|
الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1778 - 2006 / 12 / 28 - 12:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصاعد الهجوم الحاد الذي شنه الأقباط المصريون، المهاجرون منهم بشكلٍ خاص، على الإخوان المسلمين، بعد الإنتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة وحصول مرشحي الإخوان المسلمين على 88 صوت. فمن قائل أنه سوف يحمل حقيبته ويغادر مصرإذا وصل الإخوان إلى سدة الحكم، ومن قائل أنه على أمريكا التدخل لحماية الأقباط من سيوف الإخوان المسلمين وجحافلهم القادمة، ومن باحث ومنقب وشارح لسياسات الإخوان المسلمين منذ ظهور جماعتهم في العشرينيات على يد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا وحتى الآن، بشكلٍ يوصفون فيه غالباً بأنهم قمعيون وإرهابيون وقتلة. ويتأسس هذا البحث والتنقيب والشرح على التفتيش في النوايا وتأويل الخطابات والزج بالإخوان المسلمين في كل الكوارث التي حدثت لمصر والمنطقة العربية، وربما العالم أجمع في الماضي والحاضر والمستقبل. وأغلب الظن أن هذه السياسة تتسق مع نهج الضغط المتواصل الذي يمارسه الأقباط بما لا يمنح الآخرين سواء الإخوان أو الحكومة المصرية فرصة لإلتقاط الأنفاس والتفكير الهادئ الرصين، كما يأتي هذا الهجوم متناغماً ومتكاملاً في الوقت نفسه مع الحملة الأمريكية الدولية ضد العرب والمسلمين في كل مكان ومستفيداً منها.
يتضافر مع ذلك ظهور هذا الكم الضخم من كتابات الليبراليين الجدد الذين أطلقوا سهام نقدهم نحو الإخوان، يحرضون الحكومات العربية على قمعهم، بل ويذهب البعض منهم مذهباً مغالياً حينما يطالب أمريكا بالتدخل المباشر لوقف نجاح الإخوان المسلمين وصعودهم نحو سدة الحكم. ولأن الليبراليين الجدد لا يمتون بصلة إلى الليبرالية في شيئ، فإنهم قد فتحوا ملفات تصوراتهم على الإخوان المسلمين، فمن قائل بأنهم على إتصال بالحكومة المصرية، وأن ثمة صفقة قد تمت فيما بينهما قبل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، كما يستدعي البعض علاقات أمريكية إخوانية تمت من وراء ظهر الحكومة المصرية ذاتها. ورغم أنني لست هنا في معرض تأكيد أو نبذ هذه التصورات، فإن المفارقة تأتي من كونهم أكثر الجميع تعاوناً مع الحكومة المصرية من جانب، كما أنهم أكثر القابعين على عتبات البيت الأبيض من جانب آخر. وفي حمأة هذه الهجمة الشرسة على نجاح الإخوان المسلمين في الإنتخابات الأخيرة التي لم تهدأ وتيرتها حتى الآن، تبرز إلى الأذهان مجموعة من الجوانب الهامة يصعب تجاهلها في ظل الكتابات القبطية العديدة، وفي ظل موجة الكتابة الليبرالية الجديدة.
على ما يبدو أن الكثيرين من هؤلاء لا يمانعون دخول الإخوان المسلمين العملية السياسية ومشاركتهم فيها شريطة ألا يحققوا أية نجاحات لافتة للنظر؛ بمعنى آخر هم قد يقبلون مشاركتهم على مضض مع ضرورة هزيمتهم في الوقت نفسه، مما يمنحهم القدرة على تدبيج المقالات التي تهاجمهم وتؤكد على رفض الشارع المصري لهم. وربما في هذه الحالة يمكن للبعض منهم أن يمدح الناخب المصري الواعي المدرك الذي لم تغويه الشعارات الإسلامية التي يطلقها الإخوان، وربما في هذه الحالة يمكن أن يتحدث البعض عن سماحة الإسلام وسعة أفق المسلمين.
وينسى هؤلاء، بغض النظر عن وجهة نظرنا في الإخوان المسلمين وفي التيار الإسلامي برمته، أن قواعد اللعبة السياسية تتيح لكافة التيارات المشاركة في العملية السياسية، والتمتع بالنجاحات التي تتحقق من خلال ذلك. كما أنهم ينسون في الوقت نفسه مدى الشعبية الجارفة التي يتمتع بها التيار الإسلامي في العالم العربي بعامة، وفي مصر بخاصة. ومرة أخرى بغض النظر عما يشيعه البعض عن جهل الجماهير وعن جاذبية الشعار الديني وعما يقدمه التيار الديني من خدمات للجماهير في الكثير من محافظات مصر.
فحالة الهلع التي أصابت الأقباط بالفوز المحدود من جانب الإخوان لا تتناسب مع حديثهم المستمر ليل نهار عن الحريات المدنية وتكريس فكرة المواطنة. والأمر الذي لم يتوقف عنده الكثيرون ممن لم يعجبهم فوز الإخوان أنهم حينما يرفضون هذا الفوز فإنهم يرفضون ملايين الأصوات التي أوصلت الإخوان إلى مجلس الشعب المصري، وهم بالتأكيد من الجانب المسلم. يعني ذلك من جانب آخر أن الإخوان الأقباط وهم يهاجمون الإخوان المسلمين، يرفضون الآخر المسلم في الوقت نفسه، وهى التهمة نفسها التي يكيلونها ليل نهار للتيار الإسلامي بعامة وللإخوان المسلمين بخاصة.
وبالمناسبة فإن هذا الرفض لا يتعلق فقط بالكتابة ضد الآخر قدر ما يتعلق بالممارسات الفعلية. فحينما قُتلت الأسرة القبطية الأمريكية هاجم الأقباط "العرب والمسلمين الأمريكيين"، وطردوهم أثناء محاولة البعض منهم تقديم واجب العزاء، واستعدوا عليهم الصحافة الأمريكية. وحينما ظهر في النهاية أن القاتل أمريكي مسيحي، لم يعتذر أحد للمسلمين، في الوقت نفسه الذي وجهت فيه الكنيسة المصرية الشكر لرجال التحقيق الأمريكيين.
وطالما أن الأقباط يرفضون الآخر المسلم سواء في شكله الإخواني أو في شكله الشعبي، فإنهم يستخدمون نفس الأساليب التي يتهمون هذا الآخر باستخدامها ضدهم. فإذا كان الإخوان المسلمون لهم تنظيماتهم العالمية، فإن للأقباط العديد من تنظيماتهم الدولية وعلى رأسها الأمريكية والأوروبية منها. وفي هذا السياق، يصعب القول بانفصال توجهات إخوان الداخل عن توجهات إخوان الخارج، كما يصعب تصديق إنفصال توجهات أقباط الداخل عن توجهات أقباط الخارج.
وإذا كان الإخوان يستخدمون شبكة الخدمات الإجتماعية الواسعة لجذب المريدين والأتباع، فإن للأقباط أنفسهم، سواء في الداخل أو في الخارج، شبكاتهم الإجتماعية الواسعة، التي تتجاوز ما تقدمه الدولة نفسها. وإذا كان الإخوان يستخدمون الإنترنت بكثافة كبيرة من أجل طرح مشروعاتهم الدينية والسياسية ومن أجل مهاجمة الآخرين، فإن لأقباط المهجر العديد من مواقعهم التي تشرح توجهاتهم، وتهاجم الآخرين، المسلمين منهم بالأساس.
وعلى ذكر الهجوم، فإن مسألة الإرهاب التي يُتهم بها الإخوان ليل نهار في محاولة من جانب الأقباط لإستعداء الآخرين عليهم، مسألة تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء ما تنشره مواقع أقباط المهجر عن المسلمين وعن عقائدهم وعن ممارساتهم، مما يندى الجبين عن ذكره هنا. فاللافت للنظر هنا أن الكثيرين لا يتحدثون عن هذا الإرهاب المعنوي الذي تمارسه هذه المواقع المختلفة قدر التركيز على العديد من المواقع الإسلامية الأخرى التي يمارس البعض منها نفس الإرهاب المعنوي الذي تمارسه هذه المواقع القبطية.
إن حالة الهجوم الشرس التي يواجهها الإخوان المسلمون منذ الإنتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة تعكس في مجملها ضعف التيارات السياسية المختلفة من جانب، كما تعكس رغبة البعض في البحث عن كبش فداء يتفادون من خلاله الإشتباك المباشر مع النظام المصري. فالإخوان رغم نفوذهم الشعبي الذي يصعب تجاهله أو الحط من شأنه، قوة مازال يتهمها الكثيرون، وعلى رأسهم النظام الرسمي بأللاشرعية، كما أن أمريكا، لن تهتم بما يحدث لهم وما يصيبهم، على الأقل في الوقت الراهن. من هنا، فإنهم يصبحون الهدف السهل للهجوم عليه سواء أكان المهاجمون أقباطاً أم ليبراليين.
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية
-
نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي
-
أشكال العنف ضد المرأة
-
تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال
-
!عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-
-
من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
-
ملف التوريث في العالم العربي
-
-هاي- سذاجة أمريكية!!
-
ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
-
يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
-
الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
-
حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
-
الأمريكيون والحيوانات الأليفة
-
المثقف والتحولات العمرية
-
الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
-
!!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
-
الإصلاح السياسي في العالم العربي
-
خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
-
صدام حسين، تاريخ الانقلابات
-
اختزال واقع المرأة العربية
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|