|
عن اللغة الإسبانية في يومها
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8128 - 2024 / 10 / 12 - 19:34
المحور:
الادب والفن
" لكنها تدور يا ملوك الطوائف..." د. خالد سالم
لئن كانت الثقافة إحدى ركائز القوة الناعمة الرئيسة فإن اللغة جوادها الأصيل الذي يحمل مفرداتها من قيم وعادات تنظم المجتمعات وترفدها قيمة في الداخل والخارج. ويكمن صلبها في استغلال موارد المجتمعات المتاحة في مجالات الثقافة كلها، بعيدًا عن القوة العسكرية أو الاستغلال السياسي. وكلما كان هذا الجواد قويًا ويتمتع بنقاط استراحة وانطلاق خارج الحدود فإن ريعه كقوة ناعمة يصبح مضمونًا وملحوظًا. عندما بدأت دراسة اللغة الإسبانية، في منتصف السبعينات، كانت إسبانيا مرتبطة في خيالنا بالأندلس، ولا شيء آخر، لا سياسة ولا اقتصاد ولا سياحة، بل كان المركز الثقافي الإسباني يشغل شقة بسيطة وسط القاهرة. وخارجه كانت تُدرس الإسبانية في قسمين صغيرين في كلية الآلسن التاريخية، جامعة عين شامس، ومعهد اللغات في الأزهر، كلية اللغات والترجمة لاحقًا. اليوم أصبح هناك حوالي عشرين قسمًا في الجامعات العامة و الخاصة، ترفل سوق العمل المصرية بآلاف الخريجين سنويًا. التقطت إسبانيا الفكرة مبكرًا قبل أن يأتي جوزيف ناي بمصطلح القوة العامة مطلع القرن الحالي، فطورت مراكزها الثقافية في الخارج بدءًا بتعديل مهامه وألياته وتغيير اسمه إلى معهد ثربانتس وانشاء مقر مركزي في مدريد. أخذ معهد ثربانتس يغير استراتيجيات تعليم اللغة ومنهاجها، فزاد الطلب على تعلم الإسبانية بعد أن نفضت إسبانيا عن كاهلها غبار الإستبداد الذي جلس على قمته الجنرال فرانكو حوالي أربعة قرون، فبدأت مسار الحرية والديمقراطية فور وفاته في 1975، والانفتاح على العالم. وانضمت إلى السوق المشتركة، أي عادت إلى سياقها الجغرافي والسياسي. تضاعفت أعداد دراسي اللغة الإسبانية في أرجاء العالم وأخذت إسبانيا تجني ثمار سياسيتها اللغوية. عندما وصل كريستوفر كولمبس إلى أميركا اللاتينية في 12 أكتوبر 1492م لم يكن يحلم الملكان الكاثوليكيان، فرنادو وإيسابيل، أن اللغة الإسبانية سوف تنشر في بقاع كثيرة، أبرزها أميركا اللاتينية، بدءًا من المكسيك حتى تشيلي، باستثناء البرازيل التي تتحدث البرتغالية. وأصبح هذا التاريخ بمثابة العيد الوطني لإسبانيا، عيد يجمع ويفرق الشعوب الناطقة بالإسبانية. هذه اللغة التي وصلت بالمصادفة إلى العالم الجديد يتكلمها اليوم 500 مليون نسمة، لتحتل المركز الثاني كلغة أم بعد الهندية، أي حوالي 8 في المائة من سكان الكرة الأرضي، والرابع بين لغات العالم، بعد الإنجليزية والصينية والهندية. ويدرسها ثلاثة وعشرون ألف طالب حول العالم، ما جلعها تحتل المركزالثاني بين اللغات الأكثر تعلمًا. وهو ما يقره التقرير السنوي للغة الإسبانية الذي يعده معهد ثربانتس في ذكرى اكتشاف العالم الجديد، شهر أكتوبر من كل عام. وتحتل الإسبانية المركز الثالث بين اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، والرابع في الاتحاد الأوروبي. هذا بينما تؤكد معلومات "مؤشر قوة اللغات" إلى أنها رابع أقوى لغة في العالم بعد الفرنسية والصينية، وعلى مسافة كبيرة من اللغة الإنجليزية التي تحتل المركز الأول. هذا الزخم أكسب الدول الناطقة بالإسبانية ثقلاً إقتصاديًا لتمثل نسبة 9 في المائة من الناتج العالمي. ومن واقع الأرقام فإن 62 مليون من سكان الولايات المتحدة الأميركية يتحدثون اللغة الإسبانية كلغة أم، أي ما يعادل 19 في المائة من سكان هذا البلد، ما جعل لهم حضور في دوائر صنع القرار في هذا البلد، ويُتوقع أنهم سوف ينافسون على شغل منصب رئيس البلاد قبل منتصف القرن. وعلى المستوى الأوروبي فهناك 76 مليونًا يتكلمونها، كثيرون منهم يستخدمونها في العمل بينما يتصفح بها 8 في المائة من مستخدمي شبكة المعلوماتية. ومن هذا الواقع نجد أن صناعة اللغة التي تضم خدمات وتكنولوجيا تعليم اللغات تمثل نسبة 3 في المائة من الناتج القومي للدول الناتجة بالإسبانية، وتحتل إسبانيا والأرجنتين والمكسيك المقدمة في هذا المجال. وهناك صناعة السينما والكتاب والمسرح بهذه اللغة تسهم في الناتج الوطني. تشير توقعات تقرير معهد ثربانتس للسنة إلى أن اللغة الإسبانية لغة حية، وسوف تواصل نموها خلال الخمسين عامًا القادمة بسبب الاضطراد في عدد الناطقين بالإسبانية، ذوي الأصول اللاتينية، ويتوقع أن يمثلوا نسبة 28 في المائة من تعداد سكان الولايات المتحدة الأميركية عام 20270. وحسب تقرير اليونسكو لعام 2006 كانت المساحة التي تشغلها اللغة الإسبانية في الشبكة العنكبوتية 2,4 في المائة من إجمالي الصفحاات، فإنها تشغل اليوم المركز الثالث بعد الصينية والإنجليزية، 20 في المائة لكل واحدة، بينما صعدت حصة الإسبانية إلى 8 في المائة، تليها الهندية والروسية والفرنسية والبرتغالية والعربية بنسبة 3,5 في المائة لكل لغة. وعلى معدلات الزيادة تكون اللغة الإسبانية قد حققت نموًا قدره 1500 في المائة مقابل 743 في المائة للغة الإنجليزية و2500 في المائة في حالة نمو استخدام العربية في شبكة المعلوماتية العالميةال. أنشئ معهد ثربانتس عام 1991، ويتبع وزارة الخارجية، بغية الترويج لتعليم اللغة الإسبانية في العالم والحفاظ عليها وانتشارها وتطورها في العالم، ما جعله اليوم ممثلاً في أكثر من تسعين مدينة في 45 دولة تتوزع على القارات الخمسة. كما أنه يدعم العلاقة الثقافية واللغوية لأبناء المهاجرين الإسبان، خاصة في بعض الدول الإفريقية. وعندما أنشئ الإسبان معهدهم كنت أدرس العربية للأجانب في المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد. سنتئذ راودني حلم أن يأخذ المعهد المصري مسارًا جديدًا ليكون نواة لسلسلة معاهد تحمل اسم طه حسين لنشر لغتنا وثقافتنا في العالم. لا يزال الحلم قائمًا لكن علينا أن نعيد الحياة إلى المعهد المصري في مدريد الذي أنشأه طه حسين عام 1950 وظل منارة عربية في العاصمة الإسبانية إلى أن خفت ضؤه، بل لم يعد له ضوء في السنوات الاخيرة.
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثائر اللاتيني غيفارا يغني للنيل
-
هل من انقاذ لهذه الأمة التي تندفع نحو الهاوية
-
غارثيا لوركا الشاعر الذي خُيل لهم أنهم قتلوه
-
التجربة الإسبانية لدى الشاعر عبد الوهاب البياتي
-
خصائص الشخصية العراقية والشخصية المصرية
-
خمسون عامًا على ثورة القرنفل في البرتغال
-
الشاعر أُكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن
...
-
قصيدة إسبانية في رثاء المفكر الفلسطيني وائل زعيتر
-
العربية محفوظة لكونها لغة القرِآن؟!
-
كارمن رويث برابو المستعربة العربية
-
اليوم العالمي للغة العربية والعرب اللاتينيون المنسيون
-
الروائي لويس ماتيو ديث يفوز بجائزة ثربانتس نوبل آداب الإسبان
...
-
حقوق الملكية الفكرية وتأثيرها على التنمية المستدامة: إسبانيً
...
-
الأوهام الدينية بين هيكل سليمان وقصر الحمراء
-
المقاومة بين نومانثيا الإسبانية وغزة الفلسطينية
-
اليهود بين المتحف العراقي وطوفان الأقصى
-
زُرت بلاد الرافدين
-
ذكريات عن علاقة الروائي جمال الغيطاني بإسبانيا
-
إسهامات العربية في الشبكة المعلوماتية بين -الرُّبع- العربية
...
-
في وداع أنطونيو غالا آخر مبدعي إسبانيا العظام
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|