أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم - ارتسامات حول ديوان -أحزان السنة العراقية-














المزيد.....

ارتسامات حول ديوان -أحزان السنة العراقية-


زكية خيرهم

الحوار المتمدن-العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 04:53
المحور: الادب والفن
    


ديوان "أحزان السنة العراقية" للشاعر خزعل الماجدي وثيقة شعرية غارقة في الألم، حيث يعكس تجارب شخصية ووطنية غاية في القسوة والفجيعة. يتجسد فيه الوطن كشخصية محورية، ينزف مع كل بيت شعري، يحمل كل جراح الأرض وشعبها. من خلال هذا العمل، نرى العراق يتكشف في أقسى صوره: بلد يُنهَك بالحرب، وتلتهمه نار الفوضى والعنف، ليصبح الجسد الجريح الذي يتنفس عبر كلمات الشاعر. الماجدي يختزل في أبياته معاناة جيل كامل، جيل رأى وطناً يتهاوى أمام ناظريه. حيث يتناول ا لحظات شخصية عميقة تمثل الفقد الأسري بوجه مأساوي، بدءاً من خطف ولده مروان، ليصبح الحزن الشخصي مرآة تعكس حزناً وطنياً شاملاً. هكذا، يتحول الديوان من سرد قصيدة الأب إلى صرخة وطنية، تفصح عن العراق الذي فقد هويته وأحلامه وسط دوامات العنف والدمار. في كل مقطع من الديوان، يظهر ألم الشاعر كخيط يربط بين الفقد الشخصي والفقد الجماعي. ليست القصائد مجرد بوح عاطفي، بل هي تمثل نوعًا من المقاومة. يسجل الماجدي تجربته الأبوية بفقدان ابنه على خلفية احتضار الوطن. كل قصيدة تنطق بهذا الفقد، سواء كان على مستوى الوطن أو على مستوى الأبوة المفقودة. الماجدي يستخدم مفرداته الشعرية لرسم مشاهد الخراب اليومي في العراق، فتظهر الجثث، الدماء، والأسلحة كلغة رمزية تحكي تفاصيل الانهيار. إنه يعبر عن وطن مغتصب من العنف، وعن حاضر لم يعد يعرف إلا لغة الخراب.
يتعمق ديوان "أحزان السنة العراقية" في استحضار الماضي التاريخي العظيم للعراق، مستخدمًا أساطير بابل وسومر كوسيلة للبحث عن الخلاص من التشظي الراهن. غير أن الحاضر يظل يغمر النص بشراسته، ويكاد الشاعر يصرخ من الفجوة العميقة بين الماضي العريق والحاضر المهترئ. من خلال استدعاء الحضارات القديمة، يعبر الماجدي عن تمزق الروح العراقية التي كانت تتباهى بتاريخ منارة العالم، لتجد نفسها اليوم سجينة لعنف لا ينتهي. ما يميز الديوان هو تلك الطريقة التي يجمع فيها الشاعر بين الماضي والحاضر، فيصبح التاريخ أداة لتحليل الانكسار الحالي، ويقدم للقارئ بصيص أمل بأن الخلاص قد يأتي من الاعتراف بجذورنا الحضارية. غير أن النص يظل غارقاً في الحزن، وكأن الشاعر يعلن أنه لا مفر من هذه الدوامة التي تلتهم كل ما هو جميل.
بين سطور هذا الديوان، يشعر القارئ بغضب الشاعر المكبوت. الماجدي غاضب من العالم، من السياسيين، ساخط على كل ما جلب الحزن لشعبه. لكن هذا الغضب لا يتوقف عند الأطراف الخارجية، بل يتوجه نحو الداخل، نحو الذات التي ترى حلم الوطن يتهاوى أمامها. وبين كل هذا الاستياء ، ينمو استسلام حزين. الشاعر يدرك أن الزمن لن يعيد العراق كما كان، وأن الجروح أعمق من أن تندمل. سخط الشاعر الماجدي ليس مجرد وسيلة للتنفيس، بل هو إعلان عن انهيار الأحلام. يستشعر القارئ أنه في صراع داخلي بين الرغبة في الثورة والاستسلام لحقيقة الفقد التي لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، ورغم هذا الظلام، تتسلل إشارات إلى الحب والأمل، حتى وإن كانت تأتي بحذر، لتظهر القوة الإنسانية في مواجهة الموت والحزن. اللغة في هذا الديوان تتراوح بين الفصاحة العالية واللغة اليومية القاسية. يتنقل الشاعر بين استعارات وصور شاعرية إلى لغة مباشرة أشبه بلكمات تلامس الواقع القاسي. هذه الازدواجية تعكس بذكاء التناقض الذي يعيشه العراقي اليوم: وريث حضارة عظيمة يعيش يومياً بين أطلال الانهيار. ما يميز هذا الديوان اللغة التي استخدمها الشاعر كأداة للمقاومة، محوّلا الحروف إلى قوى تعيد بناء الوطن في خياله، وإن لم يكن في واقعه. كل كلمة تخرج وكأنها محاولة للتشبث بالحياة، وكأنه يحاول أن يبني عالمًا جديدًا بالكلمات وسط عالم يتداعى.
"أحزان السنة العراقية" صرخة في وجه الفوضى، ورؤية الشاعر الانسانية العميقة التي تحرك كل قصيدة يتسائل فيها عن سبب العنف والخراب، عن سبب قتل الأبرياء وتحول الأطفال إلى ضحايا لصراع لا نهاية له. هذه التساؤلات لا تأتي من شاعر فقط، بل من إنسان يبحث عن إجابة في وسط هذا الظلام. الشاعر يعكس معاناة الإنسان العراقي في مواجهة فقدان الهوية والتشرد. وبينما يعبر عن الألم، لا يفقد تماماً إيمانه بالقيم الإنسانية. حتى في أعمق لحظات الحزن، هناك رغبة في العدالة، في البحث عن عالم أفضل، وإن كان بعيد المنال.
ديوان "أحزان السنة العراقية" هو شهادة على قدرة الشعر على أن يكون نافذة للأمل في زمن اليأس، وللخلاص في زمن الانهيار. إنه عمل فني يمزج بين الشاعرية العميقة والتجربة الإنسانية القاسية، لينقل معاناة شعب بأكمله عبر عيني شاعر فقد وطنه وابنه، ولكنه لم يفقد قدرته على المقاومة بالكلمات. إنه يذكرنا بأن الألم مشترك، وأن الفن، رغم عبثية الحياة في بعض الأحيان، يظل وسيلة تعبير قوية عن الإنسانية التي لن تتلاشى، حتى في أحلك اللحظات.



#زكية_خيرهم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحديات التعليمية للمرأة
- دار الخبر: بين التنوير والانتقادات.. طفح الكيل
- غونفور ميديل: جسر بين الأدب العربي والنرويجي
- راضي الليلي: من نجم الأخبار إلى فقيه التبديل السياسي... هل ك ...
- العشق بين الأسطورة والواقع: قراءة في قصيدة خزعل الماجدي
- وجوه تائهة في رمال المعاناة
- الحان بلا وعي
- قراءة في ظالميا: رواية الصراع بين الأمل والخيبة في مجتمعات ا ...
- الإصرار والشجاعة: حكاية جعفر التميمي من بغداد إلى الجائزة ال ...
- الصراع بين الهوية والجماعة: قراءة لرواية -الطلح لا يخطئ القب ...
- مسرح الدولة التي لم تكن: البوليساريو يسجل آخر فصول السخرية
- الهروب إلى اللامكان
- مفاتيح القائد
- تماوج الأرواح
- الزمرد الأخضر
- السياسات الجزائرية بين دعم الانفصال وتعطيل الوحدة المغاربية
- الجزائر: العقبة الكبرى أمام حلم الوحدة المغاربية
- نداء للعالم: إنهاء معاناة سكان مخيمات تندوف
- لألقٍ لا بدّ أن يأتي: قصيدة تعكس وجدان الإنسان في ظل الأزمات ...
- الصراع والهجرة في أدب سيمون سترانجر: نظرة على ثلاثية الشباب


المزيد.....




- من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي ...
- رأي.. سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: لبنان أمام مفترق طرق تاريخي ...
- الهند تحيي الذكرى الـ150 لميلاد المفكر والفنان التشكيلي الرو ...
- جائزة نوبل في الأدب تذهب إلى الروائية هان كانغ
- فوز الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب
- رائد قصيدة النثر ومجلة -شعر-.. وفاة الشاعر اللبناني شوقي أبي ...
- من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي ...
- تأييد الحكم بالسجن ضد سائق اتُهم بالتحرش بالممثلة المصرية هل ...
- غضب فريد بعد زواج سيران وسنان… مسلسل طائر الرفراف الحلقة 78 ...
- استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم - ارتسامات حول ديوان -أحزان السنة العراقية-