أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط















المزيد.....


المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 14:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مؤلف الموضوع: فلاديمير رافائيلوفيتش كابو*

ترجمة مالك أبوعليا

إن مسألة تشابه أو اختلاف أشكال مُجتمعات الصيد واللقاط، وتطوره، وارتباطه بالظروف الطبيعية والتاريخية، لم تُحَل بعد. هذه المسألة هامة جداً، لأن مُجتمع الصيد واللقاط يُشكّل الأساس الذي يقوم عليه صرح الحضارة بأكلمه. وفي كتابي (المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط 1986)، أُظهِرُ أن مُجتمع الصيد واللقاط ذو بُنيةٍ اجتماعية-اقتصادية عالمية أساسية. وانني أُطلِقُ على هذه البُنية اسم "المُجتمع" Community، في اشارةٍ لها الى كونها مُفتاحاً شاملاً لفهم مثل هذه المُجتمعات بشكلٍ عام في جوانبها المُتزامنة والمُتتابعة. ان كتابي مُخصص لرسم وتحليل هذه البُنية ومسائل مُقارنة المُجتمعات في مُختَلَف أنحاء العالَم.
تُظهِرُ العديد من البيانات الاثنوغرافية المُتعلقة بمناطق الصيد واللقاط في العالَم، مثل استراليا وتازمانيا وجنوب شرق وجنوب آسيا، وجنوب ووسط افريقيا، وجنوب وشمال أمريكا، والمنطقة القُطبية، أن المبادئ الناظمة للبُنية الاجتماعية الموجودة عند هذه الشعوب في هذا المُستوى من التطور الاجتماعي، مُتطابقة، أياً كانت الظروف لطبيعية والجُغرافية وغيرها من الظروف المعيشية. بعبارةٍ أُخرى، تتمتع هذه المبادئ بطابعٍ عالمي.
تتميّز هذه البُنيات بالمرونة، والقُدرة على التكيّف مع الظروف المُتغيّرة، وهي تعتمد على النظام التكيّفي الديناميكي الشامل، الذي يُشكّل مُجتمع الصيادين وجامعي الثمار جوهره. وتتجلّى ديناميكية هذا النظام، في قُدرته على التحوّل والتطور. وهو بمثابة قاعدة للانتقال الى مُستويات أعلى من التطور الاجتماعي. وأخيراً، يُمكن التمييز بين البُنيات السطحية والعميقة. هذه الأخيرة تستند بالدرجة الأُولى الى علاقات اجتماعية-اقتصادية، وهي ضرورية لوجود المُجتمع ذاته.
تنقسم مُكونات الثقافات البدائية، الى كُتلتين كبيرتين. تُظهِرُ إحداهما تنوعاً لانهائياً للعناصر التي تتجلّى في مُركبّات فريدة، والتي نشأت في سياق التكيّف الاجتماعي النَشِط مع ظروف المُجتمع الخاصة. أما الكُتلة الأُخرى، فهي على العكس، تُظهِرُ نمطاً واحداً، وهو مُتجّذرٌ في وحدة الانتاج الأساسية، الا وهو المُجتمع Community، وهو شكل اجتماعي مُستقر نسبياً، حساس للتغيرات البيئية الطبيعية المُحيطة. إن هذين العُنصرين، أو الكُتلتين معاً، يُفسران وحدة المُجتمع البدائي، وتنوعه ككيان اجتماعي وثقافي. إن مُجتمعات الصيد واللقاط التقليدية، والتي تطوَّرَت تاريخياً في ظروفٍ جُغرافيةٍ وتاريخيةٍ مُختلفة، تتشابه على أساس ظروف وجودها الاجتماعية-الاقتصادية. ولكن بعض هذه المُجتمعات تُظهِرُ اختلافاتٍ عميقة في العديد من الجوانب الأُخرى. ومهما كانت ظروف الحياة في المُجتمع البدائي التقليدي مُختلفة، فإن بُنيتها الاجتماعية-الاقتصادية، حافَظَت على وحدتها البُنيوية الأساسية.
وباعتبارها ظاهرةً عالمية تتألف من السمات النظامية للتطور الاجتماعي والتاريخي، فإن هذه الكُتلة الثانية أو العُنصر الثاني، يجعل بالامكان اعادة بناء الحياة الاجتماعية للصيادين وجامعي الثمار البدائيين بموثوقية كبيرة. إن هذه المُقاربة المُقترحة، تُساعدنا في الكَشف عن الآليات الداخلية العميقة، والاتجاهات والانتظامات التي تكمن في قلب الحياة الاجتماعية للمُجتمعات البدائية. إن الحدود التي تفرضها بعض المعايير المُحددة، على البيانات الاثنوغرافية، يُمكن أن تجعل اعادة بناء المُجتمع البدائي ذو معنىً بشكلٍ أكبر. على سبيل المثال، يُشكّل اسكيمو النوناميوت Nunamiut، وهم صيادي الكاريبو، ومُجتمع الاينو Montagnais-Naskapi في كندا، والاثاباسكان الشماليين Northern Athabaskan ككُل، نمطاً اقتصادياً واجتماعيا تاريخياً مُعيناً. واذا ما جمعناهم مع شعب الناغاناسان Nganasan، الذين يُشبهونهم في ظروفهم ونشاطهم الاقتصادي، فإننا قادرين من خلال ذلك النمط، أن نُحدد الأساس لنموذج اثنوغرافي واحد. وهذا النموذج بدوره، سوف يخدم بمثابة أساس لإعادة بناء مرحلة مُعينة من التاريخ البدائي في ظروف ايكولوجية مُعينة، مثل تلك التي كانت سائدة عند صيادي أواخر العصر الحجري القديم والعصر الحجري الوسيط في أوروبا.
اعتادت تقاليدنا الأدبية السوفييتية أن تنظر الى العشيرة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الأساسية للمُجتمع البدائي، وأن تطور التنظيم العشيري من الأمومية الى الأبوية هو الخط السائد للتطور الاجتماعي. وعلى العكس من ذلك، فإنني أعتبر المُجتمع Community هو الوحدة الاقتصادية-الاجتماعية الأساسية للمُجتمع البدائي. أنا أعتقد أن المُجتمع Community هو الذي حدَّدَ تطور المُجتمع البدائي. وتطرح البُنية الاجتماعية للصيادي وجامعي الثمار أدلَّةً كافية تُثبت أن المُجتمع Community هو الخلية الرئيسية للمُجتمع البدائي، والتي تُحدد عمل وتطور البُنية الاجتماعية بأكملها.
إنني أُعرّف المُجتمع Community البدائي بأنه مجموعة من العائلات التي تعيش حياةً اقتصاديةً مُشتركة على أراضيها الخاصة. إن المُجتمع Community ذو وجودٍ دوري: فهو يتفكك الى مجموعاتٍ أصغر، أُطلِقُ عليها جماعاتٍ اقتصادية، ثم تعود الى الاندماج مرةً أُخرى (دورات التفكك والاندماج). وسأتناول في وقتٍ لاحقٍ مسألة العشائر وارتباط التنظيم العشائري بالمُجتمع Community.
ولكنني أود، قبل كُل شيء، أن أُناقش المعايير العالمية للمُجتمع Community البدائي في أي منطقةٍ جغرافيةٍ مُعينة:
1- وجود وحدات بُنيوية كالعائلة والجماعة الاقتصادية، وجماعة العمل المؤقتة.
2- الخاصية الاقليمية.
3- اعتماد حجم واستقرار المُجتمع Community على ظروف الانتاج الايكولوجية
4- ارتباط المُجتمع Community بنظامٍ ايكولوجيٍ مُحدد
5- هيمنة المُلكية الجماعية للأرض والمواد الطبيعية
6- هيمنة الجماعية في الحياة الاجتماعية وفي عملية الحصول على الغذاء، جنباً الى جنب مع التحصيل الفردي للغذاء، والتوزيع بين العائلات.
7- توزيع الغذاء المُتكافئ
8- تقسيم العمل وفقاً للعُمر والجنس والتخصص الفردي
9- التبادل الاقتصادي بين المُجتمعات Communities نفسها.
10- الوعي الجماعي لأعضاء المُجتمع Community
سوف أُناقش بعض هذه المعايير بمزيدٍ من التفصيل.
إن شكل وجود مُجتمع Community الصيد واللقاط البدائي، هو مزيجٌ من الجماعات الاقتصادية المؤقتة، التي تتألّفُ من عائلاتٍ مُنفردة. بالاضافة الى ذلك، يُميّز المُجتمع Community داخل نفسه جماعات عملٍ مؤقّتة مُتنوعة، تختلف في الجنس والعُمر، وتؤدّي كُلٌّ منها مهام اقتصادية، ومهام أُخرى مُحددة بوضوح.
يُمكن أن نجد العناصر الأساسية للبُنية الاجتماعية البدائية عن التازمانيين، وهم أقدم المُجتمعات المعروفة في الاثنوغرافيا. تتألف هذه العناصر، من المُجتمع Community والعائلة، والجماعة الاقتصادية، وجماعات المهام. أما البُنية المشاعية الأكثر تعقيداً، فتتألف من مُستويين، مُجتمع Community أدنى ومُجتمع أعلى (على سبيل المثال عند بعض القبائل الاسترالية، وعند شعب الفيدا Vedda في سيريلانكا وبعض الشعوب الأُخرى). إن تحركية المُجتمع Community بين نمط الحياة المُستقر والترحال والمُوازنة بينهما، هو في الواقع تكيّفٌ مع الظروف الخارجية المُتغيرة، والدورة الموسمية الطبيعية.
المُجتمع Community هو في المقام الأول، جماعة انتاجية رائدة، تسعى الى تعديل بُنيتها وتكوينها وأعدادها النسبية، وفقاً للمُتطلبات الانتاجية. إن السمة العالمية العامة للمُجتمع البدائي، هي اقليميته، أي الارتباط المُستمر الى هذا الحد أو ذاك باقليمٍ مُعيّن، يستغله اقتصادياً، كما تنزع التكوينات الاجتماعية العُليا والدُنيا (العائلات، والمُجتمعات Communities والقبائل) أيضاً نحو الاقليمية. إن التنظيم الاجتماعي-الاقليمي المرن للصيادين وجامعي الثمار يتكيّف بشكلٍ جيدٍ مع الظروف التي تحكم أنشطتهم الاقتصادية. والمُجتمع Community هو أحد أهم البُنى التي أقامها المُجتمع البدائي للتكيّف اجتماعياً مع البيئة الايكولوجية المُتغيّرة. إن هذا النظام يتخذ أشكالاً مُتنوعة وفقاً للظروف المحلية حتى في جماعةٍ اثنية واحدة صغيرة نسبياً، مثل التازمانيين والأندامانيين Andamanese.
ورُغم أن الاقليمية، في أشكالها المُختلفة، سمة تُميّز جميع الشعوب التي تعتمد على الصيد واللقاط، الا أن واقع مُمارساتها الفعلية تختلف عند هذا الشعب أو ذاك. الأراضي في ظل المشاعية البدائية، تُحرَس وتُرسَم لها الحدود. ولكن في ظل الظروف البيئية المُعقّدة، لا تكون حدود الأراضي المشاعية واضحة تماماً، وقد تتداخل مع أراضي المُجتمعات Communities المُجاورة جُزئياً. إن توزيع الأراضي والموارد الأُخرى يتم على نحوٍ يُؤمن الظروف الملائمة لكافة المُجتمعات Communities على مدار العام، وهذه العملية يُسهّلها تبادل الموارد على أساس المنفعة المُتبادلة. فعندما يتسبب الجفاف في مجاعةٍ عند مُجتمعٍ Community ما، فإنه قد يجد ما يقيه الموت على أراضي الجيران الذي يُحافظ معهم على علاقاتٍ ودّيةٍ مُتبادلة، فضلاً عن علاقات القرابة والزواج. إن المُساعدة المُتبادلة هي سمة ملحوظة للمشاعية البدائية، تنطبق على المجالات الاقتصادية وغير الاقتصادية.
يعتمد حجم المُجتمعات Communities واستقرارها النسبي على ظروف الانتاج في نهاية المطاف، أي على البيئة الطبيعية وعلى تكنيك الصيد (على سبيل المثال الفرق بين الصيد الذي يُمارسه البيجميين Pygmies باستخدام القوس، والبيجميين الذين يصطادون بالشِباك)، وكذلك على مُستوى الاقليمية، وطبيعة العلاقات داخل المُجتمع.
في ظل ظروف المشاعية البدائية ما قبل الزراعة، كانت جميع الأراضي ومواردها، باعتبارها الوسيلة الرئيسية للانتاج، مملوكةً للمُجتمع Community. وتُشكِّل مُلكية الأرض المشاعية، الى جانب المُلكية الشخصية للأشياء ذات الاستخدام الفردي والعائلي، أساساً للُبنية الاجتماعية الاقتصادية البدائية. في بعض الحالات، نجد قِطعاً عائلةً واحدة تملك أرضاً بشكلٍ مشروط. وتتمتع القبائل والمُجتمعات Communities ذات المُستويين بمُلكية هَرَمية مُماثلة للأراضي. في بعض الأحيان، يكون أعضاء المُجتمع Community، الذين يُشكّلون لُبّه الأساسي، هُم مالكي الأراضي. ويعترف الاستراليون بمجموعات القرابة، باعتبارها مالكةً للأرض. ويتمتع البوشمن بمُلكية الأراضي العائدة الى مجموعة أقارب الدم. ومع ذلك، يجب أن نُميّز بين الأرض باعتبارها مُلكيةً اقتصاديةً فعلية للمُجتمعٍ Community بأكمله، والأرض باعتبارها مُلكيةً لمجموعةٍ من الأشخاص المُعترف بهم على هذا النحو من قِبَلِهم أو من قِبَل المُجتمع الذي ينتمون اليه.
إن الطلب على الغذاء وتوزيعه، يتطلّب جُهداً جماعياً بالدرجة الأُولى، يُلازمه تحصيل الأفراد للغذاء وتوزيعه داخل العائلة. ويعتمد التوزيع على نتائج الجهود الفردية والجماعية وعلى بعض العوامل الأُخرى، وخاصةً العلاقات السائدة داخل المُجتمع Community وبينه وبين المُجتمعات الأُخرى. إنه يعكس العلاقات المشاعية الداخلية بين المُجتمعات والعلاقات بينها.
إن توزيع الغذاء المُناسب، يُقدّم مزايا مُعيّنة لكبار السن والمُتخصصين، مما يؤدي الى بعض التمايز الاجتماعي المتأصل في المُجتمع البدائي. يُمكن أن نرى ذلك عند التازمانيين، ويصل هذا الأمر الى حالةٍ مُتطورةٍ نسبياً عند الهنود الكاليفورنيين. ومع ذلك، لا يعرف المُجتمع البدائي أي طبقات أو فئات اجتماعية، على الرُغم من ظهور بعض الشروط المُسبقة لهذه العملية عند الهنود الكاليفورنيين. لا يُمكن بأي حال، النظر الى المكانة القيادية للذكور في المُجتمع البدائي باعتبارها عُنصراً من عناصر اللامُساواة الاجتماعية. فالتعاون والجماعية هُما من نِقاط القوة في المُجتمع البدائي. إن المكانة الاجتماعية تختلف بين الأفراد، وذلك بسبب اختلاف الجنس والعُمر والخبرة والقُدرات الشخصية. إن الديمقراطية البدائية، التي لا تستثني التخصص الاجتماعي والاختلافات الناتجة عن وضع الجماعات والأفراد، هي سمة تُميّز المُجتمع البدائي.
يُمكننا، في المُجتمع البدائي ما قبل الزراعي، أن نُميّز بين نوعين من التقسيم الاجتماعي للعمَل: ذلك الذي ينشأ داخل المُجتمع، على أساس الاختلافات بين الجنسين والعُمر، وذلك الناشئ بين مُجتمعات عديدة، على أساس الاختلافات في الظروف البيئية والتقاليد الثقافية. إن التبادل بين الأفراد (داخل المُجتمع Community)، وبين المُجتمعات نفسها أو القبائل، يمزج العناصر الاقتصادية والاجتماعية معاً. فبين الاستراليين والبوشمن وبعض الشعوب الأُخرى، هُناك تبادُل مُتكرر ومنهاجي للموارد بين المُجتمعات Communities المُتجاورة.
إن بُنية المُجتمع Commuity الداخلية المُستقرة نسبياً واكتفائها الاقتصادي، وتركُّز الروابط الاتصالية داخله، تُنتِجُ عدداً من السمات المُميزة: وهي وجود لُغة التواصل بين الجماعات الفرعية، ونشوء ظواهر مُحددة في مجال الثقافة المادية والروحية، وأخيراً التمييز بين مُجتمع المرء نفسه، ومُجتمع الآخرين (الوعي الذاتي). هذه الظواهر، تخلق حدوداً مُميزة بين المُجتمعات، وهي ظاهرة واحضة عند الاستراليين والبوشمن وغيرهم من الشعوب. إن القبيلة في هذه المرحلة من التطور، هي كيانٌ اثني اجتماعي ناشئ، وهي في الأساس، وحدة اقليمية من المُجتمعات Communities ذات الأسلاف المُشتركة والتراث الثقافي المٌشتَرَك. وعادةً ما لا تُشكّل القبيلة كُلّاً سياسياً أو اقتصادياً واحداً. إن حدود اللغة والقبيلة لا تتطابق دائماً. وفي الوقت نفسه، المُجتمعات communities التي تُؤلّف قبيلةً واحدة، تُشكّل وحداتٍ اقتصادية وسياسية مُستقلة. هذا هو السبب في أن المُجتمع Community هو الخلية الاجتماعية-الاقتصادية الرئيسية للمُجتمع، وهو كيانٌ حاسمٌ لتطوير الوعي الذاتي لأعضائه. يُعتَقَدَ أن أشكال تحديد الهوية الذاتية الأُخرى، مثل الهوية القَبَلية، هي ثانوية تماماً. إن المُجتمع Community باعتباره كياناً اثنياً اجتماعياً، ويحمل الخصائص الاثنية الرئيسية، يسبق القبيلة من الناحية التاريخية فيما يتعلق هذه الوظيفة الخاصة. يتم الحفاظ على التقاليد الثقافية واللغوية لأي مُجتمع Community من خلال نواةٍ مُستقرةٍ تتكوّن من الأشخاص المولودين في هذا المُجتمع: نواة من الأقارب المُنحدرين من إحدى الوالدين lineage، ونواة من الأقارب المُنحدرين من كِلا الوالدين bilaterally. إن مُجتمع Community الصيد واللقاط، باعتباره الوحدة الاقتصادية-الاجتماعية الرئيسية، هو تاريخياً أقدم كيان اثني.
ان الشعوب المذكورة، تُمثّل أنماطاً اقتصادية وثقافية مُختلفة وأن تكيّفها الثقافي وتطورها المشاعي والاجتماعي مُتنوع للغاية. إن لهذا نتيجةً ملحوظة، تتمثَّلُ في أن المُجتمعات Communities التقليدية ما قبل الزراعية، باعتبارها وسيلةً للتكيّف الاجتماعي، تشترك في مبادئ بُنيوية ووظيفية مُشتركة، أياً كانت البيئة الجُغرافية التاريخية التي نشأت فيها. هذا هو أساس التنوّع الذي طوّرته مُجتمعات الصيد واللقاط على مدار آلاف السنين من التكيّف مع عالمٍ مُتغيِّر. وهذا الأساس يُمكّن المُجتمع ذو التكنيك الضعيف، من البقاء على الكفاف، في بيئةٍ قاسية. إن المُجتمع البدائي، يُعوّض عن التكنيك البدائي باستخدام تنظيمٍ اجتماعيٍّ موثوق ومرن وظيفياً يقع المُجتمع Community في أساسه.
إن التنظيم المشاعي المَرِن، والتغيرات الموسمية الزمنية في عدد السُكّان وتركيبتهم، مُفيد للغاية في ظل ظروف الصيد واللقاط، فهو يأخذ في الاعتبار التغيرات الموسمية، وخصوصيات انتشار الموارد المُتاحة، فضلاً عن أنه يُخفف من التوترات الاجتماعية. إن كُلّاً من الجماعات الاقتصادية والمُجتمعات Communities تتمتع بتنوعٍ كبيرٍ في أحجامها. ولكن هذا التنوع محدود. فالمجموعة الصغيرة جداً، غير قادرة على حل المسائل الاقتصادي والاجتماعية الناشئة، في حين تتطلّب الجماعات الكبيرة جداً، المزيد من العمَل للحفاظ على نفسها، وكثيراً ما تكون سبباً في التوتر النفسي الذي يتطور الى صراعاتٍ مفتوحة. غالباً ما يعتمد حجم وتركيب المُجتمع Community على الصيادين البالغين. ولكن غالباً ما يكون لمراحل التفكك والاندماج الناتجة عن تغيّر البيئة، آثارٌ اجتماعية واقتصادية كبيرة. وهذا واضح في مرحلة الجماعة الكبيرة عند شعوب الأسكيمو، والمُكرَّسة لصيد الفقمات والحياة الاجتماعية الكثيفة. وينطبق نفس الشيء على الاستراليين والبوشمن وغيرهم من شعوب الصيد واللقاط.
إنني أُميّز بين بُنيتين أساسيتين للمُجتمع البدائي ما قبل الزراعة، وهما المُجتمع Community وجماعة القرابة. فالمُجتمع هو الوحدة الأساسية للانتاج، وهو في الوقت نفسه مالِك الأرض، وذلك لأن الأرض في المُجتمع البدائي ما قبل الطبقي هي مُلكٌ للجماعة التي تعمل في الأرض وتستحوذ على مُنتجات عملها. هذه الجماعة، لا تتألف من أعضاء جنسٍ واحدٍ فقط، بل تتألف أيضاً من أعضاء مُجتمعاتٍ Communities أُخرى، وبالتالي، من عشائر أُخرى، على سبيل المثال، زوجات الأعضاء الذكور في المُجتمع المعني. وفي تاريخ المُجتمع البدائي، كان المُجتمع Community، باعتباره المؤسسة الاجتماعية الأساسية، يُقيم جماعات القرابة، والتي تعتَبِرُ نفسها مالكةً للأرض. ولكن حتى في مثل هذه الحالات، يظل المُجتمع Community مالكاً للأرض بالمعنى الاقتصادي للكلمة.
تلعب علاقات القرابة دوراً في تشكُّل المُجتمعات البدائية، حيث يُمكن لأعضاء المُجتمع Communiy أن تتبعَ علاقات القرابة من خلالها. إن علاقات القرابة الدموية، هي العامل البُنيوي الشامل (وان لم يكن الوحيد) في تنظيم المُجتمع Community. والتنظيم العشائري، يقوم على رابطة الدَم، ويقوم في نهاية المطاف، على أساس المُجتمع. إن الأهمية البُنيوية التكوينية لعلاقات القُربى داخل المُجتمعات وفيما بينها، واضحة تماماً، من خلال نظام القرابة الوهمية (على سبيل المثال، في استراليا، أو نظام العلاقات-الأسماء عند البوشمن).
هناك نوعين رئيسيين من الارتباط بين المُجتمع Community والتنظيم القرابي، أي نوعين من المُجتمعات:
1- المُجتمع العشائري المحلّي، الذي يقوم على عشيرة محليّة
2- المُجتمع غير المُتجانس، الذي يتألف من مُمثلي بعض جماعات القرابة غير المحلية.
إن هُناك ميلاً باتجاه نحو محو الحدود بين المُجتمعات القائمة على الاستحواذ، والمُجتمعات القائمة على أنماط الاقتصاد الانتاجي. وقد جَرَت هذه العملية بشكلٍ غير مُتزامن في مُختلف أنحاء العالَم، واستغرَقَت وقتاً طويلاً. ومع ذلك، فمن منظور تاريخي، كان الانتقال الى اقتصادٍ قائمٍ على انتاج وسائل الانتاج، الى جانب إقامة المستوطنات الدائمة، والازدياد السريع في عدد السكان (الطفرة الديموغرافية)، وتراكم فائض الانتاج، وما الى ذلك، هو وحده الذي أرسى الأساس لمُجتمعٍ طبقي حضاري دولتي مُكتمل التكوين. لهذا السبب، من المُناسب تماماً أن نُطلِقَ على التحوّل من الاقتصاد القائم على الاستحواذ (الصيد واللقاط) الى الاقتصاد المُنتِج (الزراعة والرعي) وصف الثورة (ثورة العصر الحجري الحديث)، لأن هذه الثورة، أدَّت الى الانتقال الى مرحلةٍ مُختلفةٍ نوعياً عما كان قائماً من قَبل. ما نقوله صحيح، حتى لو امتدَّت هذه الثورة الى آلاف السنين، وحتى لو اكتملَت هُنا ولم تكتمل هُناك بَعد.

* فلاديمير رافائيلوفيتش كابو 1925-2009 اثنوغرافي وعالم ثقافة ومؤرخ أديان ماركسي سوفييتي. التحَقَ عام 1941 بكلية التاريخ في معهد موسكو الحكومي التربوي الذي كان يحمل اسم لينين حتى عام 1943، التحَقَ كابو بالجبهة وشارَكَ عام 1945 في معركة برلين، وحَصَلَ على وسام النجمة الحمراء. قامَ بين عامي 1945-1949 بالتدريس في كلية التاريخ في جامعة موسكو في قسم تاريخ الاتحاد السوفييتي. انتَقَلَ كابو عام 1954 الى قسم الاثنوغرافيا التابع الى جامعة موسكو. وصارَ منذ عام 1957 باحثاً في معهد الاثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم السوفييتي في لينينغراد، ودافَعَ عام 1962 عن اطروحته للدكتوراة في التاريخ في معهد الاركيولوجيا في أكاديمية العلوم، بعنوان: (أدوات العمل الحجرية عند الاستراليين الأصليين). وفي عام 1970 دافَعَ عن اطروحته للدكتوراة في معهد الاثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم بعنوان: (أصل وتاريخ السكان الأصليين في استراليا). عادَ عام 1977 الى موسكو وعَمِلَ في معهد الاثنوغرافيا هناك. من كُتبه: (أصول الاستراليين الاصليين وتاريخهم البدائي) 1969، (المُجتمع البدائي ما قبل الزراعي) 1986، ومن مقالاته: (بعض المسائل حول ثقافة الاستراليين الأصليين) 1959، (الفن القديم في اوقيانوسيا) 1961، (الأدوات الحجرية عن الاستراليين القدامى) 1962، (تشكّل المُجتمع الطبقي عند شعوب اوقيانوسيا) 1966، (أصول سكان استراليا الأصليين في ضوء المُكتشفات الجديدة) 1968، (الفن البدائي والدور الاجتماعي) 1969، (تاريخ المُجتمع البدائي والاثنوغرافيا) 1972، (ما قبل تاريخ الاقتصاد المُنتِج) 1974، (أصول سكان استراليا الأصليين في ضوء المُكتشفات الجديدة) 1974، (الاركيولوجيا والاثنوغرافيا: حول مسألة اعادة بناء ما قبل التاريخ) 1976، (حول مسائل اقتصاد مُجتمعات الصيد واللقاط) 1978، (بعض سمات الوعي الاجتماعي البدائي) 1980، (أصول الاقتصاد الانتاجي) 1980، (الاركيولوجيا والايكولوجيا: حول اصول ادارة الطبيعة في العصر الحجري الحديث) 1983، (الأشكال البدائية للدين) 1987، وعشرات غيرها من المقالات.


ترجمة لمقال لم ينشره كاتبه:
Universal parameters of hunter-gatherer community, Vladimir Kabo



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيعة والمُجتمع البدائي
- التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية العبودية
- تعليق ايغور دياكونوف على مقال هنري كلايسِن (الديناميكيات الد ...
- المشاعات الزراعية في الشرق الأدنى القديم
- الدراسات الاستشراقية الكلاسيكية والمسائل الجديدة
- الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، ب ...
- حول مسألة دراسة تاريخ المُجتمعات البدائية انطلاقاً من الاثنو ...
- مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية الم ...
- المراكز المدينية في المُجتمع الطبقي الباكر
- تاريخ الري الزراعي في جنوب تركمانستان
- الشروط الايكولوجية لنشوء الزراعة في جنوب تركمانستان
- سوسيولوجيا الدين الانجلو أمريكية المُعاصرة: مُشكلاتها واتجاه ...
- الرد الثاني لسيرجي توكاريف على ستيفن دَن
- بعض الأفكار في طُرُق دراسة الدين البدائي- رد على سيرجي توكار ...
- الرد الأول لسيرجي توكاريف الأول على مُراجعة ستيفن دن لكتابيه ...
- مراجعة ستيفن بورتر دن لكُتب سيرجي توكاريف
- مبادئ تصنيف الأديان 2
- مسألة أصل ثقافة العصر البرونزي الباكر في جنوب تركمانستان
- مبادئ تصنيف الأديان 1
- تاريخ انتاج المعادن عند القبائل الزراعية في جنوب تركمانستان


المزيد.....




- لماذا شكل اغتيال حسن نصر الله ضربة كبيرة للمرشد الأعلى في إي ...
- أبو عبيدة يوجه رسالة عن -حدث كبير- جرى في الجولان السوري الم ...
- بايدن: واشنطن تدرس فرض عقوبات على طهران
- دول تتحرك لإجلاء رعاياها من لبنان
- انتخابات الرئاسة في تونس 2024: هل تعكس تنافساً حقيقياً أم إن ...
- محكمة أسترالية تؤيد غرامة مفروضة على شركة -إكس- قدرها 418 أل ...
- البوسنة: فيضانات قوية تضرب كيسيلجاك والجيش وخدمات الطوارئ في ...
- DW تتحقق ـ مقاطع فيديو مزيفة للهجوم الإيراني على إسرائيل
- ستولتنبرغ يتنبأ بموعد قريب لرضوخ سلطات كييف وتقديمها تنازلات ...
- إيران تهدد.. سنضرب منشآت الطاقة بإسرائيل


المزيد.....

- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط