|
مجموعة شعرية
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 22:11
المحور:
الادب والفن
1 عشق على حافة الكون
في ليل يكتسي بعباءة النجوم، أجلس على حافة الكون، أراقب انفجار الشهب وأنتظر وجهك ينهض من ضباب الغيب.
من أنا بعد صوتك الذي ينحت الحجر؟ من أنا بعد ندى أناملك الذي يعيد إحياء الوردة الذابلة؟
نلتقي في عتمة الأزمنة القديمة، لا نسأل عن الطريق ولا نحصي خطانا، نمشي بلا أثر، بلا وجهة، نترك قلوبنا مفتوحة ككتاب لم يكتب بعد.
إن كنت حقًا تنبض بي، ارسمْني طائرًا من نار يحلق فوق بحر النسيان، اكتب لي قصيدة تضيء ما بين السطور، تزينني بجناحين من حلم.
إن كنتِ حقًا تحبينني، اجعليني نهرًا ينساب في مملكة عينيك، احفري اسمي على جبل من ياقوت، وامزجي دمي بألوان قوس المطر.
حين تلتقي أنفاسنا، يشتعل الكون ويتحول الحزن إلى زبد على شواطئ الفرح، نتعرى من وجوهنا القديمة كما يتعرى الحقل من سنابل الصيف، وننسى أسماءنا بين ضفائر السحب.
تقول لي: “خذني إلى مدينة لم يحرقها الوقت، إلى مرفأ يبحر منه القلب دونما عودة، لنحفر على أبواب الليل شعاراتنا، ونترك للعالم أثرًا لا يزول.”
أقول لها: “امنحيني فرصة الهروب من جاذبية الأرض، لنعلو معًا فوق طاولة الزمن، ونحرر المسافة بين الكلمات، كما يحرر الضوء المسافة بين العتمة والنهار.”
نحتضن الريح حين تعصف بنا، نغزل من خيوطها أثواب أمل، ونتراقص تحت مطر الأحلام.
نترك حبنا على حافة الجنون، كما نترك أثوابنا ملقاة على غصن الحلم.
لو كان لي أن أكون شمسًا، لأضاءت لياليك وأحرقت الشك من جذوره، ولو كان لي أن أكون قمرًا، لسرقت من وجهك سر البياض.
نبكي، لأن البكاء لغتنا الأخيرة في مواجهة الضباب، ونضحك لأن الضحك هو الضوء الذي يقودنا إلى سواحل الصباح.
هكذا نترك وداعنا عاريًا، كحقيقة الموج في عيني بحر، ونمضي... نمضي بلا ظل، إلى شارع لا يكتبه الزمان، لكننا نغني، ويرقص الكون على أنغام عشق لم يولد بعد...
نقف على حافة الوقت، أنت وأنا، نتحدى قوانين الجاذبية، نرسم للسماء خريطة جديدة، نتسلق الغيم، نركض على حبال النور، نفتح أبواب الليل ونغلق نوافذ الحزن، نجمع النجوم في سلال من الفرح، ونرميها في أعماق البحر.
سأكون الريحَ في شَعرِك، تحملينني على كتفيكِ كحلمٍ صغير، أُراقص ظلكِ على أرض لا تنام، ونبني قلاعنا من رمال الأبدية، حيث لا نهاية، ولا بداية، فقط نحن، وحبٌّ يتجاوز الزمان والمكان.
2
زهرة الوجود
في كونٍ مخفي، تتفتح زهرة تحمل سر الحياة، أوراقها مشبعة بضوء الأزمان، وتنبت في العتمة كالشمس.
كل بتلة وعد، لكل حلم بالحب والحرية، نابضة بألوان الفجر، تغمر الفضاء الأبدي.
يا زهرة الوجود الساحرة، لك رائحة النور والبدايات، تغتسلين في ندى الشوق، وترتدين ثوب الغيوم.
أنت مرآة الزمن، تنظرين في أعماقنا، وترين ما لا يُرى من مشاعر وغموض.
تدركين في صمتك معنى الحب والجنون، وتعرفين في لمساتك كيف تنبثق الحياة من الرماد.
أنت أغنية الصمت، تُعزف على أوتار الروح، تتراقصين على أنغام الوقت، وتذوبين في أغلال اللا نهاية.
يا زهرة من حلم قديم، تحملين حكمة الكواكب، وتنسجين خيوط القصائد من نسيج الليل والنجوم.
أنت رغبة الإنسان في الهروب من حدود الزمان، تبحرين في محيطات الفكر، وتسافرين في دروب الخيال.
منك انبثق الحرف الأول، وانتشرت الكلمات، كنور الفجر على الجبال، تغمر الأرض بالجمال.
يا زهرة تتفتح في قلبي، أنت سر الحب الخالد، أنت الفكرة التي تُولد مع كل إشراقة شمس.
أنت اللغز الذي لا يُحل، أنت الحلم الذي لا يموت، أنت القصيدة التي تُكتب بمداد الدموع والضحكات.
فليكن فيك العالم، قنديلًا للروح الهائمة، ونجمة للذين ضلوا السبيل، وضوءً لا ينطفئ في عتمة النفس.
3
صدى الخفاء
تحت ظلال النور المستتر، نبتت بذور الحكاية وسافرت خيول الرياح في سبات الزمان حملتْ في أجنحتها أسرار الوجود وظلال أجنحة لم تحلق بعد.
في الفضاءات الرحبة للأحلام تتكسر القيود من غير صوت يموج بحر الظلام وتنبت أسئلة بلا أجوبة.
من أين نأتي؟ وأين نمضي حين يتلاشى الخطو في الضباب؟ أي دربٍ يُفضي إلى الحنين وأي حنينٍ يُفضي إلى الدفء؟
تتراقص الفصول بلا مواسم وتنبت الأرض بغير خريف تطلُّ الشمس من خلف الجبال لكنها تغيب في أفقٍ لا يُرى.
في حنجرة الصمت نهمس بالأغنيات القديمة ونجمع الشظايا من زجاج الروح لنبني منها نافذة جديدة.
أنتِ يا نجمة بعيدة ترسمين لنا طرقاً لا تنتهي وتنسجين من ضوءك خيوط الرجاء نسافر بها إلى لا مكان.
أي أرضٍ تحتضن الغرباء؟ أي قلبٍ يخبئ في نبضه الحنين؟ كأننا نلتمس الدفء من بقايا رماد ونعانق الظل في ليل بارد.
نرسم على وجه القمر أماني مؤجلة ونكتب على النجوم قصائد بلا حروف تضيء لنا الطريق حين تخبو المصابيح.
بين الضحك والدمع تمتد مسافات من الصمت تتفتح الزهور على جدران القلب وتذبل قبل أن تلمسها الريح.
نحن هنا في زحام العابرين نسير بلا أثر نحن هنا في مهب الريح نكتب من ضوء الليل قصيدة بلا نهاية.
أيها الحلم الذي لا ينام خذ بيدنا إلى حيث يولد الضوء من رحم العتمة وحيث يحلق الطير بلا أجنحة في فضاء من النقاء والسكينة.
يا حلمنا الذي لا يشيخ احملنا بعيداً إلى حيث نبني من الأحلام مدينة لا تعرف الفراق.
وفي الفجر، عندما تعود الطيور نفتح نافذة القلب ونضيء المصابيح كي نرشد العائدين إلى الوطن المنسي.
لن نكون حجارة على جانب الطريق بل نورًا يمحو الظلام لن نكون غبارًا في مهب الريح بل صوتًا يردد نغمة الأمل الأبدي.
يا صدى الوجود انثرنا بذورًا في حقول النسيان كي ننبت من جديد حين يغفو النهار بين أحضان الليل.
يا بحرًا بلا نهاية نسافر فيك ولا نصل نغوص في أعماقك لعلنا نجد السر المكنون لكننا نعود بيدين فارغتين إلا من حفنة رمل وأغنية نسينا كلماتها.
نرسم أحلامنا على صفحة الماء ونكتبها بأجنحة النورس فنرى الكلمات تتلاشى قبل أن تقرأها النجوم.
يا وردةً تفتحت على حافة الهاوية يا طائرًا يحلق بلا أفق في سماء خياله الممتد هل تعرفان طريق الرجوع؟ أم أن السفر بلا عودة هو سر الحرية؟
في مدن الغياب تتساقط أوراق الحنين كأنها شظايا ضوء ترتسم على زجاج النوافذ تنتظر الأيدي التي لن تمتد والعناق الذي لن يأتي.
نحن هنا كالعابرين في أحلامهم نمر دون أثر نتعانق مع ظلال أنفسنا ونخفي وجوهنا عن المرآة كأننا نخشى أن نرى الحقيقة كأننا نخشى أن نكون حقيقة.
يا ليل العابرين في الفجر يا صبح الحالمين في الغروب نحن أطفال الوقت نلعب في حديقة الأيام نعد الثواني، ونرسم الساعات ولا ندري أن الدهر يمضي ولا نعلم أن اللعبة تنتهي.
أيتها الحياة، يا قصيدة بلا قافية يا رحلة بلا خريطة يا وردة بلا شوك ويا شوكة بلا ورد علمينا كيف نغني عندما تصمت العصافير وكيف نرقص على إيقاع الرياح.
يا نسيم الليل، اهمس في آذاننا أن العالم لا ينتهي أن الحلم لا يموت أن النور لا يخبو وأن الحب، حتى لو نسيه العالم يظل خالداً في قلوبنا يضيء الطريق للغائبين ويحملنا عبر مسافات البعد إلى حيث نلتقي في وطن الحلم.
نحن نكتب أسماءنا على جناح فراشة ونرسلها مع الريح نحن نغني للنجوم وننسى أن السماء بعيدة لكننا نؤمن أن كل حلم يبدأ بقطرة وكل نهار يولد من ليل وكل حكاية تُكتب من كلمة وكل قلب ينبض من نبضة.
يا لحن الخلود، غن لنا يا وتر الصمت، عانقنا يا دفء الشمس في برد الشتاء يا ضوء القمر في عتمة الليل علمنا أن الحب هو الجواب والأمل هو السبيل والحلم هو البوصلة التي تهدي السائرين في دروب التيه.
يا رحلة الألف ميل يا خطوة البداية نحن نسير فيك بقلوب مطمئنة وأيدٍ مفتوحة للغد نحن نسير فيك بشوق الغريب وعزم الحالم كي نصل إلى حيث نكون ونكتشف أننا كنا دائمًا هنا في حضن الحلم الذي لا ينام.
4
احب وحسب…
أحب حبًّا كالمحيطات، عميقًا لا يعرف الشواطئ، يسافر بلا خريطة، يأخذنا في رحلة بعيدة، يبحث عن القلب الذي يشتاق، ويعيدنا بأمان غير مرئي.
أحب حبًّا كالرياح، لا يهدأ ولا يستقر، يعصف بقلوبنا ليلاً، ثم يمضي ليلاً آخر، يجد السلام في صوت الريح، ويرى الجمال في أوراق الشجر.
أحب حبّ البحارة، يعيش في كل ميناء، يمضي وراء الأفق دائمًا، تاركًا أثرًا خفيًّا، ولا يعود أبدًا، باحثًا عن ميناء لا ينتهي.
أحب حب الغيمات، تمطر الخير في قلوب العطاشى، ثم تختفي بهدوء، تاركًة خلفها أثرًا من النعمة، وسماء تنتظر عودة المطر.
أحب حبّ الطيور الحرّة، تحلق بلا قيود ولا حدود، تجد في السماء وطنًا، وفي الرياح طريقًا، تغنّي للحب من جديد، كأنها تعزف على أوتار القدر.
أحب حبّ الليل الهادئ، حيث يلتقي العاشقون بالنجم، يكتبون قصصهم في العتمة، يضيئون الليل بالأماني، وتخبرهم النجوم عن أسرار الخلود.
أحب حبّ السحابة التي ترحل، تمطر على الأرواح بلا صوت، تروي العطش الخفي، وتنعش الزهور الذابلة في القلب، وتمنح الحياة روحًا جديدة.
أحب حبّ الصوفي، الذي يرى في كل وجه نورًا، وفي كل همسة صلاة، وفي كل لمسة عشقًا لا ينتهي، حيث يكون كل شيء ممكنًا.
أحب حبّ الوداع، حيث الكلمات قليلة، لكن العيون تتحدث، وتترك لنا قصصًا لا تنسى، تعانق الشمس البحر، وكأنهما يُودّعان بعضهما إلى الأبد.
أحب حبّ السراب، الذي يقودنا دائمًا إلى الأمام، يعلمنا أن الطريق هو الغاية، وأن الوصول هو في الرحيل، كحلم جميل نعيشه بلا حدود.
5
ملحمة الشوق
يا حبيبتي، يا ملكة الحُلم والجمال لماذا نشعر بالحيرة والاشتياق؟ كنا نعيش بين النجوم كالأطفال نجمع اللحظات كقطرات الندى حين شعرت أنفاسي بنبض قلبك عرفت أنني بلا همسك عارٍ وأنني بدونك مثل نهر بلا ماء.
أنتِ في ليالي الشوق أمسي وفي نهارات العشق صحوتي أنتِ النور الذي يضيء روحي والنار التي تشعلني بالحياة أنتِ في صدري لهفة العناق وفي عينيكِ سماء بلا حدود أرى فيها كل ألوان الفصول.
آه، يا أنفاسي العطرة يا لذة الشوق الأولى أنتِ الهمس الذي يشعل القلب واللمسة التي توقظني من سبات الصمت أنتِ النسيم الذي يعانقني حينما تقتربين، يشتعل الكون وأشعر أنني أعيش ألف مرة.
أنتِ في فراشي دفء الشتاء وفي حرارة جسدكِ وعود الربيع يا سيدة الليالي الساحرة يا قمراً ينير ظلمتي في حضوركِ تنهمر الأمطار والشجر ينحني من ثقل الثمار وأنا في عينيكِ أضيع وأجد نفسي.
دعيني أكون في شفتيكِ عطراً وفي يديكِ قصيدة حبٍ خالدة دعيني أكون في دفء جسدكِ سريراً وفي أحضانكِ أجد العالم بأسره أنتِ الحب الذي لا يشبع والشوق الذي لا ينتهي أنتِ سر لذتي وسر حريتي.
يا سيدتي، يا قبلة الروح والعمر حين ألمس جسدكِ أكتب نشيداً وحين تلمسينني يذوب جليد الأيام ويُشرِق الفجر من صدر الليل أشعر بكِ كالعطر الذي يغمرني وكالبرق الذي يشعل سماء قلبي أنتِ الحلم الذي لا يُطال، والرغبة التي لا تخمد.
أنتِ في دمي كالنار والندى تشتعلين في ليلي كشعلة لا تنطفئ وتغمرين صباحاتي بهدوءكِ أنتِ النشوة التي تسري في عروقي والسكينة التي تتسلل إلى روحي دعيني أكون لكِ كما أنتِ لي نبضاً لا ينتهي، وشغفاً لا يموت.
6
بين همسات الفجر
من حنين الغياب أتيت، من عبق الذكريات ومن صمت المساء، أنا مسافر في ليل الحكايات، أطرق أبواب الوجع والفرح بلا دليل.
أمشي فوق رماد الأيام، أبحث عن ضوء في زوايا الروح، كل نفس ألتقطه يحمل شذى حلم، لكني أختفي بين خطوات الأفق.
الوقت نهر لا ينضب، فكيف للأمل أن يطفو؟ أنا الزبد، وأنا التيار، أنا عالق بين عيون السماء وأعماق الأرض.
حلمت بعالم دون فراق، وبليل يحتضن سكوني، لكنني أستيقظ كل يوم على صوت المجهول يدوي في أعماقي.
أسأل الشمس عن معنى الشروق، وعن سر الليل الذي لا يزول، فتهمس لي بلحن هادئ: اكثر من السؤال.
أرقص على ناصية الحلم، ألامس الخيال في كل زاوية، وأدرك أنني، مهما بحثت، لن أجد الإجابة، ولن أبلغ المستحيل.
أنا من ظل الفجر استرق أجنحة، ومن غيم النهار أستلهم رؤيا، أنا مسافر، والماضي يطاردني والحاضر يمتد كطريق بلا بداية أو نهاية.
انا مجرد حالة تخط بقايا الحياة على جدار الصمت، أنا راكب على سحابة اللا وقت، يخشاني النسيان، وتعشقني الذكرى.
أسترق السمع لنبض الريح، أرتوي من سكينة الليل، أطوي مسافات الزمن في قلبي، وأجمع شظايا الأمل بين اضلعي.
أُبحر في بحر من العشق، أُداعب أمواج الشوق والحنين، كل أمنية هي حكاية، وكل حكاية هي تجلي.
أسأل الامل عن ملامح الرجوع، وعن دروب اللقاء المنتظر، فيجيبني الصدى بأغنية: "أنت، يا عابر السكون، وُلدت لتبقى في الرحيل."
فأمضي بين طيات الأفق، أزرع حلمًا في كل خطوة، أُلامس حدود الحاضر، وأحلم بغدٍ لا يعرف حدود.
من دموع الفجر اكتب أغنيتي، ومن أنين الرياح أستلهم صوتي، أنا نبض يتردد بين قلوب العاشقين، يمتد كوشاح من ضوء وحنين.
هل انا مجرد سحابة؟ تمطر أماني في أرض الذكريات، ام راقص بين ثنايا الحلم؟ أخشى الانطفاء، وأعشق الأبدية.
أحيا في ظلال الكلمات، أُقلب صفحات العمر بيدٍ من وهم، أبحث عن ذاتي في أعين السماء ، وأجدني في عمق الحروف.
فإذا ما جاء الليل بخطاه الهادئة، أطفئ شموع النهار بين أضلعي، وأناجي النجوم بأنغام البقاء، أنا لاطيء في سرادق الخوف، أخشى الخروج، وأعشق الرحيل.
وفي لحظة من غفوة النجوم، أسمع همسات الكون تتلاشى، كأنها تنثر أسرار الخلود، في فناء الزمن حيث لا زمن.
أُسافر في عيون السكون، أقلب نبضات الشوق في صدري، كل رعشة هي وعد جديد، وكل وعد يحملني لعالم بعيد.
أتساءل: هل نملك حق البقاء؟ أم نحن طيف عابر في ليالٍ مقمرة؟ فتجيبني الريح بنغمة عذبة: "أنت، يا عاشق الضياء، خُلقت لتضيء."
أُطل من نافذة العمر، أرى أطياف الذكريات تحلق، تغني لحن العودة بلا صوت، وتعزف أوتار الأمل في ليل بعيد.
أنا شعاع في حضن الظلام، أُضيء حين تغيب الشمس، وأحلم بسماء من ألوان، تمحو غبار الأيام وتعيد النبض للحياة.
فإذا ما اشتدت العتمة في داخلي، أُشعل شمعة الحب بين أضلعي، وأدعو الصمت ليكون رفيقي، فأنا السائر بلا درب، والعاشق للحظة اللقاء، أخشى الوداع، وأعشق البداية.
7
بوح الأرواح
تركت أثقال الأيام عند بوابة السراب سرت في صحراء الذاكرة بحثًا عن نبع يروي الروح
رفعت ناظري إلى ليل خالٍ من النجوم أتلمس سماء منسوجة بأنفاس الطمأنينة
هناك، بين الصمت والحلم انبثق ضوء عابر يكشف عني تفاصيل الخفاء
في عمق الحكايات انبسطت أرض خضراء تغرس فيها الذكريات جذورًا لا تنتهي
البذور التي نثرتها نبتت أنغامًا من أمل وأزهرت في القلب أشجارًا من اليقين
الزمن لا يعدو إلا وهجًا يخبو ويضيء لكن في داخلي وجدت الوقت يتمدد بلا قيود
في بحر الذات ترتفع أمواج التساؤل وتغمرني أفكار تطفو على سطح الوجود
المطر ينهمر من غيمات الشوق يغسل عن روحي غبار الأيام يكتبني من جديد على صفحة الحياة
الأحلام تسافر في مراكب النسيان تعود محملة بأسرار الفجر وصدى الأغنيات
يا شوقي إلى المدى يا وجعي المكتوم أنت البوح الذي ينفث النور في زوايا الظلمة
أنا نجم في سماء الحيرة أدور حول نفسي باحثًا عن مدار ينساب فيه نور الحقيقة
أغرس في دروب القلب زهورًا تنبثق من الفجر ألوانها تشرق بأنغام الرضا
أحيا في عالم بلا جدران أقتفي أثر الرياح وأتنفس حرية بلا حدود
أشتعل بنار بلا ألسنة أنير دربي بوهج السرائر
رب فجر يشرق علي رب ضوء يهديني لكنني، في قلب العتمة أضيء بنور صاغته الأحلام
تركت أثقال الأمس عند باب الغياب وحين عدت وجدتني كلي هنا والسلام يحيطني كغيمة رقيقة وظلي يحتضنني.
في عالم بلا مرآة، حيث تختفي الأسماء وتذوب الأزمنة في فضاء لامتناهي،
أرى مدنًا من خيال تنبض بالألوان شوارعها لا تنام تحت ضوء قمر أبدي
هناك، في ذلك البُعد البعيد ألتقي بنسخة مني لا تعرف القيود
أطير معها فوق غاباتٍ من الحلم أعانق غيومًا تحملني إلى سماوات لا تُحدّ
في عينيها أقرأ حكاياتٍ لم تُكتب بعد وأسمع أصداء لحروفٍ لم تُنطق
نسافر سويًا إلى مدنٍ صاغتها الأماني نرسم على جدرانها لوحات من النور
وهناك، في ذلك العالم أجد السلام يرتدي جناحين يحملني إلى ضوءٍ لا يفنى.
8 في حضن العدم
أين يموت الضوء؟
في حضن العدم،
تتساقط الأحلام،
كسقوط النجوم،
من مرآة السماء.
تسألني
من أنا؟
وجه منسي،
أم ظل بلا ذاكرة؟
بقايا صلاة،
ضاعت في الريح.
خطى تتردد،
في صمت اللاوعي،
كوتر مكسور،
يعزف نغمة النسيان.
أبحث عني،
بين الأشواك،
في بستان روحي،
أسئلة بلا إجابة،
تزهر كالوجع.
الكون مرآة،
كل وجه فيه،
انعكاس لآخر،
وأنا
انعكاس الفراغ.
في عيني ليل،
يخفي صدى الصلوات،
ويمحو الحدود،
بين الحلم والحقيقة.
أمشي بلا وجهة،
كالرياح بلا وطن،
أعبر الأفق،
كطائر بلا أجنحة،
لا تطفئني الكلمات،
ولا تهدئني المعاني.
لكل حرف هاوية،
ولكل صوت،
صرخة في صمت العالم،
أيها الأصدقاء،
هل تعرفون وجوهكم؟
في ظلمة الغياب، نحن هباء،
يكتب بيد خفية،
العالم لوحة،
والألوان
من عيونكم تفيض.
أنا وأنت،
وهذه اللحظة،
قصة تعاش،
ولا تقرأ.
فوق البحر القتيل،
تسير الأماني،
كأصداف بلا صوت،
تغرق في رمال النسيان.
أرى في الأفق شبحاً،
يسير وحيداً،
يبحث عن ظل،
ليحتمي من لهيب الذاكرة.
هل نعود للطفولة؟
حيث الضحك بلا أسباب،
والبكاء بلا جراح،
وحيث الأيام
لا تعرف معنى الرحيل.
في كل شروق،
أمل يولد،
وفي كل غروب،
حلم يموت،
وما بينهما،
نبض لا يفسر.
الحب نهر،
يجري بلا ضفاف،
نقفز فيه،
بحثاً عن ضفة أمان،
لكننا نغرق،
في تياره العميق.
الليل سجادة،
مطرزة بالذكريات،
والقمر شاهد صامت،
على أوجاع القلوب،
وأحلام العابرين.
الوقت سيف،
يقطع كل شيء،
حتى الذكريات،
فكيف نهرب؟
من سجن بلا جدران؟ عندما تصير السماء،
مرآة للأرض،
تختفي الحدود،
ويصبح كل شيء،
قصة تروى،
بلا بداية أو نهاية.
نحن سفراء الليل،
نحمل أسراره،
ونرسم بأيدينا،
خارطة للضوء،
في عالم يغط في الظلام.
في النهاية،
لا شيء يبقى،
إلا لحظة الصمت،
حيث يتجلى الوجود،
في عين تغمض،
لترى الحلم.
9
نبض التماهي
في غياب الشمس ينسحب الضوء خلف أفق الحياة
تتحول الظلال إلى مرايا تعكس رؤى العابرين
يقترب الليل كغريب بلا وجه يتقمص أشكالاً كقناع يخفي سر الوقت
أرى في صمت الأفق أرواحاً تصعد كأبخرة من أعماق الأرض كل منها يبحث عن بعد مفقود عن جنة خلف قوس السماء
أرواح تلهو بالألوان تتراقص في نبض النجوم تعزف بأوتار الصمت لحناً للخلود
أمشي في طريق مزدحم بالوجوه لا أرى إلا انعكاساتي غرقى في بحيرة الوجود
وجوه بلا ملامح صدى لصوت لا صوت له تعيد ترتيب المعاني في رقصة بلا شريك
وفي غفلة تعيدني الروح إلى كينونتي كما يعود الزورق إلى الشاطئ بعد التيه
أكتشف في السكون أنني من نسيج الرياح أنفاس تندفع في مسالك الوجود وبياض ينهمر كزخات الحلم في ليالي النسيان
أيها الظلام الذي يحجب الطريق أعلم أن خلفك شمس لم تولد بعد وأن ما تراه عيناي ما هو إلا بزوغ لصباح قادم
أنا كالنجم في الفضاء أبث النور رغم المسافات أرنو إلى غد لم يكتبه الوقت بعد
دعني أهيم في الصمت وأغزل من خيوط الحلم أجنحةً تعانق المستحيل
في حضرة المجهول أكتسب وجودي أصير نغمةً تتردد في أبدية الكون شاهدةً على انصهار الأزل في لحظة حيث يتماهى الإنسان والزمان والمكان
10
رحلة الروح
هربت من ظلي من قدري العالق بين طيات الزمان
صعدت إلى سماء لا تعرف الحدود
هناك، في بريق القمر البعيد رأيت طفولتي تمد يدها لي
في بساتين الأغنيات الزمان ينحني نهرًا من ذاكرة بلا وجهة
الحبة الأولى تنمو أشجارًا من ضجر وأمل
الذكرى تحيا دون حروف دون لغة
في أعماق البحار أرى وجهي الذي غاب
المطر يغسلني يكتبني على السماء ثم يمحوني في صمت مطلق
القصائد تصرخ أسماء بلا معنى صور تتلاشى
يا حلمي الوحيد يا ألمي أنتَ السرّ في حجر الزمن
أنا ظل في فضاء يتسع
طير بلا موطن أبحث عن سماء لم تخلق بعد
أزرع حدائق في قلبي ألوانًا تنفجر من الليل
أطير في كون بلا أفق أعيش موتًا متجددًا
حرية بلا قيود نور بلا مصدر نار بلا لهيب
رب بحر ينتظرني رب شمس تضيء لي طريقًا
لكنني في أعماق حلم أضيء بنور من رماد روحي
هربت من ظلي من قدري
وحين عدت وجدت وطني في أعماقي والأمل ينتظرني وظلي يبتسم
11
راقص فوق حافة الزمن
انا من صدى الليل اتيت، من بئر الاحلام، من ضوء القمر، انا زائر في قصص الحياة، انا حرف بلا مكان، وبلا وجه يُستدل.
امشي في دروب لا نهايات لها، ابحث عن نفسي في مرايا الغرباء، كل وجه اقابله يحمل جزءا مني، لكني لا اجدني الا في اللاشيء.
قالوا: الزمن بحر عميق، فكيف للريح ان تقترب؟ قلت: انا الموجة، وانا الريح، انا حبيس بين زرقة وشعاع.
حلمت بسماء بلا حدود، وبارض تحتضن خطاي، لكنني افيق كل يوم على ضجيج الصمت في اعماقي.
اسال الغيم عن سر المسير، وعن معنى الطريق الذي لا ينتهي، فيضحك ويهمس لي: انت، يا عاشق المستحيل، خلقت للسفر.
واذ ارقص فوق حافة الزمن، المس الغياب في كل مكان، واعرف انني، مهما رحلت، لن ابلغ النهاية، ولن اجد الامان.
انا من هوامش الوقت اسرج نورا، ومن قطرات المطر استقي رؤى، انا عابر، والماضي خلفي يمتد كظل في شمس الابد.
انا ما انا، مجرد طيف ينحت الفراغ بازميل السؤال، انا راقص فوق حافة الزمن، اخشى السقوط، واعشق الطيران.
12
يا سيدة الحلم
أيا غابة الليل، يا زهرة الصبح يا موسيقى الأمل في عزف الرياح أتساءل كيف استوطنتِ نبضي وكيف صار لحديثك صوت الفلاح؟
أنتِ حلمي الذي ما استفقته أبدًا شمس لم يغب ضياؤها عن مقلتي وسلام سكن في أعمق فوضاي وكل ضجيج الدنيا هدأ بين يديكِ.
أيا امرأة تقطف من السماء نجومًا وتنسج من نسيجها فساتين الضوء حين ألقاك، يمحو وجهك كل الذنوب وتصير خطاياي وردًا في كفي.
أنتِ يا امرأة ولدت من رحم الحلم كل النساء أنتِ، وكل حب قبلك كان انتظارًا لقدومك العظيم كل تاريخ قبلك، كان صفحة بيضاء وكل قلب قبلك، كان حجرًا في الطريق.
يا قصيدة تُكتب بدمع الشغف يا غناء يُسمع في عمق الليل يا شجرة الياسمين التي تُزهر في قلبي، يا حبًا في القلب يضرم.
إذا كانت النجوم تحكي أسرار السماء فأنتِ سر الأرض والبحر والعطاء أنتِ البداية والنهاية، فيك التقت كل الطرق، وذابت حدود الأشياء.
يا امرأة غزلت من شعاع النور ردائي يا من تمشي بين الغيم والندى كيف صارت قصائد الشعر قبلك؟ وكيف صار الكلام دون عينيك؟
أنتِ العطر الذي يُسافر في الغيم لتسكن في كل زهرة وأغنية أنتِ البئر العميقة التي أرتوي منها وأنت النهر الذي يجرف آلامي بعيدًا.
إذا كانت القصائد خلقت لك، فأنتِ القصيدة التي لم تُكتب وأنت الحلم الذي لم ينتهِ وأنت الغاية، والنبض، والعشق الأبدي.
13 اغنية مغترب
حتّى الرياح تشهق في الليالي الباردة ساحزن يا حبيبتي إن لم تظلليني في الصيف وتؤرقيني في الحلم كي اضيع في عينيك واذوب بدوي صمتك
سأحشو قلبي بالحزن وأزرع في أرجاء العالم زهرة حمراء إذا لم تعطيني جناح فراشة وعاصفة حنان لأحلق بعيدًا وقوس قزح من العندليب لأعود إليك
حتى النجوم تبكي في الليالي المظلمة عندما أنظر إليها بشجون آه، لو أن الزمن يأخذ من روحي ما تأخذه الموجة من الشاطئ وما تأخذه الريح من الأشجار لأمسيت طفلاً صغيراً يلهو بظلّ والدته على الجدران ليحرق الظلام ويصنع من نوره أغنية للعالم الذي لا يعرفني
عمرا كاملا لم أمسح دمعة ولم أقتف أثر الحنين في صفحات الماضي لم أرفع يدي نحو سماء تحتويني
عمرًا كاملًا لم أسمع نشيد بلادي يرتجف في صدر الرياح وأنا أرتجف وحيدًا في عتمة الفجر أبحث عن وطن يضم غربتي أرسم في خيالي خارطة حلم وأغني بصوت مبحوح يا وطنًا يسكن أحلامي... يا وطنًا من رماد...
لربما يظهر في الأفق نور فانوس بعيد يلوح كصوت يهمس: تعال … وربما يطير الصدى كطائر من فضة حيث يلتقي الحلم بالنجوم وتنمو من الرماد ورود الصباح…
14
نبضٌ بلا صدى
في بطن الليل، حين تسكت الأصوات وتنطفئ المدينة كأنها سراب تاه في الصحراوات ينطلق شعري من رماد الخيال كطائر الفينيق يجتاح السماء بلا أجنحة ولا نداء يرفع روحي من بئر العدم وينسج الضوء من حبر الدجى والعتمة
أبحث عن وجه لم يمسه الزمان عن بحر لم يطأه السفار ولا غاص فيه غريب أريد لغة لم يلفظها أحد قبل هذا المساء وأغنية تعزف على وتر لم يُصنع بعد كي أهديها لعينيك وألون بها مسافات الليل في أعماقي
كم حلمت أن أجد شجرة في قلب الريح تورق بلا جذور وتزهر بلا فصول تظلّلني من حرائق العالم وضجيج الطرقات وتحميني من قسوة الكلمات التي تجرح شفاهي
وفي صمت الليل، تهمس الرياح بشيء كأنها تخبرني بسر لا يُقال ولا يُباح عن حب لا يموت ولا يفنى عن قلب ينبض بلا صوت ولا دموع يا ليته كان لي، ذاك الحب الخالد وذاك النبض الذي لا يسكن ولا يهدأ
فيا نجوم السماء، كوني لي شاهدا على قصيدة لم تُكتب، وحديث بيني وبين الليل لم يُقل هنا حيث يجتمع الشوق والحنين ويتحد الصمت بالنغم المستحيل أكتبها لك، يا كل الكلمات أكتبها لك، يا كل القصائد والأشعار
15
سفينة الضوء في متاهات الزمان
تحت قمرٍ يتسلل من بين السحاب،
أمشي على خيوط ضوءٍ قديمة،
حيث تتناثر الأحلام كغبار نجم،
وتنساب ألحان الزمن في الفضاء اللامتناهي. أرى مرآة الأحلام تتلألأ،
تغمرني بألوانٍ لا تنتهي،
وفي كل شعاعٍ، أعثر على قصصٍ خفية،
سجلات الأرواح التي عانقت الأبد. تسكن الأضواء في ظلام الغموض،
تتراقص الأحلام على حافة الفناء،
كل نغمة تعزف بصرخة الصمت،
وفي عتمة الأفق أجد نجم الأمل. في أفق الدروب المتعرجة، همست الأسطورة: "هذا أنت، لمحة في ظلال الأزمان."
تشرق السماء، نور خيوط يُسافر نحو الأفق،
نسيم عابر يحملني إلى غيمات سحرية. لا أحلام تسكن هناك، بل أفقٌ مفتوح،
أرتفع، أبتعد، أعيش لحظة خالية من الكثافة،
صرت ما كنتُ أطمح إليه في الفضاء اللامتناهي،
ومع كل شيء حولي يتلألأ بنقاء غير محدود. الموج يرقص مع الغيم فوق قمة الزرقة الأبدية،
وما من لون يعبق هنا، في سكون الأفق،
أتعرف على وحدتي الجديدة، أصوات بعيدة تُنادي،
لكنني لم أكن في الأصل. أزمنة قديمة تروي قصة سفرٍ لا ينتهي، وحدي بين أبيض وأزرق، لا صدى يسأل:
"كيف قضيت أيامك في تلك الأرض البعيدة؟"
لا عاطفة، لا ألم، لا حلم يستقر في الروح. لم أجد إجابة على الأسئلة التي تملأ الفضاء،
كل شيء هنا غامض، لا تفاصيل، لا أثر للزمان،
كأنني عشت قبل هذه اللحظة، أو ربما لم أُولد بعد،
رحلة مجهولة إلى ما هو أبعد من الفهم. في النهاية، لن أكون سوى فكرة تُطرح، سأصبح جزءاً من الأفق، سيتداخل في زوايا الزمن،
وربما يوماً ما، سأدرك معنى الانتشاء،
وسأصير فكرة تُذْكَر في محيط الأبدية. في متاهات الزمن اللامنتهية، أضيع،
لا سيف يحطم العزلة، ولا مكتبة تمنح دفئها،
كما القمر الخافت على بحر متلاطم،
لا انتصر عزيم، ولا تاهت المبادئ في الصحراء. سأصير يوماً ما ما أطمح إليه، طيفاً يرقص في فضاء السراب،
كلما احترق قلب الجناح اقتربت من نور الأبدية،
وانبثق من الرماد، أنا سيرة الحالمين. قد رحلت عن جسدي، وتخلَّيت عن نفسي،
لغوص في رحلة المعنى، وأُبَدل أجزاء الغياب برؤية جديدة،
أنا الغياب ذاته، أقام في السحاب،
سأصير يوماً ما ما أريد، سأصبح نجم شفق. فليعش بيننا هذا الصيف، وليشرب القمر عبق الياسمين، أنا الرسالة والمرسل، الكلمات والصوت،
سأصبح يوماً ما ما أريد،
"هذا أنت"، قالت سيدة في نورها المتلاشي. "احفظ نفسك بحب"، لا تتغير عليها،
كن صديقاً لها في الأفق،
الزمن لم يبدأ بعد، والطريق لم ينتهِ،
لم يبلغ الحكماء مستقرهم، ولم يصل الغرباء إلى حكمتهم. سنكتشف يوماً زهوراً جديدة،
سنرتفع نحو أسوار المعاني،
أرضي مثل قصيدتي تنبض بمعنى الأبد،
لن يجدي الكلام، لأنني غريب بين المدى والأرض. غنيتُ لأسبر غور أنين الماء، لا لأشرح ما تقوله السماوات،
أستمر كغريب بكل لغتي،
حتى أتحرر من تعبيرات المراحل الأخيرة. قد أكون هوية تتجلى في بُعد عدم،
كلما بحثت عن نفسي وجدت الآخرين،
وكلما بحثت عنهم، لم أجد سوى نفسي الغريبة،
هل أنا الفرد الفريد؟ تعبت من التبدل، من الدروب القديمة،
تضيق الكلمات، لكن المسافة تتسع،
أضيء في عتمة المرايا: هل أنا هو؟
هل أؤدي دوري جيداً في هذه الحياة؟ بينما أستمر في البحث عن معنى،
لم أجد سوى الذكريات، كما يتناثر الغبار في زمن لن يستعيده أحد،
سأظل هنا، وحدي، كي أكون رقيبا ذات معنى،
في كل لحظة، أعيش مفردات التغيير. لا أجد سوى الكينونة كأحرف قادمة بين الحياة والموت، أجد تجاعيد الزمن وعظامه،
لأكون جزءاً من المحيط، أرتفع فوق الحدود،
لا أبحث عن الخلود، بل عن معنى في كل لحظة. تذكرني الذاكرة في تنقل بين الأزمان،
وتبقى الفكرة، في غياهب النسيان. فجر الغد وحلم الغسق، على دروب الأرض المنسية، تلمع شموس الأمل،
أروي الحكايات للأفق البعيد، وتنساب دموع السحاب،
نهر يبعث الألحان للحياة، وأرواح الفراشات تأخذنا إلى عالم نسجته أيدٍ غير مرئية، حيث الرياح صدى الذكريات،
تتراقص الأساطير على أطراف الخيال، والأزمان تلتقي،
ترتدي المدن ثوب الرغبة، وتغرق في أمواج النسيان،
من قمة بعيدة، حيث الصقور تبعثر الرايات. تنشأ ممالك الطيف فوق جبال الأبدية، تأخذني الألحان إلى صحراء الحلم، حيث تسكن الأغاني،
تشدني إلى بداية لا تنتهي، وتغمرني بألوان العشق،
الشعر يرقص مع النجم، والحروف تلمع كجواهر سحرية. في عالم لا يعرف حدوداً، بين الأسطورة والخلود،
أعانق الجمال في متاهات الذات، وألهم طيف الغد،
تحت السماء الصافية، حيث ترتسم القصائد بلون الأمل،
أبقى تائهًا في غابات الفكر، تبحث روحي عن معانيها. وتلمس الضوء في سماء فوق الغيوم، سابحةً في هالة الروح،
رحيق الزمن يروي حكايات الأجداد، وهمس الأمل،
نرسم المستقبل بألوان التفاؤل، ونحتفل بأعياد السعادة،
ندع الخيال يعبر من بوابة الأبد، ونغني لحن الفجر. ففي قلب كل لحظة، يكمن سر الحياة الأبدية، أعزف على أوتار الذكريات، وأخلع أثواب الزمن،
أكتب قصائدي في صحائف الرياح، حيث تتداخل الألوان،
وفي كل كلمة، أجد حكاية جديدة، وقصيدة متجددة. فلا يزال الأفق ينتظر كلماتي،
كما انتظر الربيع نسيم الشروق. تحت سماءٍ رسمتها النجوم بحبر الليل، أسمع همسات الأساطير القديمة، صوت عنترة يمتد عبر صحراء الزمن، "أيها الفارس الذي لا يقهر، أين ذهبت؟" أرى سيفك يلمع كبرق العاصفة، وفي قلبي يرتجف رجاء النصر، لكنني لست عنترة، ولا أحمل سيفاً، أنا قصيدةٌ ضاعت بين السطور، أبحث عن معنى في متاهات الوجود. أين أنت يا أبو زيد الهلالي، يا أسطورة الجنوب؟ أسمع خطواتك تثقل رمال السنين، قوافيك ترنُّ في أذن الفجر، لكنني لست فارساً، ولا أهيم في الصحاري، أنا مجرد حرفٍ عابر في كتاب الكون، أحاول فهم لغز البدايات والنهايات، أتحسس الأفق بعين شاعرٍ تائه، بين شطآن حلم لم يكتمل، وصدى أسطورة. وهل تشرق الشمس في كربلاء الحسين؟ سيفك الذي خطّ الخلود، يتمايل في الريح، يروي حكاية الخلاص في دماء الشهداء، لكنني لست الحسين، ولا أحمل راية الثورة، أنا نغمةٌ في أغنية السماء، أرتجف بين الحقيقة والخيال، أبحث عن معنى في سطور الزمان، حيث يرتفع النشيد ويتداخل في نسيج الأسطورة. في زوايا الفجر، تلتقي الأساطير وتتشابك، عنترة، أبو زيد، الحسين، أسماؤكم خالدة في ذاكرة الخلق، لكني أقف هنا، بينكم وبين العدم، أتنفس الرياح القادمة من صحراء النسيان، أبحث عن نفسي في مرآة الأسطورة، هل أنا طيف منكم، أم أنتم جزء مني؟ في كل حرف أنطقه، يتردد صداه في قاعات الأزل. أيها الفرسان الذين صارت خطواتكم طرقاً للأبدية، هل كان لكم أن تتخيلوا شاعرًا بلا سيف؟ قلمه حبرُ الروح، وأوراقه صفائح الزمان، أنا أُكتب قصيدتي على رمال الأبد، لكن لا فرس تحميني، ولا درع يصدّ سهام الليل. أبو زيد يصرخ في أعماق ذاكرتي، "يا ولدي، أين زادك في سفر الخلود؟" أردُّ عليه: "لا أحمل إلا الأوهام، أمشي في دربٍ طويل، لكنني لا أجد النهاية." يضحك أبو زيد، ويمضي في سراب الغروب، يرفع رمحه عالياً، كما لو أنه يطعن في قلب السماء. عنترة ينادي من خلف الجبال، "يا شاعر الريح، كيف تواجه الأقدار؟" أجيبه: "يا سيدي، لا سيف لي ولا سحابة، أكتفي بظلي حين يطول، وأحلم حين أشتدّ على دروبي." يهز رأسه، ويعبر نحو الأفق بلا كلمة. في قلب كربلاء، أسمع نداء الحسين، "يا غريب في دربك، هل وجدت العبرة؟" أجيب: "لا عبرة ولا دموع، أكتفي بدماء الكلمات تنزف على الورق، أمشي وحيدًا في دربٍ لا ينتهي." يرتفع صوته كأنه صوت الرياح، يحملني بعيدًا في غياهب الأزل. في هذه اللحظة، يتداخل الأسطورة بالشاعر، أصير جزءاً من عنترة حين يتحدى القدر، وأحمل عباءة أبو زيد حين يجتاز المجهول، وأصير دمعة الحسين التي لم تسقط بعد، أتوه بين حروف الزمان، أبحث عن نفسي في سراب الأساطير، أرتفع فوق الحدود، وأرى الفجر يلوح كقوس قزح، لكنني لا أجد إلا الصمت، صمتًا يتردد بين جدران الذاكرة. وفي النهاية، هل أنا الفارس الضائع؟ هل سأبقى في كتب الأساطير؟ أم أنني مجرد وهم، ينتهي حين ينتهي الحلم، لكنني أعلم أنني سأبقى، قصيدةً لم تُكتب بعد، نغمةً لم تُعزف، وأسطورة لم تُرو. في متاهات الأزمان، تتشابك الأقدار، ويظل الشاعر يبحث عن ظله، بينما الأساطير تنسج قصائدها، وتعبر في لحن الأبد. في عناق الليل والغواية تحت قمرٍ مكتمل، أرى نفسي كعاشقٍ تائهٍ بين دروب الهوى، قلبي ينبض بالحياة، ومشاعري تتأرجح كغصنٍ في ريحٍ هادئة، أنا الرجل الذي يعرف أن الحب هو سيفٌ ذو حدين، يشق طريقه بين المجون والزهد، يسكر من لذة العشق ويصحو على ندائه الصامت. في أعماق ليلتي، أرى عينيها كمرآةٍ تعكس شوقي الدفين، أرغب في احتضانها كما يحتضن المحيط قاعه العميق، لكني أدرك أن الجسد ما هو إلا مركبٌ هش، يحملنا إلى شواطئ النسيان في بحرٍ لا قاع له، أسكر من عطرها وأفيق على صوت الحكمة العتيقة، "كل ما هو فانٍ، إلا الحب الصادق." يا لذتي، ويا زهد قلبي، كيف يجتمع النقيضان في كفٍّ واحدة؟ أمضي في دروب الهوى كمن يسير في حقل أزهارٍ مسمومة، أقطف منها ما يروق لي وأرمي الباقي للريح، لكنني لا أستطيع الفرار من حقيقة أن الجسد يذبل، بينما الروح تطلب الخلاص. أعشق بصدقٍ، وأهيم بجنون، ألمس النيران في عينيها وأحترق بشهوة لا تنطفئ، لكن في لحظات الصمت، أسمع صوت الزهد يداعب قلبي، "كل شيء إلى زوال، إلا ما يعلو على الشهوة ويصل إلى الصفاء." أقف بين الجحيم والجنة، أمضي تارةً نحوها وتارةً نحو غروبٍ أبدي. في هذا الكون المتداخل، أعيش بين لذة العشق وسكينة التأمل، أعانق الجسد وأفر منه إلى روحي، أبحث عن حبٍ لا يتغير، حبٍ يزهر في قلب الزمان ويستمر حتى في موت الأجساد. يا لي من شاعرٍ تائه، يرسم قصيدته على جسد امرأة، ثم يمحوها بنبض الزهد، أبقى بين شهوةٍ لم تنطفئ وزهدٍ يهمس لي بالخلود، وأدرك في النهاية أن الحب هو الحقيقة الوحيدة التي تجمع بين لهيب الجسد ونقاء الروح. وها أنا الآن في لحظة التأمل الأخير،
قد انطفأت نيران الشهوة
واستقرت روحي على شاطئ السكينة،
لم يعد في القلب إلا صفاء،
وفي العقل إلا حكمة السنين. قد تذوقت كل نكهة للحياة،
مرها وحلوها، زهدها وجنونها،
لكنني الآن أدرك أن الهدوء
هو الصديق الذي كنت أبحث عنه دائمًا،
وأن في نهاية كل طريق،
ينتظرنا السلام. في هذا السكون، أجد نفسي،
كأنني عدت إلى أصلي،
إلى النور الذي لا يزول،
حيث لا رغبة تشدني
ولا ألم يربكني،
بل حب خالص
ينبض به قلبي
كما ينبض به الكون. وهكذا، بين نبضة وأخرى،
أعيش اللحظة كما هي،
بلا توقعات، بلا مخاوف،
فكل شيء ينتمي إلى هذه اللحظة،
وكل لحظة تنتمي إلى الله.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدن الفراغ
-
الضربة الإيرانية لإسرائيل: قراءة عسكرية ودلالات سياسية ثورية
-
سفر بلا حدود
-
حين تاهت الظلال
-
رقصة الصمت والعدم
-
صوت التراب العالي
-
معانقة الفناء
-
تحليل: نهاية قريبة للصراع الإسرائيلي مع حزب الله؟
-
أغنية للغيم
-
لحظة عناق…
-
يقين آلروح
-
ترامب: إسرائيل ستزول
-
الى عالمك البعيد
-
تفجير عبر إشارة لاسلكية مشفرة: التقنية في خدمة التدمير عن بُ
...
-
خارج النطاق
-
اليمن وتحوّله إلى قوة إقليمية وازنة: قراءة في الأبعاد الاستر
...
-
للعصافير حصة في كرم التين
-
صوت الارض وشقائق النعمان
-
شقائق النعمان
-
صوت الارض
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|