أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان محمد صالح الهيتي - أساسيات تنظيم العقود















المزيد.....



أساسيات تنظيم العقود


قحطان محمد صالح الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 8128 - 2024 / 10 / 12 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقدمة
قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في مُحْكَمِ كِتابِهِ العَزِيزِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة/1)، وَقَد أَخَذَت أَغْلَبُ التَّشْرِيعَاتِ المُعَاصِرَةِ بِهَذِهِ القَاعِدَةِ الإِلَهِيَّةِ الجَامِعَةِ بَعدَ صِيَاغَتِهَا بِمَا يَتَنَاسَبُ وَظُرُوفَ العَصْرِ
وتُعَدُّ العُقُودُ مِن أَهمِّ مَصَادِرِ الالْتِزَامِ في التَّعَامُلَاتِ اليَومِيَّةِ بَينَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ فِيمَا بَينَهُم أَو بَينَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ العَامَّةِ أَو الخَاصَّةِ أَو بَينَ مُؤَسَّسَاتِ المُجْتَمَعِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ فِيمَا بَينَهَا، وَحَيثُ إِنَّ الفَرْدَ مِنَّا في حَيَاتِهِ اليَومِيَّةِ يُبْرِمُ العَدِيدَ مِنَ العُقُودِ (دُونَ وَعْيٍ مِنهُ بِأَهمِّيَّتِهَا وَالآثَارِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَيهَا) لِذَا يَنبَغِي عَلَيهِ المَعْرِفَةُ وَالعِلْمُ بِشُرُوطِ العُقُودِ الَّتِي أَبْرَمَهَا وَالالْتِزَامَاتِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَيهَا.

وَقَد جَاءَت الآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَهمِّيَّةِ العُقُودِ وَتَوثِيقِهَا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”، وَقَولُهُ تَعَالَى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” وَكَمَا قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم).
وتَبرُزُ أَهمِيَّةُ العَقدِ في حِفظِ الحُقوقِ والالتِزاماتِ وتَوثِيقِها بَينَ المُتَعاقِدِينَ. والتَوثِيقُ لا يُنافِي الثِّقَةَ، وهو سَبِيلٌ لِلتَّقليلِ مِن مَنعِ نُشُوبِ نِزاعٍ بَينَ أَطرافِ العَقدِ، وضَبطِ العَلاقَةِ بَينَهُمَا، ويُسَهِّلُ على القاضِي في حالِ نُشُوبِ نِزاعٍ بَينَ أَطرافِهِ الرُّجُوعَ إلى أَحكامِهِ وشُرُوطِهِ، وتَفسِيرِها فِيما يَتَّفِقُ مَعَ الشَّرعِ والنِّظامِ، والحُكمِ بِمُوجِبِهِمَا.

كَما يَنبَغِي التَّركِيزُ على حُسنِ صِياغَةِ العَقدِ، فَالصِّياغَةُ هِيَ التَّعبِيرُ عَمَّا يُرِيدُهُ أَطرافُ العَقدِ. ويَجِبُ على مَن يَقُومُ بِعَمَلِيَّةِ صِياغَةِ العَقدِ أَن يُراعِي عِدَّةَ أُمُورٍ، مِن أَهمِّهَا المُقَدِّمَةُ في العَقدِ، بِحَيثُ يَجِبُ أَن تَشتَمِلَ المُقَدِّمَةُ على تَارِيخِ إِنشَاءِ العَقدِ، وأَسمَاءِ الأَطرافِ وبَيَانَاتِهِم، وعَنَاوِينِهِم، وجَمِيعِ مَعلُومَاتِهِم الضَّرُورِيَّةِ، والهَدَفِ مِن العَقدِ. كَما يَجِبُ أَن يَشتَمِلَ العَقدُ على تَحدِيدِ التِزَامَاتِ ووَاجِبَاتِ أَطرافِ العَقدِ، والغَرَضِ، ونَوعِ العَقدِ، ومُدَّتِهِ، وقِيمَتِهِ، وطَرِيقَةِ الدَّفعِ، والشُّرُوطِ الجَزَائِيَّةِ، وآلِيَّةِ الفَسخِ، وطَرِيقَةِ حَلِّ المُنَازَعَاتِ، وتَحدِيدِ الجِهَةِ المُختَصَّةِ عِندَ نُشُوبِ النِّزاعِ، والقَانُونِ الوَاجِبِ التَّطبِيقِ، والسِّرِّيَّةِ، وعَدَمِ الإِفشَاءِ، تَفَاصِيلَ وبُنُودَ العَقدِ، والإِشَارَةِ إلى مُرفَقَاتِ العَقدِ ومُستَنَدَاتِهِ (إِن وُجِدَت)، وأَن يَقُومَ أَطرافُ العَقدِ بِالتَّأشِيرِ على جَمِيعِ أَورَاقِ العَقدِ، والتَّوقِيعِ في الصَّفحَةِ الخِتَامِيَّةِ لِلعَقدِ.
وَمِنَ المَهَارَاتِ اللَّازِمَةِ لِصِيَاغَةِ العُقُودِ أَن يَكُونَ صَائِغُ العَقدِ على دِرَايَةٍ واطِّلَاعٍ بِرَغَبَاتِ أَطرافِ العَقدِ، وَأَن تَكُونَ لَدَيهِ حَصِيلَةٌ فِقْهِيَّةٌ (شَرعِيَّةٌ وَقَانُونِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ) تُمَكِّنُهُ وَتُسَاعِدُهُ على حُسنِ الصِّيَاغَةِ وَالإِبدَاعِ فِيهَا بِحَسَبِ مُتَطَلَّبَاتِ العَقدِ، وَتَجَنُّبِ الصِّيغَةِ الَّتِي تُفضِي إِلَى المَجهُولِ. وَهُنَاكَ أَخطَاءٌ شَائِعَةٌ يَنبَغِي على طَرَفَيِ العَقدِ وَصَائِغِ العَقدِ الِابتِعَادُ عَنهَا، كَكِتَابَةِ عَقدِ اتِّفَاقٍ، أَو إِتفَاقِيَّةِ عَقدٍ، دُونَ بَيَانِ نَوعِ العَقدِ، أَو كِتَابَةِ عُنوَانٍ غَيرِ مُتَطَابِقٍ مَعَ مَوضُوعِ العَقدِ، أَو عَدَمِ تَطَابُقِ قِيمَةِ العَقدِ كِتَابَةً وَرَقمًا، أَو إِغفَالِ تَحدِيدِ القَانُونِ الوَاجِبِ التَّطبِيقِ عِندَ نُشُوبِ النِّزَاعِ، أَو عَدَمِ الإِشَارَةِ إِلَى مُرفَقَاتِ العَقدِ وَمُستَنَدَاتِهِ، أَو عَدَمِ تَحدِيدِ مُدَّةِ العَقدِ.
وَمِن خِلَالِ التَّجَارِبِ اليَومِيَّةِ نَجِدُ أَنَّ أَغلَبَ المُنَازَعَاتِ المَوجُودَةِ بِالمَحَاكِمِ تَكُونُ إِمَّا بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ عُقُودٍ بَينَ أَطرافِ النِّزَاعِ مَكتُوبَةٍ أَصلًا، أَو لِضَعفِ وَرَكَاكَةِ أُسلُوبِ صِيَاغَةِ العَقدِ، أَو افتِقَادِهِ لِلشُّرُوطِ المُتَوَافِقَةِ مَعَ الشَّرعِ وَالقَانُونِ في تَحدِيدِ التِزَامَاتِ الأَطرافِ المُتَعَاقِدَةِ. وَفِي بَعضِ الأَحيَانِ يَكُونُ خَالِيًا مِن المُدَّةِ أَو طَرِيقَةِ إِنهَائِهِ، وَهَل يَحتَاجُ إِلَى الإِعذَارِ ثُمَّ الفَسخِ؟ أَو يُعتَبَرُ مَفسُوخًا لِسَبَبٍ مَا. وَإِنَّ أَغلَبَ المُتَعَاقِدِينَ يُنفِقُونَ أَموَالًا فِي صَفَقَاتٍ كَبِيرَةٍ وَلا يَستَعِينُونَ بِمُحَامٍ ذِي خِبرَةٍ فِي كَيفِيَّةِ صِيَاغَةِ بُنُودِ الِاتِّفَاقِ، وَهُنَا تَكُونُ بَدَايَةُ المُشكِلَةِ
المبحث الأول
الأَحكَامُ العَامَّةُ لِلعَقدِ وَمَبَادِئُ صِيَاغَتِهِ
يَتَمَيَّزُ العَقدُ، أَيًّا كَانَ نَوعُهُ، عَن غَيرِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ القَانُونِيَّةِ بِأَنَّهُ اتِّفَاقٌ أَو تَرَاضِي إِرَادَتَينِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ عَلَى عَمَلِ شَيءٍ أَو أَشيَاءَ أَو الامتِنَاعِ عَن عَمَلِ شَيءٍ أَو أَشيَاءَ. فَالعَقدُ بِهَذَا المَفهُومِ يَختَلِفُ عَن غَيرِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ القَانُونِيَّةِ كَالقَرَارَاتِ الصَّادِرَةِ عَنِ الأَفرَادِ أَو عَنِ الإِدَارَةِ، وَالَّتِي تَكتَمِلُ بِمُجَرَّدِ صُدُورِهَا عَن هَذَا الفَردِ أَو تِلكَ الجِهَةِ. وَيَنبَغِي أَن يَكُونَ العَقدُ بَينَ طَرَفَينِ يَتَّفِقَانِ عَلَى تَنفِيذِ التِزَامٍ مُعَيَّنٍ، وَلا يَجُوزُ أَن يُعقَدَ مَعَ الطَّرَفِ نَفسِهِ، أَي أَن يَكُونَ الشَّخصُ نَفسُهُ دُونَ وُجُودِ طَرَفٍ آخَرَ يُقَابِلُهُ فِي الِاتِّفَاقِ، أَو أَن يَكُونَ مَعَ طَرَفٍ لا وُجُودَ لَهُ، أَو شَخصٍ وَهمِيٍّ.
المطلب الأول
مفهوم العقد وأركانه وأنواعه
سنوضح في هذا المطلب تعريف العقد وأركانه في فرعين، الأول: تعريف العقد، والثاني: مبدأ سلطان الإرادة.

الفرع الأول
تعريف العقد

العَقدُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الجَمعُ بَينَ أَطرَافِ الشَّيءِ وَتَقوِيَتُهَا. يُقَالُ: عَقَدَ طَرَفَيِ الحَبلِ إِذَا وَصَلَ أَحَدَهُمَا بِالآخَرِ بِعُقدَةٍ تَمسِكُهَا فَأَحكَمَ وَصلَهَا. يُقَالُ: عَقَدَ الحَبلَ إِذَا جَمَعَ أَحَدَ طَرَفَيهِ عَلَى الآخَرِ وَرَبَطَ بَينَهُمَا.
وَالعَقدُ فِي الفِقهِ، هُوَ: “ارتِبَاطُ إِيجَابٍ بِقَبُولٍ عَلَى وَجهٍ مَشرُوعٍ يُثبِتُ أَثَرَهُ فِي مَحَلِّهِ”.
وَيُعرّفُ العَقدُ قَانُونًا بِأَنَّهُ: تَطَابُقُ إِرَادَتَينِ أَو أَكثَرَ عَلَى تَرتِيبِ آثَارٍ قَانُونِيَّةٍ، سَوَاءٌ كَانَت هَذِهِ الآثَارُ إِنشَاءَ الِالتِزَامِ، أَو نَقلَهُ، أَو تَعدِيلَهُ، أَو إِنهَاؤُهُ.
وَيُفهَمُ مِن هَذَا التَّعريفِ أَنَّ إِرَادَةً وَاحِدَةً لا يُمكِنُ أَن تَكُوّنَ عَقدًا، بَل يَجِبُ لِتَكْوِينِهِ اجتِمَاعُ إِرَادَتَينِ مَع ضَرُورَةِ اتِّجَاهِ الإِرَادَتَينِ إِلَى تَرتِيبِ أَثَرٍ قَانُونِيٍّ. فَإِذَا لَم تَتَّجِه الإِرَادَتَانِ إِلَى إِحدَاثِ هَذَا الأَثَرِ، لا يُمكِنُ أَن يَقُومَ عَقدٌ بِالمَفهُومِ الَّذِي نَقصِدُهُ.
وَقَد عَرَّفَ القَانُونُ المَدَنِيُّ العِرَاقِيُّ فِي المَادَّةِ (73) مِنهُ العَقدَ بِأَنَّهُ: “ارتِبَاطُ الإِيجَابِ الصَّادِرِ مِن أَحَدِ العَاقِدَينِ بِقَبُولِ الآخَرِ عَلَى وَجهٍ يُثبِتُ أَثَرًا فِي العُقُودِ عَلَيهِ”.
وَمِنَ الجَدِيرِ ذِكرُهُ هُوَ أَنَّ لَيسَ كُلُّ اتِّفَاقٍ يُرَادُ بِهِ إِحدَاثُ أَثَرٍ قَانُونِيٍّ يَكُونُ عَقدًا، بَل يَجِبُ أَن يَكُونَ هَذَا الاتِّفَاقُ وَاقِعًا فِي نِطَاقِ القَانُونِ الخَاصِّ وَفِي دَائِرَةِ المُعَامَلَاتِ المَالِيَّةِ؛ فَالمُعَاهَدَةُ اتِّفَاقٌ بَينَ دَولَةٍ وَدَولَةٍ.
وَالنِّيَابَةُ اتِّفَاقٌ بَينَ النَّائِبِ وَنَاخِبِيهِ، وَتَولِيَةُ الوَظِيفَةِ العَامَّةِ اتِّفَاقٌ بَينَ الحُكُومَةِ وَالمُوَظَّفِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الاتِّفَاقَاتِ لَيسَت عُقُودًا لِأَنَّهَا تَقَعُ فِي نِطَاقِ القَانُونِ العَامِّ، الدَّولِيِّ وَالدُّستُورِيِّ وَالإِدَارِيِّ.
وَعَلَى الرَّغمِ مِن أَنَّ المُشَرِّعَ العِرَاقِيَّ قَد عَرَّفَ فِي المَادَّةِ (3) مِن قَانُونِ الأَحوَالِ الشَّخصِيَّةِ رَقمِ (188) لِسَنَةِ 1959 (المُعَدَّلِ) الزَّوَاجَ بِأَنَّهُ: “عَقدٌ بَينَ رَجُلٍ وَامرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ شَرعًا لِتَكوِينِ أُسرَةٍ وَإِيجَادِ النَّسلِ بَينَهُمَا”، وَأَنَّ هَذَا العَقدَ قَد تَمَّ بِاتِّفَاقِ إِرَادَتَيِ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ وَقَد وَقَعَ فِي نِطَاقِ القَانُونِ الخَاصِّ (قَانُونِ الأَحوَالِ الشَّخصِيَّةِ)، وَإِذ أَنَّهُ يَخرُجُ عَن دَائِرَةِ المُعَامَلَاتِ المَالِيَّةِ؛ فَلا يُعَدُّ عَقدًا بِالمَفهُومِ الخَاصِّ بِالعُقُودِ المَدَنِيَّةِ.
الفرع الثاني
مَبدَأُ سُلطَانِ الإِرَادَةِ
يُعَدُّ مَبدَأُ سُلطَانِ الإِرَادَةِ مِن نَتَائِجِ المَذهَبِ الفَردِيِّ الَّذِي يُقَدِّسُ حُرِّيَةَ الفَردِ، وَالَّذِي يَعتَبِرُ أَنَّ الهَدَفَ مِن تَنظِيمِ المُجتَمَعِ هُوَ حِمَايَةُ حُرِّيَةِ الفَردِ وَتَحقِيقُ مَصلَحَتِهِ الخَاصَّةِ.
وَإِذَا كَانَ العَقدُ قَدْ بُنِيَ أَسَاسًا عَلَى الإِرَادَةِ وَمَا تَتَمَتَّعُ بِهِ مِن سُلطَانٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ تَرجَمَةً لِمَبدَأِ سُلطَانِ الإِرَادَةِ الَّذِي يَعنِي أَنَّ الإِرَادَةَ هِيَ صَاحِبَةُ السُّلطَانِ الأَكبَرِ فِي إِنشَاءِ العُقُودِ وَفِي تَحدِيدِ آثَارِهَا. وَيَقُومُ مَبدَأُ سُلطَانِ الإِرَادَةِ عَلَى أَسَاسَينِ، هُمَا: الحُرِّيَةُ وَالمُسَاوَاةُ.
فَالحُرِّيَةُ هِيَ أَسَاسُ النَّشَاطِ الَّذِي مَظهَرُهُ الإِرَادَةُ، فَإِنَّ المَصلَحَةَ العَامَّةَ تَتَحَقَّقُ عِندَمَا يَتِمُّ التَّوفِيقُ بَينَ إِرَادَتَينِ كُلٌّ مِنهُمَا تُقَرِّرُ مَصلَحَةً قَائِمَةً، عَلَى اعتِبَارِ أَنَّ المَصلَحَةَ العَامَّةَ لَيسَت إِلَّا مَجمُوعًا مِنَ المَصَالِحِ الفَردِيَّةِ. أَمَّا الأَسَاسُ الآخَرُ وَهُوَ المُسَاوَاةُ، فَلا يُقصَدُ بِهَا المُسَاوَاةُ الفِعلِيَّةُ، إِذ هَذِهِ لا يُمكِنُ تَحقِيقُهَا، بَل يُقصَدُ بِهَا المُسَاوَاةُ القَانُونِيَّةُ الَّتِي تَكفُلُ فِي النِّهَايَةِ تَحقِيقَ المَصلَحَةِ العَامَّةِ.
المَبَادِئُ المُتَفَرِّعَةُ عَن مَبدَأِ سُلطَانِ الإِرَادَةِ: يَتَفَرَّعُ عَن مَبدَأِ سُلطَانِ الإِرَادَةِ المَبَادِئُ الآتِيَةُ:
أَوَّلًا: الِالتِزَامَاتُ الإِرَادِيَّةُ هِيَ الأَصلُ: لا يَقُومُ أَيُّ التِزَامٍ عَلَى شَخصٍ إِلَّا إِذَا ارتَضَاهُ.
ثَانِيًا: مَبدَأُ الرِّضَائِيَّةِ (حُرِّيَةُ الشَّخصِ فِي التَّعَاقُدِ وَعَدَمِ التَّعَاقُدِ): وَيُقصَدُ بِهِ أَنَّ إِرَادَةَ الفَردِ تَكفِي وَحدَهَا لِلتَّعَاقُدِ دُونَ أَيِّ قَيدٍ إِلَّا مَا يَتَطَلَّبُهُ القَانُونُ مِن نِظَامٍ عَامٍّ أَو مَصلَحَةٍ عَامَّةٍ.
ثَالِثًا: حُرِّيَةُ المُتَعَاقِدِينَ فِي تَحدِيدِ آثَارِ العَقدِ: أَي حُرِّيَةُ الأَطرَافِ المُتَعَاقِدَةِ فِي تَحدِيدِ الِالتِزَامَاتِ العَقدِيَّةِ وَمَكَانِهَا وَمَدَاهَا.
رَابِعًا: مَبدَأُ العَقدِ شَرِيعَةُ المُتَعَاقِدِينَ: وَيُقصَدُ بِهِ أَن يُعَادِلَ الِالتِزَامُ النَّاشِئُ مِن العَقدِ فِي قُوَّتِهِ الِالتِزَامَ النَّاشِئَ مِن القَانُونِ، فَيَكُونُ لِلعَقدِ قُوَّةٌ مُلزِمَةٌ بِحَيثُ لا يَجُوزُ لِأَحَدِ المُتَعَاقِدِينَ أَن يَنفَرِدَ بِنَقضِهِ أَو تَعدِيلِهِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى المُتَعَاقِدَينِ أَن يَخضَعَا لِمَا اشتَرَعَاهُ كَخُضُوعِهِمَا لِمَا شَرَعَهُ القَانُونُ، كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى القَاضِي رِعَايَةُ تِلكَ العُقُودِ وَحِمَايَتُهَا كَرِعَايَتِهِ لِلنُّصُوصِ القَانُونِيَّةِ، بِمَعنَى أَنَّهُ إِذَا طُرِحَ عَلَيهِ نِزَاعٌ بِشَأنِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِ تَطبِيقُ ذَلِكَ الحُكمِ الخَاصِّ الَّذِي وَضَعَهُ المُتَعَاقِدَانِ فِيمَا بَينَهُمَا. ويُرَادُ بِهَذَا المَبدَأِ، أَنَّ مَا اتَّفَقَ عَلَيهِ طَرَفَا العَقدِ بِإِرَادَتِهِمَا مُلزِمٌ لَهُمَا وَيَترَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيسَ لِأَيٍّ مِن طَرَفَيِ العَقدِ الرُّجُوعُ عَنِ العَقدِ، أَو تَعدِيلُهُ، أَو إِلغَاؤُهُ، أَو وَقفُ سَرَيَانِهِ إِلَّا بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَينِ أَو بِنَصٍّ القَانُونِ، بِمَعنَى أَنَّ لِلعَقدِ فِي حُدُودِ مَوضُوعِهِ قُوَّةَ نَفَاذٍ مُسَاوِيَةً لِقُوَّةِ القَانُونِ، فَلا يَستَطِيعُ القَاضِي تَعدِيلَ العَقدِ أَو إِنهَاءَهُ لِاعتِبَارَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالعَدَالَةِ إِلَّا إِذَا وَرَدَ نَصٌّ فِي القَانُونِ يُجِيزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ التَّعدِيلُ فِي الحُدُودِ الَّتِي رَسَمَهَا المُشَرِّعُ فِي النَّصِّ.
وَكَمَا أَنَّ العَقدَ مُلزِمٌ لِأَطرَافِهِ وَلِلقَاضِي، فَإِنَّهُ مُلزِمٌ لِلمُشَرِّعِ ذَاتِهِ؛ فَلا يَستَطِيعُ المُشَرِّعُ أَن يُلغِيَ شُرُوطًا مِن أَيِّ عَقدٍ أَو يُضِيفَ شُرُوطًا لَم يَتَّفِق عَلَيهَا طَرَفَا العَقدِ وَلَم يُدرِجَاهَا فِي صُلبِ العَقدِ؛ كَمَا يَلتَزِمُ المُشَرِّعُ فِي تَشرِيعَاتِهِ بِعَدَمِ المَسَاسِ بِالعُقُودِ المُبرَمَةِ فِي ظِلِّ التَّشرِيعَاتِ السَّابِقَةِ وَلَا بِآثَارِ العُقُودِ الَّتِي قَد تَمتَدُّ إِلَى وَقتِ سَرَيَانِ التَّشرِيعَاتِ اللَّاحِقَةِ لِإِبرَامِ العَقدِ، فَطَرَفَا العَقدِ هُم مُشَرِّعُو قَانُونِهِمِ المُلزِمِ لَهُم شَرِيطَةَ عَدَمِ المَسَاسِ بِحُقُوقِ الآخَرِينَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ يَرتِبُ التِزَامًا عَلَيهِم أَو بِإِنشَاءِ حَقٍّ لَهُم فِي اختِيَارِ مَوضُوعِ العَقدِ، كَمَا أَنَّ طَرَفَيِ العَقدِ يَكُونُونَ أَحرَارًا فِي أَن يُبرِمُوا مَا شَاءُوا مِن العُقُودِ وَأَن يَضَعُوا مَا شَاءُوا مِن الشُّرُوطِ غَيرِ مُقَيَّدِينَ بِالأَحكَامِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَضَعُهَا القَانُونُ لِعَقدٍ مِن العُقُودِ شَرِيطَةَ أَن يَكُونَ مَحَلُّ العَقدِ مَشرُوعًا وَغَيرَ مُخَالِفٍ لِلنِّظَامِ العَامِّ وَالآدَابِ.وَأَن يَتِمَّ التَّنفيذُ طِبْقًا لِمَا اشتَمَلَ عَلَيهِ العَقدُ وَذَلِكَ بِتَجَنُّبِ الغِشِّ وَالخَطَأِ العَمدِ وَالتَّعَسُّفِ بِاستِعمَالِ الحَقِّ بِسُوءِ نِيَّةٍ.

المطلب الثاني
أركان العقد وأنواعه
سنتولى في هذا المطلب بيان أركان العقد وأنواع العقود بفرعين كما يأتي:
الفرع الأول: أركان العقد.
الفرع الثاني: أنواع العقود.
الفرع الأول
أركان العقد
منْ أجْلِ أنْ يَكونَ العَقْدُ صَحِيحاً، يَنْبَغِي أَنْ تَتَوافَرَ فِيه ثلاثة أركان هي:
الرُّكْنُ الأَوَّلُ - التَّرَاضِي:
التَّرَاضِي لُغَةً: تَطابُقُ إِرَادَتِي الْإِيجَابِ والْقَبولِ مِنْ أَجْلِ إِحْداثِ أَثَرٍ قانونيٍّ. والتراضي َقَانُونًا هو: اتِّحادُ إِرادَتِين أَوْ أَكْثَرُ عَلَى أَحْداثِ أَثَرٍ قانونيٍّ مُعَيَّنٍ.
إِنَّ وُجودَ هَاتَيْنِ اَلْإِرادَتِين يَكْفِي لِنُشوءِ العَقْدِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَكْفِي لِصِحَّتِهِ، ولِكَيْ يَكونَ العَقْدُ صَحِيحًا لَابُدَّ مِنْ أَنْ يَكونَ رِضا المُتَعاقِديْنَ صَحِيحًا، وَهُوَ لَا يَكونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا صَدَرَ عَنْ ذِي أَهْليَّةٍ كاملة، وَأَنْ يَكونَ غَيْرَ مَشوبٍ بِعَيْبٍ مِنْ عُيوبِ التَّرَاضِي. كَمَا هوَ الْحَالُ بِالطِّفْلِ غَيْرِ المُمَيِّزِ أَوْ المَجْنونِ، ولَا يُعْتَدُّ بِالْإِرَادَةِ اَلَّتِي لَا تَتَّجِهُ إِلَى إِحْداثِ أَثَرٍ قانونيٍّ مُحَدَّدٍ. وَتَتَجَسَّدُ عُيوبُ التَّرَاضِي فِي: الإِكْراهِ، والْغَلَطُ، والتَّغْريرُ مَعَ الغَبْنِ، والِاسْتِغْلالِ.
الركن الثاني- المحل:
المَحلُ هو: "الشيءُ الذي ورَدَ عليهِ العقدُ وثَبَتَ أثره ُفيه"، وهوَ الأَداءُ اَلَّذِي يَجِبُ عَلَى المَدينِ أَنْ يَقومَ بِهِ لِصَالِحِ الدّائِنِ، أَوْ هوَ المَعْقودُ عَلَيْهُ فِي العَقْدِ. والْمَحَلِّ إِمَّا أَنْ يَكونَ نَقْلُ حَقِّ عَيْنِيٌّ أَوْ الْقِيَامِ بِعَمَلٍ أَوْ الِامْتِناعِ عَنْ عَمَلٍ؛ فلابدَّ لِكُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْ مَحَلٍّ يَقومُ عَلَيْهُ، وَبِغَيْرِهِ فَأَنَّهُ لَا يَقومُ.
وَيَجِبُ التَّمْييزُ بَيْنَ مَحَلِّ العَقْدِ ومَوْضوعِهِ؛ فَمَوْضوعُ العَقْدِ هوَ الغايَةُ النَّوْعيَّةُ، أَيْ المَقْصِدُ الأَصْليُّ اَلَّذِي جَعَلَ العَقْدَ طَرِيقًا مَشْرُوعًا لِلْوُصُولِ إِلَيْهُ. فَالْمَوْضُوعُ فِي عَقْدِ البَيْعِ هوَ نَقْلُ المِلْكيَّةِ بِعِوَضٍ، وَفِي الْإِيجَارِ هوَ تَمْليكُ المَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، وَفِي الهِبَةِ هوَ نَقْلُ الهِبَةِ مَجَّانًا، وَفِي عَقْدِ الزَّواجِ هوَ حَلُّ المُتْعَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَرَفْعُ حاجِزِ الحُرْمَةِ فِيهَا.
شروط المحل:
1. أَنْ يَكونَ المحل مَوْجُودًا، أَوْ مُمْكِنَ الوُجودِ: ومَعْنَى الوُجودِ: إِذَا كَانَ مَحَلُّ العقد هوَ إِعْطاءُ شَيْءٍ، أَيْ نَقْلَ حَقَّ عَيْنِي، أَوْ كَانَ مَحَلَّهُ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَهْدِفُ إِلَى إِجْراءِ عَمَلٍ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الشَّيْءُ كَتَسْليمِ اَلْمَأْجورِ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكونَ الشَّيْءُ اَلَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الحَقُّ مَوْجُودًا وَقْتَ نُشُوءِ الالتزام، أَيْ وَقْتَ انْعِقادِ العَقْد، أَوْ أَنَّهُ قابِلٌ لِلْوُجُودِ بَعْدَ نُشوئِهِ. عَلَيهِ، يَجِبُ لِانعِقَادِ العَقدِ أَن يَكُونَ مَحَلُّ العَقدِ مَوجُودًا حِينَ التَّعَاقُدِ، أَو مُمكِنَ الوُجُودِ فِي المُستَقبَلِ. فَإِذَا لَم يَكُن مَوجُودًا فَإِنَّ البَيعَ بَاطِلٌ. وَإِذَا كَانَ الشَّيءُ مَوجُودًا وَقتَ التَّعَاقُدِ، وَلَكِنَّهُ هَلَكَ قَبلَ إِبرَامِ العَقدِ، فَالبَيعُ لَا يَنعَقِدُ لِانعدَامِ المَحَلِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الهَلَاكُ مَادِّيًّا أَم قَانُونِيًّا.
2. وَأَنْ يَكونَ المحل مُعَيَّنًا، أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْيِينِ:
ويَجِبُ أَنْ يَكونَ مَحَلُّ العقد مُعَيَّنًا أَوْ عَلَى الأَقَلِّ قَابِلًا لِلتَّعْيِينِ، سَواءٌ كَانَ الالتزام بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ، أَمْ بِالْقِيَامِ بِعَمَلٍ، أَمْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْقِيَامِ بِعَمَلٍ. وَيُقْصَدُ بِتَعْيِينِ مَحَلِّ الالتزام تَحْديدُهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفِي الجَهالَةَ. أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الوُصولُ إِلَى تَحْديدِ مَحَلِّ الالتزام بِشَكْلٍ أَوْ بِآخَر، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ نُشُوءِ الالتزام، وَبِالتَّالِي عَدَمُ قِيَامِ العَقْدِ أَيْ بُطْلانِهِ. ويكون تعيين المحل إما بالذات وإما بالنوع. وإذَا كَانَ مَحَلُّ الالتزام الْقِيَامَ بِعَمَلٍ أَوْ الِامْتِناعِ عَنْ الْقِيَامِ بِعَمَلٍ، وَجَبَ أَنْ يَكونَ مُعَيَّنًا أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْيِينِ حَتَّى يَنْعَقِدَ العَقْدُ.
أن يكون مما يجوز التعامل فيه:
لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكونَ مَحَلُّ العَقْدِ مِنْ الأَشْياءِ القابِلَةِ لِلتَّعَامُلِ فِيهَا: أَيُّ مَشْروعَةٍ ، وَالأَصْلُ إِنَّ جَميعَ اَلْأَشْياءِ صالِحَةٌ لِأَنْ تَكونَ مَحَلَّ لِلْحُقُوقِ الماليَّةِ، إِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ التَّعامُلِ بِطَبِيعَتِهَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَانُونِ، فَالْأَشْيَاءُ اَلَّتِي تَخْرُجُ عَنْ التَّعامُلِ بِطَبِيعَتِهَا هِيَ اَلَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا جَميعُ النّاسِ، مِثْلَ الْمَاءِ والْهَواءِ وَأَشِعَّةُ الشَّمْسِ، لَا يُمْكِنُ تَمْلِكُها أَوْ نَقْلُ مِلْكيَّتِها فلا يجوز أن تكون محلا للعقد.
إِمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْيَاءِ اَلَّتِي تَخْرُجُ عَنْ دائِرَةِ التَّعامُلِ بِحُكْمِ الْقَانُونِ ، مِثْلَ الأَمْلاكِ العامَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالتَّقَادُمِ، أَوْ بِأَيِّ تَصَرُّفٍ قانونيٍّ آخَرَ، وَكَذَلِكَ الِاتِّجارُ بِالْبَشَرِ والْمُخَدِّراتِ وَاَلْنُقودِ المُزَيَّفَةِ والْأَسْلِحَةِ غَيْرِ المُرَخَّصَةِ، أَوْ بِكُلِّ مَا يُخَالِفُ النِّظامَ العامَّ والْآدابَ العامَّةَ ، فَمِثْلُ هَذِهِ الأَشْياءِ تُعَدُّ مِنْ قَبيلِ مُبْطِلاتِ العَقْدِ لِأَنَّهَا بِالْأَصْلِ أَشْياءٌ لَا يَجُوزُ التَّعامُلُ بِهَا.
الركن- الثالث: السبب:
السَّبَبُ كَرُكْنٍ فِي العَقْدِ بِمَعْنَى القَصْدِ والْهَدَفُ مِنْ وَراءِ التَّعاقُدِ، وَيَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
1. السَّبَبُ القَصَديُّ، وَهُو:" الغَرَضُ المُباشِرُ المُجَرَّدُ اَلَّذِي يُقْصَدُ المُلْتَزِمُ الوُصولَ إِلَيْهُ مِنْ وَراءِ التِزامِهِ “، فَعَلَى سَبيلِ المِثَالِ: فِي عَقْدِ البَيْعِ يَكونُ السَّبَبُ العَقَديُّ لِلْبَائِعِ هوَ الحُصولُ عَلَى الثَّمَنِ، فِي حِينِ يَكونُ السَّبَبُ العَقَديُّ لِلْمُشْتَرِي هوَ الحُصولُ عَلَى المَبيعِ.
2. السَّبَبُ بِمَعْنَى الباعِثِ إِلَى التَّعاقُدِ، وَهُو: الغَرَضُ البَعيدُ أَوْ الغايَةُ البَعيدَةُ اَلَّتِي أَرَادَ المُتَعاقَدُ تَحْقيقَها مِنْ وَراءِ التِزامِهِ ، فَعَلَى سَبيلِ المِثَالِ: فِي عَقْدِ البَيْعِ السَّبَبُ اَلَّذِي يَدْفَعُ البائِعَ لِلتَّعَاقُدِ هوَ إِنْفاقُ الثَّمَنِ لِأَغْراضِ مَعِيشَتِهِ ، أَوْ فِي الدِّراسَةِ أَوْ فِي التَّعْليمِ، وَالبَاعِثُ الدّافِعُ لِلْمُشْتَرِي يَكونُ الحُصولُ عَلَى المَبيعِ لِغَرَضِ التِّجارَةِ أَوْ لِغَرَضِ السَّكَنِ، أَوْ لِأَيِّ سَبَبٍ آخَر، وَيَجِبُ أَنْ يَكونَ الباعِثُ لِإِبْرَامِ العَقْدِ عِنْدَ طَرَفَي العَقْدِ مَشْرُوعًا وَإِلَّا كَانَ التَّصَرُّفُ بَاطِلًا.
الفرع الثاني
أنواع العقود
المُسَمّاةِ وَتَفْسيرِ يُقَسَّمُ العَقدُ بِشَكلٍ عَامٍّ إِلَى أَقسَامٍ عِدَّةٍ، وَحَسَبَ الِاعتِبَارَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا. فَقَد يُقَسَّمُ العَقدُ مِن حَيثُ تَكوِينِهِ إِلَى عَقدٍ رِضَائِيٍّ وَعَقدٍ شَكلِيٍّ وَعَقدٍ عَينِيٍّ. وَمِن حَيثُ أَثَرِهِ إِلَى عَقدٍ مُلزِمٍ لِلطَّرَفَينِ (العَقدِ التَّبَادُلِيِّ) وَعَقدٍ مُلزِمٍ لِجَانِبٍ وَاحِدٍ. وَيُقَسَّمُ مِن حَيثُ طَبِيعَتِهِ إِلَى عَقدِ مُعَاوَضَةٍ وَعَقدِ تَبَرُّعٍ. وَتَنقَسِمُ العُقُودُ مِن جُملَةِ مَا تَنقَسِمُ إِلَيهِ، إِلَى عُقُودٍ مُسَمَّاةٍ وَعُقُودٍ غَيرِ مُسَمَّاةٍ. وَيَكمُنُ الفَرقُ بَينَ العَقدِ المُسَمَّى وَالعَقدِ غَيرِ المُسَمَّى فِي وُجُودِ، أَو عَدَمُ وُجُودِ تَنظِيمٍ خَاصٍّ لَهُ فِي القَانُونِ، فَإِن وُجِدَ تَنظِيمٌ خَاصٌّ لِلعَقدِ؛ فَهُوَ عَقدٌ مُسَمَّى، وَإِن لَم يُوجَد تَنظِيمٌ خَاصٌّ بِهِ فَهُوَ غَيرُ مُسَمَّى.

وَتَبْرُزُ أَهَمّيَّةُ تَقْسيمِ العُقودِ إِلَى مُسَمّاةٍ وَغَيْرِ مُسَمّاةٍ فِي القَوانينِ الحَديثَةِ فِي مَجالِ تَحْديدِ الأَحْكامِ اَلَّتِي تَسْري عَلَى العُقودِ هَذِهِ العُقودِ؛ فَقاعِدَةُ الخاصِّ يُقَيِّدُ الْعَامَّ تَقْتَضِي أَنْ يُطَبَّقُ عَلَى العُقودِ المُسَمّاةِ النُّصوصَ الخاصَّةَ اَلَّتِي اَقْرَها وافَّرَدْها المُشَرِّعُ لَهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحْكامٌ خاصَّةٌ تُنَظِّمُ المَسْأَلَةَ المَعْروضَةَ ؛ فَيَجِبُ عِنْدَئِذٍ تَطْبيقُ القَواعِدِ القانونيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامِ النَّظَريَّةِ العامَّةِ لِلْعَقْدِ . أَمَّا العُقودُ غَيْرُ المُسَمّاةِ فَيُطَبَّقُ عَلَيْهَا نَوْعٌ واحِدٌ مِنْ القَواعِدِ القانونيَّةِ المُتَمَثِّلَةِ بِالْقَوَاعِدِ العامَّةِ لِنَظَريَّةِ العَقْدِ وَالَّتِي تَسْري عَلَى جَميعِ العُقودِ المُسَمّاةِ وَغَيْرِ المُسَمّاةِ. وقد صنف المشرع العراقي في القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 العقود المسماة إلى:
1. عُقودٌ تَقَعُ عَلَى المِلْكيَّةِ: وَمِنْهَا عَقْدُ البَيْعِ، وَعَقْدُ المُقايَضَةِ، وَعَقْدُ الهِبَةِ، وَعَقْدِ القَرْضِ، وَعَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَعَقْدُ الصُّلْحِ.
2. عُقودٌ تَقَعُ عَلَى الِانْتِفاعِ بِالشَّيْءِ: وَمِنْهَا عَقْدُ الْإِيجَارِ، وَعَقْدُ الإِعَارَةِ.
3. عُقودٌ تَقَعُ عَلَى العمل: وَمِنْهَا عَقْدُ اَلْمَقْاولَةِ والِاسْتِصْناعِ، وَعَقْدُ التِزامِ المَرافِقِ العامَّةِ، وَعَقْدِ الوِكالَةِ، وَعَقْدِ العَمَلِ، وَعَقْدِ الحِراسَةِ.
4. عُقود الحِفظ: وَالَّتِي تَتَمَثَّلُ بِعُقودِ حِفْظِ الْمَالِ كَعَقْدِ الوَديعَةِ (الوَديعَةُ).
5. عُقود احتِمالِية: وَمِنْهَا اَلْمُقامَرَةُ والرِّهانُ، والْمُرَتَّبُ مَدَى الحَياةِ، والتَّأْمينُ، وَعَقْدُ الكَفالَةِ.
المبحث الثاني
مبادئ صياغة العقود
إنَّ بِنـاءَ العَقْدِ بأسْلوبٍ واضِحٍ وبَسيطٍ وفِي حُدودِ النِّظامِ القَانونيِّ الَّذي يَرتَبِطُ بموضُوعِ العَقْدِ، يُساعِدُ علَى إنْجازِ العَمَلِ المَطلوبِ صِياغَتُهُ الَّذي يُعَدُّ أَهَمَّ أَهْدافِ عَمَليَّةِ الصِّياغَةِ الَّتي تَتَّسِمُ بكونِها مَزيجًا مِنَ العِلْمِ والفَنِّ. فَإذَا ما كانَ مِنَ المَيْسورِ تَعَلُّمُ مَبادِئِ الصِّياغَةِ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ مِنَ الصِّياغَةِ يُمَثِّلُ أَمْرًا غَيْرَ مَيْسورِ المَنالِ رَغْمَ اعْتِقادِ البَعْضِ – بَلِ الكَثِيرِ – أَنَّ الصِّياغَةَ لَيْسَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَسْأَلَةٍ لُغَوِيَّةٍ لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْها أَيَّةُ أَهَمِّيَّةٍ فِي الحَياةِ العَمَلِيَّةِ، وهُوَ اعْتِقادٌ يُقَوِّضُهُ ويُناهِضُهُ الواقِعُ العَمَلِيُّ فِي أَرْوِقَةِ المَحاكِمِ.
وبِهَذا تَعُدُّ عَمَليَّةُ الصِّياغَةِ فِي العُقودِ وَسيلَةَ التَّفاهُمِ المُتَبادَلِ والتَّواصُلِ بَيْنَ أَطْرافِها، فَضْلًا عَنْ كَوْنِها الأَداةَ الَّتي يَتِمُّ بِها التَّعْبيرُ عَنْ المَعْنَى المُرادِ فِي النَّصِّ؛ بِمَعْنَى أَنَّها – أَيِ الصِّياغَةُ - تُمَثِّلُ فَنًّا تَخَصُّصِيًّا يَسْتَوْعِبُ إِراداتِ أَطْرافِ العَلاقَةِ ويَصُبُّها فِي قالِبٍ مَكْتُوبٍ هُوَ ما يُعْرَفُ بِالعَقْدِ.
ويَنْبَغِي التَّنَبُّهُ إِلَى أَنَّ كَثيرًا مِنَ الخِلافاتِ والنِّزاعاتِ فِي المَحاكِمِ وغَيْرِها لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُها امْتِناعَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ تَنْفيذِ مُقْتَضَى العَقْدِ؛ بَلْ بِسَبَبِ عُيوبٍ فِي صِياغَةِ العَقْدِ أَوْ إِغْفالِ شَيْءٍ مِنْ مُسْتَنَداتِهِ، فَيَتَّجِهُ كُلُّ طَرَفٍ مِنْ أَطْرافِ التَّعاقدِ لِتَفْسيرِ نَصِّ العَقْدِ لِصالِحِهِ مِمَّا يُسَبِّبُ النِّزاعَ، كَذَلِكَ فَإِنَّ سُوءَ الصِّياغَةِ يُخِلُّ بِمَصالِحِ الأَطْرافِ، بِفَواتِ القيمَةِ القَانونِيَّةِ لِلْعَقْدِ. لِذا يَقولُ بَعْضُهُمْ: “الصّائِغُ المُتَمَيِّزُ لِلْعُقودِ لَيْسَ هُوَ الَّذي يُحْمي صاحِبَهُ، لَكِنْ هُوَ مَنْ لا يُضْطَرُّ مَعَهُ أَطْرافُ العَقْدِ لِلذَّهابِ إِلَى المَحاكِمِ"، عَلَيْهِ نَقولُ: اطْلُبِ المُحامِيَ قَبْلَ التَّعاقدِ لا بَعْدَهُ، ومُراجَعَةُ العَقْدِ أَيْسَرُ مِنْ مُراجَعَةِ المَحاكِمِ.
مِنْ هُنا تَظْهَرُ أَهَمِّيَّةُ العِنايَةِ بِصِياغَةِ العُقودِ، والعِنايَةِ بِدِراسَتِها، وبَيانِ مَصادِرِها ومَراحِلِ إِعْدادِها بِما يَحْفَظُ حُقوقَ أَطْرافِها، لِأَنَّ سُوءَ الصِّياغَةِ يُخِلُّ بِمَصالِحِ الأَطْرافِ المُتَعاقدَةِ، بِفَواتِ القيمَةِ القَانونِيَّةِ لِلْعَقْدِ.
المَطْلَبُ الأَوَّلُ: مَفْهومُ وقَواعِدُ ومَراحِلُ صِياغَةِ العُقودِ
المَطْلَبُ الثَّانِي: سَلامَةُ اللُّغَةِ فِي العَقْدِ.
المطلب الأول
مفهوم صياغة العقود وأساليب الصياغة
تَتَضَمَّنُ العُقودُ تَرتيباتٍ مُحَدَّدَةً لِلْحُقوقِ والواجِباتِ والمَسْؤولِيّاتِ والشُّروطِ الَّتي يَجِبُ عَلَى الأَطْرافِ الالْتِزامُ بِها. ولِأَنَّ صِياغَةَ العُقودِ أَمْرًا حَيَوِيًّا فِي القَانونِ، فَالأَخْطاءُ فِي الصِّياغَةِ يُمْكِنُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى نِزاعاتٍ قَانونِيَّةٍ وتُكَلِّفَ الأَطْرافَ الوَقْتَ والتَّكالِيفَ، ورُبَّما تُؤَدِّي فِي بَعْضِ الأَحْيانِ إِلَى خَسارَةٍ مالِيَّةٍ. وتَتَطَلَّبُ صِياغَةُ العُقودِ الإلْمامَ بِاللُّغَةِ القَانونِيَّةِ، والتَّدْريبَ عَلَى تَرْكيبِ الجُمَلِ القَانونِيَّةِ، والإلْمامَ بِقَواعِدِ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ بِشَكْلٍ عامٍّ، والإلْمامَ بِوَسائِلِ تَحْسينِ الصِّياغَةِ العَقْدِيَّةِ.
الفَرْعُ الأَوَّلُ
مَفْهومُ صِياغَةِ العُقودِ
الصِّياغَةُ: هِيَ الوَسـيلَةُ أَوِ الأَداةُ الَّتي يَتِمُّ بِموجِبِها التَّعْبيرُ عَنِ الأَفْكارِ ونَقْلُها مِنْ حَيِّزِ الذِّهْنِ إِلَى حَيِّزِ الواقِعِ عَبْرَ الأَدَواتِ الفَنِّيَّةِ المُلاءِمَةِ. وإِعْمالًا لِهَذا المَفْهومِ، فَإِنَّ "صِياغَةَ العُقودِ تَعْنِي التَّعْبيرَ عَنْ إِراداتِ الأَطْرافِ بِأُسْلوبٍ يَنْقُلُ المَعْنَى المُرادَ بَيْنَ أَطْرافِهِ وصَبَّهُ فِي قالِبٍ كِتابِيٍّ". كَما تَعْنِي صِياغَةَ العُقودِ إِلَى عَمَلِيَّةِ إِنْشاءِ وتَحْريرِ اتِّفاقِيَّةٍ مُلْزِمَةٍ قَانونًا بَيْنَ طَرَفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، لِتَحْديدِ حُقوقِهِمْ ومَسْؤولِيّاتِهِمْ والتِزاماتِهِمْ. إِذْ يُعَدُّ الغَرَضُ الأَساسِيُّ مِنَ العَقْدِ هُوَ تَحْديدُ شُروطِ وأَحْكامِ العَلاقَةِ بَيْنَ الأَطْرافِ، وتَقْليلُ سُوءِ التَّفاهُمِ، وتَوْفيرُ إِطارٍ قَانونِيٍّ لِحَلِّ النِّزاعاتِ والتَّعامُلِ بَيْنَهُمْ. ولا تَنْطَوِي صِياغَةُ العُقودِ عَلَى مُجَرَّدِ كِتابَةِ بُنودِ العَقْدِ الَّتي تَكْشِفُ عَنْ التِزاماتِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ، إِنَّما تَحْمِلُ فِي طَيّاتِها الكَثيرَ مِنَ الأُمورِ الَّتي يَجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ لَها أَصْحابُ العُقودِ والقائِمونَ عَلَى تَحْريرِها.
وتَرتيبـًا علـى مـا تَقـدَّمَ فَإِنَّ علـى مـن يَتـولَّى صـياغَةَ العَقـودِ أَنْ يَعْمـلَ علـى التَّدْقيقِ فـي اخْتيـارِ المُصْطلَحِ الَّذي يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ حَقيقـَةِ المَعْنـَى المُرادِ مـنَ اللَّفْظِ، أَوِ الكَلِمَةِ، أَوِ الجُمْلَةِ، أَوِ العِبارَةِ أَوْ حَتَّى البَنْدِ كَكُلٍّ، والاعْتِنـاءِ باخْتيــارِ المُفــرَداتِ، والتــأَنِّي فــي اخْتيارِهــا لِتَكــونَ مُتَطابِقــةً ومُتَوافِقــةً مــعَ مــدْلولاتها الحَقيقيــةِ والمــرادِ مِنْهــا، وتَتَجَسَّدُ أَهَمِّيَّتُها فِيما يَأْتِي:
1. تَوْضِيحُ الالْتِزاماتِ: تَعْمَلُ العُقودُ عَلَى تَحْديدِ الحُقوقِ والواجِباتِ لِكُلِّ طَرَفٍ، مِمَّا يَجْعَلُها مَرْجِعًا قَانونِيًّا لِحَلِّ النِّزاعاتِ وتَوْضِيحِ المَسْؤولِيّاتِ.
2. مُطابَقَةُ الشَّريعَةِ والقَوانينِ: تَضْمَنُ صِياغَةُ العُقودِ الالْتِزامَ بِأَحْكامِ الشَّريعَةِ والقَوانينِ المَعْمولِ بِها، مِمَّا يُقَوِّي الثِّقَةَ ويَحُدُّ مِنَ المَخاطِرِ القَانونِيَّةِ.
3. حِمايَةُ الأَطْرافِ: تَعْمَلُ العُقودُ عَلَى حِمايَةِ حُقوقِ ومَصالِحِ الأَطْرافِ المُتَعاقدَةِ، وتَضْمَنُ عَدَمَ التَّجاوُزِ عَلَى حُقوقِهِمْ أَوِ اسْتِغْلالِهِمْ.
4. فَتْحُ طَريقٍ لِلْحُلولِ: تُسَهِّلُ العُقودُ عَمَلِيَّةَ حَلِّ النِّزاعاتِ، حَيْثُ تُحَدِّدُ آليّاتِ تَسْوِيَةِ الخِلافاتِ وتَحْكُمُ فِي عَمَلِيَّةِ فَضِّ المُنازَعاتِ.
5. تَوْجيهُ الإِجْراءاتِ: تُحَدِّدُ العُقودُ الإِجْراءاتِ اللّازِمَةَ لِتَنْفيذِ الاتِّفاقِيّاتِ، بِما فِي ذَلِكَ إِجْراءاتُ التَّسْجيلِ والتَّرْخيصِ والتَّوْثيقِ.
باخْتِصارٍ، تُمَثِّلُ صِياغَةُ العُقودِ أَساسًا قَانونِيًّا يُحافِظُ عَلَى حُقوقِ الأَطْرافِ ويَضْمَنُ تَنْظيمَ المُعامَلاتِ بِما يَتَماشَى مَعَ القَوانينِ والأَنْظِمَةِ المَعْمولِ بِها.
الفَرْعُ الثَّانِي
قَواعِدُ صِياغَةِ العُقودِ
تُعَدُّ صِياغَةُ النُّصوصِ القَانونِيَّةِ مِنَ الأُمورِ بالِغَةِ الأَهَمِّيَّةِ، فَإِذَا كانَ دَوْرُ الصِّياغَةِ يَتَمَثَّلُ فِي تَرجَمَةِ مَفْهومٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ دِقَّةَ تَحْديدِ هَذا المَفْهومِ، تَحْديدًا جامِعًا مانِعًا، مِنَ الأُمورِ الشَّاقَّةِ؛ وكَمْ مِنْ قَانونٍ ونِظامٍ وعَقْدٍ وُلِدَ مَعيبَ الصِّياغَةِ، فَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَشاكِلَ فِي تَفْسيراتِهِ، ولَمْ يُؤَدِّ تَطْبيقُهُ إِلَى بُلوغِ الهَدَفِ الَّذي يَرْغَبُ المُنَظِّمُ فِي تَحْقيقِهِ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُعْهَدَ بِمُهِمَّةِ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ إِلَى مُتَخَصِّصينَ مِهَنِيّينَ.
إِنَّ عَلَى كاتِبِ العَقْدِ أَنْ يُتْقِنَ القَواعِدَ العامَّةَ لِلُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتي لا غِنَى لَهُ عَنْ إِتْقانِها تَحْقيقًا لِهَدَفِ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ السَّلِيمَةِ، وبِقَدْرِ ما يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ أَنْ يُلاحِظَ عَلَى وَجْهِ الخُصوصِ جُمْلَةَ القَواعِدِ الإِعْرابِيَّةِ والإِمْلائِيَّةِ الَّتي تَمْنَعُ مُراعاتُها ارْتِكابَ الخَطَأِ فِي هَيْئَةِ الكَلِمَةِ، والعِبارَةِ، ونِظامِ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ.
وتَرتيبًا علَى هَذا يَنبَغِي علَى مَن يَتَولَّى مَهَمَّةَ صِياغَةِ العَقدِ أَنْ يَلتَزِمَ بِقَواعِدَ مُهِمَّةٍ فِي أَثْناءِ صِياغَةِ العَقدِ ومِنْها ما يَأْتِي:
1. الإيجازُ والدِّقَّةُ وعَدَمُ الإطالةِ: إِنَّ الأُسْلوبَ المُوجَزَ يُعَبِّرُ عَنْ أَعْمَقِ المَعانِي بِأَقَلِّ الكَلِماتِ، وهُوَ لا يُخِلُّ بِجَوْهَرِ الفِكْرَةِ. فَإِذَا كانَ مَوْضوعُ الفَقْرَةِ طَويلًا يُسْتَحْسَنُ فَصْلُهُ فِي فَقْرَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
2. الوُضوحُ فِي الأَلْفاظِ والجُمَلِ: مِنَ الإِشْكالاتِ الَّتي يَقَعُ فِيها مَنْ يَتَولَّى صِياغَةَ العَقدِ، غُموضُ العِباراتِ المُسْتَعْمَلَةِ فِي العَقدِ بِحَيْثُ يَحْتاجُ أَطْرافُ العَقدِ إِلَى مُلْحَقٍ تَفْسِيرِيٍّ لِلْعَقدِ.
3. ضَبْطُ اللُّغَةِ وتَجَنُّبُ الأَخْطاءِ: تَبْدو أَهَمِّيَّةُ إِحْكامِ اللُّغَةِ عِنْدَ صِياغَةِ العَقدِ مِنَ الضَّوابِطِ الجَوْهَرِيَّةِ نَظَرًا لِتَعَلُّقِ غالِبِيَّةِ العُقودِ بِالحُقوقِ والحُرِّيّاتِ، ومَسائِلِ المُعامَلاتِ بَيْنَ الأَفْرادِ وما تَرْتَبُهُ مِنِ التِزاماتٍ مُتَقابِلَةٍ، وهُوَ ما يَقْتَضِي الدِّقَّةَ والحَذَرَ فِي التَّعْبيرِ، عَلَى سَبِيلِ المِثالِ: فَإِنَّ كِتابَةَ حَرْفِ العَطْفِ “أَوْ”، عِوَضًا عَنْ حَرْفِ “وَ” لِعَدَمِ الدِّقَّةِ والحَذَرِ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي المَعْنَى المُرادِ مِنَ النَّصِّ.
ومِثالُ ذَلِكَ: أَنْ يَتَّفِقَ المُؤَجِّرُ مَعَ المُسْتَأْجِرِ عَلَى إِيجارِ الدّارِ والمُشْتَمَلِ، ويَفْهَمُ مِنَ الاتِّفاقِ أَنَّ الإِيجارَ هُوَ لِلدّارِ والمُشْتَمَلِ مُجْتَمِعَيْنِ، فَفِي هَذِهِ الحالَةِ يَكُونُ نَصُّ الفَقْرَةِ (يُؤَجِّرُ الطَّرَفُ الأَوَّلُ لِلطَّرَفِ الثَّانِي الدّارَ والمُشْتَمَلَ…) وهُوَ بِهَذِهِ الصّيغَةِ يَرْمِي إِلَى الجَمْعِ بَيْنَ الدّارِ والمُشْتَمَلِ، وَلَكِنْ صائِغُ العَقدِ كَتَبَ الفَقْرَةَ (يُؤَجِّرُ الطَّرَفُ الأَوَّلُ لِلطَّرَفِ الثَّانِي الدّارَ أَوِ المُشْتَمَلَ…) فَهُوَ بِهَذِهِ الصّيغَةِ جَعَلَ الإِيجارَ تَخْيِيرِيًّا بَيْنَ الدّارِ والمُشْتَمَلِ).
ومِثالٌ آخَرُ: أَنْ يُغْفِلَ النَّصُّ كَلِمَةَ (لا) الواجِبَ إِدْراجُها بِمُسْتَهَلِّ النَّصِّ، كَأَنْ يَقولَ “يَجُوزُ لِلطَّرَفِ الأَوَّلِ التَّعامُلُ بِالرِّبا” بَيْنَما الأَصْلُ المُرادُ هُوَ “لا يَجُوزُ” ومِنْ ثَمَّ فَإِنَّ الخَطَأَ المُتَمَثِّلَ فِي إِهْمالِ كَلِمَةِ (لا) قَدْ حَوَّلَ المَعْنَى المُرادَ مِنَ الحَظْرِ إِلَى الإِباحَةِ وهَذا خَطَرٌ كَبيرٌ.
4. اسْتِعْمالُ الأَلْفاظِ المُسْتَخْدَمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الاخْتِصاصِ، ومُراجَعَةُ القَوانينِ المُرْتَبِطَةِ بِالمَوْضوعِ، وحَصْرُ المُصْطَلَحاتِ ذاتِ العَلاقَةِ بِمَوْضوعِ العَقدِ، وحَصْرُ المُصْطَلَحاتِ والمَفاهيمِ القَانونِيَّةِ.
5. إيضاحُ المُفْرَداتِ المُشْتَرَكَةِ والمُتَواصِلَةِ فِي بَنْدِ التَّعْريفاتِ: قَدْ تَلْتَبِسُ فِي بَعْضِ الأَحْيانِ أَلْفاظٌ مَعَ أَلْفاظٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ قَانونِيَّةٍ، فَيَنْبَغِي عِنْدَ وُرُودِها بَيانُ المُرادِ بِها فِي العَقْدِ مَنْعًا لِلنِّزاعِ. مِثْلَ لَفْظَةِ (المُؤَسَّسَةِ) الَّتي تَحْتَمِلُ عِدَّةَ جِهاتٍ حُكومِيَّةٍ وتُسْتَعْمَلُ فِيها، فَيَنْبَغِي تَحْديدُ المُرادِ بِلَفْظِ (المُؤَسَّسَةِ) أَيْنَما وُرِدَ فِي العَقْدِ.
6. اسْتِعْمالُ أَلْفاظٍ مُطابِقَةٍ لِلْمُرادِ مِنْ إِيرادِ الفَقْرَةِ: لِكُلِّ فَقْرَةٍ مِنْ فَقَراتِ العَقْدِ مَقْصودٌ عِنْدَ الصِّياغَةِ مِنْ إِلْزامٍ، أَوْ تَخْيِيرٍ، أَوْ تَنْبِيهٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلا يَنْبَغِي اسْتِعْمالُ الأَلْفاظِ المُحْتَمَلَةِ الَّتي قَدْ تُرْبِكُ أَطْرافَ العَقْدِ.
7. التَّحَقُّقُ مِنْ سَلامَةِ اللُّغَةِ وعَلاماتِ التَّرْقيمِ: لِقَواعِدِ النَّحْوِ أَهَمِّيَّةٌ كَبيرَةٌ فِي الصِّياغَةِ؛ فَقَدْ يَنْقَلِبُ الفاعِلُ مَفْعولًا، بِخَطَأٍ نَحْوِيٍّ، فَيَكُونُ الطّالِبُ مَطْلوبًا، مِثْلَ: (يَخْتارُ المُحامونَ الوُكَلاءَ) مَعْنَى العِبارَةِ أَنَّ المُحامينَ هُمْ مَنْ يَخْتارونَ الوُكَلاءَ، أَمَّا إِذا كُتِبَتْ (يَخْتارُ المُحامينَ الوُكَلاءُ) فَإِنَّ مَعْنَى العِبارَةِ أَنَّ الوُكَلاءَ هُمْ مَنْ يَخْتارونَ المُحامينَ. وَقَدْ يَضَعُ صائِغُ العَقْدِ عَلامَةً مِنْ عَلاماتِ التَّرْقيمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّها فَيَنْقَلِبُ المَعْنَى رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، مِثْلَ: (الغَرامَةُ لا. الحَبْسُ) ومَعْنَى العِبارَةِ هِيَ أَنَّ العُقوبَةَ الحَبْسُ ولَيْسَتِ الغَرامَةَ، لِأَنَّ عَلامَةَ التَّرْقيمِ (النُّقْطَةُ) وُضِعَتْ بَعْدَ (الغَرامَةُ لا.) وَفِي حالَةِ وَجَعْلِ الجُمْلَةِ هَكَذا: (الغَرامَةُ. لا الحَبْسُ) فَإِنَّ العُقوبَةَ هِيَ الغَرامَةُ ولَيْسَتِ الحَبْسَ، لِأَنَّ النُّقْطَةَ تَعْنِي نِهايَةَ الفَقْرَةِ وَما بَعْدَها جَديدٌ مُسْتَأْنَفٌ.
8. التَّسَلْسُلُ فِي تَفاصِيلِ العَقْدِ وارْتِباطُ فَقَراتِهِ: مِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ فِي صِياغَةِ العَقْدِ، هُوَ تَسَلْسُلُ مَوْضوعاتِ العَقْدِ تَسَلْسُلًا مَنْطِقِيًّا مِنْ بِدايَتِهِ حَتَّى نِهايَتِهِ، بِحَسَبِ مَوْضوعِ العَقْدِ، والتَّأَكُّدُ مِنْ تَراتُبِ الفَقَراتِ بِحَيْثُ تَتَسَلْسَلُ المَوادُّ المُتَّفِقَةُ فِي المَوْضوعِ وتَتابَعُ فِي الإِيرادِ، فَلا يُورَدُ ما يَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ العَقْدِ قَبْلَ بَيانِ مَوْضوعِهِ وأَطْرافِهِ، ولا يُذْكَرُ بَعْضُ أَعْمالِ العَقْدِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلشَّرْطِ الجَزائِيِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَقِيَّةِ الأَعْمالِ وهَكَذا. فَعَلَى صائِغِ العَقْدِ أَنْ يَجْمَعَ النُّصوصَ المُتَناثِرَةَ فِي شَكْلِ عِباراتٍ واضِحَةٍ تَكْشِفُ عَنِ الغَرَضِ مِنْ رَبْطِ أَجْزائِها، وكَشْفِ غاياتِها بِيُسْرٍ وسُهولَةٍ. وَمِنَ الأَفْضَلِ أَنْ يُراعَى فِي كِتابَةِ العَقْدِ أُسْلوبُ الفَقَراتِ بِحَيْثُ يَتَضَمَّنُ النَّصُّ أَكْثَرَ مِنْ فَقْرَةٍ إِذا كانَ بَيْنَهُما ارْتِباطٌ، وأَنْ يُخْضِعَ النَّصَّ لِنِظامِ الإِشاراتِ الكِتابِيَّةِ كَالفَواصِلِ والنُّقَطِ.
المطلب الثاني
مراحل صياغة العقود وأساليبها
تَمُرُّ صِياغَةُ العَقْدِ بِمَراحِلَ عِدَّةٍ، كَما أَنَّ لَها أَساليبَ مُتَنَوِّعَةً، نُبَيِّنُها فِي هَذا المَطْلَبِ بِفَرْعَيْنِ، خَصَّصْنا الأَوَّلَ لِمَراحِلِ صِياغَةِ العَقوْدِ وأَنْواعِها، والثَّانِي أساليبُ الصياغةِ القانونيةِ للعقود.
الفرع الأول
مراحل صياغة العقود وأنواعها
المرحلةُ الأُولَى: التَّحْضيرُ لِصِياغَةِ العَقْدِ: فِي مَرْحَلَةِ التَّحْضيرِ لِصِياغَةِ عَقْدٍ لِأَحَدِ العُمَلاءِ مَعَ طَرَفٍ آخَرَ، أَوْ فِي صِياغَةِ العَقْدِ المُوَحَّدِ لِجِهَةٍ ما، يَنبَغِي اتِّباعُ هَذِهِ الخُطُواتِ قَبْلَ الشُّروعِ فِي صِياغَةِ العَقْدِ:
الخُطْوَةُ الأُولَى: التَّفاوُضُ مَعَ العَميلِ فِي العُقودِ المُوَحَّدَةِ، أَوْ مَعَ كِلا الطَّرَفَيْنِ فِي العُقودِ المُرادِ إِبْرامُها بِشَكْلٍ مُباشِرٍ: إِنَّ أَوَّلَ عَمَلٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى مُهِمَّةَ صِياغَةِ العَقْدِ، هُوَ التَّعَرُّفُ عَلَى رَغْبَةِ طَرَفَيْ العَقْدِ تَمْهِيدًا لِلتَّفْكيرِ فِي أَنْسَبِ الحُلولِ المُحَقِّقَةِ لِهَذِهِ الرَّغْبَةِ، وَهَذا يَتَطَلَّبُ مِنْهُما الإِفْصاحَ عَنْ كُلِّ الوَقائِعِ المُقَيِّدَةِ. وَلَمَّا كانا لا يَعْرِفانِ كُلَّ العَناصِرِ الواجِبِ أَنْ يَتَضَمَّنَها العَقْدُ المَطْلوبُ صِياغَتُهُ؛ فَيَجِبُ عَلَى القائِمِ بِالصِّياغَةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُما المَعْلوماتِ الَّتي يَراها لازِمَةً لِتَحْديدِ مَوْضوعِ الصِّياغَةِ.
وَفِي جَميعِ الأَحْوالِ يَجِبُ أَلَّا يَشْرَعَ المُحامِي فِي صِياغَةِ أَيِّ مُعامَلَةٍ دُونَ أَنْ يَتَوافَرَ لَدَيْهِ حَدٌّ أَدْنَى مِنَ المَعْلوماتِ والتَّخَصُّصِ، فَإِذا كانَ مَوْضوعُ العَقْدِ المَطْلوبِ صِياغَتُهُ هُوَ تَوْزيعُ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ القائِمُ بِالصِّياغَةِ عَلَى مَعْلوماتٍ مِنْ طَرَفَيْ المُعامَلَةِ لِتَحْديدِ القالِبِ القَانونِيِّ الملائم لِوَضْعِ هَذا الغَرَضِ مَوْضِعَ التَّنْفيذِ، وَفِي هَذِهِ الحالَةِ يَخْتارُ القائِمُ بِالصِّياغَةِ بَيْنَ عِدَّةِ عُقودٍ مِثْلَ الوِكالَةِ التِّجارِيَّةِ والتَّوْزيعِ والتَّمْثيلِ التِّجارِيِّ.
وَرُبَّما كانَ مِنَ المُفيدِ أَنْ يَعْرِضَ القائِمُ بِالصِّياغَةِ عَلَى العَميلِ قائِمَةً مُعَدَّةً سَلَفًا تَتَضَمَّنُ رُؤوسَ مَوْضوعاتِ المُحَرَّرِ المُرادِ صِياغَتُهُ لِكَيْ يُقَدِّمَ العَميلُ مَعْلوماتِهِ واقْتِراحاتِهِ بِشَأْنِها. وَيُنْصَحُ القائِمُ بِالصِّياغَةِ أَنْ يَتَوَخَّى التَّبْسِيطَ فِي مُناقَشَتِهِ الأَفْكارَ القَانونِيَّةَ مَعَ العَميلِ لِيَقِفَ عَلَى مَعْناها وأَثَرِها وَلِيَسْتَطِيعَ بِالتَّالِي أَنْ يُحَدِّدَ ما إِذا كانَ اسْتِخْدامُها يَتَّفِقُ مَعَ رَغْبَتِهِ.
الخُطْوَةُ الثَّانِيَةُ: مُحاوَلَةُ تَحْديدِ التَّكْيِيفِ الشَّرْعِيِّ والقَانونِيِّ لِلْعَقْدِ: مِنَ المُهِمّاتِ الرَّئِيسَةِ قَبْلَ صِياغَةِ العَقْدِ وبَعْدَ مَعْرِفَةِ المَضْمونِ الكُلِّيِّ لِلْعَقْدِ، تَحْديدُ تَكْيِيفِهِ الشَّرْعِيِّ والقَانونِيِّ، لِلتَّأَكُّدِ مِنْ تَكامُلِ أَرْكانِهِ وتَوافُرِ شُروطِهِ، وانْتِفاءِ مَوانِعِهِ، لِذا يَجِبُ أَنْ يُلْفِتَ الصّائِغُ نَظَرَ العَميلِ إِلَى ما قَدْ يُوجَدُ تَعارُضٌ بَيْنَ رَغَباتِهِ ونُصوصِ القَانونِ، وإِلَى المَشاكِلِ القَانونِيَّةِ الَّتي قَدْ تَعْتَرِضُ صِياغَةَ رَغَباتِهِ والبَدائِلِ المُتاحَةِ لِلتَّغَلُّبِ عَلَيْها. وتُثِيرُ هَذِهِ النُّقْطَةُ أَثَرَ القَانونِ المُطَبَّقِ عَلَى العَقْدِ فِي صِياغَتِهِ، وَفِي هَذا الصَّدَدِ نَقولُ إِنَّ هَذا القَانونَ قَدْ يَتَضَمَّنُ قَواعِدَ إِلْزامِيَّةً بِشَأْنِ شَكْلِ العَقْدِ وما يَجِبُ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ مُراعاتُهُ عِنْدَ الصِّياغَةِ.
الخُطْوَةُ الثَّالِثَةُ: تَحْديدُ مَحَلِّ التَّعاقدِ: مَحَلُّ التَّعاقدِ هُوَ العَيْنُ أَوِ العَمَلُ أَوِ الخِدْمَةُ المُرادَةُ مِنَ العَقْدِ، وتَحْديدُ المَطْلوبِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ مِنْ أَطْرافِ العَقْدِ بِدِقَّةٍ عالِيَةٍ، مِنْ ذَلِكَ: بَيانُ أَعْمالِ العامِلِ (التَّوصِيفُ الوَظيفِيُّ لِلْعَمَلِ)، وبَيانُ نَوْعِ الخِدْمَةِ فِي العُقودِ الخَدَمِيَّةِ، ونَوْعِ الخِبْرَةِ فِي العُقودِ التِّجارِيَّةِ.
الخُطْوَةُ الرَّابِعَةُ: مُراجَعَةُ المَصادِرِ الفِقْهِيَّةِ والقَانونِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالعَقْدِ مَحَلِّ التَّعاقدِ: مِنَ الضَّرُورِيِّ قَبْلَ صِياغَةِ العَقْدِ مُراجَعَةُ المَصادِرِ المُتَخَصِّصَةِ فِي العَقْدِ المُرادِ صِياغَتُهُ مِنْ مَراجِعَ فِقْهِيَّةٍ أَصْلِيَّةٍ أَوْ مُعاصِرَةٍ، والاطِّلاعُ عَلَى القَوانينِ ذاتِ العَلاقَةِ، والبَحْثُ عَنْ أَيَّةِ قَواعِدَ يُمْكِنُ الاسْتِرْشادُ بِها مِنْ أَجْلِ أَخْذِ تَصَوُّرٍ كامِلٍ عَنْ المُتَطَلَّباتِ الشَّرْعِيَّةِ والقَانونِيَّةِ لِهَذا العَقْدِ.
الخُطْوَةُ الخامِسَةُ: الاطِّلاعُ عَلَى نَماذِجَ مِنَ العُقودِ المُقارِبَةِ: مِنَ الأُمورِ المُعِينَةِ عَلَى حُسْنِ الصِّياغَةِ قَبْلَ الشُّروعِ فِي صِياغَةِ العَقْدِ، الاطِّلاعُ عَلَى العُقودِ المُقارِبَةِ لِمَوْضوعِ التَّعاقدِ المُرادِ صِياغَتُهُ، ومُراعاتُ النُّقَطِ والبُنودِ الَّتي قَدْ تَكُونُ غائِبَةً عَنْ صائِغِ العَقْدِ وأَطْرافِهِ.
الخُطْوَةُ السَّادِسَةُ: إِعْدادُ مَسودَّةٍ لِلْعَقْدِ: بَعْدَ إِجْراءِ ما تَقَدَّمَ، يُعِدُّ الصّائِغُ مَسودَّةَ العَقْدِ وتَتَضَمَّنُ مُقَدِّمَةَ العَقْدِ وبُنودَهُ الرَّئِيسَةَ وخاتِمَتَهُ عَلَى وَفْقِ الخُطُواتِ السَّابِقَةِ، وَمِنَ المُمْكِنِ عَرْضُها عَلَى الأَطْرافِ وتَبادُلُ المَسودَّاتِ بَيْنَهُمْ لِتَحْقيقِ الصِّياغَةِ المَنْشودَةِ مِنْ جَميعِ الأَطْرافِ. إليك النص مشكّلًا:
المرحلةُ الثَّانِيَةُ: الصِّياغَةُ المُبْدَئِيَّةُ لِلْعَقْدِ:
يَنْصَرِفُ الاهْتِمامُ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ إِلَى شَكْلِ العَقْدِ وأُسْلوبِ صِياغَتِهِ، وَيَكْفِينا أَنْ نُشِيرَ هُنا إِلَى أَنَّ خَيْرَ مُعِينٍ لِلتَّقَيُّدِ بِهَذِهِ القَواعِدِ، مِثْلَ الوُضوحِ وتَواصُلِ الأَفْكارِ والبَساطَةِ والتَّنْظيمِ الدَّقيقِ والانْسِجامِ الدّاخِلِيِّ، هُوَ أَنْ يُبادِرَ المُكَلَّفُ بِالصِّياغَةِ بِمُراجَعَةِ الصِّياغَةِ وتَهْذِيبِها، ومُراجَعَةِ أَجْزاءِ العَقْدِ بِالتَّتابُعِ، فَضْلًا عَنْ مُراجَعَةِ العَقْدِ مُراجَعَةً داخِلِيَّةً شامِلَةً، وَكَذَلِكَ فَحْصُ انْسِيابِ الأَفْكارِ.
الفَرْعُ الثَّانِي
أَساليبُ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ لِلْعُقودِ
يُمْكِنُ تَصْنِيفُ قَواعِدِ القَانونِ إِلَى قَواعِدَ آمِرَةٍ، وأُخْرَى مُكَمِّلَةٍ، وتَنْعَكِسُ طَبيعَةُ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ عَلَى شَكْلِ صِياغَتِها وَفِيمَا يَلِي بَيانُ ذَلِكَ:
القَواعِدُ الآمِرَةُ والصِّياغَةُ الجامِدَةُ: هِيَ تِلْكَ القَواعِدُ الَّتي يُجْبَرُ الأَفْرادُ عَلَى احْتِرامِها، ولا يَجوزُ لَهُمُ الاتِّفاقُ عَلَى ما يُخالِفُ أَحْكامَها نَظَرًا لِتَعَلُّقِها بِإِقامَةِ النِّظامِ فِي المُجْتَمَعِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلا يَجوزُ أَنْ يُتْرَكَ مِثْلُ هَذا التَّنْظيمِ لِإِرادَةِ الأَفْرادِ، وَيُعَدُّ كُلُّ اتِّفاقٍ يُخالِفُ أَحْكامَها باطِلًا لا يُعْتَدُّ بِهِ. وتُسْتَخْدَمُ الصِّياغَةُ الآمِرَةُ لِتَحْديدِ الواجِباتِ، وفَرْضِ الالْتِزاماتِ، وحَظْرِ القِيامِ بِأَفْعالٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِذا كانَ المُنَظِّمُ يَسْتَخْدِمُ هَذِهِ الصِّياغَةَ عِنْدَ سَنِّ الأَنْظِمَةِ، فَإِنَّ المُحامِي يَلْجَأُ إِلَيْها بِصَدَدِ إِعْدادِ العُقودِ النَّموذَجِيَّةِ ووَضْعِ النِّظامِ الأَساسِيِّ لِلشَّرِكاتِ واللَّوائِحِ الدّاخِلِيَّةِ لِلْمُنْشَأَةِ ونَحْوِها، وَمِنْ تَطْبيقاتِ اسْتِخْدامِ الصِّياغاتِ التّالِيَةِ فِي العُقودِ المُحَرَّرَةِ بِواسِطَةِ المُحامِي: أَنْ يَذْكُرَ عَلَى سَبِيلِ المِثالِ:
• يَلْتَزِمُ الطَّرَفُ الأَوَّلُ مِنْ هَذا العَقْدِ بِالآتِي… ولا يَجوزُ لَهُ بِأَيِّ حالٍ مِنَ الأَحْوالِ أَنْ يَفْعَلَ (كَذا) أَوْ (كَذا) وأَيُّ فِعْلٍ يَقومُ بِهِ مُخالِفًا لِبُنودِ هَذا العَقْدِ يُعَدُّ باطِلًا.
• لا يَجوزُ لِأَيٍّ مِنْ طَرَفَيْ هَذا العَقْدِ إِنْهاءُ التَّعاقدِ قَبْلَ نِهايَةِ مُدَّتِهِ إِلَّا فِي الحالاتِ الآتِيَةِ: و…و…
• يَجِبُ عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي إِخْطارُ الطَّرَفِ الأَوَّلِ بِتَسْلِيمِ البِضاعَةِ فِي مَوْعِدٍ أَقْصاهُ… يَوْمٍ وَإِلَّا يُعَدُّ…
• يَتَعَهَّدُ الطَّرَفُ الأَوَّلُ بِأَنْ يَفْعَلَ (كَذا) و (كَذا).
• يَلْتَزِمُ صاحِبُ العَمَلِ بِصَرْفِ رَواتِبِ المُوَظَّفِينَ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ ميلادِيٍّ وَبِحَدٍّ أَقْصَى يَوْمَ (5) مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
• يُحْظَرُ عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ هَذا العَقْدِ القِيامُ بِالآتِي: …
فَفِي الأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ تَتَضِحُ أَهَمِّيَّةُ الصِّياغَةِ الآمِرَةِ الَّتي تَضْبِطُ حُقوقَ والْتِزاماتِ كُلِّ طَرَفٍ مِنْ أَطْرافِ من الأطراف. وَتَتَناسَبُ الصِّياغَةُ الجامِدَةُ مَعَ القَواعِدِ الآمِرَةِ، فَالصِّياغَةُ الجامِدَةُ هِيَ الصِّياغَةُ الَّتي تُحَقِّقُ التَّحْديدَ الكامِلَ لِلْحُكْمِ القَانونِيِّ أَوْ ما يُخْضِعُ لَهُ مِنْ أَشْخاصٍ ووَقائِعَ عَلَى نَحْوٍ لا يَتْرُكُ مَجالًا لِلتَّقْدِيرِ سَواءً بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخاطَبِ بِالقَانونِ عِنْدَما يُريدُ التَّعَرُّفَ عَلَى ما إِذا كانَ الحُكْمُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقاضِي عِنْدَما يُريدُ إِنْزالَ الحُكْمِ القَانونِيِّ أَمامَهُ مِنْ وَقائِعَ وأَشْخاصٍ.
وَمِنَ الجَدِيرِ بِالذِّكْرِ: أَنَّ الصِّياغَةَ الجامِدَةَ تَلْعَبُ دَوْرًا وِقائِيًّا فِي غايَةِ الأَهَمِّيَّةِ، لِأَنَّها تُجَنِّبُ أَطْرافَ العَلاقَةِ مَحَلَّ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ الخُضوعَ لِلسُّلْطَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ لِلْقاضِي عِنْدَ نَشْأَةِ النِّزاعِ، لِذَلِكَ فَإِنَّ المُحامِي أَوِ الجَيِّدَ هُوَ مَنْ يُراعِي أَنْ يَتَضَمَّنَ العَقْدُ الَّذي يَتَوَلَّى إِعْدادَهُ تَحْديدَ الالْتِزاماتِ وحُقوقِ كُلِّ طَرَفٍ مِنْ أَطْرافِ العَقْدِ بِكُلِّ دِقَّةٍ، وعَدَمَ تَرْكِ المَسائِلِ الجَوْهَرِيَّةِ لِلسُّلْطَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ لِلْمُتَعاقدِينَ أَوْ لِلظُّروفِ، وإِنَّما يَجِبُ أَنْ يَضَعَها فِي الاعْتِبارِ مُنْذُ البِدايَةِ مُتَناوِلًا كافَّةَ الاحْتِمالاتِ والفُروضِ المُحْتَمَلَةِ، ووَضْعَ القَواعِدِ والأَحْكامِ المُناسِبَةِ لَها.
2. القَواعِدُ المُكَمِّلَةُ أَوِ المُفَسِّرَةُ والصِّياغَةُ المُرِنَةُ:
هِيَ تِلْكَ القَواعِدُ الَّتي يَجوزُ لِلأَفْرادِ أَنْ يُخالِفُوا حُكْمَها، وإِذا ما اتَّفَقُوا عَلَى مُخالَفَةِ هَذا الحُكْمِ كانَ اتِّفاقُهُمْ صَحِيحًا، أَمَّا إِذا سَكَتُوا ولَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ما يُخالِفُ حُكْمَها فَإِنَّها تَسْرِي عَلَيْهِمْ. وعِنْدَ وَصْفِ القاعِدَةِ بِأَنَّها مُكَمِّلَةٌ وَمِنْ ثَمَّ يَجوزُ اسْتِبْعادُ حُكْمِها، فَلا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ القاعِدَةَ لَيْسَتْ مُلْزِمَةً، فَجَمِيعُ القَواعِدِ القَانونِيَّةِ تُعْدُ قَواعِدَ مُلْزِمَةً، وإِنَّما يُقْصَدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الاتِّفاقِ عَلَى مُخالَفَةِ حُكْمِ القاعِدَةِ فَهُنا يَجِبُ العَمَلُ بِها.
والصِّياغَةُ المُرِنَةُ هِيَ الَّتي تُعَبِّرُ عَنِ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ المُكَمِّلَةِ، ولا يَقِفُ الأَمْرُ عِنْدَ حَدِّ القَواعِدِ القَانونِيَّةِ، وإِنَّما يَسْتَخْدِمُ المُحامِي أُسْلوبَ الصِّياغَةِ المُرِنَةِ عِنْدَ كِتابَةِ العُقودِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسائِلِ الَّتي يَتَناوَلُها العَقْدُ وَيَكُونُ هُناكَ اتِّفاقٌ عَلَى تَرْكِ مَساحَةٍ مِنَ الحُرِّيَّةِ لِأَطْرافِ التَّعاقدِ بِشَأْنِها كَنَوْعٍ مِنَ المُرونَةِ يَسْتَجِيبُ لِمُتَغَيِّراتِ الظُّروفِ؛ وَعِنْدَ النِّزاعِ بِشَأْنِها يُتْرَكُ لِلْقاضِي حُرِّيَّةُ التَّقْدِيرِ بِحَسَبِ واقِعِ ومُلابَساتِ كُلِّ حالَةٍ.
وَفِي مَجالِ العَمَلِ بِمِهْنَةِ المُحاماةِ وبِخاصَّةٍ فِي مَسْأَلَةِ صِياغَةِ العُقودِ، فَإِنَّ مَهارَةَ المُحامِي تَظْهَرُ عِنْدَ تَناوُلِ بُنودِ التَّعاقدِ وتَحْديدِ الالْتِزاماتِ وحُقوقِ كُلِّ طَرَفٍ مِنْ أَطْرافِ العَقْدِ، والأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصِّياغَةِ الجامِدَةِ والمُرِنَةِ، حَتَّى يَتْرُكَ مَجالًا لِحُرِّيَّةِ الأَطْرافِ خاصَّةً عِنْدَما تَتَعَلَّقُ المَسْأَلَةُ بِأُمورٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى ظُروفٍ خارِجِيَّةٍ، أَوْ عَلَى إِرادَةِ طَرَفٍ آخَرَ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ
صِياغَةُ المُحامِي لِلْعُقودِ
الأَصْلُ أَنَّ مُهِمَّةَ المُحامِي لا تَنْفَصِلُ عَنِ النُّصوصِ القَانونِيَّةِ أَوِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَسَبِ الأَحْوالِ، لِذَلِكَ فَإِنَّ ضَوابِطَ صِياغَةِ المُحامِي لِلْوَثائِقِ القَانونِيَّةِ المُكَلَّفِ بِإِعْدادِها سَواءً أَكانَتْ عُقودًا، أَمْ مُذَكِّراتِ دِفاعٍ، أَمْ لَوائِحَ دَعاوَى مُحَرَّرَةٍ، أَمْ طُعونًا عَلَى الأَحْكامِ، تَرْتَبِطُ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ بِالنُّصوصِ القَانونِيَّةِ، والشَّرْعِيَّةِ، والَّتي يَحْتاجُ مُمارِسُ المِهْنَةِ اسْتِخْدامَها واسْتِنْباطَها وتَوْظِيفَها بِالشَّكْلِ الصَّحِيحِ، واللُّغَةُ القَانونِيَّةُ لُغَةٌ واضِحَةٌ، مُحَدَّدَةٌ، غَيْرُ غامِضَةٍ، وَمِنْ أَبْرَزِ خَصائِصِها أَنَّها لُغَةٌ مُوجَزَةٌ إِذْ يُفْتَرَضُ خُلُوُّها مِنَ التَّكْرارِ، أَوِ الزِّيادَةِ، أَوِ الكَلِماتِ العامِّيَّةِ أَوِ الغامِضَةِ أَوْ غَيْرِ المُتَعارَفِ عَلَيْها. وَلِكَوْنِها لُغَةً مُتَخَصِّصَةً، تَقْتَضِي العِنايَةَ بِمُصْطَلَحاتِها وأَلْفاظِها.وَهَذا ما يَفْرِضُ عَلَى المُحامِي أَنْ يُجِيدَ تَحْرِيرَ الوَثائِقِ الَّتي يَتَوَلَّى إِعْدادَها إِذْ يَتِمُّ تَداوُلُها بَيْنَ المُتَخَصِّصِينَ، فَاللَّوائِحُ والطُّعونُ ومُذَكِّراتُ الدِّفاعِ يَتِمُّ تَقْدِيمُها إِلَى القَضاءِ، كَما أَنَّ العُقودَ الَّتي يُحَرِّرُها المُحامِي تَتَعَلَّقُ بِمُعامَلاتٍ قَدْ يَنْشَأُ عَنْها مُنازَعاتٌ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ ثَمَّ تُعْرَضُ عَلَى القَضاءِ المُخْتَصِّ أَوْ هَيْئاتِ التَّحْكِيمِ، كَما يُمْكِنُ عَرْضُها عَلَى مُسْتَشارِينَ قَانونِيِّينَ مِنَ التَّخَصُّصِ نَفْسِهِ، وَبِالتّالِي فَإِنَّ الالْتِزامَ بِالضَّوابِطِ اللّازِمَةِ لِلصِّياغَةِ السَّلِيمَةِ تَبْدو ضَرورَةً مُلِحَّةً لِتَنْمِيَةِ المَهارَةِ والارْتِقاءِ بِها عَلَى النَّحْوِ الأَفْضَلِ وتَجَنُّبِ الأَخْطاءِ الشّائِعَةِ.
المَطْلَبُ الأَوَّلُ
أَساليبُ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ
أَساليبُ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ تَنْقَسِمُ إِلَى: مَادِّيَّةٍ ومَعْنَوِيَّةٍ، وَلِكُلٍّ مِنْهُما مُمَيِّزاتُهُ وعُيوبُهُ.
الفَرْعُ الأَوَّلُ
أُسْلوبُ الصِّياغَةِ المَادِّيَّةِ
يُقْصَدُ بِهَذا الأُسْلوبِ صِياغَةُ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ أَوِ النَّصِّ القَانونِيِّ أَوِ الجُمْلَةِ القَانونِيَّةِ الوارِدَةِ فِي وَثيقَةٍ أَوْ عَقْدٍ مِنَ العُقودِ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ عَنْ طَرِيقِ اسْتِخْدامِ العِباراتِ الواضِحَةِ والمُحَدَّدَةِ والَّتي لا تُحْدِثُ لَبْسًا ولا تُمَثِّلُ صُعوبَةً عِنْدَ تَفْسِيرِها، وتَنْقَسِمُ الصِّياغَةُ المَادِّيَّةُ إِلَى قِسْمَيْنِ، كَمِّيَّةٍ وشَكْلِيَّةٍ.
أَوَّلًا: الصِّياغَةُ الكَمِّيَّةُ: هِيَ إِحْلالُ الكَمِّ مَحَلَّ الكَيْفِ (كَالتَّعْبِيرِ بِالأَرْقامِ) إِذْ تَتِمُّ صِياغَةُ الجُمْلَةِ القَانونِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ تَتَضَمَّنُ جَوْهَرَ المَقْصودِ بِشَكْلٍ يَمْنَعُ أَيَّ خِلافٍ فِي شَأْنِ إِدْراكِ المَعْنَى وتَطْبيقِهِ. وَمِثالُ ذَلِكَ القاعِدَةُ القَانونِيَّةُ الَّتي تُقَرِّرُ أَنَّ سِنَّ الرُّشْدِ، الَّذي يُمْنَحُ الفَرْدُ القُدْرَةَ عَلَى مُباشَرَةِ حُقوقِهِ المَدَنِيَّةِ هُوَ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَالمُنَظِّمُ قَدْ عَبَّرَ عَنِ الغايَةِ المُرادِ تَحْقيقُها بِصُورَةٍ رَقَمِيَّةٍ لا تَحْتَمِلُ اللَّبْسَ وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ أَصْبَحَ فِي نَظَرِ القانُونِ كامِلَ الأَهْلِيَّةِ إِلَى أَنْ يُثْبِتَ العَكْسَ.
وَفِي مَجالِ صِياغَةِ العُقودِ يَجِبُ عَلَى المُحامِي فِي حالَاتٍ مُعَيَّنَةٍ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى طَرِيقَةِ التَّعْبِيرِ بِالأَرْقامِ وَذَلِكَ بِإِعْطاءِ الأَفْكارِ الوارِدَةِ فِي مَبْدَأٍ أَوْ شَرْطٍ مُعَيَّنٍ بِتَحْديدٍ وتَقْدِيرٍ رَقَمِيٍّ حَتَّى يَكُونَ لَها مِعْيارٌ ثابِتٌ مُنْضَبِطٌ دُونَ أَنْ يُثِيرَ أَيَّ نِزاعٍ عِنْدَ التَّطْبيقِ، وَذَلِكَ لِتَحْقيقِ غايَةِ الاسْتِقْرارِ فِي المُعامَلاتِ. وَمِثالُ ذَلِكَ: تَحْديدُ نِسَبِ الاسْتِقْطاعِ لِلْمُسْتَحَقّاتِ الضَّريبِيَّةِ، أَوْ نِسْبَةِ الأَرْباحِ، أَوْ مَواعِيدِ التَّسْلِيمِ، أَوْ مَواعِيدِ الإِخْطارِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَسائِلُ الَّتي يَكونُ التَّعْبِيرُ فِيها بِرَقْمٍ حِسابِيٍّ حاسِمَةً لِكُلِّ نِزاعٍ حَوْلَ تَحْديدِ مَدَى الحالِ والواقِعِ الَّذي سَيَكونُ مَجالًا لِإِعْمالِ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ فِيهِ. وَمِنَ التَّطْبِيقاتِ العَمَلِيَّةِ: أَنْ يُنَصَّ فِي عَقْدِ الإيجارِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ العَقْدِ سَنَةٌ واحِدَةٌ تَبْدَأُ مِنْ 1 / 1 / 2024 وَتَنْتَهِي فِي 31 / 12 / 2024، وَيُجَدَّدُ لِمُدَّةٍ مُماثِلَةٍ ما لَمْ يُعْلِنِ المُؤَجِّرُ عَنْ رَغْبَتِهِ فِي عَدَمِ التَّجْدِيدِ بِخِطابٍ مَكْتوبٍ يُسَلَّمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ شَهْرٍ مِنْ نِهايَةِ مُدَّةِ العَقْدِ، أَوِ النَّصُّ فِي عَقْدِ البَيْعِ عَلَى أَنَّ يَلْتَزِمَ البائِعُ بِتَسْلِيمِ العَقارِ مَوْضوعِ عَقْدِ البَيْعِ فِي خِلالِ شَهْرَيْنِ مِنْ تَوْقِيعِ العَقْدِ، وَيَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي فِي حالِ عَدَمِ التَّسْلِيمِ فَسْخُ العَقْدِ واسْتِرْدادُ الثَّمَنِ.
ثانِيًا: الصِّياغَةُ الشَّكْلِيَّةُ: وَهِيَ إِفْراغُ التَّصَرُّفِ القَانونِيِّ فِي شَكْلٍ خارِجِيٍّ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ القَانونِيُّ. وَيَسْتَلْزِمُ المُنَظِّمُ هَذا الشَّكْلَ تَحْقيقًا لِإِحْدى الغاياتِ وَمِنْها: التَّنْبِيهُ إِلَى خُطورَةِ التَّصَرُّفِ، أَوْ تَيْسِيرُ الإِثْباتِ. التَّعْبِيرُ بِاسْتِخْدامِ شَكْلٍ مُعَيَّنٍ يُقْصَدُ بِهِ صِياغَةُ الجُمْلَةِ القَانونِيَّةِ عَلَى نَحْوٍ تُبَيِّنُ فِيهِ المَظاهِرَ الخارِجِيَّةَ الَّتي يُفْتَرَضُ تَحَقُّقُ وُجودِها وَذَلِكَ لِتَرْتِيبِ الآثارِ القَانونِيَّةِ الَّتي يُرِيدُ الأَفْرادُ إِحْداثَها. وَمِثالُ ذَلِكَ: اشْتِراطُ تَسْجِيلِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَدَى مُسَجِّلِ الشَّرِكاتِ حَتَّى تَكْتَسِبَ الشَّخْصِيَّةَ القَانونِيَّةَ، أَوِ النَّصُّ عَلَى عَدَمِ انْتِقالِ مِلْكِيَّةِ العَقارِ إِلَّا بِتَسْجِيلِ نَقْلِ المِلْكِيَّةِ فِي دائِرَةِ التَّسْجِيلِ العَقارِيِّ.
الفَرْعُ الثَّانِي
أُسْلوبُ الصِّياغَةِ المَعْنَوِيَّةِ
تُسْتَخْدَمُ الوَسيلَةُ المَعْنَوِيَّةُ فِي الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ عِنْدَ سَنِّ القَوانينِ والأَنْظِمَةِ واللَّوائِحِ وتَتَمَثَّلُ فِي القَرائِنِ القَانونِيَّةِ، والحِيَلِ القَانونِيَّةِ، عَلَى التَّفْصِيلِ الآتِي:
أَوَّلًا: القَرائِنُ القَانونِيَّةُ: يُقْصَدُ بِالقَرِينَةِ: اسْتِخْلاصُ أَمْرٍ مَجْهولٍ مِنْ أَمْرٍ مَعْلومٍ عَلَى أَساسِ أَنَّهُ إِذا تَحَقَّقَ وُجودُ هَذا الأَمْرِ المَعْلومِ كانَ الغالِبُ وُجودَ الأَمْرِ المَجْهولِ، فَهِيَ تَقُومُ عَلَى أَساسِ فِكْرَةِ الاحْتِمالِ والتَّرْجِيحِ، فَالمُنَظِّمُ يَسْتَخْلِصُ مِنْ واقِعَةٍ مَعْلومَةٍ دَلالَةً عَلَى أَمْرٍ مَجْهولٍ فَيُقَرِّرُ أَنَّهُ ما دامَتْ هُناكَ واقِعَةٌ قَدْ ثَبَتَتْ فَإِنَّ واقِعَةً أُخْرَى مُعَيَّنَةً تَثْبُتُ بِثَباتِها لِأَنَّ هَذا هُوَ ما يَغْلِبُ تَرْجِيحُهُ ووُقوعُهُ فِي العَمَلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمالَ وُجودِ ذَلِكَ الأَمْرِ المَجْهولِ غالِبٌ عَلَى الظَّنِّ؛ فَيُلْحِقُ بِذَلِكَ الشَّيْءَ المَعْروفَ بِالشَّيْءِ غَيْرِ المَعْروفِ.وَتَخْتَلِفُ القَرائِنُ القَانونِيَّةُ عَنِ القَرائِنِ القَضائِيَّةِ، فَالأَخِيرَةُ يَسْتَخْلِصُها القاضِي مِنْ اقْتِناعِهِ وَفْقَ ما يَسْتَخْلِصُهُ مِنَ الوَاقِعِ والظُّروفِ والبَيِّناتِ الَّتي تَخْتَصُّ بِها كُلُّ قَضِيَّةٍ عَلَى حِدَةٍ، بَيْنَما القَرِينَةُ القَانونِيَّةُ هِيَ وَسيلَةٌ أَوْ أَداةٌ لِصِياغَةِ القاعِدَةِ القَانونِيَّةِ عِنْدَ تَكْوينِها.
فَهَلْ يُمْكِنُ لِلْمُحامِي أَوِ المُسْتَشارِ القَانونِيِّ عِنْدَ صِياغَةِ عَقْدٍ مِنَ العُقودِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ القَرِينَةَ؟ وَالإِجابَةُ نَعَمْ، إِذْ يُمْكِنُ لِلْمُحامِي أَنْ يُدَوِّنَ ضِمْنَ فَقَراتِ العَقْدِ أَحْكامًا تَتَناوَلُ اسْتِخْلاصَ أَمْرٍ مَجْهولٍ مِنْ أَمْرٍ مَعْلومٍ. وَمِثالُ ذَلِكَ: النَّصُّ فِي عَقْدِ البَيْعِ عَلَى أَنَّ تَوْقِيعَ البائِعِ عَلَى العَقْدِ يُعَدُّ بِمَثابَةِ قَرِينَةٍ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوِ النَّصُّ فِي عَقْدِ تَوْرِيدِ بَضاعَةٍ عَلَى أَنَّ انْقِضاءَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ عَلَى اسْتِلامِ البَضاعَةِ دُونَ اعْتِراضِ المُرْسَلِ إِلَيْهِ عَلَى الصِّنْفِ أَوِ الكَمِّيَّةِ أَوِ الجَوْدَةِ يُعَدُّ إِقْرارًا ضِمْنِيًّا بِسَلامَةِ وصِحَّةِ البَضاعَةِ، ولا يَحِقُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الاعْتِراضُ ما لَمْ يَكُنْ هُناكَ عَيْبٌ خَفِيٌّ.
ثانِيًا: الحِيَلُ القَانونِيَّةُ: هِيَ افْتِراضٌ مُخالِفٌ لِلواقِعِ مِنْ أَجْلِ تَرْتِيبِ أَثَرٍ قَانونِيٍّ مُعَيَّنٍ. فَإِذا كانَتِ الحِيَلُ تُعَدُّ مِنْ طُرُقِ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ ذاتِ الصِّفَةِ المَعْنَوِيَّةِ كَالقَرائِنِ القَانونِيَّةِ إِلَّا أَنَّ ما يُمَيِّزُها عَنِ القَرِينَةِ القَانونِيَّةِ إِنَّها تَقُومُ عَلَى أُسُسٍ مُخالِفَةٍ لِلواقِعِ بِخِلافِ القَرِينَةِ الَّتي تَقُومُ عَلَى أُسُسٍ قَرِيبَةٍ لِلواقِعِ وَفْقًا لِلغالِبِ. وَيَلْجَأُ المُنَظِّمُ إِلَى هَذا النَّوْعِ مِنَ الصِّياغَةِ عِنْدَما يُرِيدُ أَنْ يُلْحِقَ شَيْئًا بِشَيْءٍ آخَرَ مُناقِضٍ لَهُ وَيُعْطِيَهُ الحُكْمَ ذاتَهُ، مِثالُ ذَلِكَ: العَقاراتُ بِالتَّخْصِيصِ؛ فَالمَاشِيَةُ والبُذورُ والآلاتُ الزِّراعِيَّةُ الَّتي تُرْصَدُ لِخِدْمَةِ العَقارِ: أَيِ الأَرْضِ واسْتِغْلالِها هُوَ فِي حَقيقَتِهِ مَنْقولٌ، وَلَكِنَّ القانُونَ يَفْتَرِضُ أَنَّ هَذا المَنْقولَ عَقارٌ حَتَّى يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى أَنْ يُلْحِقَهُ بِالعَقارِ مِنْ حَيْثُ الحُكْمُ، فَلا يَجوزُ الحَجْزُ عَلَيْهِ مُنْفَصِلًا عَنِ الأَرْضِ الَّتي خُصِّصَتْ لِخِدْمَتِها، فَلا جَدْوَى مِنَ الأَرْضِ دُونَ هَذِهِ الآلاتِ الزِّراعِيَّةِ والمَاشِيَةِ الَّتي تَخْدِمُها. وَيَعُدُّ المُشَرِّعُ هَذِهِ المَنْقولاتِ الَّتي هِيَ فِي خِدْمَةِ الأَرْضِ عَقارًا بِالتَّخْصِيصِ لِكَيْ يُغْلِقَ البابَ عَلَى الحَجْزِ عَلَيْها اسْتِقْلالًا عَنِ الأَرْضِ.
وَالسُّؤالُ الآنَ هَلْ يُمْكِنُ لِلْمُحامِي أَوِ المُسْتَشارِ القَانونِيِّ أَنْ يَسْتَخْدِمَ أُسْلوبَ الحِيَلِ القَانونِيَّةِ عِنْدَ صِياغَةِ الجُمَلِ القَانونِيَّةِ بِمُناسَبَةِ إِعْدادِ عَقْدٍ مِنَ العُقودِ؟ الإِجابَةُ نَعَمْ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ ما يَلِي: اسْتِخْدامُ عِبارَةِ (وَقَدْ عايَنَ المُشْتَرِي الشَّيْءَ المَبيعَ المُعايَنَةَ التّامَّةَ والنّافِيَةَ لِلْجَهالَةِ) رَغْمَ أَنَّ الحَقيقَةَ هِيَ عَدَمُ مُعايَنَةِ المُشْتَرِي، وَلَكِنَّ إِدْراجَ العِبارَةِ فِي العَقْدِ تُعَدُّ حِيلَةً لِلدَّلالَةِ عَلَى المُعايَنَةِ، فَفِي حالَةِ اطِّلاعِ المُشْتَرِي عَلَى هَذِهِ الفَقْرَةِ وتَوْقِيعِهِ دُونَ مُعايَنَةٍ فَلا يَلُومُ إِلَّا نَفْسَهُ.
المَطْلَبُ الثَّانِي
ضَوابِطُ صياغة العقود
وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الضَّوابِطِ الواجبِ مُراعاتُها هِيَ إِتْقانُ اللُّغَةِ وتَنْمِيَةُ المَهارَةِ الشَّخْصِيَّةِ، ووَضْعُ عَلاماتِ التَّرْقِيمِ فِي مَواضِعِها وَفِي أَدْناهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ:
الفَرْعُ الأَوَّلُ
إِتْقانُ اللُّغَةِ
مِنْ أَهَمِّ الضَّوابِطِ الَّتي يَجِبُ عَلَى المُحامِي مُراعاتُها والالْتِزامُ بِها، هُوَ إِتْقانُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بِصِفَةٍ عامَّةٍ، واللُّغَةِ القَانونِيَّةِ بِصِفَةٍ خاصَّةٍ، مَعَ مُراعاتِ القَواعِدِ الآتِيَةِ:
1. تَجَنُّبُ الأَخْطاءِ والعُيوبِ الإِمْلائِيَّةِ والنَّحْوِيَّةِ والصَّرْفِيَّةِ وعُيوبِ الطِّباعَةِ: وَهَذا يُؤَدِّي إِلَى تَبَلْوُرِ لُغَةِ القانُونِ فِي صِياغَةٍ صَحِيحَةٍ سَلِيمَةٍ. فَمِنَ الأَخْطاءِ الشّائِعَةِ عُيوبُ الإِمْلاءِ والَّتي تَكادُ لا تَخْلُو مِنْها غالِبِيَّةُ الوَثائِقِ القَانونِيَّةِ، وعَدَمُ الاهْتِمامِ بِعَلاماتِ التَّرْقِيمِ والفَواصِلِ والنِّقاطِ، وَهَذا يُؤَثِّرُ سَلْبًا لِما فِيهِ مِنْ خَطَرٍ عَلَى سَلامَةِ المَعْنَى المُرادِ مِنَ العِبارَةِ القَانونِيَّةِ، وَمِثالُ ذَلِكَ: كِتابَةُ فَقْرَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَسْطُرٍ بِدُونِ فَواصِلَ، كَذَلِكَ أَخْطاءُ النَّحْوِ والصَّرْفِ كَالبِدايَةِ بِالخَبَرِ قَبْلَ المُبْتَدَأِ، وَبِالمَفْعولِ بِهِ قَبْلَ الفاعِلِ، أَضِفْ لِذَلِكَ عُيوبَ الطِّباعَةِ مِمّا يَسْتَلْزِمُ التَّأَنِّي فِي مُراجَعَةِ كُلِّ عَقْدٍ قَبْلَ التَّوْقِيعِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَعاقدِينَ، وَقَبْلَ تَقْدِيمِهِ إِلَى الجِهاتِ صاحِبَةِ العَلاقَةِ أَوْ إِلَى المَحْكَمَةِ أَوْ إِلَى العُمَلاءِ والمُوكِّلِينَ؛ فَعَلَى المُحامِي أَنْ يُتْقِنَ القَواعِدَ العامَّةَ لِلُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتي لا غِنَى لَهُ عَنْ إِتْقانِها تَحْقيقًا لِهَدَفِ الصِّياغَةِ القَانونِيَّةِ السَّلِيمَةِ، وَبِقَدْرِ ما يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ أَنْ يُلاحِظَ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ جُمْلَةَ القَواعِدِ الإِعْرابِيَّةِ والإِمْلائِيَّةِ الَّتي تَمْنَعُ مُراعاتُها ارْتِكابَ الخَطَأِ فِي هَيْئَةِ الكَلِمَةِ، والعِبارَةِ، وَنِظامِ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ.
2. تَجَنُّبُ اللُّغَةِ العامِّيَّةِ: يَجِبُ أَنْ يُبْرِزَ المُحامِي قَدْرًا مِنَ الإِلْمامِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَأَنْ تَكُونَ لُغَتُهُ سَلِيمَةً، مُبْتَعِدًا عَنْ لُغَةِ عامَّةِ النّاسِ، أَوِ المُصْطَلَحاتِ القَبَلِيَّةِ، أَوِ البِدائِيَّةِ، أَوِ القَدِيمَةِ. فَمِنْ غَيْرِ المَقْبولِ أَنْ يَذْكُرَ المُحامِي فِي مُسْتَهَلِّ مُذَكِّرَةِ دِفاعِهِ مِثْلَ هَذِهِ العِباراتِ: (إِنَّ فُلانًا ضَحِكَ عَلَى مُوكِّلِي وَخَلاهُ يَعْمَلُ كَذا أَوْ كَذا… أَوْ يَقُولُ: عِنْدِي شاهِدٌ مُمْكِنٌ أَجِيبُهُ المَحْكَمَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ المُفْرَداتِ العامِّيَّةِ والدّارِجَةِ، إِنَّما عَلَيْهِ اسْتِخْدامُ المَعْنَى ذاتِهِ بِأُسْلوبٍ أَفْضَلَ وأَرْقَى فَيَقُولُ مَثَلًا: إِنَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ خَدَعَ مُوكِّلِي وَدَفَعَهُ إِلَى… أَوْ نَقُولُ: لَدَى مُوكِّلِي شاهِدٌ عَلَى اسْتِعْدادٍ لِلْمُثُولِ أَمامَ مَحْكَمَتِكُمُ المُحْتَرَمَةِ لِسَماعِ شَهادَتِهِ.
3. الدِّقَّةُ والوُضوحُ فِي صِياغَةِ العَقْدِ: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لُغَةُ المُحامِي فِي صِياغَةِ العَقْدِ واضِحَةً، دَقيقَةً، فَاللُّغَةُ المُعَقَّدَةُ وغَيْرُ الدَّقيقَةِ تَجْعَلُ العِبارَةَ مُبْهَمَةً وغَيْرَ واضِحَةٍ. وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ صِياغَةُ العِبارَةِ القَانونِيَّةِ مِنْ خِلالِ المُصْطَلَحاتِ الفَنِّيَّةِ الخاصَّةِ بِها، فَيَكُونُ كُلُّ لَفْظٍ فِيها مُوزونًا مَحْدودَ المَعْنَى. وَلا يَجوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ مَعْنَى اللَّفْظِ الواحِدِ بِاسْتِعْمالِهِ فِي عِباراتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِذا عَبَّرَ المُحامِي عَنْ مَعْنًى بِلَفْظٍ مُعَيَّنٍ وَجَبَ أَلَّا يَتَغَيَّرَ اللَّفْظُ إِذا أُرِيدَ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذا المَعْنَى مَرَّةً أُخْرَى.
والوُضوحُ يَقْتَضِي كَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ اللُّغَةُ الَّتي يُصاغُ بِها العَقْدُ مُباشِرَةً، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ فِيها لَها مَدْلُولٌ مَقْصُودٌ لِذاتِهِ، بَلْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَأْخُذُهُ العِبارَةُ يُتَمُّ اخْتِيارُهُ عَنْ عَمْدٍ لِدَواعِي الدِّقَّةِ والوُضُوحِ؛ فَهِيَ لُغَةٌ لا تَصْلُحُ فِي التَّخاطُبِ، وَلِهَذا السَّبَبِ تَكادُ تَخْلُو اللُّغَةُ القَانونِيَّةُ مِنْ أَساليبِ البَلاغَةِ (الاسْتِعارَةِ، والتَّشْبِيهِ) حَيْثُ إِنَّ اسْتِخْدامَ هَذِهِ الأَساليبِ يُضِيفُ غُمُوضًا لِلْمَعْنَى قَدْ تَكُونُ مَطْلُوبَةً فِي اللُّغَةِ الأَدَبِيَّةِ، لَكِنَّهُ مِنَ المُحَرَّماتِ فِي اللُّغَةِ القَانونِيَّةِ، إِلّا فِي أَضْيَقِ الحُدُودِ
إِنَّ اللُّغَةَ الرَّصِينَةَ هِيَ أَوَّلُ ما يَحْتاجُهُ المُحامِي فِي كِتابَةِ النَّصِّ القَانونِيِّ بِمُخْتَلِفِ أَشْكالِهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ اللُّغَةُ كَذَلِكَ، فَإِنَّها لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً ابْتِداءً. والأَمْرُ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى المُحامِي فَقَطْ، بَلْ لا بُدَّ لِقارِئِ النَّصِّ أَيْضًا أَنْ يَمْتَلِكَ الحَدَّ الأَدْنَى مِنَ القَواعِدِ الإِعْرابِيَّةِ والإِمْلائِيَّةِ، فَضْلًا عَنِ الأَدَواتِ المَعْرِفِيَّةِ واللُّغَوِيَّةِ اللازِمَةِ لِفَهْمِ مَقاصِدِ النَّصِّ ومُقْتَضَياتِهِ، حَتّى يَكُونَ فِي مَأْمَنٍ مِنْ أَيِّ تَبِعاتٍ قَدْ تَلْحَقُ بِهِ فِي حالِ مُخالَفَةِ الحُكْمِ الوارِدِ فِيهِ.
والمَقْصُودُ بِالقَواعِدِ المُشارِ إِلَيْها آنِفًا كُلُّ ما يَتَّصِلُ بِمَعْرِفَةِ قَواعِدِ الفَصْلِ والوَصْلِ لا سِيَّما التَّفْرِيقُ بَيْنَ اسْتِعْمالَيْ حَرْفَيْ العَطْفِ (الواوِ، وأَوْ)، والتَّمْيِيزُ الدَّقِيقُ بَيْنَ مَعانِي حُرُوفِ الجَرِّ، وتَحاشِي العَمَلِ بِمَبْدَأِ التَّناوُبِ فِي مَعانِيها تَفادِيًا لِاحْتِمالاتِ الخَطَأِ الدَّلالِيِّ كَما يَحْدُثُ -مَثَلًا- فِي الخَلْطِ بَيْنَ اسْتِعْمالِ الحَرْفَيْنِ (عَنْ، وَعَلى) كَما فِي عِبارَةِ (خَرَجَ عَنِ القانُونِ) وَعِبارَةِ (خَرَجَ عَلَى القانُونِ)، إِذْ تَعْنِي الأُولى عَلَى نَحْوِ الدِّقَّةِ الخُرُوجَ بِمُقْتَضَى القانُونِ فِي حِينِ تَعْنِي العِبارَةُ الثّانِيَةُ خَرْقَ القانُونِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ ما يَنْبَغِي عَلَى المُحامِي مُراعاتُهُ ضَرُورَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ هَمْزَتَيْ الوَصْلِ والقَطْعِ، وعَدَمُ التَّكاسُلِ عَنْ ضَبْطِ مَواضِعِ كُلٍّ مِنْهُما؛ فَقَدْ يَقُودُ الخَلْطُ بَيْنَهُما أَحْيانًا إِلَى إِحْداثِ ارْتِباكٍ فِي اسْتِيعابِ المَعْنَى المَقْصُودِ فَلَوْ أَنَّنا كَتَبْنا جُمْلَةَ (تُعانِي نِقابَةُ المُحامِينَ مِنْ إِعْدادِ المُحامِينَ) بِدُونِ كِتابَةِ الهَمْزَةِ فِي كَلِمَةِ (إِعْدادِ) فَلا يَعْلَمُ هَلْ تُعانِي النِّقابَةُ مِنْ إِعْدادِ المُحامِينَ أَوْ مِنْ أَعْدادِهِمْ، وَشَتانَ بَيْنَ ما يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُما.
كَما إِنَّ عَلَى المُحامِي أَنْ يُتْقِنَ مَعْرِفَةَ ما يُحْذَفُ مِنَ الحُرُوفِ وَما يُزادُ مِنْها فِي اللَّفْظِ والتَّرْكِيبِ، كَحَذْفِ الأَلِفِ والنُّونِ المُتَّصِلَةِ بِالاسْمِ المَنْقُوصِ المُذَكَّرِ، وَزِيادَةِ الأَلِفِ والواوِ وَحَذْفِهِما، وَكَذا إِتْقانِ وَجْهِ الإِعْرابِ بِالحُرُوفِ، وَهُوَ ما يَدْخُلُ فِي صُلْبِ النَّحْوِ الكِتابِيِّ، وَيَتَوَجَّبُ عَلَى المحامي الإِحاطَةُ بِتَفاصِيلِهِ وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرَ فِي مُخالَفَتِهِ وَيُمْكِنُ إِجْمالُ ما يُعْرَبُ بِالحُرُوفِ بِالقَوْلِ إِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْرابَ المُثَنَّى وَما يُلْحَقُ بِهِ بِالأَلِفِ رَفْعًا وَالياءِ نَصْبًا وَجَرًّا، وَإِعْرابَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السّالِمِ وَما يُلْحَقُ بِهِ بِالواوِ رَفْعًا وَالياءِ نَصْبًا وَجَرًّا، وَإِعْرابَ الأَسْماءِ الخَمْسَةِ بِالواوِ رَفْعًا وَالأَلِفِ وَالياءِ جَرًّا، وَإِعْرابَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ بِثُبُوتِ النُّونِ رَفْعًا وَحَذْفِها نَصْبًا وَجَزْمًا.
وعَلَى المُحامِي أَنْ يُراعِيَ تَشْكِيلَ الكَلِماتِ لِإِزالَةِ اللَّبْسِ والغُمُوضِ عَنْها وتَيْسِيرِ القِراءَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ نَضْرِبَ مِثالًا عَلَى أَهَمِّيَّةِ وُجُودِ الشَّكْلِ بِكَلِمَةِ (قِبَلَ) بِكَسْرِ حَرْفِ القافِ وفَتْحِ الباءِ وَمَعْناها (عِنْدَ، أَوْ لَدَى) إِذْ قَدْ تُقْرَأُ تَوَهُّمًا (قَبْلَ) أَي بِفَتْحِ القافِ وتَسْكِينِ الباءِ إِذا كانَتْ خُلُوًا مِنَ الشَّكْلِ مِمّا يُؤَدِّي إِلَى تَشْوِيشِ المَعْنَى العامِّ لِلنَّصِّ. إِنَّ نُطْقَ القارِئِ لِلْكَلِمَةِ السّابِقَةِ (قَبْلَ) عِوَضًا عَنْ (قِبَلَ)، وَهُوَ احْتِمالٌ وارِدٌ سَيُفْضِي إِلَى ارْتِباكِ المَعْنَى أَوْ أَنَّهُ فِي أَقَلِّ تَقْدِيرٍ سَيَأْخُذُ وَقْتًا يَطُولُ وَيَقْصُرُ قَبْلَ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَى المُرادِ. وَلَابُدَّ أَنْ نُشِيرَ عَلَى ضَرُورَةِ اشْتِمالِ نُصُوصِ العَقْدِ عَلَى عَلاماتِ التَّرْقِيمِ؛ لِأَنَّها تُمَثِّلُ لُغَةً بِحَدِّ ذاتِها، وَيَحْتاجُها كاتِبُ العَقْدِ فِي تَجْزِئَةِ الجُمَلِ الطَّوِيلَةِ إِلَى أُخْرَى مُخْتَصَرَةٍ مَنْعًا لِتَشَتُّتِ الدَّلالَةِ، وَحِفْظًا لِتَماسُكِ الأَفْكارِ داخِلَ السِّياقِ الواحِدِ، وَيَرى بَعْضُ فُقَهاءِ القانُونِ فِي وُجُودِها جُزْءًا أَصِيلًا مِنْ تَرْكِيبِ الجُمْلَةِ.
وَمِمّا يَسْتَدْعِي التَّأْكِيدَ عَلَيْهِ هُنا هُوَ التَّذْكِيرُ بِضَرُورَةِ الاسْتِعْمالِ الأَمْثَلِ لِلأَعْدادِ وَلا سِيَّما مِنْ حَيْثُ عَلاقَةُ العَدَدِ بِالمَعْدُودِ تَذْكِيرًا وتَأْنِيثًا، وَكَذا فِي إِمْكانِيَّةِ إِدْراجِها كِتابَةً أَوْ رَقْمًا. وَلِأَهَمِّيَّةِ ما ذَكَرْناهُ آنِفًا سَنَتَوَلّى بَيانَ كُلِّ ما يَتَعَلَّقُ بِها فِي مَقاصِدَ قادِمَةٍ.
وَإِلَى جانِبِ الإِلْمامِ التّامِّ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الفُصْحى، مِنْ حَيْثُ النَّحْوِ والصَّرْفِ والإِمْلاءِ يَجِبُ عَلَى المُحامِي أَوِ المُتَدَرِّبِ أَنْ يُنَمِّيَ لَدَيْهِ المَهاراتِ الشَّخْصِيَّةَ ذاتَ العَلاقَةِ كَالصَّبْرِ، وَمُتابَعَةِ مُسْتَحْدَثاتِ القَوانِينِ والسَّوابِقِ القَضائِيَّةِ وعَدَمِ الاسْتِعْجالِ.
(1) الصَّبْر: إِنَّ صِياغَةَ العَقْدِ تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَبْقَى المُحامِي لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ يُعالِجُ حُكْمًا مِنَ الأَحْكامِ، أَوْ فَقْرَةً مُعَيَّنَةً يُرادُ إِدْراجُها فِي عَقْدٍ مِنَ العُقُودِ اسْتَعْصَى عَلَيْهِ وَضْعُها فِي المَكانِ المُناسِبِ والمُلائِمِ؛ أَوْ يَبْحَثُ لَهُ عَنْ صِياغَةٍ تَتَضَمَّنُ عَناصِرَهُ كافَّةً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِغْراقَ وَقْتٍ طَوِيلٍ جِدًّا، لِذَلِكَ يَجِبُ أَلّا يَتْرُكَ نَفْسَهُ لِلْمَلَلِ أَوِ اليَأْسِ وإِنَّما عَلَيْهِ التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ وتَنْميَةِ الشُّعُورِ لَدَيْهِ بِالثِّقَةِ فِي القُدُراتِ الذِّهْنِيَّةِ والقَانونِيَّةِ طالَما كانَتْ لَدَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي أَنْ يَكُونَ رَجُلَ قانُونٍ ناجِحٍ ارْتَضى العَمَلَ فِي هَذِهِ المِهْنَةِ الشّاقَّةِ.
(2) عَدَمُ التَّسَرُّعِ والاسْتِعْجالِ: إِنَّ مُهِمَّةَ المُحامِي لَيْسَتْ سَهْلَةً، لِقِيامِها عَلَى الجانِبِ الذِّهْنِيِّ والاطِّلاعِ المُسْتَمِرِّ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ العَجَلَةَ فِي إِصْدارِ الرَّأْيِ قَدْ تَكُونُ فِي غالِبِ الأَحْيانِ ذاتَ نَتائِجَ سَيِّئَةٍ، لِذَلِكَ يَجِبُ التَّرَوِّي وعَدَمُ الحُكْمِ عَلَى أَيِّ مَسْأَلَةٍ إِلّا بَعْدَ مُراجَعَةِ جَمِيعِ القَوانِينِ ذاتِ العَلاقَةِ بِالمَسْأَلَةِ.
مِثالٌ: إِذا طُلِبَ مِنَ المُحامِي إِعْدادُ عَقْدِ عَمَلٍ، فَيَلْزَمُ الاطِّلاعُ عَلَى قانُونِ العَمَلِ، والتَّأَكُّدُ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ أَيَّةِ تَعْدِيلاتٍ جَدِيدَةٍ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُراعِيَ عِنْدَ كِتابَةِ العَقْدِ تَوافُقَ صِياغَتِهِ القَانونِيَّةِ مَعَ القَواعِدِ القَانونِيَّةِ وعَدَمَ مُخالَفَتِها فَإِذا كانَ قانُونُ العَمَلِ يَحْظُرُ خُضُوعَ العامِلِ تَحْتَ الاخْتِبارِ لِأَكْثَرَ مِنْ 180 يَوْمٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ 90 يَوْمًا بِحَسَبِ الأَحْوالِ؛ فَلا يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ يُدْرِجَ ضِمْنَ نُصُوصِ العَقْدِ بَنْدًا يَسْمَحُ لِصاحِبِ العَمَلِ إِخْضاعَ العامِلِ لِفَتْرَةٍ تَحْتَ الاخْتِبارِ تَتَجاوَزُ المَواعِيدَ القَانونِيَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ اعْتِبارُ هَذا البَنْدِ باطِلًا. كَما لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْرِجَ ضِمْنَ بُنُودِ العَقْدِ شَرْطًا يُعْفِي صاحِبَ العَمَلِ مِنْ مَنْحِ العامِلِ مُقابِلَ الإِجازاتِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي القانُونِ، أَوْ يُجْبِرَ العامِلَ بِالعَمَلِ عَدَدَ ساعاتٍ تَتَجاوَزُ الساعاتِ المَنْصُوصِ عَلَيْها قانُونًا.
الفَرعُ الثّاني
صِياغَةُ المادةِ العَقْدية
إنَّ العقودَ لا تُكتَبُ لأطرافِها فقط، بل قد تُكتَبُ للمعنيينَ بتنفيذِها، أو مَن سيؤولُ لهم، أو قد يتحولُ من عقدٍ للتوثيقِ إلى مستندٍ لإثباتِ الحقوقِ في أروقةِ المحاكمِ حالَ وقوعِ نزاعٍ، وهنا سيتمُّ النظرُ لهذا المستندِ بمنطقٍ آخرَ مختلفٍ عما سبق، فالقاضي سينظرُ إلى العقدِ من خلالِ تحليلِه وتفسيرِه وفهمِه هو، وجهاتُ الخبرةِ ستأخذُه بظاهرِه، دونَ تأويلِ الألفاظِ، وحالَ وصولِه للورثةِ أو الخلفِ الشرعيِّ سيأخذونَ العقودَ دونَ التبحرِ بما تخفيهِ من نياتٍ لم يُظهِرْها من كتبَها.
ومن العواملِ التي تحدُّ من جودةِ وفعاليةِ البنودِ القانونيةِ؛ التكلفُ في اختيارِ الكلماتِ غيرِ المفهومةِ! اعتقاداً ممن كتبَها أنَّ ذلكَ يُضفي شيئاً من الحبكةِ اللغويةِ الفريدةِ؛ عبرَ اختيارِ ألفاظٍ ومصطلحاتٍ- وإن كانت قانونيةً- ولكن لها خصوصيةٌ في الاستعمالِ، أو استخدامِ العباراتِ التي لا تُضيفُ قيمةً فعليةً لهذه النصوصِ، أو استخدامِ جملٍ تزيدُ من الالتباسِ والتعقيدِ عندَ تفسيرِها، أو وضعِ أوصافٍ لا تمثلُ إرادةَ المتعاقدينَ، وتبقي مقاصدَهم بعيدةَ المنالِ عما يريدونهُ من بنودٍ.
وتعدُّ اللغةُ القانونيةُ لغةً موضوعيةً لا يُستخدمُ فيها أساليبُ البلاغةِ من استعارةٍ، وتشبيهٍ، وجناسٍ ومحسناتٍ بديعيةٍ، وليس من إتقانِها إظهارُ المشاعرِ الشخصيةِ، أو استخدامُ الكلماتِ الأدبيةِ، وهذا يُتيحُ للمختصينَ مجالاً رحباً لتوضيحِ المعاني المقصودةِ دونَ تخوفٍ من تكرارِ بعضِ الكلماتِ، أو توضيحِ وتعريفِ بعضِ المفاهيمِ (وفقَ رؤيةِ المتعاقدينَ) وإن كانت تحتملُ معانٍ مختلفةً في معظمِ استخداماتِها الشائعةِ.
ومن المؤكدِ أنَّ تحديدَ صياغاتٍ موحدةٍ أمرٌ لا يمكنُ تطبيقُه إلا في نماذجِ العقودِ المكررةِ، ولكن لا يعني ذلكَ تركَ الاستفادةِ من أسلوبِ العقودِ السابقةِ والخبراتِ المتراكمةِ لمن صاغوا عقوداً مشابهةً سابقاً ومعرفةَ الآليةِ التي استخدموها في التدرجِ للالتزاماتِ والشروطِ، ويمكنُ أن توفرَ هذه العقودُ أفكاراً للفقراتِ التي يجبُ تضمينُها أو تعديلُها في العقدِ الجديدِ، وبالطبعِ يجبُ على المختصِّ أن يضمنَ أنَّ العقودَ السابقةَ التي يعتمدُ عليها تتوافقُ مع القوانينِ النافذةِ، والتطوراتِ القانونيةِ الأخيرةِ.
إنَّ بساطةَ وفصاحةَ الكلماتِ وقوتَها وترابطَها وتسلسلَها، عبرَ توظيفِ العباراتِ التأكيديةِ القاطعةِ تحدُّ من الكلماتِ ذاتِ المعاني المتناقضةِ، وأنَّ الدقةَ تُغني عن المبالغةِ في استخدامِ العباراتِ التي لا تستهدفُ المضمونَ، كما أنَّ توحيدَ الألفاظِ في العقودِ يمكنُ أن يُسهِّلَ عمليةَ كتابتِها وفهمِها، وتفسيرِها.
ومن الأخطاءِ الشائعةِ في العقودِ الحديثُ عن الماضي بصيغةِ الحاضرِ وعن الحاضرِ بصيغةِ الماضي، وفي الحقيقةِ أنَّ الحديثَ عن الماضي بالعقودِ إقرارٌ بوضعٍ راهنٍ يسبقُ عمليةَ التعاقدِ، ويرتبُ آثاراً قانونيةً تقتضي علمَ الطرفينِ، كالإقرارِ بعدمِ الجهالةِ بالمبيعِ والاطلاعِ عليهِ، ثمَّ وصفِه في عقدِ استصناعٍ والتعاقدِ على موصوفٍ لم يرَهُ المشتري، وأما الإقرارُ بالاطلاعِ بالمعاينةِ إقرارٌ بهذا الأمرِ، وهو حجةٌ قاطعةٌ على المقرِّ يصعبُ إنكارُها مستقبلاً، وهذا ينطبقُ على التعاقدِ الذي يذكرُ فيه أحدُ الطرفينِ تأكيدَه باكتمالِ أهليتِه في حينَ أنَّ إقرارَه لا أصلَ له، لأنَّه حالَ نقصِ أهليتِه فلا عبرةَ بما أقرَّ به، وأما الحديثُ بصيغةِ الحاضرِ فهو يمثلُ الالتزاماتِ بالعقودِ أو الشروطِ المستقبليةِ؛ ولذا من غيرِ الصحيحِ إدراجُ أمرٍ ماضٍ على أساسِ أنَّه التزامٌ.
وكلما كانت المادةُ القانونيةُ أقصرَ كان ذلكَ أفضلَ، ويفضلُ ألا تزيدَ كلماتُ المادةِ الواحدةِ على (25) كلمةً، وينبغي صياغةُ ما زادَ على ذلكَ في مادةٍ جديدةٍ. أن يُراعى عندَ صياغةِ العقدِ حالةُ النزاعِ المحتملةِ مستقبلاً لا حالةُ الوفاقِ التي يعيشُها الطرفانِ عندَ إبرامِ العقدِ.
وتكونُ صيغةُ الإبرامِ دائماً بصيغةِ الفعلِ الماضي، مثل: أُبرمَ هذا العقدُ بينَ كلٍّ من … أو اتفقَ الطرفانِ المتعاقدانِ على ما يأتي: … إلا فيما يخصُّ التعهداتِ والالتزاماتِ الواردةِ في العقدِ فتصاغُ بالفعلِ المضارعِ، مثل: يلتزمُ، يتعهدُ…
ومن محظوراتِ الصياغةِ والتي يجبُ تجنبُها ما يأتي:
1. استخدامُ صيغةِ النفي وعدمُ استخدامِ صيغةِ الإثباتِ: مثل: لا يحقُّ للطرفِ الثاني العملُ بصفةِ محامٍ في خلالِ فترةِ سريانِ هذا العقدِ. والأفضلُ صياغةُ الفقرةِ بهذه الصيغةِ: “يلتزمُ الطرفُ الثاني بعدمِ العملِ بصفةِ محامٍ في خلالِ فترةِ سريانِ هذا العقدِ”. ذلكَ لأنَّ صيغةَ الإثباتِ (يلتزمُ) تعدُّ أكثرَ تحديداً ووضوحاً من صيغةِ النفي (لا يحقُّ)، لأنَّ مفهومَ الموافقةِ أقوى من مفهومِ المخالفةِ.
2. عدمُ تغطيةِ المعنى المراد: إذ تجبُ تغطيةُ جميعِ المعنى المراد، فعلى سبيلِ المثالِ إذا تعاقدَ شخصٌ مع مقاولٍ على بناءِ منزلٍ، فليسَ من المقبولِ أن يكتبَ في العقدِ: يلتزمُ الطرفُ الثاني (المقاولُ) ببناءِ دارٍ من طابقينِ وملحقٍ فحسب، وإنما لا بدَّ من التفاصيلِ المرتبطةِ بالبناءِ على نحوٍ لا يدعُ مجالاً للاختلافِ وتعارضِ وجهاتِ النظرِ أثناءَ التنفيذِ أو بعده.
3. اجتنابُ العباراتِ الوصفيةِ والظرفيةِ المثيرةِ للالتباسِ: ومثالُها أن يكتبَ في العقدِ: يلتزمُ الطرفُ الثاني بالعملِ حتى نهايةِ اليومِ، فإنَّ عبارةَ حتى نهايةِ اليومِ هي من العباراتِ الغامضةِ والمطاطةِ والتي لا يمكنُ وضعُ معيارٍ محددٍ لها.
4. استخدامُ الجملِ الطويلةِ واجتنابُ الحشوِ: فعلى سبيلِ المثالِ إذا كانَ العقدُ ينصبُّ على بيعٍ أو تأجيرِ دارٍ تمت الإشارةُ إليهِ بكاملِ أوصافهِ وسندِ ملكيتهِ في تمهيدِ العقدِ أو إحدى فقراتِه، فليسَ ثمةَ حاجةٌ إلى تكرارِ هذه الأوصافِ كلما وردتِ الإشارةُ إلى هذه الدارِ في سياقِ العقدِ، إذ تكفي الإشارةُ إليها بـ (الدار).
5. كثرةُ الإحالاتِ إلى فقراتٍ أخرى مع إمكانيةِ الاستغناءِ عنها، فضلاً عن الإحالاتِ الغامضةِ مثلَ (كما في الفقرةِ أعلاه) أو (مع مراعاةِ ما وردَ في هذا العقدِ).
المَبْحَثُ الرّابِع
الإطار العام للعَقْدِ وقواعد الإملاء والكتابة
إنَّ دراسةَ المبادئِ التي تخضعُ لها صياغةُ العقودِ تتطلبُ أولاً دراسةَ الإطارِ الذي يتمُّ على أساسهِ بناءُ العقدِ. لذا فإنَّ التعاملَ مع مشاكلِ بناءِ أيِّ عقدٍ من العقودِ كهيكلٍ عامٍّ يمكنهُ استيعابُ الكثيرِ من العلاقاتِ التعاقديةِ أياً كانَ موضوعُها مسألةٌ أساسيةٌ، ولهذا السببِ نجدُ أنَّ مقتضياتِ صياغةِ العقودِ التفصيليةِ تتغيرُ تبعاً لتغيرِ موضوعِ العلاقةِ التي ينظمها العقدُ.
المطلب الأول
الإطار العام للعقد وبنوده
نعرضُ في الفرعين الآتيين البيانات والبنود الرئيسةَ التي يجب أن تتضمنها العقودُ أياً كانَ نوعُها أو الغرضُ منها، بدءاً بتمهيدِ العقدِ وانتهاءً، مع بيان البنودِ شبهِ الثابتة، وتلكَ المتغيرةِ في إطارٍ شاملٍ لأساسياتِ العقدِ، قابلٍ لإضافةِ بنودٍ وفقراتٍ أخرى حسبَ متطلباتِ كلِّ نوعٍ من أنواعِ العقودِ.
الفرع الأول
البيانات الواجب توافرها في العقد
من أجل أن يكون العقد جامعا مانعا في بنوده، حافظا لحقوق والتزامات طرفيه، لابد من ذكر البيانات التي تحقق هذه الغاية، والتي يجب توافرها في أي عقد من العقود، وهي:
1. عنوان العقد. كأن نقول عقد بيع، أو عقد إيجار، أو عقد مقاولة، أو عقد مساطحة، أو عقد شراكة.
2. تمهيد (مقدمة) العقد: ويتضمن توضيح الغاية من العقد بشكل واضح يسهل على الجميع فهمه، ويشير إلى خلاصته، ويساعد في فهم سبب نشوؤه، وبناء الثقة بين الأطراف المتعاقدة، وتعزيز التفاهم بينهما بما يؤدي في النهاية إلى تعزيز العقد وتنفيذه بنجاح، كما يتضمن وصفاً لحالة الطرفين، وبيان رغبتهما بالتعاقد. ويجب ألا يتضمن التمهيد أي إيجاب أو قبول أو التزام.
3. التعريفات: تتضمن شرح المصطلحات العامة أو المحتملة في العقد، مثل: يقصد بالعبارات الأتية في هذا العقد ما مبين أزاء كل منها، فنقول: يقصد بالقوة القاهرة: أي حدث لا يمكن تجنبه ولا التنبؤ به يجعل تنفيذ هذا العقد مستحيلا.
4. أسماء أطراف العقد: لابد من أن يتضمن العقد بيان صفة كل طرف من أطرافه وموقعه في العقد، ورقم الهوية الوطنية الخاصة به، وبياناته الشخصية وجهة الإصدار.
5. ترتيب أطراف العقد: يذكر أولا أسم الطرف القابل أي الذي صدر عنه القبول، ثم يذكر اسم الطرف الموجب أي: الطرف الذي صدر الإيجاب عنه. كأن نقول في عقد البيع: الطرف الأول (البائع) والطرف الثاني (المشتري). وفي عقد المقاولة: الطرف الأول (صاحب العمل) والطرف الثاني (المقاول).
6. الموطن: ويعني المحل المختار لكل من طرفي العقد، أو عنوان لإقامة، أو محل عمل كل منهما.
7. مكان تحرير العقد وتاريخه: كأن نقول: كتب أو (حرر) بالرمادي بتاريخ 1/1/2024.
8. النطاق المكاني للعقد. المكان الذي يتم تنفيذ العقد فيه؟
9. محل العقد: يجب بيان محل العقد ووصف وصفا دقيقا نافيا للجهالة يميزه عن غيره. وإدراج أوصافه في فقرات العقد أو في ملحق موقع من قبل الطرفين. والمبلغ المترتب عليه، مثل: ثمن البيع، أو بدل الإيجار، أو مبلغ المقاولة، أو مبلغ العربون الخ...
10. مدة العقد وتاريخ السريان والانتهاء: من أهم البيانات الواجب تدوينها في العقد هي بيان مدة العقد وتاريخ البدء بتنفيذه ومدة سريانه وتاريخ انتهائه.
11. التزامات الأطراف: تعد التزامات طرفي العقد جوهر العقد، لذا يجب تحديد التزامات كل طرف بما له وما عليه، وعلى وفق الشروط التي تم الاتفاق على التعاقد عليها، وربط تنفيذ الالتزامات بالمدد المحددة فيه، ووضع الجزاء المترتب على الإخلال بالالتزام. وتحديد موعد لتسليم محل العقد، واشتراط العربون، واشتراط البراءة من العيوب.
12. الضمانات، مثل: عدم التسليم إلا بعد تسليم كامل المبلغ المتفق عليه.
13. ألية فض المنازعات وتحديد المحكمة المختصة بنظر أي نزاع قد يقع في أثناء مدة العقد.
14. حوالة العقد وأحكام التنازل للغير من الباطن. إذ يتم بيان فيما إذا يجوز إحالة العقد أو التنازل عنه.
15. شروط إنهاء العقد، وتعديله، أو فسخه. تتقرر هذه الشروط حسب الاتفاق الحاصل بين طرفي العقد.
16. نِسَخ العقد وملاحقه: تجب الإشارة الى عدد نسخ العقد ومن هي بيده، وترقيم صفحات العقد إذا كان أكثر من صفحة، وتوقيع جميع صفحات العقد لمنع التزوير، فضلا عن وجوب الإشارة الى الملاحق المرافقة له باعتبارها جزء من العقد.
17. توقيعات الأطراف والشهود، والأختام (للشركات والمؤسسات والأشخاص الاعتبارية).
ومن الجدير بالذكر أن هناك بنودا في العقد يمكن تعديلها أو تحديثها بناءً على الظروف المتغيرة أو الاتفاق بين الأطراف. وهذه البنود قد تشمل:
1. مدة العقد: يمكن تعديل مدة العقد بناءً على اتفاق الأطراف أو الظروف المحيطة.
2. الشروط المالية: مثل تعديل الأجر أو الدفعات المالية بناءً على تغييرات في السوق أو الأداء.
3. التزامات الأطراف: قد تتغير التزامات الأطراف بناءً على تطورات جديدة أو احتياجات متغيرة.
4. الشروط الجزائية: يمكن تعديل العقوبات أو الشروط الجزائية في حالة الإخلال بالعقد.
5. بنود التعديل: بعض العقود تتضمن بنودًا تسمح بتعديل العقد بناءً على اتفاق الأطراف أو ظروف معينة.
6. بنود القوة القاهرة: يمكن تعديل هذه البنود لتشمل أو تستثني أحداث معينة تؤثر على تنفيذ العقد.
7. بنود التنازل أو التعاقد من الباطن: قد تتغير هذه البنود للسماح أو منع التنازل عن العقد أو التعاقد من الباطن مع أطراف أخرى.
وتتطلب هذه التعديلات عادةً موافقة جميع الأطراف المعنية لضمان أن التغييرات مقبولة ومتوافقة مع الأهداف التي تم الاتفاق عليها عند كتابة العقد الأصلي.
الفرع الثاني
كيفية ترقيم بنود العقد
إن ترقيم بنود العقد هو جزء مهم من صياغة العقود، لأنه يساعد في تنظيم المعلومات وتسهيل الرجوع إليها. وهناك أكثر من أسلوب لترقيم بنود العقد منها ما يعتمد الأرقام (رقما أو كتابة)، ومنها ما يعتمد الحروف، وفيما يأتي بيان كل أسلوب وذكر مزاياه وعيوبه:
1- الأرقام: (1، 2 ،3، 4...):
يكاد يكون هذا الأسلوب أكثر استخداما في ترقيم بنود العقود وفقراته. ويتميز عن غيره الأساليب بالمزايا الأتية:
‌أ. وضوح وسهولة القراءة: الأرقام تجعل من السهل تتبع البنود، خاصة في العقود الطويلة، فضلا عن عدم استغراقها لمساحة واسعة في العقد.
‌ب. سهولة الإشارة: عند الرجوع إلى بند معين، يمكن الإشارة إليه بسهولة باستخدام الرقم، فنقول مثلا: على وفق ما ورد بالبند أو الفقرة (12 أو 22، 101، وهكذا) من هذا العقد، إذ إن الإشارة الى هذه الفقرة في حالة كتابتها (كتابة) توجب علينا معرفة كيفية كتابة الرقم (12) حسب قواعد كتابة العدد والمعدود، وكذلك كتابة الرقم (22) كتابة، وكتابة الرقم (101) كتابة، وهذا ما يفرض علينا الرجوع الى تلك القواعد. ويزداد الأمر صعوبة كلما كانت بنود العقد عديدة.
‌ج. تنظيم منطقي: الأرقام تعطي انطباعًا بالتنظيم والتسلسل المنطقي.
ويعاب على هذا الإسلوب أنه قد يكون استخدامه أقل رسمية في بعض السياقات، إذ يُنظر إلى الأرقام على أنها أقل رسمية مقارنة بالحروف.
2- الحروف (أ، ب، ج ... أو أ، ب، ت...): ويتميز هذا الإسلوب بالمزايا الأتية:
‌أ. يظهر العقد بمظهر رسمي: استخدام الحروف يمكن أن يعطي العقد مظهرًا أكثر رسمية، كونه يتفق مع نصوص بعض الدساتير التي تقرر اللغة الرسمية للبلاد.
‌ب. يظهر العقد بتنظيم واضح: الحروف تساعد في تنظيم البنود بشكل واضح ومميز ولا يحتمل التكرار.
ويعاب على هذا الإسلوب أنه أقل وضوحًا: فعند الرجوع إلى بند معين، قد يكون من الصعب تذكر الحرف المرتبط به مقارنة بالأرقام كما أن اعتماد هذا الأسلوب يحددنا بعدد بنود بما لا يزيد على (28) بندا وهو عدد الحروف في اللغة العربية.
3- الأرقام كتابة (أولا، ثانيا، ثالثا …):
يمكن استخدام هذا الأسلوب عندما يكون عدد بنود العقد أو فقراته قليلا، ويفضل استخدامه إذا كانت البنود أقل من عشرة بنود، ويتميز هذا الأسلوب بما يأتي:
‌أ. تقليل احتمالية الخطأ: كتابة الأرقام بالكلمات يمكن أن يقلل من احتمالية الخطأ في الفهم.
‌ب. لمسة رسمية: تضيف لمسة رسمية إلى العقد.
ويعاب على هذا الأسلوب، بأنه مرهق في العقود الطويلة، ويزيد من حجم النص، فضلا عن صعوبة القراءة مقارنة بالأرقام.
وترتيبا على ما تقدم نرى بأن أسلوب استخدام الأرقام هو أفضل الأساليب، وفي حالة كون العقد ما مبين في أدناه:
1-
2- وإذا تفرع هذا البند نكتب الفروع بالحروف هكذا:
أ-
ب- وإذا تفرع هذا البند الى فروع نكتبها بالأرقام كتابة هكذا:
أولا-
ثانيا-
3-
وإذا تكررت الفروع داخل أي تسلسل من التسلسلات الفرعية نعود الى الترقيم بالأرقام والحروف والأرقام كتابة ونضعها بين هلالين هكذا (1) و (أ) و (أولا) وهكذا.
المطلب الثاني
قواعد الإملاء والكتابة
نبين في هذا المطلب أشهر قواعد الإملاء والكتابة قدر تعلق الأمر بموضوع صياغة العقود دون الدخول في التفاصيل التي لم نجد لها مبررا، ومن أهم الإخطاء التي تؤثر في صياغة العقود هي: عدم وضع علامات الترقيم في مواضعها الصحيحة كتابة الهمزة، وكتابة الألف الممدودة والمقصورة، وكتابة التاء المربوطة، وكتابة الأعداد. وسنتولى بيان أهمية هذه القواعد في فرعين خصصنا هذا المطلب وفصلناه في فرعين: الأول: لعلامات الترقيم وكتابة الأعداد. الثاني: لكتابة الهمزة والألف الممدودة والمقصورة.
الفرع الأول
علامات الترقيم وكتابة الأعداد
سنبين في هذا الفرع. كيفية وضع علامات الترقيم في مواضعها الصحية على وفق القواعد الخاصة بها. كما سنوضح كيفية كتابة الأرقام، عليه فقد قسمنا هذا الفرع الى مقصدين، خصصنا الأول لكتابة الهمزة، والثاني لكتابة الأعداد.
المقصد الأول
علامات الترقيم
وهي علامات اصطلاحية توضع بن أجزاء الكلام وفي آخره؛ لتكتسب الكتابة دقة، ونظاما، وجمالا، وحركة، توضع ببن الجمل والتراكيب لتساعد على تحقيق الفهم الإفهام، إذ تقوم هذه العلامات بتحديد مواضع الوقف، والفصل، والوصل، والابتداء، وتنويع النبرات الصوتية. لذا ينبغي اختيار علامة الترقيم المناسبة التي تساهم في ذلك، حتى لا يحدث خلل في المعنى عند القارئ. وتختلف درجة أهمية علامات الترقيم في الكتابة باختلاف تأثيرها في المعنى المطلوب نقله إلى القارئ، ومن ثم فإنه من المهم وضع علامات الترقيم التي تؤثر كثيرا في فهم القارئ لما هو مكتوب أمامه، ومن ثم يمكن القول إنه ليس من الضروري الالتزام التام بكل علامات الترقيم في أثناء الكتابة، لكن يكتفى بما يوضح المعنى ويظهره.
وتجدر الإشارة الى أن الاختلاف في وضع علامات الترقيم في الجملة يترتب عليه اختلاف في معناها، ومن ثم فلابد من الاهتمام بوضع علامات الترقيم في مكانها المناسب، بحيث تؤدي المعنى الذي يقصده صائغ العقد، وهذا يتطلب عدم الإكثار من استخدامها في غير مواضعها، وكذلك أيضا عدم إهمالها حين يلزم استخدامها. وقبل البدء في عرض مواضع علامات الترقيم، تجدر الإشارة إلى أمور عدة تتعلق بها، من أهمها:
أ‌. من الخطأ كتابة علامات الترقيم ي بداية السطر؛ الإ في: القوسين، وعلامتي التنصيص، والقوسين المزهرين.
ب‌. يراعى عند وضع عامة الترقيم أن تكون ملاصقة للكلمة التي قبلها، وبينها وبن الكلمة التالية لها مسافة، إذ إن وضع مسافة بن علامة الترقيم والكلمة التي قبلها من الأخطاء الشائعة والمنتشرة، ويستثنى من هذه القاعدة:
• الأقواس، بحيث تكون ملامسة للكلمة التي بداخلها.
• علامة الحذف(...)، بحيث تكون ملامسة أيضا لما قبلها وبعدها، مثل: علامات الترقيم كثرة منها: الفاصلة، والفاصلة المنقوطة، وعامة علامة الاستفهام...الخ.
1. أهمية علامات الترقيم: تتجسد أهمية علامات الترقيم فيما يأتي:
أولًا: تحسين القراءة والفهم: تُستخدم علامات الترقيم لتحديد الأفكار، والمعاني في النص، وتحديد العلاقة بين الكلمات، والجُمل، والفقرات؛ وبذلك تُساعد القارئ على فهم معنى النص المكتوب بشكل أفضل، وأسرع.
ثانيا: تحديد البنية اللغوية: تُستخدم “علامات الترقيم” لتحديد بنية الجُمّل، والفقرات، والأفكار في النص؛ وهذا يُساعد الكاتب على تنظيم الأفكار، وترتيبها بشكل منطقي، وسلس فضلا عن أنها تُساعد القارئ على عدم التشتُت في أثناء القراءة، وتحول عملية القراءة من عملية مُرهقة ذهنيًا، إلى عملية مُمّتعة جدًا.
ثالثا: تَجنُب الخطأ والارتباك: إذا لم يستَخدم الكاتب علامات الترقيم بشكل صحيح، فقد يؤدي ذلك إلى الخلط بين المعاني، والنبرات، والأفكار المُختلفة في النص، وبالتالي يتسبب ذلك في حدوث الارتباك، والخطأ بشكل متكرر للقارئ.
رابعا: تحسين المصداقية، والمهنية: يمكن أن تُساعد علامات الترقيم -إذا تم استخدامها بشكل صحيح- على تحسين المصداقية، والمهنية للمحتوى الذي يقدمه المحامي، إذ إن استخدامها بشكل صحيح يدُل على أن المحامي يهتم بجودة كتابته، ويتمتع أيضًا بالمهارات اللغوية اللازمة للتعبير بشكل دقيق، وواضح، عن أفكاره التي يكتب عنها، وعلى العكس تمامًا؛ إذا كان المحامي يستخدم “علامات الترقيم” بشكل غير صحيح، فقد يؤدي ذلك إلى خلل في صياغة العقد، وفقدان الثقة في المحتوى الذي يُقدمه.
2. أنواع علامات الترقيم ومواضع كتابتها
توجد في اللغة العربية العديد من علامات الترقيم، وتتعدد استخدامات كل علامة منها. وفي أدناه أهم علامات الترقيم:
أولا- النقطة: وتسمى الوقفة، وترسم هكذا(.)، وتوضع في نهاية الفقرة، ونهاية الموضوع كله، وعند تمام المعنى داخل الفقرة الواحدة، ومثال على ذلك: (إن القانون ضروري للناس، وهو مهم لكل شخص. إن المجتمع يحتاج لأن يعم الأمن، والاستقرار، والسلام).
ثانيا- النقطتان الرأسيتان: وتكتب بهذا الشكل: (:)، وتوضع في مواضع عدة، من أهمها:
• بعد كلمة قال أو ما في معناه (مثل: حكى-روى-أخبر ...الخ)، ومثال على ذلك: (قال المحامي: إن موكلي بريء من التهمة المسندة إليه).
• قبل تفصيل الكلام، ومثال على ذلك: (العقد اتفاق: يحفظ حقوق المتعاقدين).
• بعد لفظة (نحو) و(مثل) و(منها)، ومثال على ذلك: (علامات الترقيم متعددة، منها: الفاصلة، والفاصلة المنقوطة، والنقطة).
• بعد العنوان الفرعي في أثناء الكتابة، مثل: (الركن الأول: الرضا).
ومما يجب الانتباه إليه، أنه لا يجوز استخدام ضمير مع النقطتين الرأسيتين، كأن تقول الجريمة ثلاثة أنواع هي: جناية، وجنحة، وغرامة. إذ يعد هذا الاستخدام خاطئا، فإما استخدام الضمير (هي) أو الاكتفاء بالنقطتين.
ثالثا- الفاصلة: وتسمى الوقفة، أو الشولة، أو الفارزة، وترسم هكذا (،)، وتوضع في مواضع عدة، منها:
• بين الجمل التي يتركب من مجموعها كلام مفيد، مثل: (تستخدم علامات الترقيم لتنظيم الكتابة، وتوصيل المعنى المطلوب بدقة).
• بعد حرف الجواب، مثل: (نعم، أنا مخلص).
• بين جملتي الشرط. مثل:( إن اتبعت أصول الكتابة، فقد نجحت).
• بعد النداء، مثل:( يا طالب العلم، أقبل، ويا طالب الجهل أقصر).
• بين أقسام الشيْ وأنواعه، مثل:( الجريمة ثلاثة أنواع: جناية، وجنحة، وغرامة).
• بين المعطوفات التي من باب المفرد، مثل:( كان العقد، صحيحا، دقيقا، شاملا).
• بين المترادفات، مثل:( يعدو: يجري، يركض، يهرول).
• بين القسم وجوابه، مثل: (والله، لأجتهدن في الدفاع عن موكلي).
رابعا- الفاصلة المنقوطة: وتكتب هكذا (؛)، وتوضع في مواضع عدة، منها:
• بين الجمل الطويلة التي يتركب من مجموعها كلام مفيد،
• بين الجملتين تكون الأولى سببا في الثانية، أو تكون الثانية سببا في الأولى. ومثال على ذلك:( أحب مهنة المحاماة؛ إذ إنها تساعد على إحقاق الحق)، ومثل:( احذر من الإهمال؛ حتى لا يتقدم عليك غيرك).
• بين الجمل الطويلة المعنى التي يتألف في مجموعا كلام تام الفائدة، بحيث يكون الغرض من وضعها إمكان التنفس بين الجمل، وتجنب الخلط بينها بسبب تباعدها. ومثال على ذلك:(كل عقد يفقد قيمته إذا كثر فيه الحشو؛ فإنه إذا اختصر صار أصوب).
خامسا- النقط الثلاث المتتابعة: وترسم هكذا(...): وتوضع مكان الكلمات المحذوفة لسبب أو لأخر. وهي ثلاث لا أكثر ولا أقل متجاورة. وتسمى علامة الحذف، للاستعاضة بها عن كلام محذوف، سواء كان السبب رغبة الكاتب في الوقوف ومن ثم متابعة الكلام، أو حتى عدم استكمال الحديث وتركه مفتوحًا، ومثال ذلك :(تتنوع العقود، ولكل واحد منها شروطه مثل: عقد البيع، وعقد الإيجار وعقد المقاولة...الخ.).
سادسا- علامة التأثر أو التعجب: وترسم هكذا (!): وتوضع في نهاية كل جملة تعبر عن عاطفة، كالتعجب، والفرح، والحزن، والاستنكار، والتهديد، والدعاء، والذم، ومثال ذلك:(ما أجمل لائحتك!)، و(نعم المحامي المخلص!)، و(لعل الفرج قريب!)، و(اللهم، وفقني للخير)، (الويل للمنافقين!).
سابعا- علامة الاستفهام: وترسم هكذا (؟)، يتم وضعها في نهاية الجملة الاستفهامية، سواء كانت مباشرة وباستخدام أداة استفهام، أو لا.
ثامنا- القوسان: ويسميان الهلالان، أو علامة الحصر، وترسم هكذا (): يستخدمان لتوضيح وتفسير ما قبلهما، ومثال على ذلك: نزل الكتاب (القران الكريم) باللغة العربية، وكذلك الدعاء، كأن نقول: عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم). وكذلك في الكلام الذي يراد لفت النظر اليه، ومثاله ما استخدمناه في التعريف بعلامات الترقيم.
تاسعا: الشرطة أو الوصلة (-)، وتستخدم في الحوار للدلالة على المتكلم بدلًا من ذكر اسمه، وأيضًا تستخدم بعد الأرقام. مثل: (علامات الترقيم عدة:1-الفاصة، 2- الفاصلة المنقوطة وهكذا)، ويمكن الاستعاضة عنها بنقطة، مثل: (1. الفاصلة، 2. المنقوطة).
عاشرا- علامة التنصيص: ترسمان هكذا (""): كل كلام ينقل بنصه وحرفه يوضع بين علامة التنصيص. وتوضع بين العبارات المنقولة حرفيًا من كلام أشخاص آخرين كالمقولات، ومثال على ذلك: “نصت المادة (42) من دستور جمهورية العراق على أن:( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة)، ومنها يفهم القارئ أنّ الجمل المستخدمة بين القوسين ليست للكاتب.
المقصد الثاني
قواعد كتابة الأعداد
إن هناك ثمة قواعدُ مهمة، وضوابط يجب أن تُراعى عند كتابة الأعداد، أو الأرقام بأحرف عربية، يستفيدُ منها كلُّ من لهم صِلةٌ بالكتابة، وهي قواعد ميسرة، وسهلة، تحكم سلامةَ الكتابة، ودقَّةَ الأسلوب، وصحَّة التراكيب، وخصوصًا في مجال الأرقام، وتحويلها إلى أحرف باللغة العربية، وهي قضية تتعلَّق بالعدد، وأحكامه، وقضاياه.
وهذه القواعد مهمة حقا، ويجب على كلّ من لهم عناية، واهتمام، وصِلةٌ بالكتابة؛ كالصحفيِّين، والكتَّاب، والمحامين، ومدرِّسي اللغة العربية، والقُضاة، وكتَّاب العدل، وغيرهم من ذوي الاختصاص، ضرورة الاهتمام، والعناية التامة بها، ونحاول في هذا الفرع أن نضع أمام صائغ العقد تصوُّرًا مختصَرًا، ومهمًّا، وشاملا؛ يمكنه أن يرجع إليه لتلافي ما قد يقع فيه عند صياغته للعقد،
والعدد هو ما يدل على مقدار المعدود، ويكون على خمسة أشكال، فهو: إما أن يكون مفردا، وهو من (1إلى10)، أو مركبا وهو من (11إلى19)، أو من ألفاظ العقود هي:(90،80،70،60،50،40،30،20)، أو من الأعداد المعطوفة، وهي ما انحصرت بين ألفاظ العقود (21، 22، 23 إلى99)، أخيرا المئة والألف ومضاعفاتها.
أولا-العدد المفرد: من (1 الى10):
‌أ. يوافق العددان (1 ،2) المعدود في التذكير والتأنيث، والغالب في هذه الحالة الاستغناء عن ذكر العدد بالإفراد والتثنية، ويأتي المعدود قبل العدد، لذلك لا يوجد لهما تمييز، مثل:
• عندي عقد واحد، وعندي وثيقة واحدة.
• عندي عقدان اثنان، وعندي وثيقتان اثنتان.
‌ب. الأعداد من (3إلى10): هذه الأعداد تخالف المعدود في التذكير والتأنيث: أي إذا كان المعدود مؤنثاً يكون العدد مذكراً، وإن كان العدد مذكرا يكون المعدود مؤنثا، ويكون المعدود في الحالتين بحالة الجمع، مثل:
• عندي ثلاثةُ عقودٍ؛ فالمعدود (عقود) مفرده (عقد) كلمة مذكرة، لذلك أتينا بالعدد ثلاثة مؤنثة.
• عندي ثلاثُ وثائق؛ فالمعدود(وثائق) مفردها (وثيقة) مؤنثة، لذلك أتينا بالعدد ثلاث مذكرا.
وهذه الأعداد مُعربة، تُعرب بحسب موقعها من الجملة وبالحركات، فالضمة بالرفع، والفتحة بالنصب، والكسرة بالجر، ويُقال في آخر إعرابها إنَّه مضاف. ويكون المعدود جمعًا مجرورًا، ويُعرب مضافًا إليه مجرورًا.
ج. العدد (ثمانية) يختلف عن بقية الأعداد، بأنّ له ثلاث صور هي:
الصورة الأولى: إذا كان معدوده مذكرا، سواء أكان المعدود المذكر مضافا إليه، أم لم يكن مضافا إليه، فإنّ العدد (8) يكتب بالياء والتاء المدورة على هذه الهيئة (ثمانية)، مثل:(عندي ثمانية عقود).
الصورة الثانية: يكتب بالياء مع حذف التاء، أي يكتب على هذه الصورة (ثماني) في الحالات الأتية:
1. إذا كان المعدود مؤنثا ومضافا إليه، يكتب العدد (8) على هذه الهيئة (ثماني)، أي أنه يكتب بالياء مع حذف التاء المدورة، مثل: (عندي ثماني وثائق)، فالمعدود (وثائق) مؤنث ومضاف إليه.
2. إذا كان المعدود مؤنثا ولم يكن العدد (8) مضافا، وكان العدد في حالة النصب، فإنّ العدد في هذه الحالة يكتب على هذه الهيئة (ثماني)، مثل:(كتبت ثمانيَ من الوثائق)، ويجوز أن نقول:(كتبت ثمانياً من الوثائق).
الصورة الثالثة: يكتب العدد (8) ثمانِ بحذف (يائه) إذا لم يكن معرفا ولا مضافا، وذلك في حالتي الجر والرفع، نحو: (جاء من المحاميات ثمان) و(مررت بثمان من المحامين) أمَّا في حالة النصب فتبقى الياء فنقول: (رأيت ثمانيَ من المحاميات). وكذلك لو كان معرفا بـ (أل) فنقول:(مررت بالمحاميات الثماني).
ثانيا-الأعداد المركبة: من (11إلى 19):
‌أ. العدد (11): العدد بجزأيه يُطابق المعدود في التذكير والتأنيث، مثل: (عندي أحدَ عشرَ قلماً)، و(عندي إحدى عشرةَ ورقةً).
‌ب. العدد (12): يُعرب الجزء الأول منه إعراب المُثنى، فيُرفع بالألف ويُنصب ويُجر بالياء، وتُحذف نونه للإضافة، أمَّا الجزء الثاني (عشر أو عشرة) فهو عدد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. مثل:
• في حالة الرفع :(عندي إثنا عشر قلما) و (عندي أثنتا عشرة ورقةً).
• في حالة النصب: (اشتريت إثني عشر قلما) و (اشتريت اثنتي عشرة ورقةً).
• في حالة الجر: (كتبت بإثني عشر قلما) و (كتبت على اثنتي عشرة ورقة).
ج. الأعداد من (13-19): هذه الأعداد تتكون من جزئين، الجزء الأول (3-9) يُخالف المعدود في التذكير والتأنيث، أمَّا العشرة وهو الجزء الثاني فيوافقه، مثل: (في المحكمة ثلاثَ عشرةَ موظفةً)، هنا المعدود (موظفة) وهي مؤنثة، فيكتب العدد ثلاث بالتذكير بينما يطابق العشرة المعدود، وبما أن المعدود مؤنث فعشرة تكتب بالتأنيث. وإذا كان المعدود مذكراً، نقول: (في المحكمة ثلاثة عشر موظفا). ويكون المعدود مع هذه الأرقام مفردا منصوباً، ويعرب تمييزا منصوباً.
وإذا كانت الأعداد صفة لمعدود فإنها تتفق بجزيئها مع هذا المعدود تأنيثاً وتذكيراً فنقول:
(الحَلْقَةُ الرّابِعَةُ عَشْرَةَ)، و(الجُزْءُ السّابِعُ عَشَرَ).
ثالثا- الفاظ العقود من (20إلى 90):
هذه الأعداد لا تتغير مع المعدود في التذكير والتأنيث، وتُكتب كما مبين في أدناه:
• عِنْدِي عِشْرُونَ عَقْدًا. وَعِنْدِي عِشْرُونَ وَثيقَةً.
• كُتِبُتْ عِشْرِينَ عَقْدًا. وَكَتَبَتْ عِشْرِينَ وَثيقَةً.
• اطَّلَعُتْ عَلَى عِشْرِينَ عَقْدًا. اطَّلَعُتْ عَلَى عِشْرِينَ وَثيقَةً.
وهذه الأعداد معربة، فتُعرب بحسب موقعها من الجملة، وتُعرب إعراب الملحق بجمع المذكر السالم، فترفع بالواو، وتُنصب وتُجر بالياء. ويكون المعدود مفرداً منصوباً، ويُعرب تمييزاً منصوباً.
رابعا- الأعداد المعطوفة على ألفاظ العقود وهي من (21 إلى 99):
في هذه الأعداد يكون الجزء الأول من الحرف معطوفا، ويلازم المعدود في التذكير والتأنيث إذا كان العدد (1 أو2) ويخالف المعدود إذا كان من (3الى9)، حسبما بيناه في (العدد المفرد من1إلى9)، وتكتب كما مبين في أدناه:
أ‌. كتابة العدد (1) مع الفاظ العقود:
• عندي واحدٌ وعشرون عقداُ. وعندي إحدى وعشرون وثيقةً.
• كتبت واحداً وعشرين عقدا. وكتبت إحدى وعشرين وثيقة.
• اطلعت على واحدٍ وعشرين عقدا. اطلعت على إحدى وعشرين وثيقة.
ب‌. كتابة العدد (2) مع الفاظ العقود:
• عندي اثنان وعشرون عقداُ. وعندي اثنتان وعشرون وثيقةً.
• كتبت اثنين وعشرين عقداً. وكتبت اثنتين وعشرين وثيقةً.
• اطلعت على أثنين وعشرين عقداً. اطلعت على اثنتين وعشرين وثيقةً.
ج. كتابة الأعداد من(3الى9) مع الفاظ العقود:
• عندي ثلاثة وعشرون عقداً. وعندي ثلاثٌ وعشرين وثيقةً.
• كتبت ثلاثةً وعشرين عقداً. وكتبت ثلاثاُ وعشرين وثيقةً.
• اطلعت على ثلاثٍ وعشرين عقداً. واطلعت على ثلاثةٍ وعشرين وثيقةً.
خامسا- الأرقام (100و 1000) ومضاعفاتهما:
لها لفظ واحد مع المعدود المذكر أو المؤنث، مثل: (جاء ألفُ طالبٍ وألفُ طالبةٍ)، و(معي مئةُ دينارٍ)، ونقول: (... الشرط الجزائي مئةُ ألفَ دينارٍ)، و(قيمةُ البضاعةِ مليونُ دينارٍ)
وهذه الأعداد مُعربة، تُعرب بالحركات، إلا في حالة المثنى، تُعرب إعراب المثنى، مثل: (عندي ألفا دينارٍ) و(صرفت ألفي دينارٍ) و(اشتريت كتبا بألفي دينار).
ويُقال في آخر إعرابها "وهو مضاف". ويكون المعدود مفردًا مجرورًا، ويُعرب مضافًا إليه مجرورً.
امثله على كتابة الأرقام كتابة:
1001 دينار (ألف دينار ودينار)، أو (ألف دينار ودينار واحد)
1002 دينار (ألف دينار وديناران)، أو (ألف دينار وديناران اثنان) في حالة كون المثنى ديناران في موقع رفع، أما في حالة النصب والجر فنقول:( صَرفتُ ألفَ دينارٍ ودينارين).
1250 دينار بالرفع: ألف ومئتان وخمسون دينارًا. وبالنصب، والجّر: ألف ومئتين وخمسين ديناراً.
المبلغ 11025 دينار يُكتب كالتالي:
عند الرفع: أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَاراَ.
عند النصب والجّر: أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَاراً.
ملاحظة مهمة: هُنَاكَ نَصٌّ فِي الْقَانُونِ التِّجاريِّ صَريحٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ، فَعِنْدَ اخْتِلافِ المَبْلَغِ المُدَوِّنِ بِالْأَحْرُفِ مَعَ ذَلِكَ المُدَوِّنِ بِالْأَرْقَامِ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ المُدَوِّنَ بِالْأَحْرُفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّعْبِ إِجْراءُ تَعْديلٍ عَلَيْهُ، وَعِنْدَ اخْتِلافِ اَلْقيمَتِين بِالْأَحْرُفِ فَيُعْتَدُّ بِالْمَبْلَغِ الأَقَلِّ.
الفرع الثاني
قواعد كتابة الهمزة والألف
سنوضح في هذا الفرع كيفية كتابة الهمزة بمواضعها الثلاثة، كما سنبين فيه كتابة الألف الممدودة والألف المقصورة. لذا فقد قسمنا هذا الفرع الى مقصدين، الأول لكتابة الهمزة والثاني لكتابة الألف.
المقصد الأول
قواعد كتابة الهمزة
قبل الدخول في بيان قواعد كتابة الهمزة لابد من بيان الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع (التي تقع في أول الكلمة) وكيفية كتابة كل واحدة منها، ثم التعريف بالهمزة المتوسطة، والهمزة المتطرفة (التي تقع في آخر الكلمة)، وكيفية كتابة كل واحدة منها.
أولا- همزة الوصل وهمزة القطع:
1. همزة الوصل: هي همزة يتوصل بها الى النطق بالحرف الساكن الذي يليها، وهي تكتب ولا ينطق بها، الإ إذا بدأنا بها الكلام. مثال: (اجتهد المحامي، المحامي اجتهد)، وتكتب ألفا فقط دون همزة فوقها ولا تحتها. ونبين في أدناه مواضع همزة الوصل:
أ. في الأسماء:
 الأسماء العشرة، وهي: اسم، ابن، وابنة، وامرؤ، وامرأة، واست، واثنان، واثنتان، وابنم، وايْمُنُ الله.
 مصدر الفعل الخماسي. مثل: انعقاد، واجتماع، ابتداء، انتقال.
 مصدر الفعل السداسي، مثل: استقرار، استدلال، استقلال.
ب. في الأفعال:
 أمر الفعل الثلاثي، مثل: اكتبْ، اجلسْ، افتحْ.
 أمر الفعل الخماسي، مثل: اجتهدْ، ابتدئْ، استوعبْ.
 أمر الفعل السداسي، مثل: استخرجْ، استقبلْ، استقرْ.
 ماضي الفعل الخماسي، مثل: اجتمعَ، اعتكفَ، التزمَ.
 ماضي الفعل السداسي، مثل: استقبلَ، استخرجَ، استقرَّ.
ج. في الحروف: همزة ألـ التعريف.
2. همزة القطع: وهي همزة تكتب وينطق بها في أي مكان جاءت وكما يأتي:
أ- تكتب همزة القطع: ألفاً فوقها همزة(أ) إن كانت مفتوحة أو مضمومة، وألفاً تحتها همزة(إ) إن كانت مكسورة.
ب- تبقى همزة القطع على حالها ولا تخرجها عن أوليتها إذا دخلت عليها الحروف الآتية:
 أل، نحو: الإخلاص، الأُمة، الأمر.
 لام الجارة، نحو: لأنك، لإحسانه، لإخلاصه.
 باء الجر، نحو: بأمر الله، بألوهيته.
 حرف الاستقبال، نحو: سأقرأُ، سأُرسلُ.
 الفاء والواو، نحو: فإنَّك أخي، وإنك مخلص.
ونبين في أدناه مواضع همزة القطع:
ا- في الأسماء: في جميع الأسماء إلا ما تقدم ذكره في همزة الوصل.
ب- في الأفعال:
 ماضي الثلاثي المهموز، مثل: أخذ، أكل، أزِفّ.
 ماضي الرباعي، مثل: أبدى، أجرى، أحسنْ.
 أمر الرباعي، مثل: أسرعْ، أنقذْ، أكملْ.
 همزة المضارعة، مثل: أكتبُ، أسافرُ، أجاهدُ.


ثانيا-الهمزة المتوسطة:
القاعدة العامة لكتابة الهمزة المتوسطة، لابد من النظر الى حركتها وحركة الحرف الذي قبلها، ثم نكتبها على الحرف الذي يناسب الحركة الأقوى. وحتى نتقن كتابة الهمزة المتوسطة لابد من التعرف على الحركات في اللغة العربية وما يناسبها من الأحرف، وفيما يأتي ترتيبها حسب قوتها:
 الكسرة: اقوى الحركات ويناسبها النبرة(الكرسي) الياء.
 الضمة: وتلي الكسرة في القوة ويناسبها الواو.
 الفتحة: وتلي الضمة ويناسبها الأف.
 السكون: ويلي الفتحة وهو أضعف الحركات.
الأمثلة:
‌أ. (سُ ءِ لّ): هذه الكلمة حركة الهمزة المتوسطة في الكسر، وحركة ما قبلها الضم، والكسر أقوى من الضم، والكسر يناسبه النبرة لذلك نكتبها على نبرة(كرسي). هكذا(سُئِلَ).
‌ب. (يَ ءُ مُ): حركة الهمزة الضم، وحركة الحرف الذي قبلها الفتح، والضم أقوى من الفتح، والضم يناسبه الواو، لذلك نكتب الهمزة على واو. هكذا(يَؤُمُ).
‌ج. (سَ أَ لَ): حركة الهمزة الفتحة، وحركة الحرف الذي قبلها الفتحة، والفتح يناسبه الألف، لذلك نكتب الهمزة على الألف. هكذا(سَأَلَ).
د. تكتب الهمزة في الكلمات الآتية على الواو حسب القاعدة، وبعدها واو المد على النحو الآتي:
(شؤون، مسؤول، مؤونة، رؤوس، تبوؤوا).
الحالات الشاذة للهمزة المتوسطة:
‌أ. الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد واو ساكنة منفردة، مثل: تَوْءَم، ضَوْءَه، هدوْءُه.
‌ب. تكتب الهمزة المتوسطة المفتوحة بعد ألف ساكنة منفردة. مثل: قراءة، عباءة، جزاءَه.
‌ج. تكتب الهمزة المتحركة (بالضم أو الكسر أو الفتح) بعد ياء سكنة على النبرة (على كرسي)، مثل: هَيئَة، بِيئَة، ردٍيئة، دَنيئَة، مَشيِئَة.
ثالثا-الهمزة المتطرفة:
القاعدة: تكتب الهمزة المتطرفة (التي في أخر الكلمة) على الحرف الذي يناسب حركة الحرف الذي قبلها.
‌أ. فإذا سبق الهمزة حرف مكسور كتبت الهمزة على الياء (دون نقط)، مثل: بادِئ، شاطِئ، هادِئ.
‌ب. وإذا سبق الهمزة حرف مضموم كتبت الهمزة على الواو، مثل: تَكافُؤ، تَباطُؤ، لُؤلُؤ، يجُرؤ.
‌ج. وإذا سبق الهمزة حرف مفتوح كتبت الهمزة على الألف، مثل: نَشَأَ، قَرَأَ، خَطَأَ، مَنشَأ.
‌د. وإذا سبق الهمزة حرف ساكن، كتبت الهمزة على السطر (منفردة)، مثل: مِلْء، بُطْء، عِبْء، بَدْء، بٍناء، سَماء، لُجوء، هُدوء.
وتشذ الهمزة المتطرفة عن هذه القاعدة في حالتين:
‌أ. الهمزة المتطرفة المسبوقة بواو مشددة مضمومة تكتب منفردة، مثل: (التبوء).
‌ب. الهمزة المتطرفة التي أصلها همزة متوسطة فإنها تبقى على حالها، مثل: (ينأى).
وتكتب كلمتا (سيئ، وهيئ) بياءين وليس بياء واحدة لأن الهمزة مكسورة، وحسب القاعدة تكتب على ياء وتبقى الياء التي في أصل الكلمة.
تنوين الهمزة المتطرفة:
1. الهمزة المكتوبة على الألف: تنون بالفتح فوقها دون ألف أخر، مثل: (خطأً، نبأً، منشأً، ملجأً).
2. الهمزة المتطرفة المنفردة بعد ألف ساكنة: تنون بالفتح بوضع فتحتين فوق الهمزة (دون تكرار ألف التنوين)، مثل: (رجاءً، بناءً، سماءً، لقاءً، فداءً، ابتداءً).
3. الهمزة المتطرفة بعد واو ساكنة: تنون بالفتح بإضافة ألف وفتحتين، مثل:( لجوءاً، نشوءاً، ضوءاً).
4. الهمزة المتطرفة بعد حرف صحيح ساكن: تنون بالفتح في حالتين:
أ‌. إذا كان الحرف قبل الهمزة لا يتصل بما بعده تبقى الهمزة منفردة ويضاف لها ألف وفتحتان، مثل: (جزءاً، بدءاً).
ب‌. أما إذا كان الحرف الذي قبل الهمزة يتصل بما بعده كتبت الهمزة على نبرة(كرسي)، مثل: (بطئاً، ملئاً، عبئاً، شيئاً).
المقصد الثاني
الألف الممدودة والأف المقصورة
1. الألف الممدودة: هي ألف ساكنة غير مهموزة، تأتي في نهاية الكلمة، ويأتي الحرف الذي قبلها مفتوحا، وسميت ممدودة لأنها تمتد بالرسم للأعلى، هكذا(ا).
2. الألف المقصورة: هي ألف ساكنة تأتي في نهاية الكلمة ويأتي الحرف الذي قبلها مفتوحاً، وتُرسم على صورة ياء غير منقوطة، وسُميّت مقصورة لقصورها عن الامتداد لأعلى، وترسم هكذا(ى).
أولا- كتابة الألف في الأفعال:
تكتب مدودة هكذا(ا) على نحو: دنا، ودعا، وغزا، وعفا، وسما، وعلا، فجميع ما سبق أفعال تنتهي بألف ممدودة.
1. كتابة الألف في الفعل الثلاثي:
تكتب الألف ممدودةً (ا) في الأفعال الثّلاثيّة إذا كان أصلها (واواً)، ولتحديد الشكل الصحيح للألف في الفعل الثلاثي، نحوّل الفعل الماضي الى الفعل المضارع، فإذا انقلبت الألف في المضارع (واوا) نكتبها في الماضي الفا ممدودة(ا)، مثل: (دعا، علا، سما)، لأن الألف في الفعل المضارع لهذه الأفعال ينقلب الى (واو)، هكذا: (دعا: يدعو. علا: يعلو. سما: يسمو).
وإذا انقلبت الألف في المضارع (ياءً)، نكتبها ألفاً مقصورة (ى). مثل: رمى، بكى، حكى، لأن الألف في الفعل المضارع لهذه الأفعال ينقلب الى (ياء)، هكذا: (رمى: يرمي. بكى: يبكي. حكى: يحكي).
2. كتابة الألف في الفعل فوق الثلاثي:
يقصد بالفعل فوق الثلاثي: الفعل المختوم بالألف ويزيد على ثلاثة أحرف (رباعي، خماسي، سداسي) -ماضيا ومضارعا- فإن القاعدة أن يكتب الألف في أخره على صورة الياء (ى) دائما. مثل: (يخشى، أدَّى، تمنّى، استدعى، استرعى).
وإذا بقيت الألف في المضارع الفاً، نكتبها في الماضي على صورة الياء أيضا (ى)، مثل (سعى: يسعى).
ثانيا: كتابة الألف في الأسماء:
1. الأسماء الثلاثية: تُكتب الألف ممدودةً في الأسماء الثّلاثيّة إذا كان أصلها واواً، ومن أمثلة الألف الممدودة في الأسماء، مثل: رُبا، ضُحا، عُلا، صَبا، سَما. وتُكتب الألف مقصورة في الأسماء الثّلاثيّة إذا كان أصلها ياءً، مثل: فتى وجوى.
2. الأسماء فوق الثلاثية: تُكتب الألف ممدودةً في الأسماء فوق الثّلاثيّة إذا سُبقتْ الألف اللّيّنة بياء، وذلك على نحو: قَضَايَا، وَبَرَايَا، وَثَنايا، وَدُنْيَا، وَثُرَيّا، وَضَحَايَا، وحَنايا، وَجِنايَا، وذلك عدا أسماء العلم؛ فإنّها تُكتب بالألف المقصورة، وإن سبقت بياء وذلك على نحو: يحيى وثريّى ودُنيى.
تنبيه: تُكتب الألف ممدودةً في كلّ اسم ينتهي بألف ممدودة وبعدها همزة: فإن حُذفت الهمزة تبقى الألف ممدودة، وذلك على نحو: صحراء، وسمراء، وبيضاء، وابتداء، فلو حُذفت الهمزة للتّخفيف تصبح: صحرا وسمرا وبيضا وابتدا. وتُكتب الألف ممدودةً في جميع في جميع الأسماء الأعجمية، وذلك على نحو: روسيا، إنكلترا، أسبانيا، زليخا، عدا أربعة أسماء هي: موسى، عيسى، كسرى، بخارى. وتُكتب الألف مقصورةً في كلّ اسمٍ يبدأ بواو: وذلك على نحو: ورى، وغى. إن هناك ثمة قواعدُ مهمة، وضوابط يجب أن تُراعى عند كتابة الأعداد، أو الأرقام بأحرف عربية، يستفيدُ منها كلُّ من لهم صِلةٌ بالكتابة، وهي قواعد ميسرة، وسهلة، تحكم سلامةَ الكتابة، ودقَّةَ الأسلوب، وصحَّة التراكيب، وخصوصًا في مجال الأرقام، وتحويلها إلى أحرف باللغة العربية، وهي قضية تتعلَّق بالعدد، وأحكامه، وقضاياه.
وهذه القواعد مهمة حقا، ويجب على كلّ من لهم عناية، واهتمام، وصِلةٌ بالكتابة؛ كالصحفيِّين، والكتَّاب، والمحامين، ومدرِّسي اللغة العربية، والقُضاة، وكتَّاب العدل، وغيرهم من ذوي الاختصاص، ضرورة الاهتمام، والعناية التامة بها، ونحاول في هذا الفرع أن نضع أمام صائغ العقد تصوُّرًا مختصَرًا، ومهمًّا، وشاملا؛ يمكنه أن يرجع إليه لتلافي ما قد يقع فيه عند صياغته للعقد.
وإذ إن لحروف المعاني صلة وطيدة بفهم المعاني، واستنباط الأحكام التي تترتب على العقد؛ فلابد من تناولها، والتعريف بها بالقدر الذي يتفق مع دراستنا من خلال بيان عمل كل حرف من هذه الحروف.
وترتيبا على ذلك قسمنا هذا الفرع الى مقصدين، خصصنا الأول لقواعد كتابة الإعداد والأرقام، والثاني لأثر حروف المعاني في صياغة العقود.
المبحث الخامس
أثر حروف المعاني في صياغة العقود
في هذا المبحث سنذكر أنواع الحروف وأثرها في صياغة العقود، لذلك قسمنا الى فرعين، خصصنا الأول لبيان أنواع الحروف، والثاني لأثر حروف المعاني في صياغة العقود.
الفرع الأول
أنواع الحروف
تقسم الحروف في اللغة العربية الى نوعين هما:
١ حروف المباني: وهي التي تتركب منها الكلمات، وسميت بذلك لبناء الكلمة عليها وتركيبها منها، وتسمي حروف التهجي أيضاً. وعددها (28) حرفا، وهي:(ا، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، و، هـ، ي).
٢ حروف المعاني: وهي الحروف التي تدل على معان جزئية وضعت لها أو استعلمت فيها، فهي تربط بين جزئيين ولها أيضاً معانٍ تبعية، فلا تستقل بالمعقولية، ولا تكون ركناً في الكلام إلا مع ضميمة، وسميت حروف المعاني؛ لأنها موضوعه لمعانٍ تتميز بها عن حروف المباني. وعددها (80) حرفا.
ما يهمنا في دراستنا هي الحروف التي تؤثر في صياغة العقد، لذا سنقوم بالتعريف بحروف المعاني الشائعة في كتابة العقود. وقبل أن ندخل في التعريف بهذه الحروف نبين بأن هذه الحروف تنقسم من حيث حروفها الى (إحادية وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية) وكما يأتي:
• الحروف الأحادية: هي الحروف التي تتكون من حرف واحد، وعددها (13) حرفاً، منها: الباء، الكاف التاء، الفاء، اللام، الواو، السين، الهاء.
• الحروف الثنائية: وهي الحروف التي تتكون من حرفين، وعددها (26) حرفاً، منها: إذ، أل، أم، أنْ، إنْ، أو، أيْ، بل، في، قد، كي، لم، لن، لو، لا، مذ، من، ما، هل.
• الحروف الثلاثية: وهي الحروف التي تتكون من ثلاثة أحرف، وعددها (25) حرفاً، منها: أيّ، أجل، إذن، إذاً، إذا، ألا، إلى، أمَا، إنَّ، أنَّ، بلى، ثمَّ، على، ليتَ، منذ، نعمْ.
• الحروف الرباعية: وهي التي تتكون من أربعة أحرف، وعددها (15) حرفا، منها: ألَّا، إلَّا، أمّا، حتى، كأنَّ، كلّا، لعل، لكنْ، لمّا، لولا، لوما/ هلّا.
• الحروف الخماسية: وهي التي تتكون من خمسة أحرف، وهي حرف واحد هو: (لكنَّ) (لا كنن).
ويمكن إجمال حروف المعاني في سبعة أنواع هي: حروف العطف، وحروف الجر، وأسماء الظروف، وأدوات الاستثناء، وأدوات الشرط، وأدوات الاستفهام، وأدوات النفي، وعلى وفق هذا التقسيم سنتولى دراسة أثر هذه الحروف والأدوات في كتابة العقد.


الفرع الثاني
أثر حروف المعاني في صياغة العقود
1. حروف العطف:
العطف في اللغة الثني والرد، ويقال عطف العود إذا ثنى ورده الى الأخر. فالعطف في الكلام ان يرد أحد المفردين الى الأخر فيما حكمت عليه، او احدى الجملتين الى الأخرى في الحصول. ومن أهم حروف العطف التي تستخدم في صياغة العقود: الواو، والفاء، وأو، وثم، وحتى، وبل، ولكن، ولا.
أولا- حرف الواو: وهو حرف يشرك المعطوف مع المعطوف عليه لفظاً وحكماً، وتدخل على الأسـماء والأفعال والجمل. وتنقسم الواو(الحرف) في اللغة العربية على أقسام، منها:
‌أ. واو العطف: هي الواو التي تعطف جملة على جملة أو تعطف اسماً مفرداً على اسم مفرد، أي تفيد المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الإعراب، نحو: عقد صحيح وعقد باطل، حضر البائع والمشتري.
‌ب. واو القسم: هي حرف جر دالة على قسم، نحو: والله، والسماءِ والطارق.
‌ج. واو المعية: هي واو تدل على المصاحبة، أي تكون بمعنى (مع)، ويعرب الاسم الذي يليها مفعول معه، مثل قولنا: سرت والشارع.
‌د. واو الحال: تدخل على الجملة الإسمية والجملة الفعلية شرط أن يسبقها أحد أنواع المعارف مثل: زارني محمد وهو سعيد. هنا الواو حالية لأن(محمد) أسم معرفة وهي -الواو- وقعت في بداية جملة تدل على الحال.
‌ه. واو ربَّ: هي الواو التي بمعنى (ربَّ) وهي حرف جر للنكرات، نحو: وليل كموج البحر أرخى سدوله.
‌و. الواو الزائدة: هي الواو التي تكون زائدة على المعنى الأصلي للكلام.

ثانيا- الحرف أو: هو أحد الأحرف العاطفة، وهذا الحرف يفيد عدّة معانٍ، منها:
‌أ. الشّك، وذلك على نحو: جاء أحمد أو زيد.
‌ب. التخيير، ومن ذلك نقول خذ كتابًا أو دفترًا.
‌ج. الإباحة، وذلك على نحو: جالسْ أحمداً أو خالداً.
والفرق بين التخيير والإباحة، أنّ التخيير لا يجوز إلّا اختيار أمر واحد؛ فلا يجوز فيها الجمع، بينما الإباحة يجوز فيها الجمع.
ثالثا- حرف الفاء: حرف عطف، وعندما ترد الفاء عاطفة في الجملة، فإنّها تفيد ثلاثة أمور، هي:
‌أ. التّرتيب: ويكون بعطف شيء على شيء، وذلك على نحو: جاء خالد فمحمد، ومثل: كتب المحامي العقد فوقع عليه الطرفان.
‌ب. التّعقيب، يكون لكلّ شيء بحسبه، وذلك على نحو: دخلتُ مكّة فالكعبة؛ إذ لم يفصل بينهما فاصل ودخول الكعبة يحصل مباشرةً بعد دخول مكة.
‌ج. السّببية، وذلك إذا ما عطفت الفاء جملة أو صفة، مثل: كتبت لك العقد فالتزم بما جاء بشروطه.
رابعا- الحرف ثمّ: هو حرف عطف يحملُ معنى الترتيب مع التراخي في الزمن دون تعقيب، ومن ذلك: تشكلت المحكمة ثم أصدرت قرار الحكم، فتشكيل المحكمة حدث أولًا ثمّ إصدار الحكم ثانيًا، لأنّ هناك فاصلاً زمنياً بين الأمرين ولم يتعاقبا.
خامسا- الحرف حتّى: حتّى حرف عطفٍ، فتأخذ عمل الواو وتكون بمعنى انتهاء الغاية، وذلك على نحو: جاء المحامون حتى سياراتهم، وتختلف حتّى عن الواو في ثلاثة أمور، هي:
الفرق الأوّل: إنّ لمعطوف حتّى شروطٌ ثلاث، أحدها أن يكون ظاهرًا غير مضمر، والثاني أن يكون جزءًا ممّا قبلها، والثّالث أن يكون غاية لما قبل حتّى إمّا في الزيادة أو في النقص، وذلك على نحو: انتصر القوم حتّى ضعافهم.
الفرق الثاني بين حتّى والواو أنّها لا تعطف الجمل، بينما تعطف الواو الجمل.
الفرق الثّالث فإنّها إذا عُطفت على مجرور ينبغي أن يعاد حرف الجر في الاسم المعطوف، وذلك على نحو: مررْتُ بالرجال حتّى بمحمد، وذلك للتفريق بين حتّى العاطفة وحتّى الجارّة.
سادسا- الحرف، بل: هو حرف معناه الإضراب والتحويل من شيء لآخر، وتكون بل عاطفة إذا ما جيء بعدها باسم مفرد، فلو سُبقت بل بأمرٍ أو إيجاب، وذلك على نحو: جاء محمد بل علي، ففي هذه الحالة يكون ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يشمله الحكم، ويكون الحكم لما بعدها، وأمّا إن سُبقت بنفي أو نهي، وذلك على نحو: ما كتب عقدا بل اتفاقا، فالأمر هنا على عكس السابق، فيكون في هذه الحالة تقرير الحكم لما قبلها وإثبات العكس لما بعدها.
سابعا- الحرف لكنْ: تكون لكنْ(المخففة) حرف عطف أيضًا بمعنى الاستدراك، وتكون عاطفة إذا ما وليها اسمٌ مفردٌ، وتكون عاطفة بشرطين، فالأوّل أن يتقدّمها نفي أو نهي، وذلك على نحو: ما كتب عقدا لكن اتفاقا، والثّاني ألّا تقترن بالواو، وذلك على نحو: ما قام محمدٌ لكن علي، لأن من شروط عطفها أن لا تقترن بالواو، نحو قوله تعالى (ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله).
ثامنا-الحرف لا: تفيد العطف؛ فتعمل عمل الحروف العاطفة، فتجمع اسمين في حكمٍ واحدٍ، وتكون بمعنى النفي والعطف، ولا يستحسن استخدامها في صياغة العقود كحرف عطف؛ فقد يلتبس المعنى المقصود بالمراد منها مع المراد من لا النافية ولا الناهية.
2. حروف الجر:
تتميّز حروف الجر بكونِها مبنيةً دائما؛ أي: لا يتغيّر إعرابُها؛ أيْ إنّها دائماً ما تكون متحركة حركةً ثابتة لا تتغير (حركة آخِرِها) مهما تغير موقعُها في الجملة. إلا أنها تؤثر في إعراب الجملة إذا وردتْ فيها. وقد أحصى علماء النحو حروفَ الجر وحصرُوها في سبعة عشر (17) حرفا؛ وسنقصر على جرد وبيان المشهور منها في الكتابة القانونية فقط.
ويُستعمل حرف الجر بالأساس لإيصالِ معنى الفعل أو ما في معناه إلى الاسم المجرور، وذلك لقصورِ الفعلِ عن الوصول إليه مباشرة، ومثالُه أن تقول: (كتبَ بــ القلمِ)، نلاحظ أن أثرَ الفعلِ وصلَ إلى المفعول عن طريق حرف الجر (بِــ) لتعذُّرِ وصولِ الفعلِ مباشرة للمفعول به. لذا؛ لابد من معرفة مدلولات حروف الجر، لأنها تمكن الكاتب من إدراك مواطن استعمالِها ومواضِع توظيفِها، وعدمُ الإحاطةِ بحروف الجر؛ يؤدي مباشرة إلى الوقوع في خطأ خلط الحروف بعضِها مع بعض في الاستعمال. هذا الخلط يسبب اضطرابا في المعنى وتشوُّها في التركيب (أي الجملة). ويفقد المادة المكتوبة جماليتها اللغوية والنحوية والدلالية كذلك.
أولا: الحرف (مِنْ): يُستعمَلُ حرفُ الجر (من) للدلالة على:
• الزَّمن، نحو: حضرتُ مِن الفجر.
• لبيانِ الجنس، نحو: اجتنِب الحسود الحقود مِن الناس.
• للبَدَل، نحو: هذه الصيغة للعقد أفضل من الصيغ الأخرى.
• للابتداء، نحو: جئتُ من المحكمة.
• للتَّبعيض، نحو: قرأتُ نسخة من العقد.
ثانيا- الحرف(إلــى): يُفيد الحرف (إلى) في الحالات الأتية:
• انتهاء الغاية المكانية، نحو: وصلتُ إلى المحكمة.
• انتهاء الغاية الزمانية، نحو: وأتموا العقدَ إلى النهاية.
• يُفيد المصاحبة، نحو: ضُم هذا المالَ إلى مالِك.
• يُفيد كذلك التوكيد إذا سُبق بأداة استفهام، نحو: هل إلى ذلك من سبيل.
• ويأتي بمعنى (مع) كأن تقول: العودُ إلى العودِ حَطَب.
• وَيَأْتِي إلى مُرَكَّباً مَعَ حرف الاستفهام (ما): كقولك: (إلى ما العجلة) إذ (إلى) حَرْفُ جَرٍّ وَما الاِسْتِفْهامِيَّة، وتكون بِمَعْنَى (إِلَى مَتَى).
ثالثا- الحرف (حتى): يدلّ الحرف (إلى) في الحالات الأتية:
• على انْتِهاءِ الغاية الزمانية، نحو: سنبقى في المحكمة حتى تنتهي المرافعة.
• للتعليل، كأنْ نقول: اجتهد حتى تنجح.
• زيادة المعنى، كأن نقول: أكملتُ العقدَ حتى نهايتًه.
رابعا: الحرف(فــي): يفيد الحرف "في" في الحالات الأتية:
• الظرفية المجازية، كأن نقول: العقدُ كلُّه في شروطه.
• الظرفية الحقيقية، كأن نقول: قضيتُ الإجازة في المصيَفِ).
• كما يفيد حرف الجر "في" التوكيد والتعليل، كأن تقولَ: دخل المتهم القفص في جريمة ارتكبها.
• ويأتي كذلك حرفَ تعويضٍ عن محذوفٍ، كأنْ تقولَ: الخيرُ فيـما اختارهُ الله.
خامسا- الحرف (عن): يُستعمل الحرف (عن) في الحالات الأتية:
• للبُعدِ وللمجاورة، كأن نقول: تبْعُدُ عنَّا المحكمة ميلا. غِبتُ عن المحكمة ساعة.
• تُستعمل للتعليل، كأن نقول: توقفَ عن كتابة العقد مُكرَها.
• تُستعمل لانتهاء الغاية، كأن نقول: أبادَهم عن بِكرةِ أبيهِم.
• تُستعمل للظرفية، كقولِكَ: جلستُ عن يسارِه.
• تفيد الاستقبال، كقولِك: عن قريبٍ سَيُنفذ العقد.
• تستعمل للواسطة، ومثالُه: اتصلت به عن طريق الهاتف.
• تأتي بمعنى "مِن"، كقولِك: أخذتُ عنه العِلمَ.
• تأتي (عن) مُرَّكبَة مع (ما) الاستفهامية بمعنى (بعد) كقولِك: ستصلُ اللجنة عمّا قليل.
سادسا- الحرف (على): يُستعمل حرف الجر "على" في الحالات الأتية:
• للاستعلاء، كأن نقولَ: وضعَ الكُتُبَ على الطاولة.
• للتعليل، نحو: سأُقرِضُكَ المالَ على أن تردَّه لي كاملا.
• للاستدراك، كأن تقولَ: عالِمٌ على أنه متكبّر.
• للمصاحبة، كقولِهِ تعالى: {وآتى المالَ على حبّه}.
• للمجاز كأن تقول: لكَ عليَّ فضل.
• للظرفية، كأن تقول: كتبت العقد على غفلة من الطرف الثاني.
• تأتي بمعنى "في"، كقولِه تعالى {ودخل المدينةَ على حينِ غفلةٍ مِن أهلِها}.
سابعا: حرف (اللاَّم): من أدواتِ الجر والجزم معا، ونميّز بينهما بالحركة، إذْ لامُ الجرِّ تكونُ مكسورةً دائما. وتُستعمَل الحالات الأتية:
• للاختصاص، كأن تقول: الحمد لـِله.
• للتعليل، كقولِك: سافرتُ لـلدراسة.
• لانتهاء الغاية، ومنه قولُكَ: عدتُ لِـأهلي.
• للظرفية، بمعنى "عند" كقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم {صوموا لـِـرؤيتِه}.
• للاستغاثة، ومنه قولُكَ: يا لـــِلشرفاءِ.
• للتعجب، كقولِكَ: يا لَــلعجب.
ثامنا: حرف (الكاف): يُستعمَل حرف الجر (ك) للتشبيه، كأن تقول: ركض كالفهد. ولا يصح استعمال كاف التشبيه في التعابير الحقيقية، فلا يصح أن نقول مثلا: (نحن كــعرب) أو (نحن كمسلمين) أو (نحن كمحامين)؛ لأن التشبيه ينفي الصفة الحقيقية ويمنح المعنى المجازيّ فقط. والصوابُ أن نقول: (نحن العرب)، (نحن المسلمون)، (نحن المحامون).
تاسعا: حرف (الباء): حرف الجر (ب) من حروف الإلصاق والدَّمج حقيقةً أو مجازاً؛ ومنه قولُكَ: أمسكتُ بِـك، ومررتَ بِخاطري، ويستعمل في الأحوال الأتية:
• للاستعانة؛ ومنه قولكَ: كتبتُ بالقلم.
• للظرفية، كأن تقولَ: مررتُ بــالمدينة ليلا.
• للتعليل، كأن تقولَ: بِــــبُخلِك ضاعَ مالُك.
• للمصاحبة، كقولِكَ: اذهبْ بــــسلامٍ.
• للقسَمِ، ومنه قولُكَ: أقسمتُ بـــــالله.
• للتعدية، ومثالُه: ذهب بِـــــنحسِه.
• للعِوَض أو المقابلة، كأن تقولَ: استَبْدَلْتُ الدرهم بـــــالدينار.
عاشرا- الحرف لولا: هو حرفُ امتناع لوجودٍ، ومتالُه: (لولا زيدٌ لأدَّبتُك). يُشترط في لولا أن يتصل بضمير لكيْ يكون حرف جر، كأن تقول: لولايَ، أو لولاكَ، أو لولاهُ. فهو حرف جر، ويكون حرف جر شبيه بالزائد، لأنّ له معنى، أي إنّه حرف امتناع لوجود.
حادي عشر- (مُذْ ومُنْذُ): تأتي مذ، ومنذ بعد فعل ماضٍ منفيّ، وتفيدان زمنا ماضيا أو حاضرا. كما يأتي:
• في ابتداءَ الغاية إذا كان الزمن ماضيا ومنه قولُكَ: لم أسافر منذ ثلاثة أشهر.
• في معنى "في" إذا كان الزمن حاضرا؛ ومنه قولُكَ: لم تَبتسم مذ يومِك هذا
3. أسماء الظروف:
الظرف اسم منصوب يدل على زمان وقوع الحدث أو مكانه، ويفيد معنى "في" الظرفية؛ ولذلك يسمى المفعول فيه، وينقسم الظرف من حيث الدلالة إلى ظرف زمان، وظرف مكان:
• ظرف الزمان: يستخدم لبيان الزمان الذي يقع فيه الفعل مثل: (سافر زيدٌ اليومَ). ومن ظروف الزمان: "اليَوْمَ، أمسِ، غَـدًا، اللَيْلَةَ، سَحَرًا، حِينًا، وَقْتًا، أَمَدًا، أَبَدًا، مَسَاءً، صَبَاحًا".
• ظرف المكان: يستخدم لبيان المكان الذي يقع فيه الفعل مثل:(وقف المحامي أمام القاضي)، ومن ظروف المكان: "أَمامَ، قُدَّامَ، خَلْفَ، وَرَاءَ، فَوْقَ، تَحْتَ، عِنْدَ، إزاءَ، تِلْقَاءَ، حِذَاءَ، ثَمَّ، هُنَا".
4. أدوات الاستثناء:
تنقسم أدوات الاستثناء بين: اسم، وفعل، وحرف. الحروف: إلاّ. والأسماء: غير وسوى. والأفعال: خلا، حاشا، عدا.
ويعرف الاستثناء، بأنه: إخراج اسم ما بعد أداة الاستثناء من حكم ما قبلها، أي إخراج المستثنى من حكم المستثنى منه، بمعنى إخراج بعض من كل، نحو: (جاء المحامون إلّا مُحَمّداً) والمُخرَج يسمى بـ (المستثنى) وهو(محمداَ) والمُخرَج منه يسمى بـ(المستثنى منه) وهو(المحامون)، وتسمى (إلّا) أداة استثناء. لذا يمكن القول بأن جملة الاستثناء تتكون من: المستثنى منه، وأداة الاستثناء، والمستثنى.
• المستثنى منه: وهو أي اسم مفرد أو جمع أو صريح، وقد يكون فعلاً، يكون موقعه في الجملة قبل أداة الاستثناء، ويكون إما ملفوظاً أو ملحوظاً أي أنه يمكن تقديره وفقاً للضمير الموجود أو المستتر في الجملة.
• أداة الاستثناء: وتُعدُ شرطاً أساسياً في الجملة حتى تكون جملة استثناء، وهي متعددة الاستخدامات لكنها تعطي المعنى نفسه، وأداة الاستثناء في الجملة المذكورة أنفاً هي الحرف(إلّا).
• المستثنى: وهو الاسم الذي يأتي بعد أداة الشرط، كما في المثال السابق، فإن (مُحمَّداّ) هو المستثنى من الجملة الفعلية.
أولا- الاستثناء بـ(إلّا): للاستِثناءِ بـ(إلَّا) صُوَرٌ ثلاثٌ، هي:
أ‌. استثناء تام مثبت: وهو الاستثناء الذي تم ذكر (المستثنى منه) فيه، ولم يكن مسبوقاً بأية أداة نفي. ونعني بالتام: أي تام الأركان الثلاثة، وهي: المستثنى منه والمستثنى، وأداة الاستثناء، ونعني بالمثبت: أي غير مسبوق بنفي أو نهي أو استفهام. ويكون على نوعين:
الأول: تام متصل: أي المستثنى والمستثنى منه من جنس واحد، نحو: كتبت بنود العقد إلّا بنداً. في هذا المثال المستثنى (بنداً) من جنس المستثنى منه (بنود).
الثاني: تام منقطع: هو الذي يكون فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه، ومثال ذلك قولنا: احترقت الدارُ إلا الكتبَ. في هذا المثال المستثنى(الكتب)، وهي ليست من جنس (الدار). ويكون المستثنى بـ(إلّا) في الاستثناء التام، بنوعيه المتصل والمنقطع منصوباً.
ب‌. استثناء تام منفي: وهو الجملة الاستثنائية التي يتم فيها ذكر أداة نفي قبل المستثنى منه، نحو: (ما تخلف المتعاقدون إلّا متعاقداً) بنصب المستثنى (متعاقداً)، ويجوز أن يقال (ما تَخلف المتعاقدون إلّا متعاقدُ) فـ(متعاقد) هنا بدل مرفوع من الطلاب.
ت‌. الاستِثناءُ المُفَرَّغُ: وهو الاستِثناءُ النَّاقِصُ المنفيُّ، أي: الذي حُذِفَ منه المُسْتَثنى منه، وكان الكلامُ مَنفِيًّا. ويُعرَبَ المُسْتَثنى حَسَبَ مَوقِعِه في الجُملةِ، فتكونُ (إلَّا) غيرَ عاملةٍ ولا مؤثِّرةٍ في الإعرابِ، ويتسَلَّطُ العاملُ قَبْلَها على المُستَثنى.
ثانيا: الاستثناء بـ (غير، وسوى):
وهما اسمان يفيدان الاستثناء ويقومان مقام (إلاّ) وما بعدها، وهما مضافتان وما بعدهما مضافُ إليهما، أي يأخذان إعراب الاسم الواقع بعد (إلاّ). و(غير وسوى) منصوبتين، ويعرب الاسم الواقع بعدهما مضافاً إليه دائما إذا كان الاستثناء تاماً نحو: (جاء المحامون غيرَ محمدٍ)؛ فغيرّ أسم منصوب على الاستثناء مضاف الى محمد، وكذلك إذا قلنا: (جاء المحامون سوى مُحمدٍ)، فسوى منصوب بفتحة مقدرة على أنه مستثنى و(محمدٍ) مضاف إليه، ونقول في الاستثناء التام المنفي:( ما جاء المحامون غيرُ مُحمدٍ) أو غيرَ مُحمدٍ، وتقول في الاستثناء الناقص غير المثبت: (ما جاء غيرُ محمدٍ)، برفع غير على أنَّه فاعل، وهكذا تقول في سوى.
ثالثا- الاستثناء بـ(خلا، وعدا، وحاشا):
تكون هذه الأدوات أفعالا تارة وحروفا تارة أخرى، وتتضمن هذه الأدوات معنى (الأ) الاستثنائية، فيستثنى بها كما يستثنى بـ (إلّا)، وللمستثنى بها حكمان اعرابيان اثنان، هما جواز النصب، أو جواز الجر.
أ‌. جواز النصب: إذا كانت (خلا، وعدا، وحاشا)، أفعالا ماضية، فيعرب ما بعدها مفعولا به منصوبا، نحو: جاء المحامون خلا محمداً، أو جاء المحامون عدا محمداً، أو جاء المحامون حاشا محمداً.
ب‌. جواز الجر: إذا كانت (خلا، وعدا، وحاشا)، أحرف جر فيكون المستثنى أسما مجرورا بهذه الأحرف، نحو:( كتبتُ العقد خلا المقدمةِ) فـ (خلا) حرف جر، و(المقدمة) اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، ونحو (كتبتُ العقد عدا المقدمةِ)، ونحو: (راجعت فقرات العقد حاشا الأخيرةِ).
ملاحظة: إذا سبقت (خلا، عدا) بـ (ما) المصدرية نحو:( كتبتُ العقد ما خلا المقدمةِ) و(كتبتُ العقد ما عدا المقدمةِ)؛ فيجب نصب ما بعدهما ولا يجوز جره؛ لأنهما فعلان بسبب ان (ما) لا تسبق الحروف، فينصب المستثنى لأنه مفعول به منصوب بـ (عدا) و(خلا)، وما المصدرية وما دخلت عليه من كلام هي مصدر مؤول منصوب على الحال. مع ملاحظة أن ما المصدرية لا تدخل قبل (حاشا).
5. أدوات الشرط:
يُعدُّ أسلوب الشرط أحد الأساليب المميزة والمشهورة في اللغة العربية، ويُعَدُّ موضوعاً غنياً بالتفاصيل، فقد تناوله العلماء بأسلوب عميق، محاولين فهم أبعاده وتحليل مختلف جوانبه، وقد قسموا أسلوب الشرط إلى أسلوب شرط جازم وأسلوب شرط غير جازم، ومن ثم قسموا أدواته إلى حروف وأسماء، وسنوِّضح في أدناه مفهوم أسلوب الشرط وأركانه وأدواته. ويتضمن أسلوب الشرط نوعين من الأدوات: أدوات الشرط الجازمة، وأدوات الشرط غير الجازمة.
أ‌. أدوات الشرط الجازمة: وهي الأدوات التي تجزم فعلين مضارعين، يسمى الأول فعل الشرط والثاني جواب الشرط، ومن أهم هذه الأدوات: (إنْ، مَنْ، وما، ومهما، وأي، ومتى، كيفما)، وفي أدناه بيان عمل هذه الأدوات:
أولا- أداة الشرط (إنْ): وهي حرف شرط يجزم فعلين، وهي الحرف الوحيد من بين أدوات الشرط التي تجزم فعلين، نحو:( إنْ تدرس تنجح).
ثانيا- أداة الشرط (مَنْ): وهو اسم شرط يجزم فعلين أيضا وهو للعاقل، ويكون في محل رفع مبتدأ إذا كان فعل الشرط لازما أو متعديا أخذ مفعوله نحو:
ثالثا- أداة الشرط (ما): اسم شرط لغير العاقل ويعامل في إعرابه معاملة من تماما نحو:(ما لديك؟). كما أنّ لاسم الاستفهام (ما) ثلاث حالات قد يأتي بها وهي كالآتي:
• أن يدخل اسم "ذا" على اسم الاستفهام (ما) فيصبح (ماذا)، مثل قولنا: (ما ذا الصف؟) أي ما هذا الصف؟، فيكون هنا اسم (ذا) هو اسم إشارة، أو أن يدخل على اسم (ما) الاستفهامي كاسم موصول مثل قولنا: (ماذا فعلت؟) أي ما الذي فعلته؟
• أن يدخل اسم الاستفهام (ما) على الفعل أو الاسم مثل قول الله تعالى: (مَا الطَّارِقُ).
• أن يسبق حرف من حروف الجر اسم الاستفهام "ما" مثل قولنا: (لِمَ حدث ذلك؟) فيُحذف الألف من (ما) ويُدمج حرف الجر معها، فـ(لِمَ) هنا مكوّنة من حرف الجر (اللام) مع (ما).
رابعا- أداة الشرط (مهما): اسم شرط لغير العاقل وأصله ما فهو تماما مثل ما، ويعرب إعراب ما ومن تماما
خامسا- أداة الشرط (أيّ): اسم شرطٍ معرب وهو الوحيد المعرب بين أسماء الشرط يفيد العموم ولذلك يقع موقع الأسماء، نحو: (أيّ كتاب تقرأ تستفد).
سادسا- أداة الشرط (متى): اسم شرط للزمان، ويكون مبنيا على السكون في محل نصب على أنه ظرف زمان، نحو:( متى تزرني أكرمك).
سابعا: أداة الشرط (كيفما): للدلالة على الحال، نحو: (كيفما تعمل تجد).
ب‌. أدوات الشرط غير الجازمة: وهي الأدوات التي لا تجزم فعلين مضارعين، ومنها: (إذا، لو، لولا، أمّا، لمّا)، وفي أدناه بيان عمل كل أداة من هذه الأدوات:
أولا- أداة الشرط (إذا): أداة شرط غير جازمة، وهي للدلالة على ظرف زماني مستقبلي مبني على السكون، نحو: (إذا أقبلَتِ الدنيا على المرءِ أعارتْهُ محاسنَ غيرِه).
ثانيا- أداة الشرط (لو): حرف شرط غير جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب، نحو:( لو اجتهدت لنجحت).
ثالثا- أداة الشرط (لولا): أداة شرطية غير جازمة تفيد الامتناع وذلك لوجود المانع، مثل:(لولا الأمطار لهلك الزرع).
رابعا- أداة الشرط (أمّا): أداة شرطية تفيد التفصيل، ويرتبط وجودها بوجود حرف الفاء في جوابها دائماً، مثال: (وأمَّا بنعمة ربك فحدّث).
خامسا- أداة الشرط (لمّا): حرف شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان، نحو:(لمّا جاء الشتاءُ ارتوت الأرض).
تنبيه: يجب أن يقترن جواب الشرط بالفاء إذا كان جواب الشرط لا يصح أن يكون في موضع فعل الشرط.
6. أدوات الاستفهام:
هو أسلوب في الكلام، يأتي للسؤال عما هو مجهول، وذلك لطلب معرفته والعلم به، وقد يخرج إلى معاني بلاغية تُفهم من سياق الجملة، وتُقسم أدواته إلى: حروف هي: (الهمزة، وهل)، وأسماء، منها:(ما، (مًن، ماذا، أين، متى، أيّ) ويكون لها حق الصدارة في الكلام، فلا يتقدمها شيء، وعلاقتها مقتصرة على ما بعدها إلا إذا تقدمها حرف جر أو مضاف.
أولا-أداة الاستفهام، (الهمزة أ): يأتي الاستفهام بالهمزة لُيبين معنيين، هما الآتي:
• التصور: ويُجاب عنه بالتعيين، مثل:( أمحمُد خرج أم أسامة؟) وتكون الإجابة إما محمد أو خالد.
• التصديق: ويُجاب عنه بـ نعم أو لا، مثل:(أحضر محمدُ؟) وتكون الإجابة إما بـ نعم أو لا.
ثانيا-أداة الاستفهام، (هل): حرف استفهام يأتي لطلب التعيين: أيّ أنّ السائل يُريد بيان الإجابة بـ نعم أو لا، مثل قوله تعالى: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ}، وتُعرب هل: حرف استفهام لا محل له من الإعراب.
ثالثا- الاستفهام عن العاقل بـ (مًنْ، مَن ذا): للسُّؤالِ عَنِ العَاقِل نحو: (مًنْ أنت؟) و(مَنْ كتب العقد؟) و(مَنْ ذاْ الذيْ أَمَرَكَ بِفِعلِ ذَلِك؟).
رابعا-الاستفهام عن غير العاقل بـ (ما، وماذا): للسُّؤالِ عن غَيرِ العاقِل نحو: (مَا المشكلة؟) و(مَاذَا كتبتَ؟)، وقَد يُسأُلُ بِهِما عَن حَقِيقَةِ الإِنسانِ والشيء وصِفاتِهما نَحو:(مَا أَنتَ؟) و(مَا الشَّمسُ؟) و(ماذا أصابك؟) و(ما هو العقد؟).
خامسا- الاستفهام بـ(متى وأين): يُستفهم من خلالهما عن الزمان وعن المكان، وتُعرب هذه الأسماء ظرف مكان أو زمان يتعلق بما بعده من خبر أو فعل محذوف، نحو: (متى ترحل؟)، ونحو:(أين البيت؟)
سادسا- أداة الاستفهام عن العدد، (كم): يُعدُ (كم) اسمَ استفهام مبني على السكون ومخصصاً للسؤال عن عدد مبهم وغير معروف، فمثلًا نقول: (كم عقداً في المكتب؟)، ويكون الجواب هنا عن عدد العقود التي كتبت، وهو يعرب حسب موقعه من الجملة، فيكون في هذه الجملة اسمَ استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ لأنّ إجابته ستكون مبتدأً أيضًا؛ فمثلًا نجيب عن السؤال بـ:(عشرون عقدا في المكتب)، ومرة يعرب بأنّه اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به، مثل قولنا:(كم عقداً كتبَت؟) وذلك لأنّ إجابة السؤال عن (كم) ستكون مفعول به منصوب نحو: (كتبتُ عشرين عقدا)، ومرة يُعرب اسمً استفهام مبني على السكون في محل جرٍّ بحرف الجرّ مثل قولنا: (بكم شارعٍ مررتَ؟).
سابعاً- أداة الاستفهام عن الحال، (كيف): هو استفهام يُفيد السؤال عن الحال، كقولنا: (كيف حالك؟)، ونحو: (كيف أنت اليوم؟) وهو هنا يكون مبنيًا على الفتح.
ثامناً- الاستفهام بـ(أيّ): وَيُسألُ بِها عَن كُلِّ ما تَقَدَّم -بِحسَبِ مَا تُضافُ إِلَيهِ- مِثل: (أَيُّ مُوَظَّفٍ أَعْجَبَكَ؟) فَتَستفهِمُ هُنا عنِ العاقِل، و(أَيُّ شَرِكَةٍ أَعْجَبَتْكَ؟) فَتَستفهِمُ هُنا عنِ غَيرِ العاقِل، و(فِي أَيِّ وَقْتٍ سَتَحْضُرُ؟) فَتَستفهِمُ هُنا عَنِ الزَّمَان، و(عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتِ ٱلتَّجْرِبَةُ؟) فَتَستفهِمُ هُنا عَنِ الحال، وهَكَذا.
7. أدوات النفي:
تُستخدم أدوات النفي لنفي مضمون الجملة، نحو: الحَسُودُ لَا يَسُودُ؛ فـ(لا): أداة نفي استخدمت هنا لنفي السيادة عن الشخص الحسود. ومِن أكثر أدوات النفي استخدامًا: لا، ما، لم، لن، لَيْسَ.
• لَا: تدخل على الأسماء والأفعال، نحو: (لا عَقدَ بدون شهود) و(المجتهد لا يضيّع وقته).
• مَا: تدخل على الأسماء والأفعال، نحو:( ما طالبُ علم محروماً) و(ما خابَ مَن استشار).
• لَمْ: تدخل على الفعل المضارع لنفي وقوع الحدث في الماضي، نحو: (لم يقصّر المحامي في واجبه).
• لَنْ: تدخل على الفعل المضارع لنفي وقوع الحدث في المستقبل، نحو:( لن يتخلّى المحامي عن موكله).
• لَيْسَ: تدخل على الجملة الاسمية لنفي مضمونها، نحو:( ليس العقدُ صحيحاً).


فائدة في: كتابة هاء التأنيث وتاؤه:
وهي الهاء والتاء المربوطة والتاء المبسوطة.
أولا: هاء التأنيث:
1. تلحق بعض الأسماء فتؤنثه، مثل: خديجة، فاطمة، نشيطة، تلميذة، محامية.
2. تلحق بعض جموع التكسير، مثل: قُضاة، غُزاة، رُعاة، وُلاة، دُعاة، أُباة، سُعاة.
3. تلحق بعض الأسماء للمبالغة، مثل: نابِغة، علاّمة، راوِية، نسّابة، عرّافة.
ثانيا: تاء التأنيث:
1. تلحق الفعل الماضي إذا كان الفاعل مؤنثا، مثل: كتبت، سمعت، قرأت، خرجت.
2. علامة جمع المؤنث السالم، مثل: بنات، زهرات، محاميات، رائدات.



#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا بارك الله
- قراءة في كتاب
- رحل الجليل عبد المنعم خليل
- إلى من يهمه الأمر...
- و(كأنك يابو زيد ما غزيت)
- الأماني في خطاب السوداني
- مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الاجتماعية
- المخدرات بين خطر التعاطي والعقوبات
- رحلة في مذكرات هاشم محمد عبد الله
- قسمة فنيخ
- ماذا بعد تشرين؟!
- لا تظلموا القاضي
- مشكلة تبحث عن حل
- علم من مدينتي، الشهيد المحامي قيس حمودي الهيتي
- أستاذ المُربين، شاكر عون الدين
- علم من مدينتي، الدكتور عبد الحميد برتو الكحاح الهيتي
- علم من مدينتي- محمد أحمد الهيتي
- ومن يريد العلا
- درب الحَلاّب
- احنيني السيد عبد المحمود


المزيد.....




- شاهد.. إيرانيات يتبرعن بذهب ومجوهرات لدعم حزب الله
- السفارة الأمريكية لرعاياها في لبنان: -غادروا الآن-
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك قطاع غزة (صورة)
- كيف اخترقت مسيرة حزب الله المنظومة الدفاعية في إسرائيل؟
- تشيلي: المابوتشي يحيون ذكرى 532 عامًا على وصول كولومبوس إلى ...
- طلب مليون دولار من إيران لتنفيذ اغتيالات.. تفاصيل جديدة حول ...
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. عصر جديد من الاكتشافات الفيروسية
- شولتس يدعو لتسريع انضمام دول غرب البلقان للاتحاد الأوروبي
- صفارات الإنذار تدوي في وسط إسرائيل بعد إطلاق رشقة صواريخ من ...
- -لحظة التفجير بالجيبات وإخلاء قتلى وجرحى-..-القسام- تعرض مشا ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان محمد صالح الهيتي - أساسيات تنظيم العقود