أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد يعقوب الهنداوي - ذكرى استفتاء استقلال كردستان - لا للحياة معاً إلاّ اختياراً وإلا كان اغتصاباً















المزيد.....



ذكرى استفتاء استقلال كردستان - لا للحياة معاً إلاّ اختياراً وإلا كان اغتصاباً


محمد يعقوب الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 15:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


* * *

(1)


في أوائل أيلول 1996 كنت مشدودا الى شاشة التلفزيون أتابع من بيتي في لندن ما يجري في العراق، حيث قامت قوات الحرس الجمهوري لصدام حسين التكريتي باجتياح أربيل بناءً على نداء استغاثة من مسعود البارزاني شخصيا لانتزاع المدينة من جلال الطالباني.

وفي 2/9/1996 اقتحمت المخابرات العراقية برفقة جماعة الملا مسعود البارزاني مقرات الاتحاد الإسلامي، والجبهة التركمانية، والمؤتمر الوطني العراقي، والاتحاد الوطني الكردستاني، والمجلس الإسلامي الأعلى، والحركة الملكية الدستورية، ومنظمة العمل الإسلامي، والحركة الآشورية، والحزب الشيوعي العراقي.

وتمخضت المهزلة عن سقوط مئات القتلى ونزوح مئات آلاف المواطنين صوب إيران، واعدام أتباع الطالباني أمام عوائلهم، إضافة الى إعدام المئات غيرهم في منطقة (عين كاوة) بأربيل.

كانت تلك الأحداث فصلا جديدا في نزاع الضباع المتوحشة هذي، وسيجرّ لاحقا الى معارك طاحنة دامت خمس سنين قتل فيها الأكراد بعضهم بعضا وعانت أكثر من سبعين ألف عائلة كردية من التهجير من بيوتها وقراها التي أصبحت "أرضا محرّمة" عليها.

وسارعت قيادة العمليات الإقليمية للمخابرات الأمريكية الى نقل أكثر من خمسة آلاف من أتباعها ومرتزقتها ومجنديها، من الأكراد والتركمان والعرب، الى تركيا ومنها الى جزيرة (گوام) التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية وتقيم فيها إحدى أهم قواعدها العسكرية غرب المحيط الهادئ قريبا جدا من استراليا.

وتمّ إسدال الستار على تلك المسرحية الدموية مع إعلان الصحف العراقية ببغداد، وفي طليعتها جريدة "العراق" التي كان يتولى رئاسة تحريرها البعثي الكردي (أحمد محمود الجزراوي)، يوم 2/ 9 / 1996:

"مسعــود البــارزاني يشـكر القيادة لاستجابتـها لنـــــداء تحرير أربيــل من عبث جلال وزمرته العميلة لإيران!"
و
"إنهاء دور جلال القذر انتصار للشعب العراقي المجيد!"

وعلى شاشة القناة الثالثة البريطانية ظهر ثلاثة:

المذيع البريطاني الشهير جيريمي باكسمان ومعه وزير الخارجية الامريكية وارن كريستوفر وهوشيار زيباري مسؤول العلاقات الخارجية لحكومة ابن أخته الصغير ملا مسعود البارزاني آنذاك.

كان السؤال الساخن هو:

كيف سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لقوات صدام بدخول "المنطقة الآمنة"؟

حاول (وارن كرستوفر) أن يشرح ان "هدف المنطقة الآمنة" هو حماية الاكراد. لكن حين تقوم قيادات كردية بدعوة جيش صدام لدخولها فليس هناك أي مبرر أو إلزام لأية قوة خارجية للاعتراض، وان القيادات الكردية التي دعت جيش صدام لدخول "المنطقة الآمنة" تتحمل كامل المسؤولية عن كل ما حصل ويحصل.

وهنا تدخل هوشيار زيباري قائلا: لقد خذلتنا الولايات المتحدة لأنها لم توقف جلال الطالباني عند حدّه....

وقبل أن يكمل جملته صرخ به وارن كرستوفر غاضبا:

"عليك أن تخرس أنت ومن وراءك... أنت وسيدك مسعود خونة الأكراد. نحن نسعى لحماية الأكراد من صدام وأنتم تأتون به وبقواته الى قلب "المنطقة الآمنة" التي وضعناها لحمايتكم أنتم يا خونة..."!

وابتلع زيباري يومها لسانه وسكت...

* * *

ومن يتحدثون عن علاقة الملا مصطفى البارزاني بإسرائيل طوال عشرات السنين يغفلون حقيقة كبرى مهمة، وهي ان الملا مصطفى كان يدرك، كما يدرك الغرب والقوى العالمية الكبرى جميعا، ان إسرائيل ليست دولة، وانما هي قاعدة عسكرية متقدمة للنفوذ الأمريكي في المنطقة والعالم. وهي، بهذه الصفة، تنال أولوية في كل شيء يضمن حمايتها وديمومتها وأنها ذراع أمريكا الفاعلة في المنطقة.

كان البارزاني الأب يعرف ذلك تماما واختار أن يكون جنديا وفيا مخلصا في تلك القاعدة العسكرية وملتزما بشروطها وبقواعد اللعب التي وضعتها، ولم يحاول يوما ان يكشف أوراقه كلها كما لم يبذل جهدا مهمّاً لإخفائها على الاطلاق.

* * *

ودارت الأيام، وبعدما هدم صدام التكريتي وبقية أقاربه من أبناء العوجة، ومرتزقته من الشيعة أكثر من سواهم، كل أركان العراق كدولة، ثم زاد الإسلاميون تغطيسه في وحل التخلف ومستنقعات الفساد والتبعية، أصبحت بلادنا قاعدة متقدمة أخرى للقوات الأمريكية التي تستثمر وتبتزّ المواطن ودافع الضرائب الأمريكي كما تنهب ثروات بلادنا لمنفعة الكارتلات الرأسمالية الكبرى التي للامبرياليين الأمريكان الكبار فيها حصة الأسد.

وصرنا رسميا رقعة شطرنج رئيسية وحقل تجارب لا تكاد تغفله نشرات الاخبار العالمية. وصار نفطنا، كما كان دائما، نهبا لتلك القوى بعدما حسمت فيه لعبة تقاسم مناطق النفوذ والحروب بالنيابة وأصبح معرضا كونياً لتسويق السلاح الأمريكي وملحقاته.

لكن الملا مسعود الصغير لم يكُ يمتلك حكمة أبيه الملا الكبير، فأعلن عن ولائه المطلق لإسرائيل وصار يتبجح بذلك دون أن يدرك أن ساعته البيولوجية متأخرة عن عصره بخمسة وعشرين عاما ونيف، إذ لم يعد لهذه التهريجيات أية قيمة منذ أعلن صدام الأحمق ركوعه واذعانه العلني المطلق لإرادة الدول الخليجية التي لا تعدو كلها، هي أيضا، أن تكون قواعد عسكرية متقدمة للإمبريالية الامريكية.

وفي حماسة اللص الشحاذ التافه الذي لم يصدّق أنه وجد نفطا في أرض هو أصلاً ليس إلا محض مستحوذٍ غير شرعي فيها، ركض الملا مسعود ليعرض بضاعته المسروقة على إسرائيل بأسعار تقلّ عن أسعار سوق النهب العالمي متخيّلا أن تلك السوق أكثر منه حمقاً وأقلّ منه ومن أبيه وعياً وإدراكا.

واشترت منه إسرائيل، نيابة عن أمريكا، بعض النفط لترى مآل لعبته البليدة ولتثبت بالدليل القاطع أن الملا مسعود خان شعبه للمرة الألف قبل ان يخون سواه وانه لم يكُ يخدع الاّ نفسه.

في هذه اللحظات العسيرة خرج علينا لقلق الهراء الأجوف إبراهيم الجعفري، وزير خارجيتنا العتيد، المتعسّر بحب الاستعراض دائما، بتصريح هو أشبه بمقولة: "بـــــــــــــــلّاع....... الموس"، فلا هو صمت ولا هو أبان، بل قال:

"نحن نعطي النفط مجانا للأشقاء الأردنيين لدعم اقتصادهم...."،

ولم يجرؤ على القول صراحة:

"إذا كان مسعود يبيع النفط لإسرائيل بأسعار مخفّضة، فإننا نمنحها النفط مجانا من خلال الأردن، واسألوا الشريف جداً ملك الأردن... سمسار صفقاتنا الدائم"!

وأثبتت جميع القوى القومية الكردية على الدوام انها ليست سوى ورقة ضغط على أية سلطة تحكم في بغداد لفرض مزيد من التنازلات عليها لصالح القوى المحلية والدولية المموّلة لقيادات الحركة، أي لصالح السوق الامبريالية العالمية في نهاية المطاف، ولضمان توازن مصالح محاورها المختلفة في العراق.

* * *


(2)

لا للحياة معاً إلاّ اختياراً - حق الطلاق مكفول كحق المعاشرة وإلا كان اغتصاباً


في 11 اذار 1917 دخل الجنرال فردريك ستانلي مود قائد حملة "بلاد الرافدين" البريطانية الى بغداد لينهي بذلك عهد الحكم العثماني الذي دام ستة قرون، إذا اعتبرنا العثمانيين امتدادا لسلطة المغول، وهم بالفعل كذلك، إذ كانت الاناضول نقطة استقرارهم الرئيسية وقاعدة انطلاقهم لاحتلال ما تبقى خارج سيطرتهم من غرب آسيا والزحف نحو شرق أوروبا.

ومعروف ان الاجتياح المغولي لبغداد (عام 1258) أنهى عصر الدولة العباسية الذي دام لخمسة قرون متواصلة من الاستبداد والظلم لم يحكم فيها سكان العراق الأصليون أنفسهم بأنفسهم يوما واحدا، ولم يكن لهم سوى دور العبيد الذين يكدحون ليسددوا الإتاوات للبدو الغزاة القادمين من جزيرة العرب حاملين رايات دينهم الجديد الذي أذاقوا سكان البلاد باسمه المرارات والويل والثبور فنهبوا وسلبوا واستباحوا وسبوا واستعبدوا كيفما عنّ لهم وشاءوا.

وللربط بين الحالين (والعصرين)، وللتعبير عن فداحة ظلم واستبداد الحكام العرب بسكان البلاد الأصليين واستهتارهم بهم ونهبهم مواردهم وأرزاقهم، أورد هذا النص شديد الايجاز بالغ الدلالة ودقة التعبير من صفحة (سقوط بغداد) في (الموسوعة الحرة) على شبكة الانترنيت على الرابط التالي:

(https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7_%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF_(1258))

(اقتباس)

«في يوم الجُمُعة 16 شُباط 1258، دخل هولاكو قصر الخليفة وأمرهُ أن يدُلَّه على كُنوزه، فدلَّهُ الخليفة من خوفه على أحواضٍ تحت ساحة القصر مملوءة بالذهب الأحمر، وكان هولاكو قد قال للخليفة أنَّ المغول ضُيوفه وهو المُضيف فعليه أن يُحضر لهم ما يليقُ بهم، أي أموال وكُنوز بني العبَّاس.

وكان الخليفة من شدَّة خوفه نسي موضع مفاتيح الخزائن، فطلب كسر الأقفال، وأعطى هولاكو 2000 ثوب و10,000 دينار ونفائس ومُرصَّعات وجواهر. فأخدها هولاكو من غير اكتراث وأعطاها لِلأُمراء والموجودين.

ويذكر مُؤرِّخ المغول (رشيد الدين فضل الله الهمذاني) أنَّ ما جمعهُ بنو العبَّاس خلال خمسة قُرونٍ من أموال أصبح غنيمةٍ للمغول، فجمعوه وكدَّسوه حتَّى صار وكأنَّهُ جبلٌ على جبل.

وسأل هولاكو الخليفة لمَّا رأى كثرة أمواله:

إِذَا كُنْتَ تَعرِفُ أنَّ الذَّهَبَ لَا يُؤكَلُ فَلِمَ احتَفَظتَ بِهِ وَلَم تُوَزِّعَهُ عَلَى جُنُودِكَ حَنَّى يَصُونُوا لَكَ مُلكَكَ المَورُوثُ مِن هَجَمَاتِ هَذَا الجَيشِ المُغِيرِ؟ وَلِمَ لَم تُحَوِّلَ تِلكَ الأَبْوَابَ الحَدِيدِيَّةِ إلى سِهَامٍ وَتُسرِعَ إِلى شَاطِئَ نَهرَ جَيحُون لِتِحُولَ دُونَ عُبُورِي؟

فقال الخليفة: هَكَذَا كَانَ تَقدِيرُ الله، فردَّ هولاكو: وَمَا سَوفَ يَجرِي عَلَيكَ إِنَّمَا هُوَ تَقدِيرُ الله.

ثُمَّ أمر هولاكو بجمع حريم الخليفة وإحصائهم، فكانوا 700 زوجة ومُلك يمين و1000 جارية، فأمره بأن يختار منهن مائة، فاختارهنّ الخليفة من قريباته والمُحظيات لديه.

ثُمَّ أمر هولاكو بِوضع الخليفة في السجن وأن يُمنع الطعام عنه، ولمَّا طلب المُستعصم شيئاً من الطعام أرسل له هولاكو طبقًا فيه جواهر وذهب وفضَّة وقال له أن يأكلها.»

(انتهى الاقتباس)

* * *

وقبل وصوله لبغداد، نجح الجنرال مود في فكّ (حصار الكوت) عن القوات البريطانية، وخاص معارك مع الجيش العثماني انتصر فيها واحدة تلو الأخرى حتى دخل بغداد صباح يوم 11 آذار 1917، وبعدها سيطر على بقية المدن العراقية فتراجعت أمامه وحدات الجيش العثماني في مناطق ديالى والرمادي وسامراء وتكريت، وكان ذلك سببا في انتهاء حكم الدولة العثمانية في العراق.

* * *

وهكذا أدركنا الحياة ونحن جميعا أيتام، كأشقائنا الاكراد، فارتأى أولياء أمورنا الجدد ان نعيش معا في بيت مشترك لعلّ تقاربنا فيه يعين على صروف الدهر وصعوبات الحياة ومواجهة ما يتهددنا من مخاطر، ويصلح لبناء "دولة" ما من هذا الخليط البشري الذي جمعته الظروف والجغرافيا على مرّ العصور.

وسواء كان ما ارتأوه باطلا أم صوابا فقد كرّت السنون ونحن نعيش معا ونتشارك اللقمة والدمعة والفرحة والخيبة والنجاحات والانكسارات.

وكبرنا مع الأيام وشاء بعضنا الزواج حفظا للنسل والأصل وطلبا للدفء وتقاسم اللقمة وهناءة الأطفال، فأحب بعضنا من بيتنا المشترك وتزوج ليزداد تقاربا والتحاما وتعزيزا لهذه الأواصر، فيما مال بعضنا الآخر الى عمومته وأخواله الذين لم يكفّوا يوما عن التدخل في شؤوننا والتطفل على حياتنا وتنغيص عيشنا المشترك ومحبتنا لبعضنا، ولم نشهد منهم خيرا يوما، لكن العِرق غلب فصار نصيب البعض منا ان يتزوج منهم.

كبرت الأسرة وتفرعت حتى لم يعد في بيتنا المشترك القديم متسع لجميع أولادنا، وتفاوتت أرزاقنا فحصل البعض منا على خير عميم، واضطر آخرون الى الكدح المضاعف ليعيشوا. وعمد بعضٌ آخر الى أراض من إرث أجداده فاستثمر فيها جهده وماله وقراباته البعيدة وساعده غرباء وجيران وحفزوه على الاستقلال بمعيشته لأن شراكته القديمة معنا لم يعد لها ما يبررها بنظرهم ولأن الحياة المشتركة لم تكن هنيئة دائما.

والحق ان حياتنا المشتركة لم تكن هنيئة دائما فعلا فلم يمرّ يوم دون مشاحنات ومشاكل كنا نلوم عليها جهل بعضنا وصبيانيتهم ونزقهم، لكن تدخلات الأقارب والجيران زرعت في قلوب الطرفين نصالا من الحقد والنفور صار من الصعب أن تندمل جراحها.
فبينما ظل بعضنا وفيا لتلك العشرة الطيبة وحريصا على دوامها ومواصلتها ويرعى أنبل ما فيها، كان بعضنا الآخر يستهين بأشقائنا الأكراد ولا يكاد يفوّت فرصة دون أن يوجه لهم إهانة جارحة ويعبر عن حقد مكنون.

وكان البعض منا كلما فشل بسبب قصور وعجز منه يلعن الساعة التي جمعتنا معا وفرضت علينا هذا المصير التعيس بأن نكون أخوة وشركاء في البيت والعيش المشترك.

وأخذت الوحدة بيننا بالتفكك.

وكانت تدب في بعض الأحيان خلافات بين أولادنا النزقين والأكثر صلافة ولؤما منهم فيعمقون الجراح ويمنعون شفاء القروح.

ومهما كانت أمهاتنا تحرصن على إطفاء جذوتها حتى لا تحرق علينا بيتنا وما فيه، لكنهن تعبن مع الأيام وافتقدن الحيلة، بينما سعى الجيران والأخوة الأعداء والاقارب العقارب الى تأجيج تلك الخلافات، بل وكانوا يتطوعون بتقديم السلاح لنستخدمه ضد بعضنا، فسقط منا قتلى وجرحى وتعمقت الندوب حتى لم يعد السكوت عليها واحتمالها مبررا في نظر الكثيرين منا.

لكن الحنين الى أيام العشرة والصفاء الأولى كانت تحثنا دائما على محاولة تهدئة الأمور دون القدرة فعليا على إخماد جذوة الجمر تحت الرماد، بل أصبح البعض منا يعتبر انفصالنا عن بعضنا عيبا وجرحا لكبريائه لأنه دليل فشلنا في العيش المشترك ونقصان في الثقة مما يثير سخرية وشماتة الآخرين.

والحق أن الحب الأول مات وأهل ذاك الحب لم يعودوا معنا، والقليل من التعاطف والمودة الذي لا زال في القلوب صار مهددا بالموت أيضا إذا لم نتدارك عوامل الاحتكاك والاقتتال وتفاقم الكراهية.

بل وامتدت نيران الخلافات الى الزيجات التي جافاها الحب وافترق العشاق واختلفت دروبهم، وفي لحظة نشوة أخذت الحمقى من الطرفين العزة بالإثم وهدّد بتفجير البيت بما فيه وعلى من فيه إذا لم يصبح مطلق الصلاحية فيه وأن يسيره على هواه وبما يخدم مصالحه.

وشحذ هؤلاء خناجر حقدهم وعبأوا بنادقهم بالرصاص وقاذفاتهم بالقنابل ونصبوا الموانع وتبادلوا الشتائم والاهانات.

فقال حكماؤنا:

لا معاشرة دون رضى وإلا كانت اغتصاباً، ولا شراكة في عيش إن لم تكن اختيارا.

والآن عزم شركاء العمر أولئك على الانفصال وهم لن يملّوا ولن يكلّوا دون تحقيقه ولو استفتوا أهلهم ألف مرة ورفضوا فسيعيدون اللعبة ذاتها حتى تنجح يوما، وهذا دأب القوميين المتطرفين المصابين بلوثة التفريق والتشتت، فالدودة القومية لا تتوقف مطلقا عن نخر المجتمع وعقول الناس وستبقى تصرّ على التجزئة الى وحدات أصغر فأصغر بهدف الاستحواذ على أي قدر من السلطة مهما كان ضئيلا ولن ترضى إلاّ بأن تكون هي الحاكمة المتنفذة.

وإذا اعترض البعض على أن دعاة الانفصال هم أسوأ ما في معسكر الطرف الآخر فلن نتردد في أن نقول:

من الطبيعي انهم الأسوأ وان تكون الفئات المتزمتة هي التي تطالب بالانفصال وليس العمال والكادحين لأن هؤلاء لا تعنيهم المسألة القومية ولا يهتمون بها بل ما يهمهم هو الاستغلال الطبقي ومكابدة الجوع، ولهذا تجد البرجوازية والاقطاع والرجعيين هم الذي يطالبون بالانفصال.

لكن هذا لا يغير من الامر شيئا فحق الانفصال هو من حق تقرير المصير وهو حق مطلق لكل الشعوب والأمم طال الزمان أو قصر، وإذا كان وجود حق الطلاق ليس بذاته دعوة للطلاق ولا تحريضا عليه، لكنه يعني أيضا أنه متاح ومكفول وان العِشرة الاجبارية لم تعد ممكنة.

منح حق تقرير المصير وتأييد حق الانفصال يؤدي الى اتحاد ووحدة أعظم بين أجزاء الشعب إذا كان المركز والأطراف يتبعان سياسة صادقة حيث ستجمعهما الأيام معا حين يدركان خطل قرار الانفصال وخطأه.

لكن جميع أطراف الصراع مافيات مدججة بالسلاح ولا يمثل أي منها مصالح الشعب الحقيقية ولا يحرص على مصالح ومستقبل البلاد، والعواقب خطيرة.

يتساءل البعض:

كيف سيعيش الاقليم منفصلا وهو جزء من مشكلة إقليمية كبرى؟

وكيف سيتنفس وهو لا يملك حدوداً الا مع دول هي كلها جزء من المشكلة؟

وأية رسالة سيبعثها اقليم كردستان الى دول جوار العراق؟

ألا يوجه هذا الإجراء طعنة لكل محاولة طلب نظام فيدرالي من قبل الكُرد في تركيا وسوريا وإيران وينبّه حكوماتها الى ان "الفدرالية" ما هي الا حيلة باتجاه الانفصال؟

ألا يمثل الاستفتاء مشروع هروب للأمام من واقع معاش بمكاسب كبيرة مضمونة الى مجهول بلا ملامح واضحة؟

ويأتيه جواب القوميين الاكراد حاسما:

- هذا ليس شأنك فلا تزعم أنك أكثر حرصا منا على أنفسنا وأهلنا. دعنا وشأننا واهتم بما يعنيك أنت.

وهم على حق في هذا فليس المتكلم أحرص منهم عليهم وإلا أين كان حين تعرض الأكراد لكل ما تعرضوا له من الظلم والقمع والقتل والاضطهاد على امتداد عشرات السنين.

ويزعم بعض العرب من دعاة الوحدة بأن الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى قسمت المنطقة لتعود اليها ولا بد أن تكون لها مصلحة لتعود بدعوى حرصها على حل مشاكلها وتسوية خلافاتها.

والجواب هو: وهل لا يستطيعون ان يعودوا الا بتجزئة البلاد؟

وعلى حد قول البعض:

نحن شعوب مستقلة بالاسم فقط، وبإمكانهم ان يرصفوننا في اية سيارة حمل كالبطيخ.

وهل الغرب والدول الكبرى بحاجة الى هذه المشاكل الثانوية المحلية فعلا ليعودوا؟

ولماذا يحتاجون لأن يعودوا طالما انهم لم يذهبوا أصلا؟

وماذا بشأن النزعات الاستقلالية لأهالي سنجار وهورامان مثلا؟

وكيف ستحل مشكلة المناطق المتنازع عليها؟

والجواب الجارح هو أن العراقي لا يمتلك في وطنه وطنا أصلا، وهو مجرد نزيل طارئ تتلاعب بمصيره نزوات ومصالح المافيات التي تتقاسم السلطة والسطوة، ولا حق ولا دور له الا لتبرير ودعم سلطات مافيات السياسة التي تتقاسم نهش ونهب البلاد حيث كل سياسي أمير حرب او مشروع أمير حرب أو مرتزق طامع بالغنائم.

وعلى اليسار العراقي الذي يتباكى اليوم على وحدة العراق المزعومة أن يجيب على سؤال:

أين كان كل تلك السنوات التي شغل نفسه بالمطالبة بإصرار وإلحاح بحقوق شعب فلسطين في تحرير بلاده وتقرير مصيره؟

ولماذا لم يطالب أيضا، وعلى نفس الدرجة من العدالة والانفعال والحماس، بإنصاف الشعب الكردي وتحرير بلاده وحقه في تقرير مصيره؟

ويوم كان يخرج المظاهرات ويقيم الأمسيات تأييدا لسلفادور أليندي وشعوب امريكا اللاتينية، لماذا لم يقم بتنظيم أية مظاهرة أو حشد جماهيري استنكارا لقصف كردستان منذ الستينيات ولغاية التسعينيات، عدا مظاهرات تهريجية شكلية في السبعينيات (أيام جبهة الشيوعيين مع البعث) تهتف للسلم في كوردستان، وليس لحق تقرير المصير للشعب الكردي.

فلماذا لم نشهد اية مظاهرة دفاع عن حقوق الشعب الكردي طوال عشرات السنين إلا عندما لجأ الشيوعيون الى الجبال هربا من بطش البعث فيبدأ الحديث عن القضية الكردية!؟

كان الحزب الشيوعي العراقي انتهازيا متخاذلا على الدوام وحاول إمساك العصا من الوسط لكسب ما أمكنه من الطرفين، وإذا تبين له ان هناك طرفا أقوى فسينحاز له فورا وبلا تردد.

وهنا بعض الأمثلة:

• موقفهم يوم دخلوا جبهة البعث وحملوا سلاح البعث وحاربوا الحركة الكردية المسلحة بحجة تقدمية صدام حسين وجبهتهم الوطنية معه وان بيت البارزاني هم معقل ورموز الرجعية والعمالة.

والحملة الشنيعة في طريق الشعب والمهاترات مع جريدة (التآخي) لشهور عديدة والاستهزاء والاستخفاف بكل شيء اسمه كردي.

• يوم تحارب أتباع جلال طالباني ومسعود بارزاني بكل شراسة في منتصف التسعينيات ووقف الحزب الشيوعي العراقي مع الطرفين في الوقت نفسه لأجل الحصول على وزارتين، وزارة هنا ووزارة هناك، رغم سقوط حوالي مائة ألف قتيل من الطرفين وتشريد عشرات آلاف العوائل المستباحة من الطرفين.

• الموقف الحالي من الاستفتاء هم فيه مع بغداد ومع مسعود معاً عسى ان يحصلوا على لقمتين، لقمة من هنا ولقمة من هناك.

ناهيكم عن عشرات المواقف الأخرى مثل الموقف بين عبد الكريم قاسم وبين الشعب حيث انحازوا الى قاسم ضد الشعب ودمروا قاسم والشعب معا.

والموقف بين عبد السلام عارف وبين مصلحة الحزب، فقرروا حل الحزب لصالح عارف والقوميين العرب، ولولا ردة فعل الشعب لباعوه قطعا من زمان.

وقبلها موقفهم بين يوغسلافيا والاتحاد السوفياتي ثم انتهوا الى الاتفاق مع الجهتين والحصول على بعض المكاسب مرتين.


* * *

(3)

التحفظات على الاستفتاء وتوقيته

لماذا اختار البارزاني هذا الوقت للاستفتاء؟

هل استغل احتلاله للمناطق المتنازع عليها وكركوك لفرض أمر واقع؟

أم انها فرصته الأخيرة للتشبث بالسلطة بعد ان انتهت المدة "القانونية" لرئاسته ولم تكن الظروف مهيأة تماما لتولية أبنائه؟

• عملت أربيل بصورة منظّمة على إحداث تغييرٍ ديموغرافيٍ كبيرٍ في مدينة كركوك بطرق متنوّعة منها استقدام الكرد من قرى ومدن أربيل والسليمانية، بل واستقدام عشرات الآلاف من الكرد الايرانيين، وتجنيسهم ضمن سجلات محافظة كركوك واسكانهم فيها.

• اعترف الدستور بإقليم كردستان بوصفه "إقليماً اتحادياً"، وأقرّ شرعيّة القرارات والقوانين الصادرة عن حكومة الإقليم. فلماذا يتمرد على سلطة هو جزء منها اصلا وله ممثلون فيها؟

• إلْتَزَمَتْ حكومة بغداد بالدستور في معظم ما يخص كردستان، لكنّها لم تلتزم، في المقابل، بحقوق الشعب العراقي خارج كردستان، بل خذلت العراقيين كلهم وساومت على حقوقهم أمام جميع المافيات والميليشيات وتغافلت بصورة كاملة وتامة عن كلّ المخالفات الدستوريّة والعمليّة التي ارتكبتها حكومة اربيل مثل:

1- استحواذها على عائدات الثروة النفطيّة داخل حدود الإقليم وخارجه وفي كركوك.

2- منعها الجيش العراقي من أداء مهامّه في الدفاع عن حدود العراق.

3- تنازلت بضعف وذلة عن إيقاف تجاوزات أربيل وعدوانيتها المكشوفة واستفزازاتها العنصريّة ضد المكونات الاخرى، العرب والتركمان والإيزيديين، ومنها نسف قراهم بالمتفجرات بصورة كاملة لأسباب عنصريّة.

4- تكريد مناطق شاسعة من محافظتي دهوك ونينوى وتوزيعها على أتباع البارزاني، بعد طرد "الآشوريين" والايزيديين والكلدان والسريان والعرب منها.

5- تخلي البيشمركة عن سنجار أثناء هجوم داعش وتعريض الإيزيديين للقتل والسبي والتهجير واستباحة المدينة. ثم التنكيل بهم وطرد كل من لا يتّفق وسياسة أربيل حتى من معسكرات إيواء النازحين في أربيل ودهوك.

6- تتمتع حكومة أربيل منذ 1991 بسلطة كاملة ولها كلّ ما يميّز الدول المستقلّة، وهي تنتزع المزيد من التنازلات من حكومة بغداد كل يوم.

7- يتمتع الإقليم بمنافع برنامج تنمية الاقاليم، وبنسبة أعلى بكثير من استحقاقه في توزيع الموازنة العامّة.


• يعاني الإقليم من انقسام بين أحزابه السياسية يعود إلى سنوات حرب السيطرة على المعابر عام 1996 التي كان من نتائجها مقتل أكثر من مائة ألف من أنصار الطرفين (البارزانيين والجلاليين) في حربٌ فاقت بمآسيها وخطرها ما واجهه الشعب الكردي من حكّام بغداد الفاشست. ثم استنجد مسعود البرزاني بالطاغية صدّام حسين لاستعادة أربيل من أيدي قوات الطالباني آنذاك.

• التهديد بانقسام إقليم كردستان مجددا إلى إقليمين متعاديين: أربيل ودهوك من جهة وكويسنجق والسليمانية من جهة أخرى، وهو ما سيجرّ الشعب الكردي إلى حروب وخراب كبيرين من جديد.

• العملية الديمقراطيّة في كردستان تتحكم بها العشائرية وصفقات النهب والفساد في جميع أجزاء كردستان وعلى جميع المستويات وباشتراك جميع المافيات السياسية المتنفذة فيها.

• يعزّز الايرانيون قوّاتهم على طول الحدود مع الإقليم، وتتصاعد تهديداتهم يومياً.

• تكثّف تركيا قصفها للقرى الكرديّة وتنتهك الحدود العراقية شمال الإقليم.

• الشعب الكردي يشعر بالخوف من سياسة الاستبداد والقمع وتكميم الأفواه والاغتيال السياسي واعتقال وتغييب المعارضين والإعلاميين، وقمعهم.

• تفشي البطالة بين الشباب وهجرة الآلاف إلى أوروبا، أو الارتماء في أحضان عصابات المخدرات والجريمة.

• سياسة أربيل في تنمية هستيريا العداء ضد العراقيين ككل، ومنع الشعب الكردي من رؤية الفائدة الكبيرة من وحدة البلاد وان بقاء العراق موحّدا سيحقق الكثير للجميع لو أعيدت صياغة علاقاته بشكلٍ أفضل لضمان المساواة والتنمية الشاملة والتكامل الاقتصادي والنهوض بالمصالح المشتركة والتقدّم.

• ما يجري الآن هو تضحية بالشعب الكردي وأحلامه، ومحاولة لجعل الانفصال عملاً بطولياً فردياً وامتيازاً تاريخيا وفخراً شخصياً لشخص مسعود البارزاني ليعزز استبداده وهيمنة أفراد أسرته.

لكنه ليس مستبعدا أن يجرّ مسعود البارزاني على الشعب الكردي كوارث جديدة بسبب مغامرة حمقاء هو ليس بحاجة اليها أصلا، كما سبقه أبوه وجرّ كارثة فادحة على شعبنا في السبعينيات تسببت في تشريد أكثر من ثلاثة ملايين كردي وخسارة عشرات آلاف الأرواح وتدمير كردستان بيئة وطبيعة وحياة، فيما هرب هو وأسرته الى أمريكا ليموت هناك ذليلاً، ثم ليعود أبناؤه ليأتمروا بأوامر مخابرات شاه إيران (السافاك) آنذاك وينفذوا مخططاتها.

• الانفصال الآن سيخدم الإثراء الفاحش المعزّز للمافيات المهيمنة بالفساد على حساب فقراء وكادحي الشعب الكردي.


لكن هذه الملاحظات والتحفظات تبقى بلا إجابة لأن العراق لا وجود له كدولة، والمافيات التي تحكمه لا تهمها مصلحة البلاد ولا المواطن، وعلينا أن نقبل بذلك شئنا ام أبينا.

وهناك أيضا حقيقة ان حلم الدولة الكردستانية يرثه الكردي منذ الولادة، أما التوقيت والمناخ فشروط يحددها الطرف المعني. ولا يوجد في العراق منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة توقيت ومناخ "مناسب" لأية قضية تهم المواطنين بالفعل.

والمجتمع الكردستاني نفسه سيحدد شكل الحكم في كوردستان فلديه معارضة قوية ونشطة، وهذه عملية طويلة ومعقدة ستأخذ مجراها مع الأيام.

أما الحكم العائلي (عائلتي البارزاني والطالباني مثلا) فليس ظاهرة فريدة ولا غريبة، إذ ان كل بلاد العرب تحكمها عوائل، بل وحتى لم نسمع من اليساريين مثلا اي اعتراض على كاسترو الذي حكم كوبا من المهد الى اللحد واليوم يحكمها اخوه، ولا اعترضوا على حكم (خالد بكداش) المتفرد أو أبدية قيادة (عزيز محمد) للحزبين الشيوعيين في سوريا والعراق رغم كل ما جره هذا الزعيمان التافهان على حزبيهما وشعبيهما من كوارث ومصائب وتضحيات بلا جدوى ولا مبرر، وكلاهما كان كرديا، بالمناسبة.

ولمن رأى ان من حق الكويتيين أن يعيشوا بعيدا عن سلطة صدام ونظامه القمعي وجنونه ونزواته واستبداده، لماذا لا يكون من حق شعبنا الكردي أن يعيش أيضا بمنجى من سلطة الإسلاميين المستحوذين على السلطة في العراق ونظامهم القمعي ومافياتهم وجنونهم ونزواتهم واستبدادهم؟

والذين صدّعوا رؤوسهم ورؤوسنا بالتغني بإرادة الشعوب وحتمية انتصارها، نقترح عليهم تعديل شعر أبي القاسم الشابي ليصبح:

إذا الكُرْدُ يوماً أرادوا الحياة فلا بد ان يستجيب القدر


* * *


(4)

سرقات ملاّ مسعود البارزاني وأسرته



كثيرة هي الظواهر التي تزعجني في صحافتنا ووسائل الإعلام الرائجة، وكذلك في "وسائط التواصل الاجتماعي" شديدة الرواج هذه الأيام حتى أنها صارت أسوأ وأكثر تطفلا من الأجهزة المخابراتية التي "تدخل بين الانسان وثوب النوم وزوجته" (على حد تعبير الشاعر مظفر النواب).

وسأكتفي اليوم بذكر ثلاثة منها لعلاقتها بموضوعنا هذا، وهي:

أ- الثقافة الساندويچية: وأعني الميل الى تداول مقولات تافهة وتعابير وجمل طنانة عقيمة، يظن أصحابها انها أشعار أو مقولات وحكم خارقة لم يسبقهم اليها أحد (أو سبقهم قلة من العباقرة أمثالهم فقط)، وأنها ذات قيمة إبداعية وفلسفية والخ، ويجب ان يصطف المجتمع كله وينحني للمتشدق إجلالا وإعجابا.

ولاحظت هذا الوباء لدى كثيرين ممن يضعون الى جانب أسمائهم ألقابا مثل (مفكر استراتيجي، خبير عسكري، الفنان المسرحي أو السينمائي أو التشكيلي الكبير، الشاعر المبدع، الأديب الفلتة الشهير، المحلل السياسي المتميز، عالِم الحداثة والتنوير... الخ)، ناهيكم عن ألقاب يفترض أنها أكاديمية بحتة لا صلة لها بالمحادثات والحوارات اليومية، أو حتى في فواتح الموتى، مثل "دكتور" و"أستاذ" وغيرها. بل هم يُبدون الامتعاض وعدم الرضا إذا خاطبهم أحد من دون أن يسبق أسماءهم به.

(الطريف ان لدينا رئيس وزراء لا يكتفي بأن يوقع بوصفه رئيس وزراء العراق بل لابد ولا يرضيه إلا أن يضع قبل توقيعه لقب "مهندس" مع أنه لقب بلا قيمة وشهادته مزورة من الأساس وبلا انجازات مهنية!)


‌ب- جوقات التطبيل المتبادل المستعدة على الدوام لإبداء عبارات الإعجاب الصارخة والتعليقات الفجّة التي تتراوح من: يا للإعجاز، يا للعبقرية والروعة، مثلك لا يبارى ولا يجارى، هكذا الشعر والا فلا... الخ.

وهذه الجوقات تتبادل الأدوار فيما بينها فتصدم المتابع بسرعة استجابتها حتى ان إحدى صديقاتي تندرت يوما قائلة:

(نشرت إحداهن كلمات تقول "ان سألتم عنا فنحن بخير!". وخلال أقلّ من نصف ساعة كان هناك أكثر من 44 مشاركة لهذا المنشور المعجزة، عدا مئات "الإعجابات" والتعليقات المنذهلة بروعته وعظمته طبعا.)


ج- انحياز القطيع الى التأييد والتأييد المضاد بسرعة خارقة تعجز عن رصدها أرقى معاهد دراسات ميول الجمهور.

فقبل أعوام من الآن شاعت ظاهرة شتم الأكراد في أعقاب الاستفتاء الذي أجراه الملا مسعود البارزاني، وانتشرت فورا الشتائم على الأكراد والسخرية والانتقاص منهم وكأنهم ليسوا هؤلاء الناس الذي عشنا كل حياتنا معهم ولا نزال نعيش معا ونواجه نفس المصير المظلم في بوتقة الخراب "الوطني" هذي.

ومن كان يرفض الاستفتاء ونتائجه فليست الشتائم والاستفزاز سبيلا لتعزيز الوحدة الوطنية او سمّها ما شئت، ناهيكم عن المبالغة في الاستفزازات المسعورة من الطرفين المتكالبين على نهش بعضهما.

وبين هذا وذاك ضاعت "الأغلبية الصامتة" التي تستنكف من الادلاء بدلوها في مستنقعات الحقد العفنة هذي.

ولم تتوقف المهزلة عند هذا الحد، إذ ما أن أطلق رئيس الوزراء الدمية اللص آنذاك (حيدر العبادي) فقاعة "استعادة السيادة على المطارات والمنافذ الحدودية وصادرات النفط" حتى أطلق غلمان صاحب جريدة المدى والمعتاشون على موائده وعطاياه صرخة استغاثة كاذبة ضد تجويع شعب كردستان! ثم سرعان ما صمتوا بقدرة قادر آمر مسيطر!


وسرعان ما انقلبت نفس القطعان التي كانت تدعو قبل قليل الى الانتقام من الأكراد وتلقينهم دروسا في الوطنية، لتتباكى على الشعب الكردي الذي جوّعه "العراقيون" وتتآمر عليه اليوم "قوى الطائفية الشيعية" المجرمة، وكأن الأكراد ليسوا هم أيضاً "عراقيين".


والحقيقة أن شيئا من كل هذا لم يحدث إطلاقاً، سوى ان الحزب الشيوعي المشهور بانتهازيته الاحترافية وتملقه للقيادات الكردية مذ لفظه البعثيون والقوميون العرب، أصدر تعليماته لبقايا أتباعه بتصعيد موجة التباكي تلك، وأصدر هذا الحزب الذليل بيانين خلال عشرة أيام دعا فيهما متلهفا الى:


(أولا) رفض المطالب غير المسؤولة لمن يدفعون في اتجاه فرض نوع من الحصار على الإقليم و:

(ثانيا) إغلاق منافذ العراق أمام التدخلات الإقليمية والدولية.


وواضح ان هذا الحزب لا يعني ما يقول، بدليل أنه سيجلس سريعا جدا مسترخياً مستريحاً في "حضن "سيّده مقتدى"!

وهو قطعا حزب لا يهمه الدفاع عن الشعب الكردي الذي سبق له ان رفع السلاح ضدّه خدمة للبعثيين. بل هو محض سعار أهوج مفضوح دفاعا عن الفاشية الكردية العنصرية وخدمة لها وتنفيذا لأوامرها.

وقبل هذا، وضمن تصعيد الحملة الأولى على ملا مسعود وآل بيته، نشر بعضهم "تسريبات خطيرة" فحواها ان البارزاني وأزلامه سرقوا أكثر من 300 مليار دولار. بل وتطوع البعض لنشر تفاصيل تلك السرقات والبنوك التي أودعت فيها وبأسماء مَنْ مِنْ افراد أسرة البارزاني، حتى لكأن اللص الوحيد في البلاد هو بيت البارزاني بينما الطالباني وحاشيته أبرياء أنقياء، أما الأحزاب الإسلامية ومافياتها الطاهرة فحاشا أن تطالها تُهم اللصوصية والمال الحرام، والعياذ بالله.

وتوضيحا لبعض الحقائق، وتنبيها للحمقى المطبّلين لتلك التسريبات الغبية، أورد هنا بعض الملاحظات التي تثبت خطلهم وقصور عقولهم وتفاهة من يتداول تلك المنشورات التي لا تخدم إلا في تأجيج الأحقاد والتغطية على لصوصية الأطراف الأخرى في اللعبة، واعني آل الطالباني وحاشيتهم، والتغيير وعصاباته، والاتحاد الاسلامي ولصوصه، واياد علاوي وزمرته، والقوى الطائفية التي تدعي تمثيل أهل السنّة بمختلف زعاماتها، ويبقى بطل المشهد طبعا السادة الأجلاّء لصوص وفاسدو ومفسدو الأحزاب والمافيات الشيعية التي أخجلت حتى مافيات المخدرات والدعارة والقتل المجاني بسلوكياتها القذرة التي يصعب حتى على أكثر أتباعهم ولاءً وغباءً تغطيتها والتستر عليها.

وهنا مرتكزات ملاحظاتي بشأن سرقات بيت البارزاني:

ان الأرقام التي تقترح سرقة البارزاني وأسرته مبلغ 300 مليار دولار مُبالغ بها جداً جداً، لأن جميع واردات العراق من النفط، والذي هو المصدر شبه الوحيد للإيرادات الحكومية "المعلنة"، لا يزيد مجموعه عن 700 مليار دولار طوال السنوات الخمس عشرة الماضية.

علماً إنّ:

1- انتاج العراق من النفط كان متذبذبا جدا خلال السنوات المذكورة كلها (ولا يزال) وليس هناك معدل انتاج ثابت. وفي بعض السنوات بلغ الإنتاج اقل من 2 مليون برميل يوميا، وبأسعار متدنية أيضا بحيث لم تبلغ قيمة الواردات الشهرية أكثر من 2 مليار دولار شهريا (في بعض الأشهر)، فمن اين جاءت هذه المبالغ والأرقام الخرافية؟


2- ‌هذا لا يشمل طبعا أكثر من 37 منفذ "خصوصي" لتسريب النفط العراقي من الناصرية والبصرة والعمارة وبغداد وكركوك تحت اشراف حزب "فضيلة" والمجلس الأعلى (بشقّيه) وحزب الدعوة (بشقّيه) وجيش المهدي وباقي مافيات اللصوصية الدينية والوطنية، وهو ما يستفزّ أعصاب القائد الوطني الهمام اياد علاوي الذي لم يتركوا له حصة كبيرة من النهب والفرهود فيجيب قائلاً حين يُسأل عما يجري: (والله ما أدري!).


3- ‌ان حجم السرقات المهول من حقول كركوك مثلا أدى الى قتل أكثر من 10 مدراء حسابات في شركة نفط كركوك بالتتابع خلال فترة قصيرة نسبيا لأن كل من يكتشف السرقات وأرقامها المرعبة يحكم على نفسه بالإعدام ويتم تنفيذ هذا الحكم فيه على باب الشركة أو حتى داخل مكتبه، وعمليات التصفية مستمرة.

وتجري عمليات التصفية ذاتها باستمرار في بقية المحافظات (الجنوبية تحديدا) ولكن دون ضجيج، وتحت مسميات "تصفية حسابات عشائرية" أو "الخروج على الأعراف والتقاليد" الأخلاقية والدينية والوطنية!


4- ‌أسعار النفط العالمية متذبذبة جدا، لأسباب كثيرة ليس هذا موضع التطرق اليها، ولا تثبت عند مستوى محدد. وطبعا يروق لناشري هذه الأخبار (الملفقة) أن يحسبوا تلك الايرادات على أساس ان سعر النفط بلغ يوما ما حوالي 150 دولارا للبرميل الواحد. وهذا غير صحيح لان سعر البرميل حاليا لا يتجاوز ربع ذلك المبلغ في أحسن الأحوال، وانخفض في أحيان أخرى الى واحد من عشرة منه تقريباً.


5- ‌في إحدى المناسبات حاولت بعض مافيات تهريب النفط العراقي استدراجي شخصيا وطلبت مني التوسط في "تسويق" كميات كبيرة من النفط الخام العراقي (والايراني ايضا) بسعر أقل من 18 دولارا للبرميل في وقت كان السعر العالمي يفوق 130 دولارا للبرميل الواحد. ولا زالت العروض قائمة من نفس الجهة ومن مافيات أخرى بسعر يقل عن 10 دولارات فقط للبرميل الواحد.


6- ‌النفط العراقي لا يباع بالسعر العالمي المعلن على الاطلاق ولا يحقق العائدات المعلنة أبدا لأنه يمر من خلال "مصافي" مافيات النهب الوطنية الكثيرة وصفقات التهريب الدولية ويباع بأقل من نصف ذلك السعر غالبا. وإذا خصمنا منه عمولات المافيات الدينية والقومية والوطنية المشرفة على التهريب والمتحكمة بالبلاد وأهلها وثرواتها، فالمردود الفعلي لكل برميل نفط لا يزيد عن 20 دولارا للبرميل الواحد في أحسن الأحوال. بل وحتى هذا المبلغ لا يدخل الى صندوق الإيرادات الصافية لأنه يمر بغرابيل "خُمس السادة" والزكاة وفتاوى السيستاني عن "مجهول المالك الذي لا حرمة له"

و"الاستحواذ عليه" ليس حراما وغيرها من الحيل وصور النهب والحواسم الشرعية.


7- ‌ان جزءا مهما من إيرادات النفط "الصافية" تذهب لتمويل النفقات البيروقراطية ورواتب وامتيازات النواب والوزراء ونفقات مكاتبهم ومافياتهم وحماياتهم وباقي كبار لصوص المؤسسات الحكومية. كما يذهب القليل منها لتمويل "البطاقة التموينية" والمشاريع الخدمية الضئيلة جدا التي يتم تنفيذها (على كثرة مساوئها وبرغم نسب الغش العالية جدا فيها) والتي تبقى تكاليفها فعلية وتُصرف مبالغها من الميزانية على أية حال.


8- ‌إذا كانت كل إيرادات النفط العراقي خلال كل السنوات التي أعقبت سقوط سلطة صدام ابن العوجة لا تتجاوز في أحسن حالاتها ما مجموعه 700 مليار دولار أمريكي، فكيف يمكن للمافيا البارزانية وحدها أن تسرق كل ذلك المبلغ؟ وماذا تركت لمافيا الطالباني؟ وكيف تسمح المافيات الحاكمة والعصابات المهيمنة في الوسط والجنوب بذلك دون أن تنال حصة الأسد من تلك "الإيرادات الشرعية"، وهي تنال حصة الأسد فيها قطعا.


9- حصة المافيات الحاكمة في كردستان تقلّ، وفق حساباتي، عن ربع مجموع السرقات الوطنية من كل إيرادات النفط العراقي، وهذا هو سبب الخلاف الحقيقي وسبب تهديد البارزاني بالاستقلال، لأن الاستقلال يعني الانفراد بالسرقات وليس شيئا آخر. وهو ما تفهمه القيادات الشيعية تماما وتصرّ على عدم التنازل عن حقوقها "الشرعية" (تحت ستار "قدسية الوحدة الوطنية") حتى لو ذهب كل شعبنا الكردي الى الجحيم. واسألوا الشيخ الجليل جلال نستلة الصغير وتيار الحكمة والسيد مقتدى، أرواح الحزب الشيوعي العراقي له الفداء، وشيوخ حزب فضيلة وبقية الأفاضل من أولياء أمور شعبنا الكرام وحماة دينه وعقيدته.


10- ‌قبل أن يتكرم أحد بتوزيع السرقات بأرقام مهولة ما أنزل الله بها من سلطان، يجب الانتباه أيضا الى أن الدولة العراقية (بشطريها المركزي والكردي) توظّف أكثر من خمسة ملايين موظف ربعهم تقريبا عسكريون والباقون مدنيون، إضافة الى أكثر من مليون من المتقاعدين.

وإذا حسبنا رواتب هؤلاء على أساس 500 دولار شهريا لكل منهم، وهذا معدل قليل نسبيا يتراوح بين ويشمل من الموظف البسيط والشرطي والجندي الى المدير العام، فان مجموع رواتبهم يبلغ (500 دولار مضروبا في 12 شهرا مضروبا في 6 ملايين)= 36 مليار دولار، أي ما يزيد مجموعه على 400 مليار دولار للسنوات الخمس عشرة الماضية. فمن اين تأتون بهذه الأرقام العجيبة، وكيف تصدقونها أنتم أنفسكم؟


11- ‌كل حكامنا ومسؤولينا وسياسيينا لصوص وسفلة وفاسدون بجميع فئاتهم وأحزابهم وأديانهم وطوائفهم وقومياتهم وأصنافهم ومراكزهم. لكن كي تكسبوا ثقة الناس وتنشروا الفكر السليم فعليكم ان لا تكذبوا، أما أن تكذبوا كذبا صراحا مفضوحا هكذا ففي كذبكم خدمة للفاسد واستغفالا للشعب وضحكا عليه.

* * *

الحقيقة المرعبة الصادمة التي لا يتكلم عنها أحد هي:

(لا يعرف حقيقة وأرقام كميات انتاج النفط الفعلية سوى شركات النفط! وهذا سر يستحيل البوح به أو الاطلاع عليه!

* * *


(5)

ملاحظات ختامية


لو (لو...!) كان العراق دولة حقيقية قوية تقودها فئة أو شريحة سياسية كفوءة ومخلصة ومسؤولة تأخذها من رقي الى رقي ومن قوة الى قوة وتفرض احترامها بين الدول والشعوب، فهل كان أحد سيفكر بالخروج على وحدته والانفصال عنه؟


• إذا كان البديل عن الطالباني والبارزاني هو المالكي والعبادي والجعفري وعبد المهدي والكاظمي والسوداني وباقي التشكيلة القميئة، وإذا كنت أنت كرديا، فأيهما ستختار حاكما عليك؟


• ما الجديد في موقف البارزاني الذي صرّح في مقابلة له مع صحيفة الشرق الأوسط في 3 شباط 1991 بأن "للحركة الكردية هدفان، هدف مرحلي هو الحصول على حقوق الشعب الكردي وفق المبدأ القانوني للحكم المحلي في نطاق الدولة العراقية، وهدف استراتيجي هو تقرير المصير القومي في دولة مستقلة".


• قالت حركة "لا للاستفتاء"، التي انطلقت في السليمانية في آب الماضي، ان سلطة البارزاني "تهين شعبنا منذ 26 سنة وترتكب الخروقات للحريات ونهب الثروات والأموال العامة، وهي سلطة وراثية قسمت وطننا بين مجموعة عوائل".

فلماذا لا تأخذون هذا الموقف كتعبير عن رأي شعبنا الكردي؟


• ان اعتبار البارزاني ممثلا للشعب الكردي هو بحد ذاته جريمة تسلب من شعبنا الكردي حقوق تمثيله وتمنح البارزاني حقا لا يمتلكه، وكذلك الحال مع حكومة بغداد التي تدعي بأنها تتحدث باسم الشعب العراقي.


فهل يمثل البارزاني الكرد؟

وهل يمثل سياسيو بغداد الفاسدون وبرلمانهم ولصوصيتهم ومافياتهم موقف شعبنا العراقي؟


• ما علاقة إسرائيل بكل هذا، ومتى يكف أبطال التحليل السياسي الممزوج بالحقد والخبث والحقارة عن التلاعب بهذه الورقة التافهة لتلويث سمعة الشعوب، وكأن التحالفات مع السعودية وقطر وتركيا وإيران ومصر والأردن، أكثر شرفا من العلاقة بإسرائيل؟ أو ان ما يحق للعربان من تحالفات مع إسرائيل محرّم على الأكراد.


ولماذا تكون الإشارة الى اليهود مهينة واليهود بشر طبيعيون عاشوا بيننا كأهل وجيران وأصدقاء لمئات السنين، وأبسط دليل على شرف اليهود وانسانيتهم ورقيهم هو أنهم لا يأكلون لحم بعضهم بعضا ولا يقتتلون فيما بينهم كما نقتتل نحن العرب والأكراد ويأكل بعضنا لحم بعض.


والحقيقة أني أرى الجواب فيما يلي:


1- ليس هناك شعب عراقي موحد وسكان العراق شراذم متفرقة تتبع ميولا متخلفة من قومجية و"مللجية" و"عشائرجية" و"طائفجية" وغيرها من أصناف الفئويات المريضة التي لن تصنع وطنا جميلا ولا مجتمعا بشريا سويا.


2- كل فئة من تلك الفئويات تتبع رمزا مقدسا تلتف حوله، وما دامت جميع القيادات المتاحة في البلاد متخلفة ومتعصبة، فلن يكون هناك أي تجمع نبيل يتحد حوله الناس في هذه البلاد، فشبابنا الخاوي من العمق والمعرفة السياسية والخبرات، والهارب من بؤس أيامه القاحلة الساحقة وانعدام أية فسحة ترفيه أو نسمة صحية في حياته، يتحزّبون حتى لفرق رياضية لا تنتمي اليهم أصلا مثل برشلونة وريال مدريد، وهم لا يفهمون انها مجرد مؤسسات رأسمالية تستثمر انحيازاتهم الغبية لتوسيع رقعة انتشارها الدعائي وتجني المليارات من ورائهم فيما هم يقتتلون فيما بينهم، ولن يستطيع اي مفكر أو خطيب اقناعهم بأن جميع النوادي الرياضية المهمة في العالم مملوكة معظم أسهمها لشركات القمار ومؤسساته الدولية الكبرى وهي التي تقرر نتائج مبارياتها في مساومات محسوبة، بروح "رياضية" صميمة...!


3- العراقيون "لملوم" من أفراد تسوقهم فردانيتهم الانانية وخليط العقد الموروثة والمستوطنة فيهم، المثقف فيهم منافق والجاهل منافق وكلهم كذاب ويستحيل توحيدهم على فكرة نبيلة، وأبسط دليل على فسادهم كلهم (وأشدد على "كلهم") هو ان من لا يأخذ الرشوة فيهم فهو على استعداد لدفعها، ومن لا يسرق بنفسه فهو يعرف لصا قريبا منه ويتستر عليه، ومن لا يمارس الخيانة بذاته فهو يعرف خائنا قريبا اليه ويتواطأ معه بعلم وقصد، ومن يصرّح انه ضد الوساطات والمحسوبيات يمارس هو ذاته الاستفادة منها حين يتعلق الامر بمصالحه هو أو مصلحة ابنه او ابنته أو أي شخص يعنيه.


4- العراق مجزأ أصلا قبل أن يقرر فلان او علان تجزئته. ففي بلد لا يختلف فيه الشيعة والسنة فقط على مواعيد الهلال ومواقيت الصلاة، بل ويختلف فيه حتى مراجع الشيعة على تلك المواقيت وفقا لمطامعهم من "حقوق السيد" من الخمس والزكاة، وكلهم يدعي انه الأقرب الى روح الله والى الامام الغائب المنتظر. وقبل أن يتجرأ مسعود البارزاني على طرح فكرة الانفصال، التي راودته وراودت أباه قبله لعشرات السنين، سبق لعبد العزيز الحكيم أن طرح مشاريع تقسيم العراق الى فدرالية البصرة وفدرالية الفرات، فلماذا جرى السكوت عليه؟


5- لم تكفّ مافيات المالكي والعبادي وبقية الزمر الطائفية الشيعية والسنية، وأبواقها الاعلامية، يوما عن تأجيج لهيب الأحقاد الطائفية وهي تستعجل الخلاص من مرحلة استقلال كردستان لتبدأ مرحلة تقسيم ما تبقى من جثمان العراق الذبيح بين دولتين شيعية وسنية، ليتم بذلك ضياع الوطن والمواطن وفق صفقة قذرة اتفقت عليها الأطراف المعنية باللعبة منذ مؤتمرات المعارضة العراقية في التسعينيات، وتم فعليا تنفيذ لعبة تصفية وجود الاقليات العرقية والدينية تمهيدا لذلك.


6- شعب يرتضي أن تسيّره الغيبيات في زمن العلم والعولمة، ويرتضي أن يحكمه ويقرر مصائره مسوخ من أمثال المالكي وعلاوي والعبادي والجعفري والعامري والبارزاني والطالباني والبياتي والخزعلي والربيعي والفلتاوي والكاظمي والسوداني ومعصوم وعبد المهدي وعمار ونصيف والمطلك والعاني والكربولي والخنجر والدوري والحلي والكبيسي والصميدعي والدليمي والنصراوي والنجيفي وأمثالهم من هذه الزمرة القميئة، لا يستحق هذا الشعب أفضل مما اختاره لنفسه بنفسه، ولا يحق له الاعتراض على شيء سيعيد اختياره مرارا وتكرارا وبإصرار لأنه مصاب أصلا بلوثة الانحطاط والتعفن الحضاري والسقوط الانساني.


7- هذا الشعب الذي صوّت على دستور لم يقرأه ولم يفهم ما فيه، وينتخب للبرلمان أشخاصا أثبتوا مرارا انهم فاسدون مع سبق الإصرار، هو نفسه الشعب الذي جعل البرلمان العراقي صاحب الكلمة الحاسمة والمخوّل بحقّ لأن يقرر في هذا الشأن وفي كل شأن. وما دمتم قد انتخبتم هؤلاء الفاسدين بإرادتكم "الحرة" فعليكم القبول بحكمهم...

وقل لا يولَّ عليكم إلا من كان منكم... وبالتزوير المعلن والمكشوف أيضا.


وإذا كان اهل العراق لا يتحملون أخطاء سلطتهم، كما يزعمون، فكذلك اهل كردستان.

ينبغي التمييز بين سياسات واداء المحتكرين للسلطة في اقليم كردستان وبين القضية الكردستانية.

إقامة دولة مستقلة من حق شعب كردستان.

وهذا الشعب يمارس حقه في تقرير المصير، ان كان يريد البقاء ضمن العراق او يريد ان يقيم دولته الخاصة.


* * *



هل العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة؟

والحوار الوطني المزعوم بين "من" و "من"؟

المبدأ الأساس هو ان كل مواطن يمثل كل الوطن وهو الأغلبية، بينما السياسيون والحكام أقليّة مدانة باللصوصية والخيانة والجريمة والفساد والتآمر على أموال الشعب وسيادته وحقوقه، الى أن يثبت العكس.

ولن يقف العراق على قدميه ويتنفّس هواءً نقيا إلّا بكنس كل السياسيين الحاليين ومافياتهم.

فكل سياسي أمير حرب أو مشروع أمير حرب،

لص أو شريك لصوصية،

فاسد أو متواطيء في فساد!


قالت حكومة إقليم كردستان يوم الثلاثاء 14 تشرين الثاني 2017، إنها

"تحترم تفسير المادة الأولى من الدستور، التي تعتبر العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، وتعتبرها مدخلا لحوار وطني شامل"!

فهل العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة فعلا؟

والحوار الوطني المزعوم الشامل بين "من" و "من"؟

ومَنْ مِنْ هؤلاء يمثّل الوطن ومَنْ مِنْهم يمثّل المواطن؟

لماذا وضع مسعود البارزاني نفسه موضع كل هذا الذلّ والهوان والامتهان هو الذي كان قبلها بشهرين فقط أقوى شخصية سياسية في العراق والحاكم بأمره في دولتين متداخلتين إحداهما ملك يمينه المطلق شرعا وفعلا وقانونا والثانية يمتطيها متى شاء وكما شاء جلالته؟

ألم يكُ يدرك أو يتوقع، وهو الضبع المستأسد على فصيلته من الضباع ممن استفردوا جميعا بشعبنا المسلوب الارادة، ان حلفاءه ليسوا حلفاء في الحقيقة لأن الضبع لا يأتمن اخاه؟ وانهم سرعان ما سينقلبون عليه إذا سال دمه ليفترسوه هم قبل سواهم؟

ألم يقل احد لمسعود البارزاني أن كندا هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة وهي أمة ثنائية اللغة حيث الإنكليزية والفرنسية لغتان رسميتان على المستوى الاتحادي، وهي من أكثر دول العالم تطوراً وتمتلك اقتصاداً متنوعاً وتمتلك موارد طبيعية وفيرة، وهي عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة الثمان ومجموعة العشرين وفي حلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية ودول الكومنولث والفرنكوفونية ومنظمة الدول الأمريكية والأبيك والأمم المتحدة، وتمتلك واحداً من أعلى مستويات المعيشة في العالم حيث مؤشر التنمية البشرية يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً.

لكن كندا رغم كل ذلك لم تخرج عن سيادة التاج البريطاني ولا زالت تفخر بانها إحدى دول الكومنويلث وأن ملكة بريطانيا ملكتها.

فما الذي دعاك، وانت الذي فشلت الى اليوم في كسب احترام جيرانك من أكراد السليمانية وحلبجة واعترافهم بك قائدا، لأن تستهتر هكذا وتبصق على علم بلادك وتدوسه بحذائك وترفع بدلا عنه علم دولة أخرى، كائنا ما كانت تلك الدولة الاخرى؟

والسؤال الأهم لنا جميعا هو لماذا سمحنا ونسمح لمثل مسعود ان يقول "كردستان" او "الشعب الكردي" وهو يقصد "أنا" وحين يقول "أنا" فهو يقصد كل "كردستان" وكل "الشعب الكردي"؟

ولماذا سمحنا ونسمح لإبراهيم الجعفري اللص الدعيّ الذي يدعي الخبل والمالكي وأمثاله ان يقول "العراق" او "الشعب العراقي" وهو يقصد "أنا" وحين يقول "أنا" فهو يقصد "العراق" وكل "الشعب العراقي"؟

وهل كانت مشكلتنا مع صدام ابن العوجة التكريتي وكل الأوغاد الآخرين الذين استبدّوا بالعراقيين وصادروا ارادتهم وأخْرسوهم قبل ان يحكموهم، إلا هذه المشكلة ذاتها:

أن يقول الحاكم أنا الشعب والشعب انا.

الى متى سيبقى هذا الشعب خانعا راكعا ذليلا يأتي كل منحرف من شذاذ الآفاق مثل قادة مافيات وقطعان النواب الذين يزعمون تمثيل الشعب ليصادروا ارادته فيتحدث أحدهم باسم الشيعة او السنة او الايزيديين او الاكراد أو سواهم وهو ليس الا مرتزقا فردا تافها ليس في تاريخه كله ما يشرّف أحدا؟

لا تنقصني الأسماء هنا لإيراد الامثلة لكنني لا أوردها لسبب بسيط هو أني اتحاشى ان أنسى ذكر أحدهم فيظن أنه أفضل من سواه فيما هم جميعا بعوض وطفيليات قذرة تنتمي الى نفس المستنقع ونفس بؤرة العفن.

وما يدسّ الملح في الجرح أكثر هو أن يتشدق بعضهم بأنه يمثل أكثرية مزعومة مقابل أقليّة مزعومة حتى جعلوا من الشعب مجرد شراذم من أقليّات يتلاعبون بها كيفما شاءوا.

هذه أيام حاسمة في تاريخ هذا الشعب وهذه البلاد، وعلى الناس ان تستيقظ قبل ان تُداس أكثر لتغوص أكثر في مستنقعات الذل والهوان.

لا أقليّة في العراق إلا شذّاذ الآفاق والمافيات الحاكمة والأحزاب الدينية والقومية والطائفية والفئوية والمجاميع الاجرامية المتنفّذة من الفاسدين.

أما الأكثرية فهو المواطن... المواطن الذي لا يحتاج الى عنوان آخر يحسبه على أو ينسبه الى دين او قومية او طائفة او فئة او عشيرة.

مسعود البارزاني ليس الأكراد،

لأن كل كردي في العراق هو العراق وكل العراق سيكون كرديا حين ينتفض المواطن الكردي دفاعا عن انسانيته ومواطنته، وبغداد نصف أهلها أكراد، والمافيات الشيعية والسنية وغيرها لا تمثّل المواطن العراقي لأن المواطن لا يمثله الاّ هو نفسه وصوته الحرّ...

وكل مواطن هو كل الوطن.

شعب العراق ليس شعب أقليات إلا إذا أراد استمرار الدوس على كرامته واهانته، فكل مواطن في بلادنا اغلبية،

والحاكم هو الأقليّة لأن الحاكم ليس إلا خادماً مشبوهاً متهما بالخيانة والجريمة والفساد والتآمر على الشعب وسيادته وحقوقه،


الحاكم خادم خائن لأنّه لا يكتفي براتب ضخم ومزايا وامتيازات وضعها لنفسه بنفسه بل يسرق يمينا وشمالا ويخون شعبه وبلاده وما بين يديه من أمانة، وهو أثبت بالممارسة الفعليّة وبالدليل القاطع انه لا يستحق الثقة ولا الاحترام.

فهل نحن شعب يستحق الاحترام؟

* * *

سياسيون وقادة وزعماء ورموز ومثقفون ومفكرون من كل التوجهات والتيارات والمزاعم والأفكار والملل لا خير فيهم ولابطولة لهم إلا في شأن واحد وحيد يجتمعون ويتفقون ويتواطأون عليه بلا تردد:

استعباد المرأة واقتسام لحمها...

فأي شرف عظيم!



#محمد_يعقوب_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رَذاذ دجلة
- بين المؤمن والملحد
- المثقف العنكبوت والنهوض المستحيل لأمة تعشق انحطاطها
- خرافة المصمم الذكي والتقدم الى الخلف لدى الربوبية
- تركيا أوردوغان راعية العقيدة وحامية حمى الاسلام
- فقاعة الاسلام العصري ومواكبة الحداثة
- مخاطر الاستغلال الجنسي والبدني للأطفال والقاصرين من قبل الما ...
- موسوعة (الكون) ومحاورات الإسلاميين عن الخالق
- أرقي وشيء فيك
- حَنِين
- ماركس يعود الى واجهة الفكر الانساني وتحولات المستقبل بأعظم ق ...
- سراج الحب الأول
- رَذاذ
- يعقوب
- الديمقراطية الإسلامية وشرعية المعاصصة الانتخابية ومهام النهض ...
- خرافة الفكر الإسلامي ومآخذها
- العلمانية ضرورة لازمة للتطور الانساني وجذوة الأمل
- حتمية التصادم وإستحالة التوفيق بين العلمانية والدين
- بنفسج
- نار الخيمة ترفد شعلة الثورة


المزيد.....




- هذا ما قاله الجيش الإسرائيلي عن سبب ضرب الطريق الواصل بين سو ...
- الأضخم في تاريخ مصر.. السيسي وبن زايد يطلقان مشروع رأس الحكم ...
- -قيل لإسرائيل إنها ليست وحدها، لكن عاما من الحرب جعلها معزول ...
- المحكمة الأوروبية تبطل اتفاقين تجاريين مع المغرب
- أردوغان يحذر من -خطة إسرائيلية خبيثة- أكبر من غزة والضفة الغ ...
- إعلام غربي يكشف طريقة اختراق إسرائيل لـ -حزب الله- استخبارات ...
- -حزب الله- يعلن استهداف جنود إسرائيليين خلال تقدمهم في جنوب ...
- الأمين العام السابق لحلف -الناتو- ينس ستولتنبرغ يأسف لعدم إن ...
- خبير سياسي أمريكي يعلق على تصريح مثير لترامب عن نهاية الانتخ ...
- نيبينزيا: ألمانيا تعرقل التحقيق في تفجير -السيل الشمالي-


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد يعقوب الهنداوي - ذكرى استفتاء استقلال كردستان - لا للحياة معاً إلاّ اختياراً وإلا كان اغتصاباً