|
التكنولوجيا تسحق الإيديولوجيا
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 21:55
المحور:
كتابات ساخرة
استأثرت الجماعات الدينية وتنظيمات الإسلام السياسي الشهيرة، وسطت على ما تسمى بـ"القضية الفلسطينية" بعدما سحبتها من تحت أقدام الأنظمة العروبية التقدمية البوليسية الأمنية العسكريتارية، وحيـّدتها، ورفعت الرايات والشعارات السلفية والجهادية، بدلاً من لاءات الخرطوم والشعارات القومية الطوباوية البائدة، وأطلقتها على الصراع التاريخي بين عرب قريش والمستعربين منهم، وبين إسرائيل، وتحول النزاع عملياً إلى نزاع بين "قريظة" و"قريش" وإلى مجرد صراع طائفي وديني ونزاع على ملكية بعض المقدسات والحجارة والأصنام هنا وهناك، فيما كان مفترضاً أن يكون صراعاً نضالياً، طبقياً، تحررياً إنسانياً. وأصبح رجال الدين، والدراويش، والمعممون، وأصحاب اللحى هم رموز ما أطلقوا عليه اسم "المقاومة" ضد ما يعتبرونه "الاحتلال الإسرائيلي"، وشرعوا بإطلاق سلسلة وقائمة طويلة من الأسماء والرموز المستوحاة من تراث قبيلة قريش الديني السلفي الأسطوري على الفصائل والأحزاب والكتائب والسرايا الجهادية للتجييش والتحشيد لاستمالة الغوغاء واستنفار الدهماء ودغدغة عواطف البسطاء، وغابت بقية الأحزاب الديمقراطية والعلمانية واليسارية والشعبية والشعبوية والوطنية وحتى القومية "الإيديولوجية"، أو لنقل، أقصيت، وبالإكراه، وبرعاية إقليمية، عن مشهد المواجهة ومجريات النزاع، ولم يرد في مجمل أسماء تلك الفصائل أو الأحزاب أي إشارة أو تلميح أو صفة أو تبطين وطني وحقوقي وإنساني وحتى قومي عربي للصراع، لا بل أعلنت تلك الحركات الإسلامية "المقاومة" ارتباطها وتبعيتها ومرجعيتها وولاءها الأعمى لقوى إقليمية ترفع ذات الرايات والشعارات والأهداف الإسلامية والجهادية الأممية، والذي يقضي بأن الهدف الكلي والشامل والنهائي من هذا النزاع هو تحرير مدينة مقدّسة فيها مسجد أسطوري ومن ثم إقامة الصلوات فيه ابتهاجاً واحتفالاً بالقضاء على العدو "الكافر"، ورغم أن هناك عدة روايات وجدلاً وإبهاماً وعلامات استفهام شتى حول نشوء ووجود والمكان الأصلي لهذا المسجد. وحين أشعلت "حماس"، وهي اختصار لـ" حركة المقاومة الإسلامية"، فتيل هذا الهولوكوست الكارثي المدمّر قبل عام من الآن، كانت قد أطلقت اسم "طوفان الأقصى" على العملية الإرهابية التي قامت بها، وسيرك الدم الذي افتتحته وتجلـّى بالهجوم على حفل راقص لشبان وشابات يافعين مدنيين أبرياء يحتفلون بمناسبة فولكلورية محلية وبكل ما قام به جهاديو الحركة فيها من قتل وسحل وسبي وأسر واختطاف لمن استطاعوا إليه سبيلاً. وقبل أسبوع من الآن، وإثر متابعة سير ومجريات المواجهات، كنت قد كتبت منشوراً، على منصة الفيسبوك من ثلاث كلمات، بعنوان: "التكنولوجيا تقهر الإيديولوجيا"، سرعان ما سرى مسرى النار بالهشيم، وبعدما تناقلته عدة صفحات وأصدقاء وإعلاميون كبار، كان لهم المزيد من المساهمة والفضل في رواجه وانتشاره بهذا الشكل الـ" Viral" وتحوّله لـ"ترند" حقيقي، واستحواذه على آلاف التعليقات الرصينة والجادة والمهتمة، وبرأيي المتواضع، فإن من أهم أسباب رواج هذا المنشور هو أنه يلخص وببساطة المأزق وحالة الاستعصاء التي وصلت إليه الجماعات الإسلامية والدينية التي تسلّمت راية تحرير ما تسمى بـ"القدس"، وأخذت على عاتقها مهمة القضاء على الإمبريالية والصهيونية، ولكون المنشور يظهر الفارق الهائل والهوة العميقة والحادة لأطراف الصراع والشروخ التكنولوجية الهائلة بين مجموعة من الدروايش والبهاليل والمشعوذين والمؤمنين الذين يمتلكون أسلحة شبه بدائية ويعتمدون بصراعهم، وحلم ومشروع النصر، على طلب الدعاء والصلاة وشتم العدو ولعنه في مواجهة مع ترسانة نووية وأقمار صناعية وأساطيل بحرية وطوابير مليونية من التكنوقراط وخبراء أكاديميين بالتكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي وتفوق جوي واضح لا يضاهى وقوة رقمية وتجسسية استخباراتية مرعبة تجلى فقط نتوء جبل الجليد الظاهر وجزء بسيط من سطوتها وفاعليتها في استهداف شخصي ولحظي لرموز الحركات في عواصم إقليمة وفاعلة، والأكثر رعباً فيما ما أطلق عليه "غزوة البيجر" التي تعتبر سابقة فريدة في عالم التجسس والاستخبارات التي لم تخطر على بال إبليس بالذات، كما يقال. وقد ورد، مثلاً، في أحد التقارير، أن في إسرائيل لوحدها 8000 مركز أبحاث ودراسات ومخابر يعمل فيها 400 ألف من الخبراء والمهندسين والعلماء بالذكاء الصناعي والأكاديميين التكنوقراط المؤهلين ومعظمها -الأبحاث والدراسات- يصب في المجال العسكري والأمني، فيما يمتلك الطرف المقابل 400 ألف مسجد ومثلهم من الخطباء والدروايش والبهاليل والمشعوذين والمعممين لا عمل لهم سوى الدعاء على "العدو" بترميل نسائه وتيتيم أطفال وتشتيت شمله، والسخرية منه ووصفه بـ"أحفاد القردة والخنازير" وتهديده بجهنم وبئس المصير وتوعده، بالفضائيات والمنصات، بالويل والثبور وعظائم الأمور، أناء الليل وأطراف النهار. ولا بد ها هنا، وفي هذه العجالة، من توضيح بسيط لمفهوم التكنولوجيا في مواجهة الإيديولوجيا، رغم أن الخوض في الموضع قد لا ينتهي بمجلدات، فالتكنولوجيا هي مجمل وذروة وآخر ما توصلت له البشرية من اختراعات وإبداعات وتقنيات رقمية في مجال الذرة والفضاء والعلوم والرياضيات والفيزياء وتوظيفها ميدانياً واستثمارها عملياً في ميادين مدنية أو عسكرية، فيما الإيديولوجيا هي مجموعة من الرؤى والأفكار والتخيلات والتصورات والتهيؤات والأحلام والهلوسات والوساوس الطوباوية التي تتحول إلى عقيدة ويقين حين يؤمن بها ويصدقّها بعض الناس. وإذا كان من ينتج التكنولوجيا هو العقل والإبداع، فإن من ينتج الإيديولوجيا هو الوهم والخيال، ولا يمكن، ها هنا، والحال، للوهم والخيال أن يصمد، أبداً، في مواجهة العقل والإبداع.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا: كذبة وخرافة الوحدة الوطنية
-
سوريا: غزوة الضباط الأحرار
-
عيد الغدير: أعظم أعياد العلويين(النصيرية)
-
خرافة أمة المليار
-
ال DNA وخرافة خلق الله
-
الكسوف والخسوف: أكبر دليل على عدم وجود الله
-
من هو التكفيري والعنصري إسرائيل أم ثعابين حماس؟
-
C/V لمسؤول بدولة فاشلة
-
أعياد النصيرية -العلويين- بين الأمس واليوم
-
يسقط حكم للعسكر
-
روسيا: نمر من ورق
-
أيها الجنرالات: كفى عودوا لثكناتكم
-
تدشين الحنفية والفشخرة البعثية
-
فقعة ضوء: الله لا يرحمك ولا يرحمه
-
لغدير: أقدس أعياد النصيرية -العلوية-
-
الغباء الوطني والعقل الترللي
-
طوني خليفة والمستشار الحردان: كيف يصبح الحذاء عمامة؟
-
كذبة وخرافة الوطن العربي
-
قراءة اولية في التشكيلة الوزارية التركية
-
خرافة الديمقراطية العلمانية بالمجتمعات الدينية
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|