مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 8128 - 2024 / 10 / 12 - 04:56
المحور:
الادب والفن
كملائكة يهبطون إلى الدنيا، ملطخون باللون الأبيض الذي يتركه رحم الأمهات كآخر ذكرى بينهما، وكملائكة يصعدون، ملطخون بجير البنايات المرممة على عجل، ولون فسفور بلطجي...
لا يدركون عن صراعات العوالم كلها، ولا إمبريالية الأبارتهايد، خالصون من التشدد والسلاح، وعلى جناح الF16 تمنوا لو يلعبون بالطبشور الملون، ويرسمون عصفورًا يطير...
في أثوابهم البيضاء الجديدة صامتون، باسمون كما يتخيلهم النائحون، والمغممون الناطقون باسم الكتائب، لا يهابون الموت ولا يخشون افتضاح الوجوه، لا تشغل بالهم خيانات ولا مسيّرات، فقط يحلمون...
يقابلون الله دون إدراك لحكمة أن يصعدوا، وأن يعودوا كما دخلوا إلى الدنيا ملائكة بلا أجنحة، في أعناقهم يحملون سؤالنا السرمدي: أين أنت يا الله؟!!
تنهار البنايات، فتفضح كل النوايا، ووحدهم أصحاب النوايا الخالصة البريئة في الزمان، لا يرجون فخر السرايا، ولا فضح العدو، يريدون فقط أن يلعبوا ثم يناموا آمنين، الآن ناموا وفي أعناقهم حرز على شكل السؤال: أين أنت يا الله؟!
طلع الغاز عليهم من ثنيات الخداع، وجب الموت عليهم، كلما دعا للتهور داعٍ...
كملائكة يصعدون، لا يهابون القبة الحديدية، يمرون قناديل نور على مهل في سماء الخراب، يضحكون فيضيع صوت الانفجار والقنابل الانشطارية، وهدم البيوت فوق النائمين، ويبقى ملء الكادر المباشر للأخبار العاجلة، صوتُ السؤال: أين أنت يا الله؟!
الأمهات اللائي أخّرهن القصف، والآباء رفاق الزنازين، والعجائز الذين ملأ شخيرهم فصول المدارس، والخيام التي نُصبت فوق الركام، ومراسل القناة الإخبارية الذي انهار على الهواء، جميعهم سمعوا السؤال: أين أنت يا الله؟!
وحدهم جامعو المنح، أصحاب المشاريع والخنادق، من أرسلوا الأبناء إلى مول العروبة في مدن التطبيع الرخيص، أو فضلوا تعليم البنات في حضن البلاد الباردة، أصحاب البدل، أصحاب السيارات الفارهة، أصحاب الصواريخ الفارغة، أصحاب الاجتماعات على الموائد الدائرية، أصحاب المساومات، المالكون مفتاح الجنة وحدهم، الماضون إلى زهو الانتصارات الزائفة، لم يسمعوا السؤال: أين أنت يا الله؟!
في صخب المستشفيات وفي البنايات الخرساء وفي الشوارع، في كل شبر في القطاع، كانوا يصعدون كملائكة مغبرين بالجير والفسفور، وسط صمت عالمنا العظيم، فقد وجدوا أخيرًا إجابة السؤال: أين أنت يا الله؟!
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟