الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي
الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 02:47
المحور:
الادب والفن
لماذا عدت إذن ؟ طالما أنك وجدت في بيروت وطنا" آخر ؟
أجيب بكل بساطة: عدت لأنني لم أقوى على مسامحة هذا النظام ،على كل ما فعله ببلدي .فالمسامحة الحقيقية لشخص لا تقود للعودة إليه بل إلى نسيانه ،وأنا لم أسامح ،لذلك عدت .
عدت لكي أنتقم ،أنتقم من النظام الأصولي و من أجهزته الظلامية ومن تجاره الحيتان،وكان أقوى انتقام هو أن أبقى في بلادي وأعيش إلى جانب المظلومين مثلي ؛أولئك الذين عاشوا غير مرئيين ،مهمشين ،سواء بقرار منهم ،أو رغما" عنهم هكذا قد أقوى على المسامحة يوما" .
وهذا ربما لم يحصل كثيرا" واقتصر فقط على بضعة مساندات لأناس هجرتهم الحرب أو سرقت منهم أهلهم ومن يحبون .
لكن ما اعتبرته دوما" أعظم ما قمت به كان ما حصل في تلك الليلة الشتوية المظلمة ،حينما كنت أستقل حافلة للنقل العام ، وأوقفتنا دورية ما ،لم أعلم لمن كانت تابعة ،شرطة أو أمن أو شيء من هذا القبيل ،وطلبت بطاقات الهوية الشخصية من الشبان الذين يستقلون تلك الحافلة .
حين اعترضت بعفوية دون حتى أن أفكر وتفوهت بكلمات حقيقية ،كسرت حاجز الوهم الذي اختبأت خلفه طوال كل هذه السنين :ولماذا ؟ هل ستسوقون الفقراء والضعفاء إلى الموت كعادتكم ،من أجل نظامكم الفاشي الجاهل؟
حينها غضب أحد عناصر الدورية وأمرني بتسليمه بطاقتي الشخصية بعد أن تعرف علي وأخبرني بأنه لو لم أكن الكاتبة المشهورة لاعتقلني .فمنحتها له بكل برود .
حين أدار العنصر ظهره ومشى باتجاه جهاز الكشف نزلت من السيارة ورحت أركض وأركض في طريق جانبية دون أن ألتفت لما تركته خلف ظهري .
كنت أشعر بأنني حقيقية مجددا" ،تعرقت كثيرا" وشعرت بسخونة العرق على جلدي للمرة الأولى منذ زمن بعيد .
كنت حقيقية دون أي خوف،والأهم من ذلك أنني كنت في أشد اللحظات من حياتي احتراما" فيها لنفسي .
#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟