أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامح قاسم - معنى أن تعيش تحت القصف














المزيد.....


معنى أن تعيش تحت القصف


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8129 - 2024 / 10 / 13 - 22:12
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


عندما تكون السماء مسرحًا للأصوات المرعبة ووميض القذائف، يصبح الخوف ليس حالة طارئة بل شعورًا مزمنًا يسكن الأرواح. لا ينتهي القصف بصوت الانفجار فقط، بل يستمر كدويّ في النفس يردد أصداءه مع كل لحظة صمت. كما قال غسان كنفاني في وصفه لتجربة الحرب: "الإنسان في هذه الحالات لا يموت مرة واحدة، بل يموت كل يوم مئات المرات".

العيش تحت القصف هو تجربة تتجاوز الكلمات، حيث يتحول الزمن إلى عدد من اللحظات المثقلة بالخوف والقلق. يصبح الشعور بالتهديد والخطر الداهم جزءًا من الواقع اليومي، وتتحول الحياة من رحلة للبحث عن الأمل والسعادة إلى معركة للبقاء. الأثر النفسي العميق لهذه التجربة يترك بصماته على الروح والعقل، فالأصوات المتكررة للقذائف والطائرات ترسم ملامح حالة دائمة من الرعب وعدم الاستقرار.


أن تكون تحت القصف يعني أن يكون الخوف مرافقًا دائمًا، كظل لا يفارق أصحابه. يُعاني الناس من مشاعر الرعب والقلق بشكل دائم، حيث يتحول القصف إلى نوع من العقاب النفسي المتكرر، مدمّرًا لحالة الطمأنينة والأمان التي يحتاجها الإنسان بطبيعته.

حين يكون الموت أقرب من الحياة، يصبح القلق الوجودي سمة رئيسية للحياة تحت القصف. هنا يكون الانتظار مختلفًا؛ إنه انتظار للشيء الأسوأ، لمصير لا يمكن تجنبه. سارتر وصف هذا النوع من القلق قائلاً: "القلق هو الشعور الذي يرافقنا عندما نكتشف أننا مسجونون في هذا العالم".

إنه قلق لا يتوقف، مرتبط بعدم اليقين الذي يُخيّم على الوجود. كل دقيقة تعني فرصة جديدة للبقاء أو الرحيل عن هذا العالم، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ أي منهما سيأتي أولاً.

لا شك أن العيش في مناطق النزاع يعني أن الشعور بالأمان يصبح رفاهية لا يمكن امتلاكها. الأمان هو أحد الحاجات الأساسية للإنسان، وغيابه يُحدث شرخًا عميقًا في النفس، يدفع الفرد إلى حالة من الانعزال والانطواء. يقول محمود درويش: "الأمان ليس شيئًا يمكن أن نعطيه أو نأخذه، بل هو شعور داخلي يأتي من وجودنا في سلام مع العالم".

لكن في ظل القصف، يصبح هذا الشعور حلماً بعيد المنال، فالتهديد يصبح حاضرًا في كل لحظة، مغيرًا طبيعة الأماكن التي كانت يومًا ملاذًا للراحة.

أن تكون تحت القصف لا يعني فقط أنك تشعر بخطر الموت، بل أيضًا الخوف من فقدان الأحبة. يتحول كل صوت قذيفة إلى احتمالٍ لفقدان أحد الأهل أو الأصدقاء. هذا الشعور بالفقدان الوشيك يفاقم من مشاعر الخوف والقلق، ويضع الإنسان في دائرة دائمة من الحداد على ما لم يُفقد بعد. تقول إيزابيل الليندي في روايتها "بيت الأرواح": "الفقدان ليس مجرد ألم، إنه ثقب في النفس، ثقب يأخذ معه جزءًا من حياتنا".

تترك تجربة العيش تحت القصف ندوبًا نفسية لا تزول مع انتهاء الصراع، إذ تظل آثار الصدمة تلاحق الأفراد لأعوام طويلة. يُعاني الكثيرون من اضطرابات ما بعد الصدمة التي تشمل الكوابيس، نوبات الهلع، والأرق الدائم. في هذا السياق، يُعبّر الطبيب النفسي فيكتور فرانكل في كتابه "الإنسان يبحث عن معنى" عن أثر الأزمات النفسية قائلاً: "المعاناة يمكن أن تنزع من الإنسان كل شيء إلا حريته الأخيرة: حرية اختيار رد فعله تجاه تلك المعاناة".

في مواجهة القصف، يصبح الإنسان أكثر وعيًا بتفاصيل حياته اليومية، فيلجأ إلى استراتيجيات تتيح له النجاة. تصبح الأماكن التي يمكن أن توفر ملجأ مؤقتًا من القصف هي الوجهة الأساسية، ويُعيد الناس ترتيب حياتهم حول مواعيد الغارات وأماكن القصف. في إحدى شهاداته، يروي إدوارد سعيد كيف عاش الناس في لبنان خلال فترة الحرب: "كان الشارع نفسه يحمل معاني مختلفة في الصباح والمساء، يتحول مع تقدم الوقت إلى مرآة للخوف، يعكس وجوه الناس الذين يمرون به في عجالة، خائفين من أن يكون اليوم هو آخر أيامهم".

وسط كل هذه المشاعر القاتمة، يظهر الجانب الآخر من التجربة؛ التضامن بين الناس هو القوة التي تمنح الأمل وتساعد على البقاء. يصبح التقارب والتآزر ضروريين للنجاة، حيث يتقاسم الناس الخوف ويجدون في المشاركة والتعاضد عزاءً ومصدرًا للشجاعة.

أن تعيش تحت القصف يعني أن تعيش في حالة دائمة من الطوارئ والمتاعب النفسية، حيث يصبح الخوف والقلق جزءًا من التركيبة اليومية للحياة. أن تشعر بأن الزمن قد توقف، وأن المستقبل بات مجهولًا، وأن الأحلام قد تم تأجيلها أو ربما تحطمت نهائيًا. يتطلب العيش تحت القصف شجاعة خارقة للعادة، شجاعة لا تعني فقط النجاة من الموت بل القدرة على إيجاد معنى للحياة وسط الفوضى.

تجربة العيش تحت القصف هي تجسيد للقوة الإنسانية، حيث يظهر الصمود على الرغم من التهديد المتواصل. وكما قال الفيلسوف الألماني نيتشه: "ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى"، لكن يجب أن نتذكر أن القوة لا تعني عدم الألم، وأن الصمود لا يعني تجاهل الجراح العميقة التي تتركها الحرب.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخيانة: من طير الوقواق والقردة إلى بني البشر
- المُطبعون أشد إفكا ونفاقاً
- الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم
- موجز تاريخ الشقاء
- صوت المقاومة يتحدى الصمت
- ما الذي حل بالكرامة العربية؟
- تسقط إسرائيل.. تحيا المقاومة
- بيروت.. وجه الله في مرآة البحر
- عواقب الخذلان العربي للمقاومة في غزة ولبنان
- المثقف والمقاومة وجهان لعملة واحدة
- الخيانة ليست وجهة نظر
- المقاومة فوق القوة
- المثقفون المرتزقة: من تحريف الحقيقة إلى تشويه الثقافة
- مثقفو الهامش: بين الاستبعاد والخروج عن المألوف
- في وصف الخذلان
- تاريخ الكذب: من الفلسفة إلى الواقع
- مجنون ليلى عند المتصوفة: تجليات العشق وصولا إلى العرفان
- السلطة والجنون: تجليات التأثير والمصير
- فلسفة الجمال عند العرب: تأملات في الوجود والحُسن
- حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم


المزيد.....




- فيديو جديد من داخل الطائرة الأذربيجانية يظهر ما حدث لجناحها ...
- -حزب الله- يدين بشدة الهجمات الإسرائيلية على اليمن بمشاركة أ ...
- الكويت: ضبط 1.8 حبة كبتاغون داخل مقاعد وطاولات قهوة
- عدد خطوات المشي المطلوب يوميا لمكافحة الاكتئاب
- -النسر الأصلع- يصبح رسمياً الطائر الوطني للولايات المتحدة بع ...
- الجيش الإسرائيلي يؤكد شنّ غارات على مواقع متفرقة في اليمن
- قفزة في بلاغات الجرائم الإلكترونية بالمغرب.. وخبراء يكشفون ا ...
- دعوات أمريكية لمنع عودة ترامب إلى السلطة والرئيس المنتخب يحذ ...
- بوتين: الأوكرانيون -يعاقبون أوروبا- و-يعضون يدها-
- سحب الجنسية الكويتية من 3700 حالة جديدة


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامح قاسم - معنى أن تعيش تحت القصف