أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود سالم - الشعب الذي يرفض أن يموت















المزيد.....

الشعب الذي يرفض أن يموت


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 14:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا
وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلا
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا
محمود درويش

١ - القليل جدا من الصحف الغربية وأدوات الإعلام تتجرأ على وصف ما تقوم به إسرائيل تجاه سكان غزة وفلسطين عموما بالمجزرة أو بالمذبحة، والقليل من أدان الإستعمال "الغير متكافيء" للسلاح من قبل الجيش الإسرائيلي، وكأنه هناك إمكانية للتكافؤ بين جيش الإحتلال بمدرعاته وفيالقه وطائراته وأدواته الجهنمية، وبين شعب أعزل جائع محاصر مهان محتل مهزوم ممزق ضائع مراقب من السماء والأرض والبحر .. ولكن هذه الصحف وأدوات الإعلام - القليلة - التي تدين قصف غزة بالطائرات، لا تمارس سوى الإنشاء الركيك وإعادة نفس الإسطوانة القديمة في كل مرة، التنديد والإدانة للطرفين والدعوة للعمل من أجل السلام، وينسون ويتناسون أن المذبحة أو المجزرة أو القتل بالمئات أوأي من الصفات التي يمكن ذكرها واختراعها ليست مصطلحات " قانونية "، هم الذين يتغنون بالقانون والشرعية والديموقراطية ليل نهار، وإنهم يستعملون هذه الكلمات لمجرد التمويه والتعمية، مجرد كلمات بائسة عاجزة عن أن تقول شيئا له نتائج ملموسة، كلمات تظل ملقاة على الورق بلهاء خرساء صماء. إن ما قامت به وتقوم به إسرائيل يسمى في لغة القانون الدولي "جريمة حرب" ينفذها جيش إسرائيل الرسمي تحت سمع وبصر العالم بأسره، وهذا هو ما لا تريد الصحافة ولا الإعلام الغربي الإعتراف به ولا مجرد ذكره. لأن جريمة الحرب يعاقب عليها القانون الدولي بواسطة محكمة العدل الدولية والتي أخترعها الغرب ذاته لمحاكمة الأشرار الذين يرتكبون الجرائم في فترات الحروب .. ولكن من سيجرؤ على إتهام إسرائيل بارتكاب الجريمة، وهي الضحية التي تدافع عن حدودها، بايدن وماكرون وغيرهم من كبار ديموقراطي الغرب صرحوا بكل صفاقة : " إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها " فمن سيجازف بالمطالبة بمحاكمة الدولة الصهيونية ؟ وحتى إن وجدت هذه الدولة أو هذه الجهة الشجاعة، فهل تتجرأ محكمة العدل الدولية على قبول القضية المرفوعة ثم إدانة هذه الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة كما يرددون في كل يوم؟ وحتى لو حدثث المعجزة، وأدينت دولة إسرائيل أو المسؤول عن الجريمة، فمن سيجرؤ على تطبيق الحكم على إسرائيل؟ وربما لإستحالة العملية لرفع القضية ضد هذه الدولة المخيفة إن لم نقل المرعبة أدى في نهاية الأمر، إلى التخلي عن أية مطالبة بهذا الخصوص والإستسلام للأمر الواقع، لقناعة الجميع باستحالة التأثير على دولة إسرائيل، وعدم فعالية المؤسسات الدولية على كل حال لإنهاء الإحتلال وتوقيف الإستيطان والحد من المجازر.

٢ - إن الجريمة التي ترتكبها بها إسرائيل في هذه الساعات في فلسطين ولبنان ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. والعالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا يعرف هذه الحقيقة المروعة، العالم لديه كل التفاصيل، عدد الموتى وعدد الجرحى وكمية الدم المسفوح وكمية الدموع، ويعرف عمق المأساة ومرارة الظلم، ولكن، هناك شلل وعجز أصيب العالم بأسره، فلا أحد يستطيع أن يتحرك، فلماذا يخاف العالم من إسرائيل؟ أم أنهم يصدقون حقا بأنهم شعب الله المختار ؟
ولكن جريمة الجيش الإسرائيلي تلقي ضوءا ساطعا على المنطقة بأسرها وتمكننا من أن نرى بوضوح معنى أحداث السنوات الأخيرة، بطبيعة الحال نحن هنا لا نتذرع بوجود أية خطة أو مؤامرة تستهدف هذه المنطقة الموبوءة بالبترول والطغاة والأمراء والشيوخ والعسكر والأنبياء والآلهة، ذلك أن الظروف وحدها هي التي أدت إلى تحطيم العراق وتفجير سوريا وتفتيت السودان وتمزيق اليمن وأسلمة ليبيا وعسكرة مصر، والصدفة وحدها هي التي جعلت هذه الكوارث تسقط على هذه الدول والمجتمعات المختلفة في لحظة واحدة. فليس هناك مؤامرة ولا "بطيخ" كما يقول إخوة السودان الذي مزقته ضباع أخرى بدورها قبل الأوان، إن الظروف الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وكذلك الظروف الجوية والبيئية من الرياح والعواصف هي التي حطمت هذه الشعوب وجعلتها تهيم في مدنها وعواصمها القذرة المليئة بالأوساخ والغبار، كالأشباح تجري وراء قنينة الغاز ورغيف الخبز وعلبة الحليب والطماطم. يقول مظفر النواب في قصيدته المشهورة " القدس عروس عروبتكم " :

يا جمهورا في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية ؟
هذا وطن أم مبغى ؟
هل أرض هذه الكرة الأرضية
أم وكر ذئاب ؟

٣ - بعض المحللين للوضع الراهن في المنطقة، يرون أن غياب المساندة الدولية والصمت المرعب الذي يصاحب هذه المجازر "المدوية" يرجع بالدرجة الأولى إلى طبيعة القوى السياسية التي تتبنى هذه المقاومة وليس إلى قوة إسرائيل نفسها أو قوة حلفائها ورغبتهم في السيطرة على المنطقة. الكاتب محمد مقلد، نأخذه هنا كمثال، يكتب في الحوار المتمدن بخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة ويري أن ما يميزها عن الحروب السابقة : " هو أن الإسلام السياسي هو الذي تولى هذه المرة مهمة التحرر الوطني، بديلاً من الحركة القومية، مع ما يعنيه ذلك من اختلاف في طبيعة المشروع السياسي وفي طبيعة الحلف السياسي الدولي الذي يقف وراءها. فضلاً عن ذلك، تصرفت قوى الإسلام السياسي في العالم العربي لا كبديل فحسب من برنامج المواجهة القومي بل كعدو له أيضاً وللمشروع النهضوي المرتبك المسمى"جاهلية القرن العشرين". ثم عملت على تعميق هذا العداء بتحالفها مع الكيان الفارسي المحسوب عدواً تاريخياً للعروبة، ما جعلها تظهر عارية من أي حليف محلي أو دولي وأفقدها أي تضامن غير الذي يحمل طابعاً إنسانياً. " ويبدو لنا هذا التحليل صحيحا في الظاهر، ولكنه في الواقع لا يمثل سوى نصف الحقيقة. ذلك أنه من الضروري أن نذكر أن تولي الإسلام السياسي مهمة التحرير الوطني هو نتيجة مباشرة ومتوقعة للحركة القومية العربية التي لم تتخلص من البذرة الإسلامية التي تحملها بل أنها ساهمت في أسلمة حركة التحرر ذاتها كما حدث في الجزائر مع أحمد بن بللا وفي مناطق أخرى. الحركة القومية أعتبرت الإسلام تعبيرا عن الهوية العربية، وأعتبرت القرآن أسمى ما يمكن أن تصل إليه عبقرية لغة قريش وأنه التعبير عن أقصى ما وصلت إليه حضارة العرب من تقدم وإبداع. الحركة القومية العربية كانت محملة بالإسلام، كما كانت الماركسية اللينينية محملة بالستالينية. السيد محمد مقلد يقول بكل بساطة : " لم يقف العالم مكتوف الأيدي لا أيام النكبة ولا في العدوان الثلاثي ولا بعد النكسة ولا إبان الانتفاضات الفلسطينية المتكررة ولا في اجتياح بيروت ولا في مجزرة قانا. لا أيام حركة التحرر الوطني العربية بقيادة القوى القومية الناصرية والبعثية والشيوعية ولا أيام منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. في كل تلك المراحل والأحداث كانت تلتقي الحكومات والمنظمات الدولية وتتدخل القوى الكبرى من داخل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو من خارجهما لتقرر استنكاراً أو تضامناً ولتبتكر حلولاً وتسويات ". فإذا كان كل ذلك صحيحا فما هو تفسير المصير الذي آلت إليه القضية الفلسطينية لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من دمار وخرائب. أن الموقف الدولي من القضية الفلسطينية لم يتغير جوهريا منذ البداية حتى اليوم. الحروب الإسرائيلية ضد غزة ولبنان كانت متعددة ومتكررة قبل إختلاق حماس وقبل وجود حزب الله وغيرها من المنظمات التابعة للإسلام السياسي. بطبيعة الحال، تولي هذا الإسلام للقضية الفلسطينية ناتج عن الفراغ الناتج عن هزيمة القوى التقدمية، والتي بدورها لم تنجح في ممارسة نقدية راديكالية لهيمنة الإسلام على المجتمع، ثقافيا وسياسيا، وكذلك لمحاولة إسرائيل وحلفائها إعطاء المقاومة الفلسطينية طابعا دينيا للتغطية على الإحتلال والإستعمار الرأسمالي للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يسمي بالإسلام السياسي، لا يختلف جوهريا عن إسلام الحكومات العربية والإسلامية في مجملها من الناحية الإيديولوجية، جميعهم بدون إستثناء يدافعون عن رؤية دينية للعالم وللعلاقات الإجتماعية والإقتصادية داخل مجتمع تتحكم فيه قوى ميتافيزيقية وقوانين ما ورائية تعود إلى عدة قرون. الفرق الوحيد بين السعودية ومشايخ العرب الأخرى وممالكها التي أختارت الإنصياع لرأس المال والهيمنة الأمريكية هو أن أحزاب الإسلام السياسي المختلفة أختارت القضية الفلسطينية المهمشة لحسابات سياسية وكرمز لمعارضة هذه الأنظمة السياسية المرفوضة جماهيريا وللحصول على مساندة الجماهير العربية التي ظلت تساند ضحايا الإحتلال.

٤ - واليوم عندما نذكر غزة أو بيروت أمام الحكام والملوك والرؤساء العرب، يقولون والدموع في عيونهم : الله يكون معاهم. ولكن للأسف، الله نفسه هاجر للجانب الآخر حيث الضوء والدولار والويسكي، الله يتواجد في الجانب الآخر للأسلاك الشائكة، حيث تحالف الله الإسرائيلي مع الله الأمريكي يساندهم الله القريشي لتحطيم إرادة الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الغريب والذي يرفض بعناد أن يموت ويرفض أن يترك خشبة المسرح، هذا الشعب الغريب الذي يتحطم وينكسر وينفجر ويفقد كل مقومات الحياة ولكنه مع ذلك لا ينهزم، لم يبق معه سوى صدره وذراعيه وأحجار بيته المهدم، وربما قصيدة لمحمود درويش أو لشاعر آخر يخرج من تحت الأنقاض ليجفف دموع الأطفال.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا نزحف على إسرائيل ؟
- المادة العجيبة
- عن العرب والإسلام والتخلف
- ما هي المادة ؟
- لماذا العبور
- أزمة الفيزياء النظرية
- عالم الذرة وعالم المجرات
- نهاية العالم بين الجحيم والجليد
- الأدلة على نظرية Big Bang
- مراحل الإنفجار الكبير
- الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
- نظرية تمدد الكون
- وتأخر المسيح عن موعده
- بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
- هل للكون بداية ونهاية ؟
- العبث بين الدين والفن
- بداية الخلق
- بين التأمل والتجربة
- بين الإحتمال واليقين
- ساعة إينشتاين


المزيد.....




- هذا ما قاله الجيش الإسرائيلي عن سبب ضرب الطريق الواصل بين سو ...
- الأضخم في تاريخ مصر.. السيسي وبن زايد يطلقان مشروع رأس الحكم ...
- -قيل لإسرائيل إنها ليست وحدها، لكن عاما من الحرب جعلها معزول ...
- المحكمة الأوروبية تبطل اتفاقين تجاريين مع المغرب
- أردوغان يحذر من -خطة إسرائيلية خبيثة- أكبر من غزة والضفة الغ ...
- إعلام غربي يكشف طريقة اختراق إسرائيل لـ -حزب الله- استخبارات ...
- -حزب الله- يعلن استهداف جنود إسرائيليين خلال تقدمهم في جنوب ...
- الأمين العام السابق لحلف -الناتو- ينس ستولتنبرغ يأسف لعدم إن ...
- خبير سياسي أمريكي يعلق على تصريح مثير لترامب عن نهاية الانتخ ...
- نيبينزيا: ألمانيا تعرقل التحقيق في تفجير -السيل الشمالي-


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود سالم - الشعب الذي يرفض أن يموت