تلو الآخر حتى وصلت إليهم.
- ما كل هذا اللغو، كم انشغلتَ بحفظه؟
- عمرًا، بل أعمارا، سلبها كلٌ منكم مني ومن البلاد، منذ أول رصاصة اغتالت أحلامنا تباعًا. كم حرب انسقتُ إليها في كل إتجاه، في الداخل والخارج، بسبب عنجهية جنونكم من أجل الوصول إلى السلطة، ومن ثم الاحتفاظ بها لسنوات وعقود، وقرون إن استطعتم الخلود.
عبد الحكيم في لهجته العسكرية الآمرة: وماذا تريد منا الآن؟
المجنون: في البداية رغبتُ أن أتلاعب باعصابكم التي لم تنهَر حتى بعد انهيار البلاد، إلى أن أوصل كلًا منكم إلى الجنون فعلًا، أو أن يقتل أحدكم الآخر، لكني لم أستطع كبح انفجار ثوراتي في وجوهكم أكثر، يا سادة الثورات، ثورات توالت داخلي مع كل من فقدتُ بسببكم، ومع كل مرة أضعتُ فيها عقلي تحت أنقاض هزائمكم التي تريدون الآن تناقل إثمها فيما بينكم كي ينجو كل منكم من عبء تحمل المسؤولية بإلقاء ما قام به من عبث فوق أكتاف الآخرين.
عبد الوهاب: لكن لا يجوز خلط الأوراق بهذه الطريقة، ووضعنا جميعًا في كفة واحدة، كما لا يصح أن تعين نفسك قاضيًا وتحكم علينا، دون أن تكون على اطلاع كامل ببواطن الأمور، حتى المقارنة بين عهودنا مرفوضة تمامًا.
- ومن وضعكم ولاة أمرنا كي تسمحوا لأنفسكم التحكم بمصائرنا كما شئتم، وإصدار القرارات وإلقاء البيانات باِسمنا، من الذي منحكم حق امتلاكنا إلى ما لا نهاية، ومن الذي أورثنا كل هذا الخراب، في الإنسان قبل البنيان؟
غنام: سوف تبقى تندب وتظن أنكَ بولولة النسوان هذه تستطيع محاكمتنا، بعد أن استطعنا الهرب من سلطات الاحتلال وجهات كثيرة تسعى وراءنا من أجل الانتقام من رموز البلاد؟ إن كنتَ تريد الانتقام أنت الآخر فلمَ لم تبَلغ عن مكاننا وتنال بدل المكافأة مكافآت، أم أنك فقط تريد الثرثرة التي لم تجدِ يومًا؟
- أبلغ عنكم وأفوِت على نفسي فرصة التشَفي في منظر وجوهكم المتعبة والمرتجفة من شدة الخوف؟ لا، لا يمكن أبدًا يا رؤسائي، ليس قبل أن يهديكم الرشاش تحايا وأمنيات الشعب المخدوع على مر العهود.

يبدأ يلَوح بالرشاش في وجوههم في حركة تبدو وكأنه يرقص به رقصة الانتصار.

عبد الحكيم في تعالٍ: أنا أخاف من رشاش صدئ! أظنه أنه فارغ من الرصاص أيضًا.
- تريد أن تجَرب؟ ما رأيك أن أبدأ بك، فأنت قائد أولى الثورات؟
صوَب الرشاش في وجه عبد الحكيم، وأردف: مستعد يا زعيم؟
غنام: تريد مالًا وننهي هذه المهزلة؟
صوَب المجنون الرشاش نحوه، وقال: وجودكم هو المهزلة التي دفعنا ثمنها غاليًا، والمال الذي تتحدث عنه وتعتبره وسيلة للخلاص بعد أن غاب عنك سلطانك هو مالنا نحن وليس من حقك وهبه لأيٍ كان، مع ذلك أنا لا يهمني المال في شيء، فالمجنون لا يعي قيمة المال أبدًا.
- تستطيع أن تأخذه وتسافر إلى أي مكان في العالم للبدء من جديد.
- أنا لم يعد لي بعد كل ما مررتُ به بفضلكم أي جديد كي أرتحلُ لأجله، ثم ألا يكفي من رحلوا بسببك إلى الخارج، أم أنك تريد أن يبقى البلد حكرًا عليك وعلى أتباعك فقط؟
البكر: لكن البلد في حاجتنا الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، مهما كان رأيك في كلٍ منا، نحن قادته الحقيقيون، رغم كل ما حدث، ويمكن أن تكون عونًا لنا بعد أن تستقر الأحوال، وبعد ذلك…
يقاطعه المجنون قائلًا: بعد ذلك تبدأ التصفيات فيما بينكم، بل منذ الآن يخطط كلٌ منكم للغدر والطعن في ظهر الآخر، لا تنسوا أني كنت أسمع كل أحاديثكم الجانبية وخططكم التي تحرصون على عدم كشفها إلا بعد حين، مهما قاربت أصواتكم الهمس، من بينها حديث دار بين الزعيم قاسم وقائد أم المحارق، رغم كره واحتقار كلٍ منهما للآخر، وكذلك ما دار بين عبد الوهاب ومحمد البكر، رغم أن الأول أودعَ الآخر السجن في عهده بعد أن كان رئيس وزرائه؛ أما الرئيس الأسبق نبهان فالجميع يريدونه معهم كواجهة سياسية مرموقة، لأن عهده كان الأكثر تسامحًا، والآن الكل يسعون إلى تسويق منتج الديمقراطية كي يجددوا تخدير الأعصاب الغضبى والحالمة بالخلاص من تهلكة الاحتلال والأحزاب الآتية من الخارج.

استغراب ونظرات اتهام متبادلة، بالإضافة إلى همهمة تذبذب في ما بينهم.

غنام ينظر نحو المجنون في إعجاب، وبقول: كل هذا ومجنون! ما رأيك أن تكون معي، وسوف أجعلك نائبي، فأنت أفضل من كثيرين كانوا لا يجيدون غير التملق، وعندما وقعت المصيبة ركضوا كالجرذان، كل منهم في صوب.
البكر في غيظ: هذا يصير نائبك! الخيانة لديك طبع.
غنام: وأنت تكون رئيس وزراء، لا تزعل.
- كأنك تحاول أن تقنع طفلًا بأكاذيبك.
- أنت تحالفتَ من وراء ظهري مع عارف.
- وأنتَ ماذا فعلت مع قاسم؟
عبد الوهاب: انتهتْ الآن كل التحالفات وعدنا إلى نقطة البداية.
عبد الحكيم: لا فائدة، طبع الخيانة يبقى يسري في الدم حتى النهاية.
- إن كنتَ تقصدني فأنتَ من بدأت عندما أردتَ الاستحواذ على كل شيء ما أن علَت الهتافات باِسمك بعد نجاح الثورة التي قمنا بها معًا، ولولا أني ساعدتك ما كنتَ استطعت تحريك دبابة واحدة ناحية القصر.
- غيرتك مني لن تقف عند حد، لأني فعلت ما لم تتمكن من فعله، مهما أبحرت بك الأماني. لولا أحقادك لما تهاوت جمهورية الفقراء والكادحين وآلتْ إلى اللصوص وقطاعي الطرق وسكنة القصور وأصحاب الأرصدة المهرّبة إلى الخارج حتى صارت بلادنا مشتتة في كل مكان.
عبد الوهاب: كالعادة، ليست لديك شجاعة المواجهة والاعتراف بخطاياك، وأنت من ألقى القنبلة التي تتناثر شظاياها حتى الآن، أنت المسؤول عن كل ما حدث ويحدث لحد الآن، بجهلك وتردد قراراتك وأحلامك الساذجة وطموحاتك أن تكون ابن الشعب البار، دون أن تعرف ماذا يريد الشعب فعلًا، فما جئتُ إلا لكي أصلح خربطة طفل لا يدري ماذا يفعل بكومة الألعاب التي لديه، مع أن البلد ليس لعبة تعبث بها كما تشاء. أردتُ أن أؤسس لنظام بلد حقيقي يرحب بتكاتف كل أبنائه، وإن خدعت هذا الطرف وذاك من أجل مصلحة بلادي، وعندما أفلَ نجم العروبة صرت أنا المدان؟ لمَ لا تلقون باللوم على ضعف أخي الذي يكاد لا يشبهني في شيء، فسمحَ لسرَقة الثورات بالاستيلاء على مقاليد الحكم في ليلة صيف جلبَت الكثير من البلايا على أجيال بأكملها.
نبهان: لم تعد لي القدرة حتى على الدفاع والجدال، ولا إثبات براءتي من أي تهمة توَجه لي، فافعلوا ما تشاؤون. ورثتُ تركة بلد بأكمله من الهموم والمشاكل، وعنفوان شباب جامح يثور مع كل تموز، وأنا لم أكن يومًا من مجنوني السلطة، وكنت أعرف أنما جئت لملء فراغ تهتُ فيه حتى احتواني، في انتظار أن يأتي يوم لأسَلم فيه الكرسي الذي يتقاتل من أجله الجميع عن طيب خاطر، لعلي أستدل على طريق خروج وأعود إلى ما كنتُ عليه قبل أن أنساق إلى لوثة الثورات وهوَس أخي بالسلطة، فرجدتُ نفسي مجبرًا أن أكمل سبيل خطوه، والبلاد تضطرم بالجنون أكثر فأكثر في عالم تتغير سياساته بسرعة لا تستطيع عقلية الانقلابات التقليدية أن تعيها، مع ذلك خلَفتُ بلدًا مستقرًا آمنًا لا يخشى فيه أحد الاعتقال والإعدام دون سبب، حتى من كان يحاول الغدر بي من غير أن يدرك النجاح كنتُ سرعان ما أعفو عنه، إلى أن أدركتُ بداية الانهيار، انهيار الحلم الذي حلمناه منذ مطلع الشباب بحجة تحقيق أعظم الإنجازات، عبر حزب واحد يحتكر كل شيء لحسابه دون الآخرين، وأنا كنت أول الآخرين، فأي مسؤولية يمكن أن تُلقى على عاتقي، مسؤولية تولي الحكم أم التخلي عنه دون إطلاق رصاصة واحدة كان يمكن أن تغرق الجميع في بحرٍ من الدماء وتستعجل الخراب الذي حلَ بالبلاد.
البكر: لا تلقي عليّ مسؤولية ضعفك وتيهك بين جنبات القصر، فلو لم أقم بالثورة عليك لفعل آخرون، منهم أفضل رجالك. حلم السلطة راودني منذ زمن، وكنت الأحق به من الجميع، وكان لا بد من تحقيق الحلم، ولو ضمن موكب حزبي مهيب من أعضاء قيادة ثورية يصعب السيطرة على غلواء أفعالهم وحماقة تصرفاتهم.
غنام: بدأتَ تفَجِر حكايات الماضي من جديد، مع أنك كنتَ واعيًا لكل ما أفعل منذ البداية ورحبتَ به كي أبعد عنك أعدائك والمنافسين، فلا تتكرر خيبات الماضي، ولو كنتَ مكاني لفعلتَ ذات الشيء وأكثر، فلا تمثل دور الضحية الآن، أم أنك كنت تنوي أن تجعلني أكبر ضحية في محراب سلطانك ما أن أمَهد الطريق تحت قدميك الواهنتين، وتكون بهذا قد تخلصتَ من سكينك المسموم الذي قتلتَ به رفاق الأمس؟ وهذا ما نجحتُ في فعله بعد ذلك، معك ومع آخرين، بعد أن صار لا مكان يسعنا معًا، فإما أنا أو مغامرات رغبتك بالتخلص مني، وفي السياسة داخل بلادنا لا مكان للحلول الوسط أبدًا، فلا يلمني أحدكم على ما تعلمته منكم جميعًا لكي يبقى اسمي الأكثر بقاءً والأحق بالمرور من بوّابة الخلود.

يسود المسرح الظلام بشكل تدريجي، ثم يُسلَط ضياء في المنتصف على شخصية المجنون.
يغص المجنون بالضحك، فترتجف فوهة الرشاش في وجوههم المتوَهَمة لديه من بين خفايا الظلام.

يقول: هل رأيتم أنكم حمقى، فأكثر الكلام الذي قلتُه لا أدري إن كان حقيقة أم من الخيال، وحتى أني قد لا أتذكره بعد قليل، ويمكن أن أهذي بكلام آخر غير الذي ثرثرتُ به عن أطياف تلوح لي من حين لآخر في ظلمة مكان موحش لا يسكنه غيري، رغم من يلجأ إليه على نحو عابر من اللصوص والقتلة والهاربين من سعير الانتقام، عن حق أم باطل لم يعد يهم، فقد اختلط في بلادنا كل شيء، كل النقائض، وصارت مثل أدخنة (حشيش) لن نفيق منه إلا بعد عهود أخرى ربما، يتبادل الجميع خلالها إلقاء التهم على بعضهم، ومن ثم نتحمل نحن النتيجة بالكامل، كل الذنوب والآثام، وكل الويلات والدمار، بل ندفع ثمن السلاح الذي أهدرَ دماءنا أيضًا، لتستمر لعبة الكراسي بين القادة والرؤساء، والزعماء والأشقياء، وبين الثوار، ثوار تموز وشباط وشهور أُخر، دون أن يدروا أي إتجاه يسلكون، وبلا أن يدركوا أي مصير يلقوننا صوبه، أو يجيبوا عن السؤال: أين كنا وأين صرنا، ومن المسؤول، أو الأصح، من أكثر مسؤولية من الآخر، ومتى بدأت تنزلق الأرض من تحت قدامنا وولجنا سُبل الانحدار، والأهم من كل هذا سؤالنا عن المستقبل، ليس من أجلنا، إنما من أجل أجيال لم تصُم آذانهم الهتافات، ولم تردد أفواههم الشعارات التي لا يلبث أن ينتهي رنينها مع تهاليل كل شعار جديد يبَشر بحلم حلَمه ورثة الثورات نيابةً عنا.

يُسدل الستار

*


20 - 7 - 2024
28 - 7- 2024



#أحمد_غانم_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أقصى حد
- رواية باولا... السيرة الذاتية المرَكَبة والبعد الإنساني ما ب ...
- دلالات السخرية في رواية -اعترافات كاتم صوت-
- عيون مستورَدة
- حبكة هوليودية
- صوَر بوجهٍ آخر (باب الغرفة)
- صورة بوجهٍ آخر (التلويح الأخير)
- راقص الجبهات
- رواية -لفائف كيسليف-... ما بين تعدد ووحدة الهوية
- مسافات حلم
- صور بوجه آخر (أولى سنوات العصف)


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد غانم عبد الجليل - مجنون الثورات