أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر















المزيد.....

ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 16:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الكتاب الديني الماياني" پوپول ڤو" (المعروف بأسماء عدة، من بينها النور الذي أتى من البحر) هو قصة الخلق التي كتبها شعب كيش مايا والتي تُرجمت إلى الإسبانية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي بواسطة المبشر "فرانسيسكو زيمينيز"؛ استناداً إلى قصص وحكايات أقدم بكثير . ونظراً لأن معظم كتب المايا أُحرقت من قبل أسقف يوكاتان " دييگو دي لاندا" في يوليو/ تموز من عام 1562 ميلادي؛ فإن هذا الكتاب يُعدّ مهمّاً للغاية في فهم ثقافة المايا والمعتقدات الدينية رغماً من وجود تفاصيل أخرى في أماكن مثل النقوش واللوحات والأعمال الفنية المتنوعة مضافاً إليها الكتب الثلاثة الشهيرة للمايا (المعروفة باسم مخطوطات دريسدن وباريس ومدريد نسبة إلى المدن التي استحوذت على تلك المخطوطات ) والتي لم تصل إليها نيران الحرائق . وقد أُطلق على " پوپول ڤو" اسم "الكتاب المقدس الماياني " وهذه التسمية مغلوطة للأسف؛ لأنها تطرح الكتاب الماياني في ضوء تفسير كتابي العهد القديم والجديد ( الكتاب المقدّس) .
وعلى النقيض من القصص والقصائد التي تشكل مضمون الكتاب المقدس والمقتبس بعضها من نصوص رافدينية أقدم والمستوحاة من الرّب حسب مايعتقده المؤمنين بها؛ فإن الـ پوپول ڤو لم يعتبره شعب المايا أبداً على أنه كتاباً مستوحى . حيث كانوا فقط ينصتون إلى قصصه السردية؛ بل وفسّروه أيضاً بنفس الطريقة التي فسّر بها الإغريق القدماء لملحمتي " الإلياذة " و "الأوديسا " لهوميروس ؛ باعتبارهما قصصاً ينبغي فهمها على النحو الذي كان من الممكن أن تجري عليها الأمور، وليس"حقيقة" مطلقة ومُرسلة من إله قادر على كل شيء للبشر. وكان شعب المايا يشير إلى الكتاب باعتباره " إلبال " ـ أداة للرؤية ـ والذي يمنح المستمع غاية الوضوح .

إن الـ پوپول ڤو كتاب يتألّف من مجموعة قصص تصف خلق العالم والبشر ، ويرد فيه كيفية إرساء قواعد الحياة من قبل الأخوين المُحاربَين التوأم "هوناهپو" و "زبالانكي"، ذلك عندما انتصرا على قوى الظلام والموت . وإن الشخصيات التي تُروى الحكايات عنها في القصص هي شخصيات مختارة بعناية ترمز إلى الكواكب والنجوم . والقارئ الجيّد الذي لديه الإلمام الكافي بهذا الجانب من الكتاب ؛ سوف يفهم أنه يواجه من خلال هذه الشخصيات رؤية العالم بطريقة مختلفة تماماً عن تلك المُقدّمة في كتابي العهد القديم والجديد . وطالما أن الحكايات المروية أسطورية بطبيعتها؛ فأن الحقائق التي تبدو ماثلة يمكن إثباتها عملياً من خلال رصد المدارات التي اتخذتها الكواكب (وأبرزها كوكب الزهرة ) وتحديد مواقع النجوم والأفلاك . لذا فقد كان الاستنتاج الواضح عند شعب المايا ومن خلال أرصادهم الفلكية؛ إلى أن جميع الحيوات ( جمع حياة) كانت دورانية ، وأن هذه الدورة الأبدية من الوجود أصبحت ملازمة بسبب الطبيعة الدورانية للزمن .

عالم القوى الروحانية
يمكننا القول أن الزمن نفسه هو الإله الأعلى لآلهة المايا ؛ حيث نشأت تقاويم المايا المعقدة من المعتقدات الدينية التي تمّ ترسيخها. وقد غُرس دين المايا القدماء في كل جانب من جوانب حضارتهم ابتداءً من الهندسة المعمارية إلى لباسهم ومظهرهم الشخصي ورياضاتهم وانتهاءً بتقاويمهم . فقد اعتقد شعب المايا أن الآلهة وعلى الرغم من أنهم يعيشون في هباء "تاموانشان"؛ إلا أنهم كانوا جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. وكانت الغابات التي تحيط بمدنهم مأهولة بالأرواح مع الإله الكبير للغابات" يم كاكس" حامي النباتات والحيوانات . وقد كان لكل مدينة إله راعٍ ؛ الذي يجعل المدينة تزدهر عندما يقبل دعوته للسكن في المعبد الرئيسي . وعلى سبيل المثال وليس الحصر ؛ فعندما كانت الأمطار تهطل؛ هذا يعني أن الإله چاك كان مسروراً . وعندما يومض البرق كان ذلك من عمل الإله يالوك. كما كان لكل شخص"طريق"، وهو مرشد روحي يُعرف باسم "وايوب"، يعينه طوال حياته ؛ حيث يمكن أن يظهر له في الأحلام أو بهيئة حيوان، وذلك لنقل رسائل مهمة من العالم الروحاني إليه . في كل عام وخلال الاعتدالين الربيعي والخريفي، ينزل الإله العظيم "كوكولكان" من السماء على سلم معبده في "چيچن إيتزا"، إذ كان (ولا يزال) واضحاً من خلال الظل الذي ينزل به إله الثعبان على الدرجات لمقابلة الرؤوس الحجرية عند قاعدته.
وعليه، فقد كانت الأرض بأكملها والحياة البشرية ملأى بقوى روحانية تحتاج إلى الإيمان بها ، ومن ثم تكريمها واستشارتها بانتظام لكي يتطور الفرد والمجتمع بأكمله .

التقويم ودور الملك
بالنسبة للمايا، لم يكن هناك فرق بين ما قد يميزه الفرد الآن على أن هذا علم وذاك دين . فقد كانت الرياضيات والفلك جزءاً من الطقوس الدينية ويساهمان في إعداد التقويم المقدس . ويُعدّ التقويم ذا أهمية بالغة، حتى أن الآلهة حين حاولت للمرة الثانية في خلق البشر؛ قررت تدميرهم لأنهم (البشر) كانوا يفتقرون قدرة الرجوع إلى التقويم، وبالتالي انعكاسه سلبياً في تكريم وتعظيم الآلهة. وكان لدى شعب المايا تقويم علماني لتتبع الأيام والفصول، وتقويم ديني للتنبؤ بالمستقبل ورسم مسارات النجوم . وكان الكتّاب والكهنة علماء فلك ورياضيات، وعملوا على فهم دوران الأفلاك من أجل التعرّف على المعنى السماوي الذي تضفيه الآلهة على تلك الأنماط . وكانت حصيلة المعاني تُنقل إلى حاكم المدينة الذي كان يعتبر وسيطاً بين الآلهة والشعب .
كان الدم غذاء آلهة المايا، ولم يكن الملك وبلاطه مستثنين من التضحية. وشملت تلك الطقوس في هدر الدماء الملكية ؛التقاط الأشواك الحادّة بواسطة اللسان أو القضيب ، و وخز الأذنين أو اللسان بعظام الأسماك القوية . ثم يُترك الدم ليسقط على أوراق تُحرق كقربان للآلهة. وإذا كانت القرابين مقبولة (وهذا ما يتحدد من خلال شكل الأوراق بعد احتراقها) ؛ فإن دعوات الملك وشعبه سوف تُستجاب، وإذا لم تكن كذلك، فلابد من تقديم المزيد من الأضاحي .

التضحية البشرية
عندما كان يتم التضحية بالحيوانات والأحجار النفيسة بشكل منتظم للآلهة في الطقوس؛ كانت التضحية البشرية تشكل محوراً أساسياً في الطقوس الدينية لشعب المايا (على الرغم من نفي شركات السياحة ذلك في المواقع الأثرية المايانية) . وقد كشفت الحفريات ما حول وداخل الكهف المقدّس في "چيچن إيتزا"، وكذلك في مواقع أخرى عن عظام على ما يبدو أنها تعود لضحايا من البشر. وتم نقل مشهد التضحية البشرية في النحوت والرسوم والنقوش المنتشرة في جميع أنحاء المناطق التي استوطنتها شعوب المايا القديمة؛ حيث كان بعض هؤلاء الضحايا أسرى جُلبوا من قرى أو مدن أخرى، لكن البعض منهم كانوا مواطنين داخل المجتمع أُختيروا طوعاً كرسل للآلهة .
وكتب المؤرخ "دييگو دي لاندا" المقطع أدناه عن التضحية البشرية :
"كانت مناسباتهم تهدف فقط إلى ضمان حسن نية آلهتهم ورضاهم عنهم... فقد كانوا يعتقدون أن آلهتهم في حالة غضب كلما ألمّت بهم ضائقة من الأوبئة أو الاقتتال أو الجفاف أو الأمراض الفتاكة؛ بيد أنهم لم يأخذوا بالحسبان محاولة استرضاء العفاريت الشريرة بالتضحية لها بالحيوانات، ولا اكتفائهم بتقديم القرابين من طعامهم وشرابهم ، أو بنزر يسير من دمائهم ، أو تحملّهم لآلامهم النفسية بطول السهر والصيام فقط ؛ لكنهم بدلاً من ذلك، تناسوا كل الغرائز الطبيعية وجميع قوانين العقل، وقدموا أضحية من البشر بسهولة كما يفعلون ذلك مع الطيور!!." (المايا القديمة، ص 90)
في بعض الأحيان كانت هذه التضحية تتخذ شكل رمي الضحية إلى الـ سينوتي ( البئر) المقدّس . وفي أحايين أخرى، كانت تُستخرج أحشاء الضحية أو يُقطع قلبها على مذبح المعبد. ولأن المايا كانوا يؤمنون بحقيقة دوران الحياة، لذا لا يمكن لأحد أن "يموت" في الحقيقة ، وبالتالي كان يُنظر إلى الفرد الذي يتم التضحية به على أنه "انتقل" بسعادة ليعيش بين الآلهة. وعليه فإن طريقة التضحية لم تكن مهمّة، لأن الشخص كان مضموناً في انتقاله المباشر إلى عالم الآلهة ، بتجاوزه الطريق الشاق الذي كان على معظم الأرواح الأخرى أن تسلكه بعد الموت .

الحياة الآخرة
بالنسبة للمايا، كانت حياة الآخرة هي رحلة الروح نحو الفردوس؛ ولكن لم يكن هناك أي ضمان على الإطلاق بأن المتوفى سيصل إلى وجهته. حيث عند الموت، تنزل الروح إلى العالم السفلي، وهو مكان مظلم ومخيف يسمى "شيبالبا" (أو ميتنال ـ بمعنى مكان الخوف) والذي كان تسكنه آلهة مرعبة بأسماء مثل ؛ " كامازوتز ـ الإله الخفّاش ، سيزين ـ الإله النتن ، وكچوماكيك ـ إله جامع الدم" .
بظلامه الدائم، كان العالم السفلي مليء بأنهار من الدم والقيح ، والأشجار ميتة ، ومناظر الطبيعة فيه قاحلة. وآلهة شيبالبا كانوا قادرين على توجيه الروح إلى المسار المغلوط عندما تتخذ المسار الصحيح في عبورها. وبعد الوصول إلى شيبالبا ، كانت الروح ليست بحاجة فقط إلى إيجاد طريقها عبر هذا العالم ؛ ولكن في سعيها الصعود أيضاً إلى الطبقات التسع العليا وصولاً إلى العالم الوسطي (الأرض) ، ثم تكمل طريقها بثلاثة عشر طبقة آخرى قبل الوصول إلى "تاموانشان" (الفردوس) . وبمجرّد وصول الروح إلى عالم الآلهة، فإنها تهبط بعد ذلك إلى طبقة أدنى، أمّا على الأرض أو فوقها مباشرة، لتبقى في سعادة أبدية. وكانت الأرواح الوحيدة التي اعتُبرت مستثناة من هذه الرحلة هي المُضحّى بها ، والنساء اللائي توفين أثناء الولادة، وأولئك الذين قُتلوا في الحرب وبحوادث الانتحار، وكذلك الذين ماتوا أثناء لعب مباراة الكرة "پوك ـ آ- توك".

لعبة الكرة المقدّسة: پوك ـ آ- توك
كانت لعبة پوك ـ آ- توك أكثر من مجرّد رياضة شعبية، فقد كانت ترمز إلى صراع قوى الحياة والموت، والنور والظلام . ويُعتقد أيضاً أنها كانت بمثابة تضحية للآلهة الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة مباراة اللعبة بقدر ما يستمتع بها الناس . وهذه اللعبة يتقابل فيها فريقان يتألف كل منهما من سبعة لاعبين ، وكان على اللاعبين تسجيل النقاط من خلال كرة مطاطية يدخلونها في حلقة جانبية مثبتة على جدار أو جذع شجرة ( يبلغ ارتفاعها أحياناً أكثر من ستة أمتار أو أقل) دون استخدام أياديهم أو أقدامهم . كما لا يُسمح للاعبين إلا باستخدام رؤوسهم وأكتافهم ومرافقهم وركبهم، وأحيانا معاصمهم . وكان تسجيل نقطة أمراً في غاية الصعوبة ؛ لدرجة أن المباراة الواحدة يمكن أن تستمر لأيام ، وكانت اللعبة عنيفة لدرجة أن المشاركين كانوا يُقتلون في كثير من الأحيان أثناء المباراة . وغالباً ما كان يُزج أسرى الحرب للعب في الساحات الكبرى للكرة في المدن ، ولكن ليس كعقوبة كما يعتقد الكثيرون؛ بل كانوا بمثابة أضاحي للآلهة.
لسنوات عديدة ومنذ اكتشاف النقوش واللوحات المتعلقة باللعبة لأول مرة، كان يُعتقد أن الفريق الخاسر (أو رئيس الفريق الخاسر) يُضحّى برأسه إلى الآلهة، ولكن مع وضوح الصورة أكثر عن حضارة المايا، أصبح جليّاً أن الفريق الفائز (أو رئيس الفريق الفائز) هو الذي كان يُقطع رأسه في ختام المباراة ، والمضحّى به كان يُبعث إلى السماء على الفور. وبلا شك فأن الآلهة سوف ترحب به أشدّ الترحيب؛ لأنهم يحبون لعبة الـ پوك ـ آ- توك بقدر ما يحبها البشر وكانوا يقدرون هدية اللاعب الممتاز. ومع ذلك، فإن فكرة قطع رأس قائد الفريق الفائز لا تزال موضع جدل بين علماء التاريخ .
يرى الباحثَين (شيل) و(ماتيوس) أن "الأسطورة الأكثر تداولاً [التي تحيط بلعبة الكرة] تقول إن المايا ضحّوا بالفائزين من أجل تقديم هدية نفيسة للآلهة". ولكن لا يوجد دليل على هذا التفسير في أي من المصادر القديمة أو التاريخية" (ص210) . والعلماء الذين لا يتفقون مع شيل وماتيوس يرون أن الاعتقاد الراسخ في أن الخاسرين هم الذين كانوا يُضحَّى بهم، أو أن أسرى الحرب كانوا يُجبَرون على اللعب حتى الموت كوسيلة لإهانتهم ومعاقبتهم؛ لا يتفق تماماً مع المعتقدات الدينية والقبلية للمايا. ولا بد أن الآلهة لم تكن مهتمة بتلقي الهدية عن فريق خاسر أو رئيسه ، ولربما كانت تزور المدينة بالغيظ بدلاً من الخير. بالإضافة إلى ذلك، فإن مفهوم معاقبة أسرى الحرب الذي يعتقده مفسرو اللعبة في القرن التاسع عشر الميلادي؛ ربما يكون هو مزيج من لعبة المايا في ملاعب الكرة وألعاب المصارعة الرومانية في الكولوسيوم . كما لم تتوفر إجابة قاطعة حول ما إذا كان الفائزون أو الخاسرون قد أرسلوا إلى حتفهم؛ لأن النقوش الموجودة غالباً ما تقبل كلا التفسيرين . كما يعتقد بعض كهنة اليوم من المايا المعاصرين (الشامان) ؛ أن الفائزين قُتلوا ولكن لايُعرف فيما إذا كان هو الخيار المُتبع أم لا، حيث لا تتوفر دراسة مستفيضة في الوقت الحاضر عن هذا الجانب في العقيدة المايانية .

پوپول ڤو
إن أهمية لعبة لعبة پوك ـ آ- توك كطقوس دينية تتجلى بوضوح في الـ پوپول ڤو. ففي هذا النّص، يعتبر الإلهان الأوليان "هون هوناهپو" و"ڤوكوب هوناهپو" (اللذان يرمزان إلى الكواكب والخصوبة) من لاعبي پوك ـ آ- توك المتفوقين . وكان استمتاعهما باللعبة والجلبة التي يحدثانها أثناء ممارستها ؛ ذلك ما أغضب آلهة شيبالبا الذين دعوا الأخوين إلى العالم السفلي بحجة اللعب ضدهم في إحدى المباراة ؛ ولكن بمجرّد وصول الشابين إلى شيبالبا، تعرضا للخداع و القتل ، و دُفنت جثتيهما تحت ملعب الكرة ، حيث وُضِع رأس هون هوناهپو داخل جذع شجرة الـ كالاباش كتحذير للآخرين من قوة الـ شيبالبا. وهذا الرأس (الذي يحرّكه الشقيقان وهما في مدفنهما) يبصق بعد حين في راحة يد الإلهة العذراء "إكسكويك" وتصبح حاملاً بالولدين المعروفين باسم التوأم البطل "هوناهپو" و "شبلانكو"، وكلاهما أيضاً من لاعبي الـ پوك ـ آ- توك المتمرسين، الذَين هزما آلهة شيبالبا وقوى الشّر والظلام .
من سياق مباراة اللعبة إذن؛ كان المايا يعيدون خلق انتصار التوأم على الموت ، ومن ثمّ يكرّمون الآلهة بالتضحية. وقد كتب خبير شؤون المايا "دينس تيدلوك" مايلي : "بالنسبة للمايا، فإن وجود بُعد إلهي في سرديات الشؤون الإنسانية ليس خللاً بل هو ضرورة، و يوازنه من الجانب الآخر بُعد بشري ضروري في سرديات الشؤون الإلهية." ( پوپول ڤو ص 59). وكان البعد الإلهي في لعبة الـ پوك ـ آ- توك متعدد الطبقات، ومثل أي شيء آخر في عقيدة المايا، فإنه يعكس أهمية الآلهة في حياة الناس اليومية.

الطبيعة الدورية للوجود
إن المعتقدات الدينية للمايا كانت مرتبطة بشكل معقد بدورات، سواء كانت دورة يوم أو طقوس تؤدى أو مباراة كبرى للكرة . وكان الوجود كله مستمراً إلى الأبد في دورة الزمن الكبرى . وقد تم توضيح ذلك من خلال التقويم، سواء كان التقويم علمانياً أم دينياً. وكان المايا يتخيلون التقاويم على أنها دواليب كبيرة ذات أسنان متشابكة تضرب بانتظام ودقة. وإذا فهمناها على النحو الصحيح، فإنها تمكّن المرء من التنبؤ بالأحداث المستقبلية. وقد قيل الكثير مؤخراً عن تنبؤ المايا المزعوم بنهاية العالم في الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 2012 ميلادي . ولكننا نكرر؛ فقد كان ذلك بسبب تفسير معتقدات المايا من خلال مفهوم غربي أوروبي . وبما أن الزمن هو إله أبدي مرتبط بالكون وخارجه ويتجلى من خلاله؛ فإنه بالنتيجة لا يمكن أن ينتهي أبداً. وأن العالم الذي جاء إلى الوجود من خلال عامل الزمن كما يمثله الآلهة لا يمكن أن ينتهي أبداً أيضاً، لأن هذا من شأنه أن يتناقض مع طبيعة الوجود ذاتها كما يفهمها المايا. ويمكن اعتبار تاريخ 21 ديسمبر من عام 2012 ميلادي ؛على أنه ببساطة كان نهاية لدورة واحدة (المعروفة باسم باكتون) وبداية لدورة أخرى، لأنه بالنسبة للمايا، لا توجد نهاية لأي شيء؛ فقط التغيير المستمر من خلال الدوران الأبدي للزمن .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلير گبسون ـ الحياة الخفية للمايا القديمة ـ ساراباند للنشر ـ 2010 .
ليندا سيشل & پيتر ماتيوس ـ قانون الملوك: لغة المعابد والمقابر المقدسة السبع للمايا ـ سكربنر للنشر ـ 1999 .
جورج . إي . ستيوارت ـ ممالك المايا المفقودة ـ ناشونال جيوگرافي سوسايتي ـ 1993 .
دينس تيدلوك ـ پوپول ڤو: الطبعة النهائية للكتاب الماياني عن فجر الحياة وأمجادها ـ تاچستون ـ 1996 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل
- دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
- نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
- العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
- نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة
- الدفن في بلاد الرافدين القديمة
- كذبة أفلاطون في الروح
- الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
- الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
- ثورة العمّال اللودّيين
- مَن هم شعوب البحر ؟؟
- الأعياد في بلاد الرافدين القديمة
- الحكومة في بلاد الرافدين القديمة
- النساء العالمات في ثورة العلوم
- قصة الوسيم نارسيسوس (نرجس)
- دعوى استئناف لإمرأة سومرية أمام محكمة في مدينة أوما
- هيبي إلهة خلود الشباب
- كيف كانت التجارة في بلاد الرافدين القديمة ؟


المزيد.....




- بحيوية ومرح.. مسنة تحتفل بعيد ميلادها الـ107 محاطة بالأصدقاء ...
- ترامب: أعتقد أن نتنياهو -لا يستمع على الإطلاق- لنصائح بايدن ...
- نتنياهو يقترح اسمًا جديدًا لحرب إسرائيل في غزة بدلا من -السي ...
- الجيش الإسرائيلي: لواء -جولاني- فقد 92 من مقاتليه خلال عام
- بعد الدمار الهائل.. فرق إنقاذ دولية تصل إلى البوسنة لإزالة ا ...
- مصر.. سائق يتحرش بابنة سفير إحدى الدول والأمن يتحرك
- نوع من المكسرات مفيد للأمعاء
- كلمة مصورة للناطق باسم -كتائب القسام- في الذكرى السنوية الأو ...
- عضو كتلة -الوفاء للمقاومة- أمين شري لـRT: إسرائيل فشلت في تح ...
- مشاورات أمنية عاجلة ونتنياهو يعلن اسما جديدا لحرب غزة


المزيد.....

- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر