أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم














المزيد.....

الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


"الألم هو المعلم الأعظم"، بهذه الكلمات وصف مارسيل بروست هذا الشعور الذي ينقل الإنسان من العتمة إلى النور. ليس الألم مجرد إحساس عابر، بل هو تجربة تفتح للإنسان نافذة ليرى ما لا يريد أن يراه. الألم يعيد تشكيل الأيام، يجردها من قشورها وخداعها، ويكشف عن جوهر الوجوه والأقنعة المتأرجحة بين الليل بغموضه ومخاوفه، وبين النهار بوضوحه وصدقه المُطمئن.

في شعر بابلو نيرودا، يظهر الألم كمُكون أساسي في رحلة البحث عن المعنى. يقول نيرودا: "لقد تذوقت طعم الألم في كل كلمة، في كل نظرة، حتى صرتُ أنا والألم وجهين لعملة واحدة." هذه الكلمات تعكس كيف يصبح الألم رفيقاً دائماً للإنسان، يطبع كل تجربة وكل إحساس بطابعه الخاص. الألم هنا لا يُعد تجربة سلبية فقط، بل يتحول إلى أداة لفهم أعمق للحياة ولإدراك جمالها في بساطتها وتعقيداتها.

إنني لا أنظر إلى الألم، رغم قسوته وسكينه الحاد، كشيء يجب التخلص منه، بل أراه جزءاً من الرحلة الممتدة إلى حين. هاروكي موراكامي في روايته "كافكا على الشاطئ" يقول أن "الألم حتمية، والمعاناة اختيار". هذه الفكرة تعكس مفهوم نيتشه القائل: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى". هنا يتحول الألم إلى قوة دافعة، إلى تحدٍّ يمنح الإنسان القدرة على النهوض من جديد.

ومع ذلك، ليس الألم دائماً مصدر قوة. في بعض الأحيان، يتخذ شكلاً من أشكال الاغتراب. جبران خليل جبران يعبر عن هذا الجانب في كتابه "الأجنحة المتكسرة" قائلاً: "الحزن هو ذلك الجرح الذي لا يُشفى، والجرح الذي لا يُشفى يصبح جزءاً من الروح." الألم في هذه الصورة يتحول إلى جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان، إلى تلك الندبة التي تظل شاهدة على تجربة عميقة، تترك بصماتها في الروح دائما وإلى الأبد.

يتحدث ألبير كامو عن فكرة "التمرد ضد الألم" في كتابه "أسطورة سيزيف"، حيث يصف كيف يمكن للإنسان أن يجد معنى حتى في أكثر اللحظات إيلاماً. التمرد هنا ليس هروباً من الألم، بل مواجهة صريحة معه، تحوّل الألم إلى لحظة وعي كامل. هذه اللحظة تُعيد ترتيب قيم الإنسان وتعيد تشكيل نظرته للأخر وللعالم.

الألم ليس فقط شعوراً داخلياً، بل هو تجربة جمالية تعبر عن نفسها بأشكال متعددة. راينر ماريا ريلكه في قصائده يُجسد الألم كصديق قديم، يلازمه في كل لحظة. يقول: "الألم هو زائر لا يغادر، يجلس بهدوء في زوايا الروح، ينتظر لحظات الوحدة ليهمس بحكاياته الغامضة." هذه الصورة تجعل من الألم كائناً حياً، له حضور دائم في حياة الإنسان، يُذكّره دائماً بهشاشته وبقوته في آن واحد.

من جانب آخر، يتحدث جوليان جرين عن أن "الألم يكشف عن الضعف والقوة في آن واحد". هذه العبارة تعكس التناقض العميق في تجربة الألم، حيث يجد الإنسان نفسه بين قطبين متنافرين: الضعف الذي يجبره على الاعتراف بحاجته إلى التعافي، والقوة التي تمنحه القدرة على مواجهة تلك التجربة والخروج منها بعين جديدة.

في النهاية، يظل الألم جزءاً أصيلاً من التجربة الإنسانية. الألم ليس مجرد معاناة أو تجربة سلبية، بل هو رحلة داخلية تُعيد تشكيل الروح وتجعل الإنسان أكثر إدراكاً لمحدوديته ولقدرته على النهوض، والتأمل في ماهية الحياة ومعناها.

الشاعر الهندي طاغور يرى أن: "الجرح الذي لا ينزف، لا يُشفى". قد يحمل الألم في طياته تجربة قاسية، لكنه في الوقت نفسه، يحمل بذور الشفاء والتعافي. في هذه الرحلة المتناقضة، نجد أنفسنا نبحث عن معنى الألم ونتعلم كيف نتصالح معه، لأننا في النهاية ندرك أنه جزء من نسيج الحياة، يُشكل بألوانه القاتمة والخافتة جزءاً من الجمال الغامض للوجود.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موجز تاريخ الشقاء
- صوت المقاومة يتحدى الصمت
- ما الذي حل بالكرامة العربية؟
- تسقط إسرائيل.. تحيا المقاومة
- بيروت.. وجه الله في مرآة البحر
- عواقب الخذلان العربي للمقاومة في غزة ولبنان
- المثقف والمقاومة وجهان لعملة واحدة
- الخيانة ليست وجهة نظر
- المقاومة فوق القوة
- المثقفون المرتزقة: من تحريف الحقيقة إلى تشويه الثقافة
- مثقفو الهامش: بين الاستبعاد والخروج عن المألوف
- في وصف الخذلان
- تاريخ الكذب: من الفلسفة إلى الواقع
- مجنون ليلى عند المتصوفة: تجليات العشق وصولا إلى العرفان
- السلطة والجنون: تجليات التأثير والمصير
- فلسفة الجمال عند العرب: تأملات في الوجود والحُسن
- حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم
- تاريخ الأفكار: مسيرة العقل في مواجهة السلطة عبر العصور
- الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!


المزيد.....




- -الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
- عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
- -لوكاندة بير الوطاويط-.. محمد رمضان يعلن عن تعاون سينمائي مع ...
- العرض الأول لفيلم -Rust- بعد 3 سنوات من مقتل مديرة تصويره ها ...
- معرض -الرياض تقرأ- بكل لغات العالم
- فنانة روسية مقيمة في الإمارات تحقق إنجازات عالمية في الأوبرا ...
- جنيف.. قطع أثرية من غزة في معرض فني
- مسرحية -عن بعد..- وسؤال التجريب في المسرح المغربي
- كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا ...
- الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم