أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والأربعون)















المزيد.....


جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والأربعون)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 20:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بالفعل، أن يكون الوجود مدركا أو غير مدرك بشكل صحيح، مسؤولا، محددا، فهو قبل كل ذلك لامتحجب ومُتحجب قبلا وباستمرار في جوهره. والآن لم يبق لنا سوى أن نحاول، اعتمادا على روبنس بيليدور، شرح اللحظة الثانية من العلاقة بين الوجود والحقيقة، ولكن هذه المرة، سيتعلق الأمر بالحقيقة الأنطولوجية المفهومة كلاتحجب-تحجب.
كلما تعلق الأمر بمعنى الوجود، إلا وقلنا أن الوجود في اختباره الأصلي هو phúsis - لاتحجب منبثق عن تحجب، تدبير مصدره الانسحاب (انظر ص76 في النص الأصلي). ولكن يبدو أن هناك تناقضا بين هذا "الانسحاب" للوجود وبين انفتاحه. بين اختفاء ومجيء. بالفعل، بما أن هايدجر يحيل إلى الإغريق لتوضيح فكره، نسمح لأنفسنا بالرجوع إلى هذا القولة لهيراقليطس هذا من أجل توضيح تقريرنا: "الطبيعة تحب الاختفاء". لكن إذا كانت "الطبيعة" (أي الوجود في جوهره) تحب أن تختبئ، فلنسأل أنفسنا كيف يمكن أن ينكشف مثل بيان "في ذاته"، وإذا بان فكيف يختفى عن ذاته؟ إنما هنا يجب علينا أن نكون حذرين حتى لا نسيء التفسير، ولو ان أرسطو سبق أن حذرنا من مبدأ عدم التناقض، وهو أن الشيء لا يمكن أن يكون هو نفسه ونقيضه في نفس الوقت. ما ينبغي فهمه هو أن الامر لا يتعلق ذلك سوى قطبين لنفس الظاهرة. الوجود لكونه بالضبط نورا لكل شيء، بحسب برتراند ريو، يمحي في ما يضيئه. ليس تحجباً خالصاً وإلا لن يستطيع الموجود ابدا أن يظهر كالموجود في الوجود ولن يكون فيه وقوع في الموضوعية. لنفهم أن العبارة: "الطبيعة" تحب الاختفاء تعني أن التحجب واللاتحجب ينتميان معا إلى الوجود في جوهره.
لنضع في اعتبارنا دائما مفهومنا عن الحقيقة (alèthèia). ماذا تقول لنا هذه الكلمة، أليثيا؟ تقول لنا أولاً اللاتحجب واللاختفاء. بتعبير أدق، تقول الخروج من الèthè، الانبجاس إلى الظهور، القدوم إلى الحضور. أليس هذا هو نفس التعريف الذي أسندناه إلى كلمة phúsis، التعريف الذي طلبنا الاحتفاظ به في الذاكرة؟ عندما نقارن بين هذين التعريفين، ألا يمكننا ان تؤكد على وجه اليقين أن الوجود والحقيقة هما من نفس الطبيعة؟ بهذه الكلمات نفسها، تجعل alèthèia ممكنًا شرط معرفة الموجود، الphúsis ذاته وفقًا لتحديده الخاص، أي وفقًا لانفقاس الموجود في وجوده. ولأن alèthèia تعني أولاً وخاصة اللاتحجب، فهي تعني أيضًا وفي ارتباط وثيق الوجود الحقيقي لما هو لامتحجب على هذا النحو. األيثيا هي إذن ما خرج من الكمون أو الإختفاء. الاختفاء ليس نقصًا أو حرمانًا لوجود قد يكون في ذاته نورًا كاملاً في حد ذاتها، إنه الطريقة ذاتها التي بها يجعل الوجود نفسه معروفا، إنها- أي بها يعيش جوهره الكامل (Wesen)، كحضور لكل الحاضرين (AnwesendenJ). فالحضور باعتباره كذلك لا يأتي إلى الظهور، بل الحاضر يشعر بأنه متجمع فيه. إنما بهذا المعنى يحمل في طياته تحجباً معيناً.
عند تحليل كلمة alèthèia، نجد أنها مكونة من حرف زائد a والجذر lèthè الذي يعني النسيان. ما يريد هايدجر أن يفهمنا إياه هو أن هذه الـ"a" الزائدة هي في الواقع مزدوجة إيجابيا: من جهة، لأنها بمثابة إشارة إلى خاصية جوهرية لما هو لامتحجب، بمعنى أن هذا الأخير لا "يكون" إلا باعتباره "منتزعا من الاختفاء"، إلا باعتباره "مسروقا" منه وبهذه الشروط تحدث قبلا "الوجود والزمان" عن اللاتحجب، مضيفا أنه كان لا بد من تصوره ك"اختطاف". من ناحية أخرى، لأنه في ما وراء الlèthè، في التحديد الأساسي للأليثيا، يشير a الزائد إلى انتشار الليثي ذاته في الأليثيا، طالما أن الاختفاء منذ البدء يحكم جوهر الوجود بالكامل.
هكذا إذن، يشكل حضور وانتشار التحجب في جوهر اللاتحجب الإيجابية المزدوجة لa في alèthéia. بالفعل، كتابات هايدجر الاولى التي سلطت الضوء على اختفاء الوجود ذاته، ركزت كثيرا على هذا التصور الخاص للاتحجب. "الاختفاء الأصلي" (Grundverborgenheit) الذي تحدث عنه في "الوجود والزمان"، كما يقول برتراند ريو، يجب أن يُفهم كمجال غامض منه انتزع الموجود وإليه يشير. اللاتحجب في حاجة إلى تحجب، إلى الليثي، كآخر له من معرفة جوهرها الكامل.
للأليثيا إذن معنى مزدوج: تعني الكلمة اللاتحجب مثلما تعني phúsis الانفقاس الخالص؛ لكن المفكر الذي يبحث عن جوهر الأليثيا سوف ينقاد بالضرورة إلى الليثي. ذلك لأنه إذا تم التعرف على هذا الأخير من قبل هايدجر باعتباره جوهر الأليثيا، فلا يكون ذلك لأسباب لغوية بحتة، بل إنما في الفكر يحتاج اللاتحجب، حتى يكون ما يكون، إلى تحجب. الأليثيا إذن لاتحجب يتمثل جوهره في أن يكون محكوما بتحجب ثابت. هذا ما يدعم هذا التأكيد الهايدجري: الجوهر الكامل للحقيقة يحمل في طياته جوهره المضاد الخاص، وهذا الجوهر المضاد هو اليي يشكل التحجب أو الإخفاء. وبما أن الوجود يظهر ك phúsis، فإنه ينعقد حقا في لاتحجب الموجود (الحقيقة الأنطيقية). لكن لاتحجب الموجود كما هو يكون في نفس الوقت وفي ذاته إخفاء أنطولوجيا للموجود في مجمله. هذه الاتحاد بين التحجب واللاتحجب ينتمي إلى الوجود وإلى الحقيقة، هاتان الكلمتان باعتبارهما من أصل واحد، نستطيع أن نؤكد بشكل لا لبس فيه أن العلاقة القائمة بينهما هي من نفس الطبيعة. بالفعل، يمكننا شرح ذلك على النحو التالي: العلاقة الدقيقة التي يقيمها في الأليثيا التحجب واللاتحجب، يقدمها هايدجر كعلاقة ولادة، قدوم أحدهما انطلاقا من الآخر. وهذا يعني أن الأليثيا ليست لاتحجبا في "حاجة" إلى اختفاء، لكن الأمر الأكثر جوهرية هو ما يلي: "الأليثيا، كما يدل اسمها، ليست انفتاحاً خالصاً، بل لاتحجبا للاختفاء".
في ختام هذه اللحظة الثانية، دعونا نتذكر أن الإختفاء ال(ليثي) ينتمي إلى الأليثيا، ليس كإضافة بسيطة، ليس كما ينتمي الظل إلى النور، ولكن كقلب الأليثيا نفسه. إنما بهذا المعنى يجب أن نفهم عبارة "لاتحجب الاحتجاب". اللامتحجب منتزع من الاختفاء (الاحتجاب)، لكنه بهذا الانتزاع ينكشف، أي ينكشف هذا الاحتجاب ذاته، الذي ينكشف باعتباره شرطا (غير ظاهر) لظهور كل شيء منكشف. عبارة "لاتحجب الاحتجاب" هي الصورة المقلوبة لتعبير "وجود الموجود". هكذا يعني لاتحجب الاحتجاب لاتحجب الموجود المسموح به من قبل انسحاب الوجود - لاتحجب الوجود كانسحاب. الحقيقة مفهومة كلاتحجب هي نمط وجود (existential) الدازاين. في الفكر الهايدجري تعني existential طريقة أو نمط من الوجود، جهة وجود تميز الحياة اليومية، هذه الطريقة متجذرة في الوجود الأنطيقي للإنسان. إن تحجب الموجود في مجمله متأصل في الحرية المنفتحة الوجود والمحدودة للدازاين، لهذا السبب نعتبر أنه من الضروري إبراز العلاقة التي توجد بين الحقيقة والحرية في ما يلي من فقرات.
(يتبع)
نفس المرجع



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاة المفكر اللبناني مصطفى حجازي عن عمر ناهز 88 عاماً
- الحرب في الشرق الاوسط: أهم الأحداث العسكرية التي وقعت يوم أم ...
- أخذ ورد بين محمد البشير الراشدي ومصطفى بايتاس حول محاربة الف ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تتوعد بالاحتحاح ...
- كشف الحجاب عن ثغرات الخطاب: المسكوت عنه في الخروج الأعلامي ا ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- كلميم واد نون: الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تندد بالتضييق ...
- الصحافي الامريكي بوب وودوارد يفضح المستور في كتاب جديد
- المغرب: جمعية التحدي والمساواة تخلد اليوم الوطني للمرأة
- فاس: مجلس الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد يعقد دورته الس ...
- شبكة -تَقاطُع- تدين الحرب الاستعمارية التي يقودها التحالف ال ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- ماذا استفاد طلبة ومدرسو اللغة الفرنسية في المغرب من المنظمة ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- إنكار الآخر سرطان يفتك بالمجتمع، فكيف السبيل إلى علاجه؟
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- ارتفاع ثمن برميل النفط مباشرة بعد تصريح بايدن بتخطيط بلاده ل ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- صديقي يلغي الاستراتيجية الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر ال ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...


المزيد.....




- -رأيت نفسي كجارية جنس-.. CNN تتحدث مع ناجيات من اعتداءات مزع ...
- أعنف هجوم منذ سقوط الأسد.. قتلى وجرحى بانفجار سيارة مفخخة في ...
- هل يمكن أن تطبع الجزائر مع إسرائيل؟ - مقابلة مع لوبينيون
- تحقيق عسكري: فشل خطير في منظومة القبة الحديدية خلال الساعات ...
- السعودية والإمارات ضمن الخيارات لاستضافة قمة بوتين وترامب
- أطويلٌ طريقنا أم يطولُ.. نتنياهو يتجنب العبور فوق الدول المم ...
- مظاهرات ألمانيا الحاشدة ضد اليمين.. أسبابها وخلفياتها!
- أدلة على فيضان هائل أعاد تشكيل البحر الأبيض المتوسط
- تأثير غير متوقع لمسكنات ألم شائعة على الذكاء وسرعة التفكير
- منظومة -غراد- الروسية تستهدف مواقع تمركز القوات الأوكرانية


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والأربعون)