|
علينا أن نّفكّر بمنطق.
ازهر عبدالله طوالبه
الحوار المتمدن-العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 04:47
المحور:
القضية الفلسطينية
على مدارِ الأسبوعَين المُنصَرِمَين، ولساعاتٍ تجاوزَت ال١٢ ساعة يوميًّا، كُنتُ أُقيم في حقولٍ (واقعيّة وافتراضيّة) مِن النِّقاشات السياسيّة والفكريّة مع الكثيرِ مِن الأصدِقاء. وكُنّا، نظرًا لجسامَة الأحداث الشّرق أوسطيّة، لا نتورَّع عن الاشتِباك بأيّ حدثٍ مفصليّ -وما أكثرها- مِن الأحداث الّتي تحدُث في منطَقتنا الّتي نُزعَ عن جسدها ثوبها القديم، وأُسدِلَ على كَتفيها ثوبها الجديد، الّذي تمّت حياكَته في مطلَع الألفيّة الثّانية. وفي خضمّ هذه النّقاشات، طرحتُ وطُرِح عليّ الكثير مِن الأسئلة الّتي تأخُذنا نحو "الغَد" الّذي ما مِن معلمٍ واضح لهُ. لكن، الحاجة مُلحّة لمعرِفة معالِمه، وللتوقُّف عندها كثيرًا ؛ لعلّنا نتمكّن مِن فهم ذواتنا المُنطَلِقة للمُستقبَل الّذي لا يُمكِن أن نصِلهُ إلّا بالتخلُّص مِن أثقال الماضي، دونَ تجاهُل كُلّ المُعطياتِ الّتي تُعتَبر الأُسس لفهم الأرضيّة الّتي سنقِف عليها.
السّؤال عن "الغَد" هو السؤال المُقلِق لجميع المتابعينَ لكلّ أحداث المِنطقَة. فمِن سؤال " اليوم التالي في غزّة" إلى سؤال "كيف سيكون شكل المِنطقة بعد الاغتيالات المُرعِبة في تنفيذها" وصولًا إلى سؤال "ما هو مصيرنا ومصير أوطاننا، غدًا". لكن، كُلّ هذه الأسئلة، لم تُجنّب قساوَة العالَم، والخِسّة والانحِطاط، والرُّعب والخَوف، الّذي يعيشه عالمنا اليوم...العالَم الذي يحكُمه نِظام، ما عادَ يُقيم للقِيم، أيّا كانت، أيّ اعتِبار.
هذا عالمٌ قاسٍ، ولا يُمكِن للإنسان أن يعرِف "غده" إلّا بالكِفاح ؛ الكِفاح الّذي يُحافِظ به على شرَفه، ويرفُض أيّ تلوّثٍ لإنسانيّته، بأيّ شكلٍ من الأشكال. ولا يُمكِن للإنسان، في ظلّ عالمٍ تنتَشر به الدّناءة، أن يُحافظَ على قيَمه وعلى أيّ مَعنىً مِن معاني وجوده ؛ إلّا بالكِفاح الشّريف، المليء بالغاية. فدونَه، لن يجِد الإنسان نفسه، إلّا هشًّا، تأكُله أنياب "اللاشيء"، وبالتّالي، لن يكون إلّا قد سقطَ في بالوعَة الأوهام، و وصل إلى قاع الضّعف.
ثمّةَ مُعضِلة نُعاني مِنها كشرقيين عمومًا، وكعرَب بشكلٍ خاص، تتمثَّل ب: عدَم قُدرَتنا على فَصل المعايير الأخلاقيّة عن السياسيّة، بل نذهَب باتّجاه دمجها مع السياسيّة، بشكلٍ دائم. ولو ارتَحلنا مع الزّمن قليلًا، لوجدنا أنّ هذا الدّمج كانَ قد ظهرَ، بشكلٍ واضِح، بعد الحَرب العالميّة الثّانية. إذ عُرِف باسم "التطوُّر في العقلِ السياسيّ". هذا التطوُّر قد أوجد نماذِجًا مِن القَتل، بل التفنُّن به، كما عمِل على إيجاد أنظِمة ديكتاتوريّة قمعيّة، مُدعّمة بأيديلوجيا دينيّة مُتخلِّفة، تتبنّى شعارات زائقة، خدّاعة، لا همّ لها إلّا الهيمَنة على الشّعوب، والعمَل على تكبيل حُرّياتها، وتضييق الخِناق على حياتها.
والنّتيجة، أنّ كُلّ ما حصَل لنا مِن نكباتٍ ونكسات وكوارِث، طوالَ عقودٍ طويلة، ما كانَ ليحصُل لو كانَ هناكَ أيّ أعتبارٍ للبُعدين "الأخلاقي" والإنسانيّ". لكن، هذا عالمٌ تحكُمه القوّة، عالم يُجرّد البشريّة مِن أيّ بعدٍ أخلاقيّ.
فأمامَ كُلّ الجرائم الّتي تُرتَكب، والدّماء الّتي تُسفَك ؛ فإنّهُ يمكِننا القول، وبكلّ جُرأة، أنَّ سموم السّياسة ابتَلعَت كُلّ الأوصاف الأخلاقيّة، ولا حاجَة لنا للحديث عن أيّ مِنها. فالمُهم اليوم، أن نُحافظ على أنفُسنا، وأن نعملَ بجدٍّ واجتهاد ؛ لنُقرّر مصيرنا بأيدينا. خاصةً، في ظلّ رؤيتها للعالَم الغربيّ وهو يتّكئ على يديه، متفرّجًا على كُلّ ما يحصُل، بل داعمًا رئيسيّّ للكَيان الاستعماريّ. عالمٌ يحكُمه "قانون الغاب". وتتسيّده أنظِمةُ لا تقِف بصفّ الإنسانيّة، ولا تُطبِّق أيّ مِن تلكَ الحُقوق الّتي تدّعيها، وكُلّ ما تصرَخ بهِ في مؤتمراتها والمؤتمراتِ العالميّة، مِن مُحاولاتها لإحقاق الحُقوق، وإيقاف سفك الدّماء، ما هو إلّا كذب مُدقِع. فهي أنظمةٌ خالية مِن منظومةٍ أخلاقيّة، لا تُساند إلّا مَن تدعمهُ بقوّتها، وتقدُّمها التكنلوجيّ ؛ ذاكَ السرطان الخبيث الّذي زرعتّه في منطقتنا.
نعم، ما يحدُث في أوطاننا مُرعِب، ولهُ رهبةٌ كبيرة. فما مِن جريمٍةٍ تمسّ الأوطانَ ومواطنيها إلّا وتؤكّد، بالدّرجةِ الأُولى، أنّها على درجةٍ عالِية مِن الفظاعة، الّتي تستهدِف أمّتنا. وهُنا، أقول، أنّهُ مِن المُمكِن لهذه الأحادث الجِسام، أن تؤدّي إلى اضطِراب اليقين، وإلى زعزَعة الثّقة بكلّ المنظومات ؛ سواء أكانَت شعبيّة أم مؤسّسية. لكن، هذه لحظَةٌ فارِقة في مصير منطِقتنا، بل في مصير عيشِنا. فحتى وإن لَم يكُ لدينا حاضِر يُمكّننا مِن أن نزرعَ الأملَ فيما هو قادِم، فإنّهُ يجِب علينا أن نُبقي في عقلنا الجمعيّ، أنَّ هناكَ مئات الملايين مِن الشّعوب، عندَ لحظَة الحَسم، ستكسِر كُلّ القُيود الّتي كُبّلت، وستقِف على أعناق مَن كبّلوها قسرًا، وستُدافِع عن مصيرها، ولن تسمَح لأحد، أيًّا كان، أن يُقرِّر مصيرها عنها..ستتحرَّك هذه الشّعوب، انتصارًا لفلسطين، وطلبًا للوحدة العربيّة..إنّها شعوبٌ تؤمِن بأنَّ نهوضها التاريخيّ، قادمٌ لا محالَة.
كُلّ ما علينا الآن، أن نُفكِّر بمنطقيّة، وألّا نسمحَ لأيّ مُحاولة ضغِط أن تُخرِجنا مِن المناطق الّتي توجِب علينا أن نُفكِّر بعقلانيّة. فكُلّ هذا سيُتيح لنا إمكانيّة أن نُطلِق العنانَ لتفكيرنا. فنحنُ نُقاتل عدوًّا لا يُفكّر بقَلبه، لا تجرّه العواطِف، بل تأسُره الماكينة العقليّة، الّتي مكّنتهُ من التقدُّم علينا في كافّة حُقول العُلوم. إنّنا نخوضُ حربًا لن ينتَصر بها إلّا مَن وظّف عقلهُ جيّدًا، وفتحَ كلّ أبواب التّفكير والإبداع التقنيّ، الّذي قادَه إلى كُلّ تحقيق هذه النّتائج المُرضِية له.
لا أُنكِر أنّنا لا نحصُل مقوّماتِ الحياة الأساسيّة بطُرقٍ بسيطة، بل أنّه ثمّة الكثير مِن العوائق الماديّة والإداريّة والأمنيّة التي تًعيق حصولنا على ما نُريد. لكن، يجب ألّا يمنَعنا كلّ هذا عن التّفكير، وأن يشيّدَ جسورًا بيننا وبينهُ.
#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.
-
لنُراهن على ذاتنا، ولنتوقّف عن تقديس أداة الفُرس.
-
المُقاومة وتصريحات وزراء الخارجيّة العَرب..
-
فرحةٌ للوطَن ومِن ثمّ لنا.
-
معمعة التخبُّط والمتاهات: الكيان الصهيونيّ أنموجًا.
-
خذلناهم، لكنّهم سينتَصرون، وسيعيدون رسم خريطة العالَم.
-
مِن جريمةٍ إلى أُخرى.
-
صراع الذكاء الصناعيّ والغباء البشريّ
-
الشهادات العلميّة للمُجتمع، والعلم لمن أراد.
-
-الفزعات العشائرية والمناطقية داخل الجامعات.-
-
-داء الإنغلاق على الذّات الذي لا دواءَ لهُ -
-
الكوارِث ما بين دناءة وإنسانيّة مُقدّمي المُساعدات
-
النّجاة تكون بالتّوفيق بينَ العلم والدّين..وليسَ بتمديدِ الف
...
-
لنخلَع عباءة الصّراع الدّينيّ التي ألبسنا إيّاها أصحاب المصا
...
-
دور الدّين في السلطة السياسية، وفرضه على الآخر المُخالف.
-
المؤسّسة الدّينيّة في خدمةِ السُلطة السياسيّة
-
هل سنتمكَّن مِن تجاوزِ مُعيقات/أو معوِّقات الإصلاح الإداريّ
...
-
مَن يفشَل في بناء الإنسان حتمًا سيفشَل في بناءِ العِمران.
-
كفاكُم طعنًا لخاصرة سوريا بإبعادها مِن عضويّة الجامعة العربي
...
-
الثقافة والساحة الأدبيّة: لُعبة تصدُّر المشهد.
المزيد.....
-
دراجون يرتدون زي -سانتا كلوز- يجوبون شوارع الأرجنتين.. لماذا
...
-
فيديو: افتتاح مراكز لتسوية وضع عناصر -جيش الأسد- في دمشق
-
الدفاع الروسية: تحرير بلدتين في خاركوف ودونيتسك والقضاء على
...
-
صحة غزة: الجيش الإسرائيلي ارتكب 4 مجازر جديدة بالقطاع
-
تقرير المكتب السياسي أمام الدورة الخامسة للجنة المركزية
-
رغم الخسارة التاريخية أمام أتلتيكو.. فليك راضِِ عن أداء برشل
...
-
خامنئي: أمريكا والكيان الصهيوني يتوهمان أنهما انتصرا في سوري
...
-
يسرائيل كاتس: لن نسمح لـ-حزب الله- بالعودة إلى قرى جنوب لبنا
...
-
الشرع: لبنان عمق استراتيجي وخاصرة لسوريا ونأمل ببناء علاقة ا
...
-
-حزب الله- يكشف عن -المعادلة الوحيدة- التي ستحمي لبنان
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|