أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - المعارضة التونسية ستندثر إذا لم تُعيد تعريف نفسها وتتصالح مع شعبها















المزيد.....

المعارضة التونسية ستندثر إذا لم تُعيد تعريف نفسها وتتصالح مع شعبها


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8127 - 2024 / 10 / 11 - 22:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قضّيت أسبوع في تونس. تحدّثت مع الناس. حضرت الانتخابات. وتابعت ردود فعل المواطنين، وردود فعل رموز المعارضة. وكما في كلّ مرّة مازال الخطاب ضعيفٍا وبعيدًا كل البعد عن العمق والتأسيس للمستقبل.

أعتقد أن الحزب المعارض الذي يُريد ممارسة السياسة وسط شعبه في المرحلة المقبلة، عليه قبل كل شيء، أن يفهم ما الذي حدث منذ 2011 بكلّ شجاعة وموضوعية. عليه أن يهدأ بعد الهزيمة وأن يواجه الحقيقة ويستوعبها مهما كانت مرارتها. ذلك لأن الاكتفاء بشتم الناس وتنزيه الذات، إنما هو أسلوب يعمي البصر والبصيرة، ولا يساعد على معالجة الأخطاء وتجاوز الأعطاب، بل يُعمّقها ويوسّعها ويعيد إنتاجها باستمرار حتى يُصبح ذلك الحزب في نظر الشعب مُجرّد مهزلة أو تفصيلًا يوميًا قبيحًا.

ماهو أهم سؤال حقيقي تتهرّب منه النخبة التونسية اليوم؟
إنه السؤال الذي يستفزّهم حد الهستيريا. فما أن تحاول إثارته حتى يُهاجمونك بقسوة ويتهمونك بكل التهم من "مساندة الانقلاب" وصولا إلى تلك المفردات السّوقية الأخرى بمختلف إيقاعاتها.
والسؤال مشروع وفي غاية البساطة: لماذا انقلب الشعب على الأحزاب، ففرّ منها وسار وراء رجل من خارج الأحزاب ومن خارج السياسة ومن خارج الأجهزة؟ ولماذا يتمسك التوانسة به رغم أنه لم يُغيّر شيئا في حياتهم اللهم إلى الأسوأ؟

النخبة المهزومة تكره هذا السؤال لأن جوابه يُدينها فورا ويُعرّيها أمام الملأ.
فالتوانسة الذين واجهوا الرّصاص وماتوا من أجل الحرية، هم الذين أسقطوا بن علي وأعطوا السلطة لهذه النخبة. وهم أنفسهم الذين يشعرون اليوم بخيبة أمل تجاه نفس النخبة بعد سنوات من عدم الاستقرار، والفساد، والوعود الزّائفة.
هذه الأحزاب وما حولها أخفقت في التّفاهم على كيفية حكم البلاد. وبذلك أخفقت ليس فقط في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بل في وقف الانهيار والنّزيف. وهذا ما دفع الناس إلى البحث عن شخص جديد من خارج الطبقة السياسية.

إذن جاء الشعب بقيس سعيد الذي يُنظرُ إليه كرجل نزيه ومستقل، مختلف عن الائتلافات التي خدعته إلى درجة الاقتناع العام بأنّ هذه النخبة معنيّة بالكرسي وبوضع يدها على الموارد فقط. وبأنها غير مؤهّلة لوضع برنامج إصلاح شامل موضع التنفيذ. بل أن بقاءها في السلطة يُبشّر بتفكّك الدولة وانهيار كل شيء. وحين أقول هذا الكلام لا أستنبط شيئًا ولا أفتعِلُ استنتاجات دون أساس وارجع. بل أنقُل ما يقوله الناس في كل مكان، وحيثما حللت.
هذه القناعة الشعبية العامة تشكّلت عبر السنين بمراكمة الخيبات والخدائع، ثم تحوّلت إلى يقين معجون بالحقد. ولأنّ الشعوب ليست كالأحزاب والأنظمة تُسقِطُها الأزمات. فإن الشعب التونسي ظلّ واقفًا وصنع لنفسه أملا بديلا خارج سوق هذه النخبة التي جرّبها. ولأن الخديعة التي تعرّض لها كانت خديعة ثقيلة، والانتظارات عالية، فإنّ قيس سعيّد انتقل من خيار انتخابي إلى جزء أساسي من إرادة الناس. وهنا بالتحديد تكمن المشكلة الكبرى التي لا يريد جماعة جبهة الخلاص والشبكة ومن لفّ لفّهم مصارحة أنفسهم بها. علينا جميعا أن نتذكّر أنه عندما قام قيس سعيد بتجميد البرلمان واتخاذ إجراءات استثنائية في 25 يوليو 2021، شعر التونسيون أنهم يستعيدون بلادهم التي آنتُهِكت ودولتهم التي آختطفت، خاصة في ظلّ الشّلل الذي أصاب المؤسسات وتصاعد مشاهد العنف في البرلمان. بحيث كانت فكرة استعادة "الحزم" والقيادة القوية جذابة للمواطنين الذين رأوا أن الوضع يتطلب قرارات جريئة لإنقاذ البلاد من الانهيار. بل هم يتساءلون اليوم: لماذا لم يتمّ حلّ حركة النهضة؟
لماذا لم تصادر الدولة أملاك اللّصوص؟

في المقابل، واضح أن المعارضة التي تواجه قيس سعيد بلا بوصلة وضعيفة جدا ولا تأثير لها. ليس لأنها مشتتة وغير قادرة على تقديم بديل موحّد وجاد وحسب. وليس لأنها تحت الحصار البوليسي كما يدّعي البعض، بل لأنها كانت جزءًا من النظام السياسي الذي عانى منه التونسيون على مدار السنوات الماضية. ولأن المعارضة التي لم تتورط في جرائم الحكم السّابقة، لم تُميّز نفسها عن حركة النهضة وعن دوائر الفساد بسبب التّشبيك المالي العنيف الجاري لعزل قيس سعيّد. ولأنّ هذه المعارضة تركت شعبها جانبا وراحت تبحث عن التموقع داخل بديل ترتّبه السفارات، فإن أغلب التونسيين باتوا يشعرون بالقرف تجاه نخبة تعارض الرئيس لغايات غير وطنية، أقصاها الحفاظ على مصالحها الضيقة كعِصابة لا كمعارضة.

في علاقة بالخارج، رغم خطاب رئيس الجمهورية العنيف ضد الغرب وتحذيره للدول الكبرى من التدخل في الشؤون الداخلية لتونس وسط سخرية عَبَدة المُقيم العام واستغرابهم. ورغم موقفه المعادي لإسرائيل وتثبيت عدم الاعتراف بوجودها حتى في اجتماعات القمّة والمحافل الدّولية، لم تستجب الدول الغربية لنداءات المعارضة بعد 25 جويلية. ولم تسْعَ للإطاحة بقيس سعيّد عن طريق الحصار الاقتصادي والضّغط على الجيش مثلما ظنّ الغنوشي وسي نجيب وعدد غير قليل من الفاعلين بما في ذلك قيادة اتحاد الشغل الأُميّة. ومرة أخرى، على وجه الفضل، أوجّه نصيحة لهؤلاء بالتأكيد على أنّ الدول الغربية لن تتدخّل ولن تعمل على إسقاط رئيس الجمهورية مادامت شعبيته متعاظمة عكس معارضيه الذين صار الشعب ينظر لهم على أنهم مجموعة من المجرمين واللّصوص. بل ستظل كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تحاول احتواء قيس سعيّد تارة بإعلانها التزامها بمساعدة تونس على الخروج من أزمتها دون أن تساعدها فعلا. وتارة بالتعبير عن قلقها من خطوات تونس في اتجاه الشرق. وطبعًا بأساليب الضغط المُعتادة عبر ملفي "حقوق الإنسان ووضع الديمقراطية"، مُستخدمة المُعارضة الإخوانية وحُلفائها كماعون ضروري للإرباك وفرض الإذعان على الرئيس.
وأظنّ أن مأساة المعارضة اليوم كونها لم تفهم دلالات 14 جانفي مثلما فهمتها دوائر صُنع القرار في الغرب. لم تفهم أن الثورة أسّست لنهاية حكم الأقلية المتعاونة مع الغرب وبداية عصر إرادة الشعب التونسي. فالدول الغربية لم يعُد بِوِسعِها فرض أُناس في السلطة لا يتمتّعون ولو بولاء جزء من شعبهم لأن خبراء الدّول الغربية يقرؤون ألف حساب للشّعب التونسي لعدّة اعتبارات ليس هنا مجال بحثها. في حين استمرّت المعارضة في الاشتغال ضمن [الباراديغم] القديم الذي تربّت عليه، حيث كان مفتاح الطريق إلى السلطة بيد الخارج. وحيث لم يكن للشعب أي دور وأيّ قرار. ولذلك نراهم اليوم يتصرّفون بهستيريا تُجاه التوانسة الذين اختاروا السير وراء هذا الرجل رغم تدهور أوضاعهم المعيشية إلى أبعد الحدود. فهذا يشتمهم وينعتهم بالتخلف والميل للحكم الفردي. وذاك يُفسّر نتائج الانتخابات بالمرسوم 117 وما انجرّ عنه. وثالث يُفسّرها بتدخّل الأجهزة والتزوير... ويهربون جميعًا من النقاش في السبب الحقيقي ألا وهو العقاب الشديد الذي سلّطه الشعب على النخبة التي حكمت البلاد منذ 2011.

باختصار، شعبية قيس سعيد تعود إلى كونه يمثل الأمل في التغيير والإصلاح بعد سنوات من خيبة الأمل في الأحزاب والنخب السياسية، في حين أن الأحزاب والنخب تعارضه لأسباب مختلفة، بعضها مرتبط بالمصالح السياسية أو برؤى مغايرة للإصلاح. وهنا المشكل الحقيقي. هنا العطب. ومن هنا يجب البدء لإعادة تعريف المعارضة لنفسها حتى تنجح في وضع مشروعها هي للبلاد وللتوانسة، عوض استسهال الانخراط في أنشطة مُوجّهة من بعيد على أساس أن تلك الأنشطة المشبوهة تمثل "انتصار العالم الحُرّ للديمقراطية". حينئذ فقط، سيصبح هنالك معنى للحديث عن جميع الإخلالات من ال 117 إلى التعديل الأخير. وحينئذ فقط سيولد مناخ من الثقة يجعل التونسي يسمع من المعارضة.

لكلّ هذا وبناء عليه، ليس هنالك أيّ حلّ أمام المعارضة إلّا الوعي بضرورة إسقاط خيار الضغط الخارجي من مفرداتها. وبدل الاستمرار في هذا الخيار الغبيّ، عليها أن تواجه ضعفها وتنتقد آدائها علنًا وأمام الناس على امتداد السنوات التي تلت 2011. وأن تكُفّ عن التعالي والطمع واحتقار شعبها حتى تكسبه إلى جانبها عوض التصادم معه والاستخفاف بتطلّعاته.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرن ...
- اليسار يحتاج تنظيما جديدا
- سوق التّجارة بمعاناة اليهود في أزمة كساد خانقة.
- نهاية رواية مُزوّرة!
- إسرائيل، مشروع مُفتَعَل
- طوفان الأقصى، ضربة في مقتل.
- الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في الحرب على غزة
- صُنّاع الكراهية يقودون المظاهرات ضدّ الكراهية!
- سقوط حلّ الدولتين، أو انتصار الدم على المدفعيّة
- هل تغيّر الموقف الأمريكي تُجاه الحرب على غزة؟
- كلّ الجهود ضدّ حرب إبادة الشعب الفلسطيني
- حذار من الإفراط في التفاؤل
- الحرب على غزّة ودواعي تطوّر الموقف العربي الرسمي
- محنة الماركسيين التوانسة في علاقتهم بمقولتي -الدولة- و -الدي ...
- نظام الفساد والإرهاب، لا يبني ديمقراطية.
- العرڨ دسّاس
- الدولار لن يبقى سيّد العالم
- هل التعدّد المذهبي والطائفي والثقافي هو سبب تخلّف العرب؟
- الإسلام الموازي وتكفير أهل الكتاب
- حول -الاستقلال- ودولة الاستقلال.


المزيد.....




- شاهد.. إيرانيات يتبرعن بذهب ومجوهرات لدعم حزب الله
- السفارة الأمريكية لرعاياها في لبنان: -غادروا الآن-
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك قطاع غزة (صورة)
- كيف اخترقت مسيرة حزب الله المنظومة الدفاعية في إسرائيل؟
- تشيلي: المابوتشي يحيون ذكرى 532 عامًا على وصول كولومبوس إلى ...
- طلب مليون دولار من إيران لتنفيذ اغتيالات.. تفاصيل جديدة حول ...
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. عصر جديد من الاكتشافات الفيروسية
- شولتس يدعو لتسريع انضمام دول غرب البلقان للاتحاد الأوروبي
- صفارات الإنذار تدوي في وسط إسرائيل بعد إطلاق رشقة صواريخ من ...
- -لحظة التفجير بالجيبات وإخلاء قتلى وجرحى-..-القسام- تعرض مشا ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - المعارضة التونسية ستندثر إذا لم تُعيد تعريف نفسها وتتصالح مع شعبها