أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بدورعبد الكريم - هل للمثقفين العرب من غودو؟















المزيد.....

هل للمثقفين العرب من غودو؟


بدورعبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 20:48
المحور: قضايا ثقافية
    


في عام ١٩٤٨ كتب صمويل بيكيت (في انتظار غودو) ومع أن هذا التاريخ له مايذكرنا به، مثلما له ما بعده، إلا أنه ليس هو المقصود هنا، وبالتأكيد ليس هو ما قصد إليه بيكيت، فذاك بطبيعة الحال له مقام آخر عندنا لا عند بيكيت. ١٩٤٨بالنسبة لبيكيت ولغودو، وناس غودو، والعالم الغربي بالعموم، كان له وقع آخر، وشأن آخر، فالفرح الذي يفترض مجازاً على الأقل أنه عمَّ بانتهاء الحرب العالمية أولاً، وانتصار الحلفاء ثانياً، ما كان له أن يوازي آلام سنوات عجاف مريرات، وما خلفته من جرح عميق غائر في الوجدان الجمعي الغربي، وانكسار ليقين كان بأمان تحت الوسادة، بعد حربين عالميتين، مادتا بالأرض تحت أقدام القارة العجوز فانهدمت على خراب طال النفوس بعد المدن والأجساد، هناك في شمال خطوط الطول والعرض، في ما يحلو للبعض أن يسميها بدول الشمال، أو الدول الغربية كما هو متداول، لم يكن لشخصيات بيكيت، وناس غودو، لا فرح ولا حزن ولا إحساس أساساً من أي نوع، فقط، محض انتظار، هو سيد الموقف، وهو ما يرسم ملامح الأشخاص، أثناء ماهم ينتظرون، يحاولون إشغال وقتهم، وليس القيام بعمل، أي عمل، إشغال وقت ليس إلا، على ضيق ربما، لكن هذا الضيق لا يشكل مشكلة، فناس غودو أثناء انتظارهم، ينشغلون بتفاهات حذاء هذا، وحزام ذاك، ليسا مهمين، لكنهما مع ذلك ينشغلان بهما، محض تفاهات بلا معنى أو جدوى، حيث لا ناتج ولا غاية ولا هدف من هذا الذي يشغلون وقتهم به، أما الحالة في أوروبا بعد الحرب الأولى، وبين الحربين، فقد كانت آيلة للسقوط، وآيلة إلى ناس غودو، إنما تنتظر أوانها فقط، ذاك ان العفن كان مايزال يتسرب في الشقوق المتصدعة، قبل أن يتوغل بعيداً في الروح الأوروبية. إذ ذاك كانت خميرة الحداثة ماتزال فاعلة، ولم تكن قد انتهت صلاحيتها بعد، كانت فقط على بعد خطوات من الحرب العالمية الثانية، التي لم تتأخر، وجاءت كما كان لها أن تأتي، في توقيتها تماماً، وما عاد خبز الحداثة يكفي، حتى لصانعيها فقد صنعت منه فلسفتها وعلومها وفنونها، والتي هي أيضاً ما عادت صالحة للتداول، فملأت بها رفوف مكتباتها وراحت تبحث عن بدائل ما فقدت على الجانب الآخر، في دول الجنوب وفي القلب من وطن عربي كان على أبواب حلم التقدم والحداثة، محمد علي باشا يريد خبز الغرب، أو بشكل أكثر تحديداً، يريد وصفة خبز الغرب، ولم يخطر بباله إذ ذاك أن الطحين غير الطحين، والخمير غير الخمير، والزمن غير الزمن، وحسابات السرعة لا تساعد، ثلاثمئة عام بين نهضة أوروبا ونهضة الوطن العربي، ومئتا عام بين عصر التنوير في أوروبا، والوطن العربي، ومن أين لهذا الوطن بثلاثمئة عام، خارج الزمن المحسوب، والغرب يطير ولا يسير، وليس له أن ينتظر ذاك الذي ليس له إلا قدمين، ولماذا ينتظر؟ ومن ينتظر من؟ وهل ينتظر الذئب ظهور قرني الخروف؟
كانت البعثات التعليمية من الجنوب إلى الشمال قد عادت بحصاد التنوير الأوروبي، والذي يتعاكس أساساً ومن حيث البدء مع نمط التفكير العربي، بين اليمين واليسار في اللغة والجملة، وما تحمله تلك الجملة من تفكير سار هو الآخر في اتجاه معاكس تماماً لنمط التفكير العربي العلائقي، في منهج وبناء هذا الفكر، وفي جملته المعبرة عنه، فهل كان الأمر ذاته من الأساس في الحضارة الإغريقية، وقد تربت في حضن الحضارة الفينيقيّة السامية أو بشكل أدق العربية، والتي تفكر بالعلاقة مع ما تسلك من اليمين إلى اليسار، وتعلق الأفكار متشابكة متداخلة كما الجملة، فكيف سلكت الربيبة عكس اتجاه المربية؟ هل كان لها أن تعاكس مسار معلمتها وهي لم تفك الحرف بعد؟
في الإجابة المنطقية على السؤال المنطقي، يسلك التلميذ سبيل ما علَّمه معلمه قبل أن يشكل شخصيته وخصوصيته، فما هو ما حصل فعلاً في ذاك الزمن؟ حيث المنطق شيء، وما حصل في الواقع شيء آخر، فماذا يقول التاريخ؟ يجيب هيرودوتس، أبو التاريخ الإغريقي والغربي أن الجملة حينذاك، كانت تكتب على غرار الكتابة الفينيقيّة العربية، من اليمين إلى اليسار، لكن ذلك تغيرشيئاً فشيئاً مع مرور الزمن، إذ راحت اللغة اليونانية تكتب سطراً بسطر، من اليمين إلى اليسار، ثم من اليسار إلى اليمين، قبل أن تقرر اليسار سبيلاً نهائياً. كان ذاك التحول قد خفف من ضيق الجملة اليونانية بالعلائقية الفينيقيّة العربية، وهي علائقية لاتنتمي أصلاً إلى بناء الجملة اليونانية المعتمد على البناء المنطقي سبب - نتيجة، والذي عبر عنه أرسطو في منطقه لاحقاً.
كانت الجملة اليونانية في توجهها بداية من اليمين إلى اليسار قد تحملت على مضض علائقية الجملة العربية، وكانت بذاك تختلف منطق تفكيرها، والذي لا يتناسب مع العلائقية السامية العربية، تلك هي الإجابة التي تنسجم وطبيعة الأمور، لكن للذكاء الاصطناعي رأي آخر، يمكن القول فيه، إنه ومع غياب التفاصيل والأدلة، جواب ميكانيكي سطحي، يعجزعن الدخول في عمق اللغتين العربية والغربية، وبناء جملتيهما وتفكيرهما بالتالي، إذ يقول الذكاء الاصطناعي إن الميل إلى الكتابة من اليسار إلى اليمين، تناسب مع سهولة حركة اليد في هذا الاتجاه، ومع نظافة الورق في زمن الحبر والريشة، فهل لنتيجة بهذا العمق المتعلق بنمط التفكير وبنية اللغة أن تعود إلى سبب تقني ليس إلا، على الرغم من تتلمذ الإغريقيّة على الفينيقيّة العربية؟ علماً أن التفكير المنطقي الإغريقي، المحدد والصارم والمتعلق بسبب - نتيجة، والذي عبر عنه المنطق الأرسطي لاخقاً، ما كان له أن يخالف ذاته إلا بشق النفس، وسرعان ما عاد لينسجم مع نفسه ومنطقه. هل لمنطق الجملة الإغريقيّة أن يعود لمحض أسباب ظاهرة ومباشرة، لنتائج ظاهرة ومباشرة، بعيداً عن تشابك علاقات ورؤية الكون واحتمالات لأحداثه، عبرت عنها الجملة السامية العربية، كما يصفها الدكتور جواد علي في موسوعته (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)؟ لكن ذاك ما كان له أن ينسجم ونمط التفكير الإغريقي، الجد الأساس لنمط التفكير الغربي، الذي تعامل مع الكون ومتعلقاته بشكل ميكانيكي سبب - نتيجة، ماض - مستقبل، سهم نيوتني في العصر الحديث. ذاك النمط من التفكير هو ما أصبح تحدياً لنفسه ولانسجامه من عدمه، مع طفرة العلوم الحديثة، التي وضعته في موقف لا يحسد عليه، كيف والعلوم الحديثة تقول بالاحتمالات، والفكر الغربي أمام معادلة وحيدة الاتجاه والنتيجة، تركته حائراً يبحث عن مخرج من مأزق شائك الأبعاد، احتمالي الأسباب والنتائج، وعلى هذا فقد انكسر يقينه، وتخلخلت أحكامه وبناه الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، فقفز إلى مابعد الحداثة، طالعاً من الحداثة، طامحاً لجرعة هواء حملت تسمية ال مابعد مأزق الحداثة، ما بعد اليقين، ما بعد الأخلاق، ما بعد ال (كل) أشكال الثبات، حيث الأرض تحت الأقدام رجراجة، والأرجل عليها فردية تبحث عن موقف فردي متماسك، فلا تجده إلا في الأنا الفردية، والتي تنتظر الخلاص وغودو. وفي ما بعد الحداثة يأتي مابعد كل شيء، من أول الدولة إلى آخر العلم، لا حقيقة، فالحقائق التي كانت قد بنت الحضارة الغربية فلسفتها عليها، تطايرت كأوراق الخريف، لا يقين، كل شيء ممكن، كل شيء إلى جانب كل شيء، يستوي الصواب والخطأ، فمعياره الفرد تفكك في المعايير والمرجعيات والثوابت، طال الجملة الغربية، فتفككت، بعد أن كانت البنيوية قد أعادت بناءها مخلفة خلفها السهم النيوتني الذي ما عاد صالحاً للاستخدام، ككل ما تعلق به ووقع تحت يده، حتى الحداثة والتقدم واللذان كانت قد اختفت بهما الحضارة الغربية صارا وطارا في مهب الريح، لا حقيقة، حيث لا حقيقة واحدة، فمعيارها هو الفرد، ووجهة النظر، والرأي والرأي الآخر، وتحت هذا العنوان، كل رأي يحمل جواز سفره الدبلوماسي، وحضوره المتعلق براهنيته ومعاصرته، وعلى هذا تنفتح أسئلة جديدة تطال المعاصرة ذاتها، ما هو المعاصر؟ وما هو غير المعاصر؟ وفي النظام الغربي، والذي يصدره الغرب إلى العالم، وفي رحاب التاريخ الذي أغلق أبوابه على نهايته، ما الذي يجعل أي مفهوم معاصراً أم خارج المعاصرة، صالحاً للاستخدام، أم منتهي الصلاحية؟ مطروحاً في السوق، أم مسحوباً من الأسواق المحلية والعالمية؟ .
ما كان ثابتاً في معاصرة عصر النهضة، المجتمعات، التجانس، التوازن، الحقائق، ثبات المعايير والأخلاق، انتهت فعاليته مع عصر التنوير، حيث للمعاصرة فهم آخر، مرجعية العقل هي الأولى والأَوْلى، والعلم هو الابن الشرعي للعقل، وهو الأوْلى بالاحترام، الإيمان بالتقدم والتطور هما المعيار والميزان، الحقائق موضوعية واضحة وتحت اليد، سبيلها العلم ومرجعيتها العقل، والعالم مفهوم ومفسر ومحسوب، آلة مضبوطة المحركات والمفاصل، كل برغي في مكانه الذي يجب أن يكون فيه، والذات تعرف موقع أقدامها، يقودها العقل إلى حيث يجب أن تكون، والإنسان سيد نفسه وسيد العالم باعتباره كائناً عاقلاً ومفكراً،
والجملة الغربية مطواعة، واضحة، ومحددة، منذ البدء إلى النهاية، والنظريات الكبرى تتربع على عرشها، الرأسمالية الليبرالية وقوانينها، الشيوعية ومدارسها، والقومية لؤلؤة الأمم والدول، والتصنيع والصناعة والآلة، حاضنة الفرد والمجتمع، هذه الحداثة ومعاصرة الحداثة، فماذا عن معاصرة ما بعد الحداثة؟ ذاك عالم غودو، حربان عالميتان بعد صعود الصناعة والتجارة وفائض رأس المال، والاستعمار بكامل قوته يرزح على صدر القارتين الأقدم في العالم، ثم انكسار حاد وتفكك لمفاصل الحداثة والإنسان الحديث، وأرض زلزالية لا تمسك رجلاً ولا موقفاً، من ثبات إلى زعزعة، ومن سيطرة إلى فقدان التوازن، معاصرة هي معاصرات، وأخلاق واضحة وثابتة إلى أخلاق نسبية وغائمة، وفي خضم هذه المعاصرات، أين سؤال المثقفين في الوطن العربي من سؤال المعاصرة؟ وبشكل أكثر تحديداً من سؤال التراث والمعاصرة؟ وأي معاصرة هي المقصودة؟ وعندما يطرح سؤال المعاصرة، فمعاصرة ماذا، ماهي عناصرها؟ وأين بدؤها ومنتهاها؟ وهل له منتهى؟ أم هي مائعة سائحة كما كل شيء في ما بعد الحداثة؟ وأصلاً هل مازال سؤال المعاصرة في مابعد الحداثة مازال مطروحاً أم كسلعة منتهية الصلاحية ما عادت تلزم أحداً سحبت من سوق المثقفين؟ وعلى هذا فهل لمثقفي الوطن العربي من غودو؟ والوطن يميد ويترنح تحت ضربات من كل نوع، واللغة ليس في ما قالت، لكن في ما لم تقل، وهل هذا الوطن ينتظر غودو؟ ولماذا؟ وما الغاية؟ هل نحن في ما بعد الحداثة كما الغرب؟ وصناعة أم استيراداً؟ وهل هي في العمق أم على السطح، أم أن عمق الوطن يفور مع الدم الفوار في القلب من هذا الوطن؟ بالتأكيد ليس الغرض من هذا البحث أن يتحول إلى مقالة وطنية أو تحفيزية أو أياً ما كانت تسميتها في زمن الخطابات والتصريحات التي لا تقول إلا هذراً وهزلاً، فهل ينتظر ناس هذا الوطن غير غودو؟ في العودة إلى سؤال التراث، وإلى سؤال فكره وجملته وعلائقيته، وعلى الرغم من عرض مسرحية غودو في أكثر من عاصمة عربية، إلا أننا لن ندخل ما بعد الحداثة، ولن ندخل الحداثة الغربية، فلهذا الفكر وعلاقته بلغته وجملته العربية مسار آخر، علائقية من اليمين إلى اليسار، واحتمالاتها مفتوحة على امتداد هذا الوطن. هذه طبعاً ليست نبوءة ولا قراءة في فنجان، هذه قراءة في التاريخ والسؤال المشروع، ماذا عن تراث هذا الوطن في نسخته العربية الإسلامية، بعيداً عن السياسة، وعن محض التعبد، ماذا عن هذا التراث في علائقية فكره ولغته وفي سؤال المستقبل للماضي، ما الذي يريده المستقبل من هذا الماضي، وما الذي عليه أن يبقى حيث هو؟ هذا سؤال المستقبل للتراث.



#بدورعبد_الكريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الليالي العربية (ألف ليلة وليلة)
- حصاد العقل العربي المر
- زورق صغير بين بحرين


المزيد.....




- بسبب -انتهاك- في لبنان.. إيطاليا تستدعي السفير الإسرائيلي وم ...
- مصر لإسرائيل.. لا لتجاوز خطوطنا الحمراء
- تدمير تمثال قاسم سليماني في مارون الراس اللبنانية
- المستشار الألماني شولتس: قدمنا وسنقدم أسلحة لإسرائيل
- غرف الطوارئ في السودان وطريق الترشيح لجائزة نوبل للسلام
- شوارع مدينة فرنسية مغمورة بمياه فيضانات اجتاحت شمال شرق البل ...
- مشاهد توثق استهداف آليات إسرائيلية في طولكرم (فيديو)
- ماتفيينكو: -قمم السلام- الأوكرانية المزعومة لا تهدف إلى إنها ...
- السيسي يتحدث عن تحركات ومخططات لزعزعة وتفكيك دول القرن الإفر ...
- محلل عسكري إسرائيلي: قبل أن نقفز بتهور للمعركة ضد إيران يجب ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بدورعبد الكريم - هل للمثقفين العرب من غودو؟