|
الأصولية ووهم الخلافة -من البنا إلى البغدادي-:
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8124 - 2024 / 10 / 8 - 03:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وهم الخلافة.. تسميه الجماعات الأصولية الإرهابية المتطرفة "حُلما"، ولكنه في الحقيقة وهما. لأن الحلم يمكن تحقيقه، أما الوهم فهو الذي يسيطر على الذهن ويستحوز عليه ولا يمكن تحقيقه. إنه حُلم كل الجماعات الأصولية الإرهابية المتطرفة، فهو حلم الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الجهادية والقاعدة وداعش والنصرة.. إلخ، وهم الخلافة، ذلك الوهم الذي سيطر على هذه الجماعات الأصولية وهو احد الأسباب الرئيسية في قيام هذه الجماعات الإرهابية بارتكاب العديد من الأعمال الإجرامية الإرهابية المدمرة. هذا الوهم، هو الذي حطمهم وسيحطم الكثيرين معهم، هذا الوهم الذي بسببه يجرون دولا بكاملها إلى الانهيار التام والخروج من دائرة التاريخ، فالأوهام تحطم المجتمعات والدول والأفراد. والإشكالية الحقيقية أن هذا المفهوم أصبح يسيطر على شعوب بأكملها، ولم يعد قاصرا على تلك الجماعات الأصولية. فقد اصبح هذا الوهم هاجسا يسيطر على مشاعر وأفكار الشعوب العربية والإسلامية، حتى اصبحت امتنا أسيرة الماضي لا تبحث لنفسها عن دور في الحاضر أو المستقبل سوى اقامة الخلافة الإسلامية، حتى ولو كان ذلك على حساب تفكيك الدول وإيقاع المجتمعات في معترك الصراع الدموي المدمر لكل شئ. فالخلافة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية أو أدلجة مفهوم الحاكمية الإلهية هو هدف يطرحه كل من يريد استعمال الإسلام للاستيلاء على السلطة، من خلال الفتاوى التي تقيس على الأموات كالشافعي وابن تيمية، وتجعل من كتب البخاري ومسلم وغيرهم مرجعاً، مما حول الناس إلى قطيع يحكمه "ذو الشوكة" ضمن علاقة راعٍ ورعية لا حقوق فيها للأفراد، ويضيع فيها مفهوم الوطن والمواطنة. وهم الخلافة، هو الذي جعل مجتمعاتنا الإسلامية تتجه إلى الصراع الدموي المدمر، لا إلى البناء والتطور والبحث والتقدم التكنولوجي واللحاق بركب الحضارة، والتطلع إلى الإنجازات العلمية والتكنولوجية والابداعات الأدبية والفنية الحديثة. هذا الوهم جعل الشباب يتجه إلى الماضي يعيشون حبيسين فيه يريدون العودة إليه، على أمل أن يعودوا به إلى زمن الخلافة الراشدة، خلافة ابى بكر وعمر وعثمان وعلي، رغم ما حدث فيها من فتن وصراع وقتال بين المسلمين على السلطة، فقد قتل عمر وعثمان وعلي. ثم كان بعد ذلك ملكا وراثيا استمر لمدة اربعة عشر قرنا من الزمان هم عمر الدولة الإسلامية، تحت مسميات مختلفة من خلافة شكلية أو سلطنة ودول متعددة دولة اموية في الأندلس وعباسية في العراق وفاطمية في مصر وصفوية في إيران وعثمانية في تركيا، وكلا منهم تدعي الخلافة، فهم يحلمون بزمن الفتوحات الإسلامية يحلمون بفتح العالم من جديد وإخضاعه لدولة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، وهو ما أشار اليه حسن البنا بمصطلح "استاذية العالم"، يحلمون أنهم في يوم من الإيام – لابد أت- سيكونون أسياد هذا العالم، وأن العالم كله سيكون تحت اقدامهم لأنهم مسلمون والعالم كافر. وليس بخاف على أحد أن كل ما يجري في الشرق الأوسط من دمار وخراب وحروب وإرهاب، له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بوهم إقامة الخلافة الإسلامية. سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق، وهم الخلافة هو الفكر المستحوذ على من يقاتلون في تلك البلدان تحت أسماء ومسميات مختلفة ومتعددة ومتناحرة فيما بينها، ولكن يجمعها هاجس واحد يسيطر عليها هو ذلك الوهم، وهم اقامة الخلافة الإسلامية. فقد جاءت شعارات هذه الجماعات والميليشيات الإسلامية الإرهابية المتطرفة في سوريا: "الأمة تريد خلافة اسلامية"، كما وقع العديد من قادة الجماعات الأصولية الارهابية في سورياعلى ميثاق شرف، جاء فيه: "نعاهد الله على أن نعيد دولة الخلافة، وأن نعمل على اسقاط الدولة المدنية الكافرة، وأن نسعى جاهدين لإسقاط النظام البعثي الكافر، واسقاط مشروعهم الخبيث مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، وأن نعمل مع المخلصين من أبناء امتنا على اقامة الخلافة الإسلامية، وننهي بذلك عقودا من الاستعمار والاستعباد، سنعيد مجد الخلافة لو واجهنا العالم كله، ونعود كما كنا أسياد الشرق والغرب، فها هي شمس الخلافة تشرق في سوريا من جديد". هذه هى غاية كل الجماعات الأصولية الإرهابية، إقامة دولة الخلافة، والقضاء على الدولة المدنية الديمقراطية، وسيادة العالم. وتحت عنوان "الخلافة الفجر القادم" اقام حزب التحرير الفلسطيني مؤتمرا، جاء فيه: الخلافة هي خلاص الأمة الإسلامية مما تعيش فيه، وطالب بإزالة هؤلاء الحكام، وأن نحكم بالإسلام، وأن كل هذه الدول سوف تلقى في مزبلة التاريخ،، ويأتي خليفة يوحد المسلمين وتكون القدس عاصمة المسلمين. وأقيم مؤتمرا آخر تحت عنوان "دولة الخلافة مستقبل الخلاص" جاء فيه : الخلافة تحرر الأقصى، وتغيث المسلمين، وتنقذ البشرية. هذا هو الوهم بعينه أن يتخيل هؤلاء أنهم سينقذون البشرية، وأنهم في يوم من الأيام سيحكمون العالم، ويكون هناك خليفة واحد للعالم يقيم الشريعة ويعلن الجهاد ضد الكفار. هذا الوهم لا يسيطر على جماعة أو حزب أو توجه بعينه، إنما هي فكرة تسيطر وتستحوذ على كل الجماعات الأصولية، بداية من الإخوان المسلمين باعتبارها الجماعة الأم التي تفرعت عنها تلك الفصائل والجماعات والتنظيمات المختلفة، فمسألة الخلافة تمثل جذء من عقيدة الإخوان المسلمين، وكذا حماس بصفتها فرع منها، وتنظيم القاعدة بكل فروعها المختلفة في بلاد المغرب والشام وافغانستان واليمن والعراق، وحركة طالبان التى كانت قد نصبت خليفة من قبل "الملا عمر" واطلقت عليه أمير المؤمنين، ومن ثم، تسعى كل هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية إلى تحطيم وتفكيك الدول الوطنية، كما أنها استطاعت أن تحطم أفكار الشباب وطموحاتهم. وتعتبر مسألة الخلافة من أولى الأولويات في العمل الحركي لدى الجماعات الأصولية المتطرفة، وكانت جماعة الإخوان باعتبارها الجماعة الأم تركز بصفة رئيسية على اقامة الخلافة، وقد جاء في رسالة البنا في المؤتمر الخامس "الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام.. والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام وبيان أحكام الإمامة لا تدع مجالا للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم، ويجعلوا فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم". ومن ثم، فقد أصل البنا لمسألة الخلافة باعتبارها فريضة إسلامية. كما ان جميع أدبيات الإخوان لا تخلو من الحث على اقامة الخلافة، وسيادة العالم، والتى تعرف في أدبياتهم بـ "استاذية العالم"، ونظروا إلى وصول محمد مرسي للحكم بأنها إرهاصات الخلافة. ومن ثم دعا صفوت حجازي إلى مواصلة الجهاد، وقال: " لقد رأينا حلم الخلافة يتحقق على يد الدكتور محمد مرسي، ومن معه من إخوانه وجماعته وحزبه، رأينا الحلم الكبير الذي نحلم به جميعا، الولايات المتحدة العربية ستعود إن شاء الله على يد هذا الرجل ومن معه، ستكون عاصمة الخلافة هى القدس إن شاء الله". ثم سار على ذلك النهج -وهم الخلافة- كل شيوخ وزعماء الجماعات والتنظيمات الإرهابية، جلهم يدعون لهذا الوهم ويرفضون مفهوم الدولة المدنية الحديثة. ومن ثم، فهم يهدمون ويحطمون الدولة الوطنية لصالح إقامة الخلافة، يقول إسامة بن لادن: "نحن اليوم نعيد رسم خريطة العالم الإسلامي لنصبح دولة واحدة تحت راية الخلافة". وكذا يقول أيمن الظواهري: "إن إقامة دولة الخلافة فريضة على كل مسلم، بل هي أمل الأمة الإسلامية"، ويقول أحمد القصص رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير الفلسطيني: "إن وجوب إقامة الخلافة هي من وجوب إقامة الإسلام نفسه، فمن دون دولة لايمكن للإسلام أن يكون مطبقا". ويقول العريفي: "اقسم بالله لاكأني أنظر إليها الآن" ويقول محمد حسان: "يا شباب اليوم ابشروا ستنزل الخلافة الراشدة الأرض المقدسة"، يقصد أرض فلسطين (القدس). ويقول في موضع آخر: "اقسم بالله إن الله يهئ الكون كله هذا للخلافة الراشدة على منهاج النبوة". ويقول طارق السويدان: " ترجع الخلافة الراشدة من جديد بعد الحكم الجبري، بعد حكم العسكر"، يقول خالد مشعل: "غدا أمتنا ستكون على سدة العالم، هذا ليس خيالا هذه حقيقة، غدا نحن قادة العالم إن شاء الله.". والسؤال الحاكم هنا، هل كانت تجربة الخلافة تجربة ناجحة فنحاول اعادة انتجها مرة أخرى، أم كانت تجربة مريرة على مر العصور! هم يحلمون بالخلافة رغم ما يشهده واقعنا العربي والاسلامي من توترات وأزمات عدة لا يقل بعضها خطرا عن بعضها الآخر، وكان للواقع السياسي المتردي دوره في تعميق أزمة المجتمعات العربية والاسلامية، وتوسيع رقعة الخلاف والشقاق بين مختلف الأطراف والاطياف السياسية المؤثثة للمشهد العربي عموما. كما كان لهذا الواقع السياسي الهزيل أثره على حياة الناس وواقعهم المعيشي. وقد ظهرت في مقابل هذا الواقع الهش حركات دينية متشددة وأخرى إسلامية حركية تدعو الى احياء ما يسمى بالخلافة الاسلامية، باعتبارها الحل الأمثل لتجميع الطاقات الاسلامية وبلورة مشروع الخلافة الذي سوف يعيد للأمة الاسلامية نهضتها وحضورها في المشهد العالمي المعاصر. بناء على رؤية تمجيدية للتاريخ السياسي الاسلامي، خصوصا لتاريخ الخلافة الاسلامية التي طالما اعتبر امتداد لنمط الحكم النبوي. وهنا مكمن الخطر وسوء الفهم للواقع التاريخي والمعاصر. إن إعادة قراءة الرؤية السياسية للخلافة الاسلامية، باعتبارها تجربة بشرية أمر ضروري، حيث ان الصحابة أنفسهم قد اقتتلوا على الحكم وانتقد بعضهم بعضا وطالب بها بعضهم وسفكوا الدماء في سبيل ذلك. ناهيك عن المآسي الاجتماعية التي كان يعاني منها المسلمون المواطنون في ظل هذه الخلافة والتي استمرت معهم الى يومنا هذا. وكيف يمكن لنموذج الخلافة الاسلامية الكلاسيكي أن يتعامل مع واقع كواقع الأمة العربية الاسلامية المعاصرة، فهل يمكن أن يحل مشاكلنا المعاصرة بعد ان عجز على حل مشاكل المسلمين القديمة، خصوصا بعد تعقد العلاقات الدولية وتشعب المصالح وتغير موازين القوى العالمية. فالواقع ان الاسلام السياسي في شطر كبير منه يسوِّق الوهم للشعوب الإسلامية في دعوتها للخلافة المزعومة، تحت مسميات وشعارات دينية شتى متناسين أن الواجب الأول هو ضرورة احياء الانسان بتحسين تعليمه وإخراجه من ظلمات الأمية والجهل والتخلف، وتحسين ظروف عيشه وتحفيزه على الابداع والنفع لمجتمعه، وتنمية سلوك الوسطية والاعتدال في مواقفه، والتحلي بروح الانسانية التي جمعتنا كبشر. فهذا هو الرهان الحقيقي لبناء الأمم. فمنذ بداية هذا القرن، ولأسباب عدة، موضوعية وذاتية، انتشرت موجات من التشدد والتطرف في العديد من بلدان العالم الإسلامي. أفراد وجماعات وحركات وتنظيمات، اتجهوا إلى الغلو في التفكير والتشدد في إبداء الرأي والتطرف في الحوار، ثم اللجوء للعنف، إنها حالة ذهنية وسلوك ينشد التكفير والعنف. وعلى الرغم من التشدد الظاهر، الذي تبديه هذه المجموعات، فكرا وممارسة على الأرض، بإزاء مظاهر الحداثة، ومع ذلك فإنها لا تتوانى في استخدام وتوظيف منتجاتها لا سيما الإعلام الفضائي العابر للقارات والشبكات الاجتماعية الافتراضية من أجل تمرير رسائلها، والترويج لمنظومتها الفكرية، بل واستقطاب جمهور متعاطف معها. حيث يتم استخدام وتوظيف التكنولوجيات المستجدة والقبول بها من جهة، ثم النفور الفكري الذي تبديه بإزائها، حيث تعمد إلى تدمير شبكات الاتصالات ناهيك عن منع باقي سبل الإفادة من "تكنولوجيا الكفار". والادعاء بأنه مفسدة للأخلاق وتدمير للقيم واستهداف لحضارة السلف الصالح، ناهيك عن كونه صنيعة الكفار أعداء الدين ومنتوج الصليبيين الذين يحاربون الإسلام؛ هذه حالة ذهنية لا تكتسب بالوراثة وإنما هي ثقافة تصنع وتطور وتفرض على الناس، باعتبارها الثقافة/البديل، فلأمر يتعلق بمنظومة فكرية وعقدية متكاملة. لقد كثر الحديث عن الخلافة الاسلامية في مجتمعاتنا العربية والدول التي تضم اغلبية مسلمة والتي لا زالت تعاني من الانظمة الشمولية الى الان، حيث يعتقد البعض ان العودة الى منهج الخلافة الاسلامية هو الحل الوحيد المتبقي، وان كل من يعارض هذا الطرح هو عدو لله ولا يريد تطبيق الشريعة, فقد طبع في ذهن المسلم أن الحاكم هو خليفة الله في أرضه وهو المتحدث باسم الله, وهذا ما تسبب في الوهم الشائع عند المسلمين أن الخروج على الحاكم هو كفر وزندقة ونقده ومعارضته أمر لا يجوز. وربما لا تعلم الاغلبية الساحقة من المجتمعالات العربية الاسلامية ان المسلمين الاوائل، بل حتى عرب ما قبل الاسلام لم تكن لديهم ادنى فكرة عن مفهوم نظام الحكم، حيث اقتصر مفهوم الحكم لدى العرب أنه عبارة عن سلطة فقط لا فكر فيها وإنما تعتمد فقط على مقدرات الحاكم, وبالتالي لم يعرف العرب قبل الاسلام والمسلمون شيئا عن السلطة ودواليبها وكيفية تسييرها, بل أن الامبراطوريات الاسلامية كالأموية والعباسية أخذت نظم حكمها من الفرس والرومان, فاذا كان الاسلام دين ودولة فما هو الأمر الذي دعا بالمسلمين الى الأخذ من غير المسلمين. فالمشكلة أننا عندما نشجّع على الأخذ من الغرب يتم اتهامنا بالبعد عن دين الله وبالتشبه بالكفّار، لكن الإسلاميين لا يجدون أي حرج من تأسيس أحزاب للدفاع عن أفكارهم رغم عن ان مفهوم الحزب هو مفهوم غربي لا علاقة للإسلام به. حيث ان مفهوم السلطة والحكم لدى المسلمين لم يتبلور الا بعد القرن الخامس ال،هجري حيث ظهرت كتابات ابن رشد والماوردي مما يدل على ان المسلمين لم يعرفوا لا مفهوم الدولة ولا انواع انظمة الحكم ولا شيء من هذا القبيل، لكن الكثير من المفكرين الاسلاميين لا يقبلون هذه الحقيقة. ان الذي يقرا القران لا يجد فيه شيئا عن نظام الحكم وكيفية تنظيم العلاقات بين عناصر الدولة وتحديد واجبات السلطة السياسية, وبناء عليه فإن فكرة دولة الخلافة هي اجتهادا بشريا وجدت لضرورة، وإلا فما الذي جعل الصحابة يتصارعون على الحكم في في سقيفة بني ساعدة، بينما كان الرسول لم يوارى الثرى بعد، كما أن التاريخ يخبرنا أنه لم يسبق وأن حدث انتقال سلمي للسلطة بين المسلمين، وإنما هو اصرار الفقهاء على تسييس الدين فلو كان القرآن واضحا في هذه المسائل، لما حدثت الفتنة الكبرى بين المسلمين التي نتجت عن الاتجار بدم الخليفة عثمان بن عفان. والخلط بين الديني والدنيوي، أو القدسي والسياسي، وربما هناك ما هو أسوأ من هذا الخلط، وهو استغلال واستثمار الدين من أجل مكاسب سياسية ودنيوية. وعندما حدث هذا الخلط تردت الخلافة في الفتن التي لم تتوقف من حروب لمانعي الزكاة، إلى حروب الردة، إلى الفتنة الكبرى، إلى رجم الكعبة بالمنجنيق، إلى استباحة مدينة رسول الله ثلاثة أيام حملت فيها أكثر من ألف عذراء من بنات الصحابة، إلى كربلاء إلى صفين الى اليوم. فالجماعات التي لا تزال تروّج لوهم الخلافة الاسلامية إنما تريد لنا العودة الى زمن اقتتل فيه المسلمون على السلطة والحكم. كما أنهم يريدون حكما أبديا لن يتزحزحوا فيه عن كرسي السلطة الا بالموت أو الاغتيال, ان عودة الخلافة تعني ان كل مخالف للحاكم هو مخالف للإسلام وعدو لله وبالتالي ستتم مقاتلته، وهو يعني أيضا أنه لا توجد مصطلحات كالديمقراطية أو المعارضة في فكر مروجي أوهام الخلافة، يعني أننا سنعود الى زمن يصبح المعارض فيه مرتدا أو زنديقا، ان هؤلاء الذين يزعمون أن عزة الاسلام و المسلمين ستعود بعودة الخلافة، وهم يقصدون بهذه العزة احتلال ديّار النّاس بالقوة والاستيلاء على أموالهم واغتصاب نسائهم، وكل هذا تحت غطاء نشر الاسلام. فأي عزة في تخريب بلدان الناس وتهديم معابدهم واجبارهم على ترك معتقداتهم أو دفع الجزية لدولة الخلافة التي هي واقعنا المعاصر فكرة ضد الانسانية وضد الواقع الذي نعيشه بل وضد العقول أيضا, فهذه الفكرة لا علاقة لها أبدا بمفهوم الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية, دولة المواطنة التي تتعامل مع مواطنيها حسب الانتماء وليس حسب المعتقد او الجنس أو اللون, ان الذين يدعون لعودة الخلافة هم اناس يريدون أن يكونوا القائمين عليها بشر يحُرم الخروج عليهم؛ لأن ذلك يعني الخروج عن الدين, يريدون للتجربة الأوروبية أن تتكرر عندما كان الناس يعتقدون أن الملك هو "ظل الله في أرضه"، وان عارضته يقول لك "لا انزع قميصا البسني اياه الله"، كما قال عثمان بن عفان. ورغم ان الخلافة موقعا سیاسیا فقط لكنها تحولت إلى مرجعیة دينیة أيضا، الأمر الذى أضفى عليها نزعة القداسة، نتيجة تداخل الدينى بالسیاسى فى موقع الخلافة وتنامى ذلك التداخل مع توالى العصور الإسلامیة الأمر الذى وصل فى مراحل تاريخیة إلى حد اعتبار أن رأس السلطة هو خلیفة الله الذى يعمل ويقرر بتفويض من الها واستخدموا رسميا لقب "خليفة الله" وهو اصطلاح يفهمه الجميع بمعنى "مندوب الله" أو "وكيل الهم في أرضه". وبالتالي ابتلينا عبر التاريخ بوهم كبير سفكت لأجله بحار من الدم، وأزهقت في مطاردته ما لا يعد ولا يحصى من الأنفس البريئة، خرافة عشناها واستغلت أسوأ استغلال من تجار الدين والسياسة وأخيرا من الاستخبارات الأجنبية، بعد تنصيب الخليفة البغدادي. هذه النبتة التي ظلت تحمل بذور الدم والشتات أينما حلت بين المتنازعين في الأرض على سلطة رب السماء، وما لم يتحرر الفكر السياسي الإسلامي من عقدة الخليفة الأحق بالولاية ماضياً أو المحتمل حاضراً أو المنتظر مستقبلاً فلن نخرج من هذا النفق المظلم، حيث معاكسة الزمن وحالة الحنين الملحة إلى الماضي التي اصبحت إحدى سمات العقل العربي، لأن الواقع الهزيل الذي يؤثر على حياة الناس يجعلهم يعكسون التاريخ، ومن ثم يجدون في أمر الخلافة حلا لمشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، واهمين بأنه الطريق الصحيح للنهضة والحضور المنافس للعالم المتحضر، وهي ذات الفكرة التي قامت عليها داعش والقاعدة والنصرة ثم كانت الصدمة.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية علاقة المثقف بالسلطة في المجتمعات العربية:
-
دور الإصوليات الدينية في إدارة الصراع السياسي:
-
مبدأ تكافؤ الفرص:
-
تأثير الحرب في غزة على الاقتصاد المصري:
-
مفهوم دولة القانون
-
دور الإسلام السياسي في نشر خطاب الكراهية
-
اللوبي الإخواني داخل أوروبا:
-
جدلية الفكر والتكفير
-
الأمن الغزائي العربي في ظل التحديات الراهنة
-
أهمية التكامل الاقتصادي العربي
-
العقد الاجتماعي
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|