|
دور الإصوليات الدينية في إدارة الصراع السياسي:
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 00:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عودة الأصوليات الدينية: الأصولية هي اصطلاح سياسي فكري مستحدث، يشير إلى نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نابعة عن قناعة متأصلة أو إيمان بفكرة ما تمثل في النهاية منظومة قناعات، تكون في الغالب تصورا دينيا أو عقيدة دينية. والأصولية عنوان كبير ومثير للاهتمام، وتكاد أن تكون لفظةً انطباعية لأن الأصولية تسمية معقدة ومبهمة وغامضة وملتبسة. وتعبر عن موقفا رجعيا لايماشي الحداثة ويمتاز بالجمود والشكلية، ويرمي الى استنساخ أنماط حضارية عف عليها الزمن ولاتقبل الحوار. ويكتسب تعبير الأصولية اليوم معنى سلبي، إذ كثيرا مايكون في خلفية مستعمليه التشدد والإستعلاء والإرتباط بالعنف والربط بين ثلاثة مصطلحات: الأصولية والسلفية والإرهاب. أولا: الأصولية الإسلامية: عُرّفت الأصولية الإسلامية بوصفها حركة للإصلاح والصحوة يقودها مسلمون يهدفون إلى العودة إلى الكتب المقدسة في الإسلام. والأصوليون الإسلاميون يرون أن البلدان ذات الغالبية المسلمة يجب أن تعود إلى أصول الدين، المتمثلة بدولة إسلامية تُظهر جوهر نظام الإسلام من نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويميل الأصوليون الإسلاميون إلى تفسير حرفي وأصولي للمصادر الأساسية للإسلام القرآن والحديث والسنة. ويرون في مصطلح الأصولية الإسلامية تعبيرًا ازدرائيًا ويرفضون استخدمه، وخلال التسعينيات من القرن العشرين استُخدم مصطلح الأصولية كمرادف للوهابية نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب. ومن بين الأصوليين الإسلاميين سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وعادة ما وُصفت الحركة الوهابية وتمويلها من قبل المملكة العربية السعودية بأنها مسؤولة عن الشعبية التي تتمتع بها الأصولية الإسلامية المعاصرة. ويرى المؤرخ الأمريكي إيرا لابيدوس الأصولية الإسلامية بأنها تعبير شامل لمجموعة واسعة من الحركات، بعضها متعصب وإقصائي، وبعضها تعددي يميل إلى العلم وبعضها معاد للعلم وبعضها تعبدي بشكل رئيسي وبعضها سياسي بشكل رئيسي، بعضها ديمقراطي وبعضها استبدادي، بعضها سلمي وبعضها عنيف. وتحلم الأصولية الإسلامية بالعودة إلى دولة الخلافة –العثمانية- التي ظلت لمدة أربعة قرون من التخلف والجهل والاستعباد والعزلة، فى ظل مؤامرة على تقسيم الشرق الأوسط من قبل الإصوليات الدينية، والانجرف الى مستنقع الصراع والاقتتال والانقسام وفقدان الهوية، والتقهقر والرجوع الى عصور التخلف والانهيار الاقتصادى وتوقف الزمن، من خلال نشر الفوضى في ربوع البلاد. ثانيا: الاصولية المسيحية: هي مصطلح يستخدم لوصف التقيد الصارم بالمذاهب المسيحيه استنادا إلى التفسير الحرفي للكتاب المقدس. فهي تعبر عن حركة داخل الكنيسة تتمسك بأساسيات الإيمان المسيحي. والحركة الأصولية المسيحية تأتي جذورها من (كلية برنستون اللاهوتية) بسبب إرتباطها بخريجي تلك المؤسسة. وقد تم تقنين الأصولية في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 من قبل المسيحيين المحافظين – جون نلسون داربي، دوايت إل مودي، وارفيلد، بيلي صنداي.. الخ، هؤلاء جميعا أقلقهم تأثر القيم الأخلاقية بالحداثة والاعتقاد بأن البشر وحدهم وليس الله هم من يخلقون ويحسنون، ويعيدون تشكيل بيئتهم بمساعدة المعرفة العلمية، والتكنولوجيا والتجربة العملية. وبالإضافة إلى مقاومة تأثير الحداثة، كانت الكنيسة تصارع حركة النقد الألمانية التي كانت تسعى إلى إنكار عصمة الكتاب المقدس. وقد تمسكت الحركة الأصولية قدرا من التشدد للحقيقة، وهذا قاد إلى بعض الصراعات الداخلية. وظهرت طوائف وكنائس عديدة وترك الناس كنائسهم بإسم النقاء العقائدي. وتعتقد الأصولية أنها حارسة الحق، إلى حد رفض تفسير الآخرين للكتاب المقدس. وأنهم وحدهم أصحاب هذا الحق. وفي وقت قيام الحركة الأصولية، كان العالم يتقبل الليبرالية والحداثة والداروينية، وكان المعلمين– الكذبة- يغزون الكنيسة. فكانت الأصولية رد فعل ضد فقدان التعليم الكتابي الصحيح. والأصولية المسيحية في اصلها الحركي نشأت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، من أجل الدفاع عن العقيدة ضد تحديات اللاهوت التحرري. ويرى الكثيرون أن الأصوليين – كمتطرفين- يريدون ترسيخ دين للدولة ويفرضون معتقداتهم على الآخرين، ويسعى الأصوليون لحراسة الحق الكتابي والدفاع عن الإيمان المسيحي فهم يعتقدون أن الكتاب المقدس موحى به من الله، وأنه معصوم من كل خطأ، فهو (كلمة الله). ويشدد أصحاب هذا المذهب على الحقيقة الحرفية للكتاب المقدس، وتفسيره بشكل لفظي غير قابل للتأويل الأدبي أو التاريخي، ويرفضون نظريات التطور والارتقاء. وهذه الفصائل الأصولية في حالة نزاع دائم مع المجتمعات فهي لا تحترم القيم السائدة في المجتمعات الحديثة؛ فترفض المساواة بين الرجال والنساء، وتسلب أعضاءها حق حرية مغادرة الجماعة بعد الانتماء لها. كما أنها في جدل مستمر مع الكنائس الكبيرة حول الفهم الصحيح للمسيحية، وتزعم أن الكنائس الكبيرة تفهم الكتاب المقدس للمسيحيين فهما خاطئًا وأنهم وحدهم المسيحيون الحقيقيون. وتقوم الأصولية المسيحية على أساس الاعتقاد بأن الإنجيل يحتوي على إجابات حقيقية ومطلقة على كل الأسئلة الأخلاقية والعلمية والسياسية، وأن الإنجيل يحدد لهم اتجاه السياسة الصحيحة لبلدهم، كما يحدد القوانين الحكومية والقواعد الضرورية لحياة الأسرة والعلم.. الخ، غير أن غالبية المسيحيين لا توافق على هذا الفهم للكتاب المقدس، رغم أنه يمثل القاعدة الأساسية لديانتهم، لكنه ليس كتابا تعليميا يجيب على كل المسائل حول الكون. وتعتبر الأصولية المسيحية حركة سياسية بالأساس، لأن الأصوليين يحاولون تشكيل الدولة والمجتمع على نموذج ما يعتبرونه التزاما بقواعد الكتاب المقدس والإرادة الإلهية. ويريدون إنشاء علم بديل. ومن ثم، ترفض تقريبا كل الطوائف الأصولية العلوم الطبيعية وعلى وجه الخصوص نظرية التطور، كما ينفون وجود ظاهرة تغيير المناخ بواسطة الإنسان، ويمنع بعض الأصوليين أولادهم من حضور دروس المدارس الحكومية؛ بحجة أنها تدرس مبادئ غير أخلاقية ولا تحترم قناعاتهم الدينية. وبدأت المسيحية الأصولية في أواخر القرن العشرين تأسيس مؤسسات إعلامية؛ من أجل التبشير ونشر الأفكار الخاصة بها، وتمكنت من التغلغل في الحياة السياسية الأمريكية وأصبحت طرفا نافذا في اليمين المسيحي الأميركي. ورغم أن الأصوليين المسيحيين لديهم قناعات مشتركة، لكن لا توجد منظمة مشتركة لهم؛ فهم لا يمثلون كنيسة. بل، هي حركة كما لا يوجد لديهم قائد روحي يعترف به الجميع. وللحركة المسيحية الأصولية الأمريكية جذورا متأصلة فى التاريخ الأوربى قبل ظهورها بأمريكا فى بداية القرن العشرين، وهذه الحركة ترتكز علي عقيدة أصولية تمثلت فى العصمة الحرفية للكتاب المقدس، حيث فسرت الإنجيل تفسيرا حرفيا، ومن ثم أصبحت عقيدة تحول فيها اليهود من أعداء الله والمسيح إلى شعب الله المبارك، عقيدة أكدت على ضرورة عودة اليهود إلى أرض فلسطين، وبناء الهيكل، ووقوع معركة هرمجدون؛ كمقدمة لعودة المسي وبزوغ فجر العصر الألفى السعيد. وكانت البداية الحقيقية لهذه الحركة الأصولية فى الأربعينيات من القرن العشرين من خلال مؤسسات وشخصيات كان لها الأثر الكبير فى نقطة الانطلاق لهذه الحركة. وأخذت هذه الحركة فى الانطلاق حتى برزت بروزا حقيقيا منظما فى السبعينات من القرن العشرين، واشتدت شوكتها فى العقود الثلاثة الأخيرة، وبدأت فى تحقيق أهدافها التى تتفق مع أهداف الصهيونية. وهنا برزت الأصولية اليهودية كحركة سياسية. ثالثا: الأصولية اليهودية: تعتبر ظاهرة الأصولية اليهودية هي أكثر الاتجاهات تأثيرا وخطورة في إسرائيل. فتم اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، وأصبحت هناك موجة خطيرة تهدد إسرائيل والعالم بسبب نفوذ الأصولية اليهودية المتنامي في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أشار إليه إسرائيل شاحاك، ونورتون متسفينسكي في كتابهما، "الأصولية اليهودية في إسرائيل: رؤية ودراسة". إذ يشكلون حوالي 20% من السكان. والمتدينون قسمين: المتطرفون الحريديم (الأتقياء)، والمتطرفون القوميون. ويتوزع تأييد الحريديم السياسي على حزبين: "حزب الحريديم الأشكناز"، "حزب السفارديم (حراس التوراة) الشهير باسم (شاس)، أما المتدينون القوميون فينتظمهم بشكل أساسي الحزب الديني القومي (المفدال)، وهو الحزب الأنشط في مجال الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية. وقد أدى النجاح السياسي المدوي للحريديم في انتخابات 1988 إلى ظهور هؤلاء باعتبارهم قوة سياسية، تأكدت وترسخت في التسعينيات بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، ولفت ذلك الانتباه إليهم، خاصة في الولايات المتحدة، ومن خلال الاهتمام بالتعليم سيطر الحريديم على شبكات تعليمية كبيرة في إسرائيل، مما مكنهم من الانتقال من الهامش السياسي إلى قلب الحلبة السياسية والقدرة على التأثير. فكان التدين والفقر والتهميش من السمات الغالبة على اليهود الشرقيين في مرحلة التأسيس، بينما هيمنت العلمانية على الأشكناز، الذين شكلوا الطبقة الحاكمة والغنية والمتنفذة في الدولة الناشئة. هذا التمييز والإهمال شجع اليهود الشرقيين على إنشاء مدارس دينية خاصة بهم، شكلت فيما بعد قاعدة لحزب شاس الذي حصل على دعم مالي كبير استخدم في بناء المدارس، وتمويل المنقطعين للدراسات الدينية، وبناء مجموعات كبيرة من المؤيدين والمتطوعين في العمل السياسي لصالح الحزب.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبدأ تكافؤ الفرص:
-
تأثير الحرب في غزة على الاقتصاد المصري:
-
مفهوم دولة القانون
-
دور الإسلام السياسي في نشر خطاب الكراهية
-
اللوبي الإخواني داخل أوروبا:
-
جدلية الفكر والتكفير
-
الأمن الغزائي العربي في ظل التحديات الراهنة
-
أهمية التكامل الاقتصادي العربي
-
العقد الاجتماعي
المزيد.....
-
ماذا يحدث في دمشق بعد عملية طرطوس الأمنية؟
-
أذربيدجان تقيم يوم حداد وطني غداة مقتل 38 شخصا في حادث تحطم
...
-
لقطات جوية لشاطئ دينامو في أنابا بعد كارثة بيئية
-
سلطات البوسنة والهرسك تعتقل وزير الأمن
-
إغلاق مضيق البوسفور أمام حركة السفن
-
-كلاشينكوف- تختبر مسيّرة عسكرية ضاربة
-
في اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة واليون
...
-
القضاء الإداري يقبل طعن المبادرة ضد إلغاء انتداب موظفة بالمج
...
-
-يجب علينا ألا ننتظر ترامب لإتمام الصفقة مع حماس- - هآرتس
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع (صور)
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|