أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهلالي - الدراسات -العلمية- للقرآن (خلاصات تركيبية)















المزيد.....


الدراسات -العلمية- للقرآن (خلاصات تركيبية)


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 8115 - 2024 / 9 / 29 - 16:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1

ركزت معظم الدراسات التي انصبت على القرآن، منذ القرن التاسع عشر، على عدة إشكالات منها:
- أصل القرآن
- أصل الإسلام
- النّظْم في القرآن
- تكرار آيات قرآنية متشابهة كليا أو جزئيا (problème synoptique) وهي إشكالية تمت دراستها في العهدين القديم والجديد، أي مسألة التماثل والتطابق بين آيات ذكرت في سور عدة من القرآن.
- الجزيرة العربية قبل القرآن
- تأثير الثقافة الفارسية على الإسلام
- محمد بن عبد الله التاريخي وتعدّد السيَر
- تحول الإسلام إلى امبراطورية
- تأثير الثقافة اليهودية على الإسلام
- الحياة الدينية في الجزيرة العربية قبل الإسلام
- الثير الثقافة المسيحية على الإسلام
- تعدد المذاهب المسيحية قبل الإسلام وتأثيرها على هذا الأخير
- النصوص الدينية المنحولة اليهودية والمسيحية وعلاقتها بالإسلام
- ثقافة نهاية العالم قبل الإسلام وأثرها على هذا الأخير
- مسألة المخطوطات القرآنية
- علم النقوش ودوره في تحديد زمن القرآن
- دور الجرافيتي في تحديد زمن القرآن
- مسألة اللغات السامية وعلاقتها بمخطوطات القرآن ولغته (مسألة عربية الإسلام)
- مسألة منظور القرآن لقيام الساعة (نهاية الزمان)
- المسائل التشريعية والقانونية في القرآن
- مسألة تعدد المصاحف وعلاقتها بالزيادة والنقصان في آيات القرآن
- مسألة الكتابة في الجزيرة العربية قبل الإسلام وانتشار الثقافة الدينية فيها
- تعدد القراءات الممكنة للقرآن: اللاهوتية، الصوفية، الفلسفية، القانونية، الفقهية، النسوية، الجهادية...
- الدراسات المعجمية للغة القرآن وعلاقات لغة القرآن بلغات أخرى سامية وعلى رأسها السريانية والإثيوبية والعبرية.

2

انطلق المستشرقون منذ البداية من مسلمّة هي: عدم الوثوق في المراجع الإسلامية التي كُتبت عن الإسلام بعد مرور 150 إلى 200 سنة على وفاة النبي محمد بن عبد الله. وإذا كانت هناك حالات تفرض الرجوع إليها فلا بد أن يكون استعمالها ثانويا ونقديا وغير مباشر.
ويبررون ذلك:
أ) بأن كتابات المسلمين كانت تقريظية دفاعية ولم تكن تاريخية ولا نقدية.
ب) وبأن المطلوب فعله هو دراسة القرآن كما يُفترضُ أنه كان فعلا في القرن السادس وبداية القرن السابع من خلال رؤية الآخرين غير المسلمين له، قبل أن يسجنه المسلمون في منظورات إسلامية. أي أن القرآن المبحوث عنه هو القرآن قبل تشكل الإسلام كدين وكإمبراطورية. وهذا يعني أن الدين لا يؤسسه النبي. فلا عيسى ولا موسى أسسا دينيهما، ونفس الأمر ينطبق على النبي محمد بن عبد الله: فهو لم يؤسس الإسلام، لأن الإسلام هو مؤسسات ودولة تبني تلك المؤسسات وتدافع عنها: أي أنهم يعتقدون أن القرآن الذي ينبغي البحث عنه ودراسته هو "القرآن الخام".
لكنهم لا يخفون فرضيات أخرى تكاد تكون هي الحافز الأساسي لأبحاثهم، وهي:
أ) أن القرآن ليس إلا نصا تركيبيا لنصوص ظهرت قبله (العهد القديم والذي هو التوراة بأسفارها الخمسة، النصوص اليهودية المنحولة، الأناجيل الأربعة والتي هي إنجيل متى وإنجيل مرقس وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا، والأناجيل المنحولة مثل إنجيل جاك التمهيدي...
ب) رغبتهم في إبراز تأثيرات التيارات المختلفة السائدة قبل الإسلام في منطقة الجزيرة العربية وحولها، ولهذا ركزوا اهتمامهم على اللغة الآرامية والسريانية (كلهجة آرامية) والعبرية والإثيوبية..
ج) رغبتهم في إثبات شواهد نصية ونصوص فرعية داخل القرآن نفسه
د) تركيزيهم على الدراسة المعجمية للقرآن

3

انطلقت الدراسات الاستشراقية للقرآن في النصف الأول من القرن التاسع عشر في ألمانيا. ولقد قام بها باحثون متخصصون في دراسة الكتب الدينية اليهودية والمسيحية. وكان معظم هؤلاء الباحثين من اليهود الذين أتقنوا العربية. وكان منطلقهم الأساسي هو دراسة حضور مضامين دينية يهودية ومسيحية في القرآن.
لقد ولدت هذه الدراسات، التي تسمى بالدراسات التاريخية النقدية الفيلولوجية، بألمانيا حوالي سنة 1836، وكان من أشهر أولائك الباحثين تيودور نولدكه. وآخرون بعده مثل فريدريش شوالى (Friedrich Schwally)، وبرجستر يسر (Gotthelf Bergsträsser)، وأوتو بريتزي (Otto Pretzl)، وريجي بلاشير (Régis Blachère)... واشتهر بعد ذلك إجناتس جولد تسيهر (Ignaz Goldziher) والذي هو أيضا يهودي واسمه الأصلي هو إسحاق يهودا. بالإضافة إلى آخرين مثل هنري لامنس (Henri Lammens) وجوزيف شاخت (Joseph Schacht). وسينصب اهتمام هؤلاء الدارسين أيضا على مسألة الطقوس والشعائر ومسألة التشريعات والقوانين والقرآن ومصادرها. وسوف تتصدر أبحاثهم مسألة أثارت الكثير من الجدل، وفي أوساطهم أيضا، وهي مسألة التأثير المسيحي في القرآن عير اللغة السريانية (أي عبر التيار المسيحي الذي كان يعبر عن نفسه باللغة السريانية)، وكان رائد هذا البحث هو ألفونس منغنا (Alphonse Mingana)، بالإضافة إلى آخرين مثل آرثر جفري (Arthur Jeffery) وكريستوف لكسنبرغ (Christoph Luxenberg) و جون وانسبرو (John Wansbrough) و باتريشيا كرون (Patricia Crone) و ميخائيل كوك (Michael Cook).
ولقد اتفق هؤلاء الباحثون (بغض النظر عن اختلافاتهم المنهجية ومحدودية نتائج أبحاثهم وتعرضها للنقد والتفنيد والتجاوز...) على إهمال المصادر الإسلامية، واستعمال المصادر غير الإسلامية، تلك المصادر المعاصرة لظهور القرآن والمتمثلة في النصوص اليهودية والمسيحية، والمصادر الفارسية ونتائج الأبحاث الأركيولوجية في اليمن وإثيوبيا ونقائش الجزيرة العربية (أي المصادر النصية والمادية).
وتجدر الإشارة هنا إلى الضجة التي أثارها كتاب باحث ألماني ينشر أبحاثه باسم مستعار هو وكريستوف لكسنبرغ، والذي دافع فيه عن أطروحة مفادها أنه لا يمكن فهم القرآن بالعربية، وأن الطريقة السليمة لفهمه هي قراءة مجموعة من آياته كنصوص سريانية، لأن ذلك سيساهم، حسب زعمه، في توضيح عدة جوانب غامضة في مجموعة من الآيات القرآنية. ولم يحظ هذا الكتاب باستحسان في أوساط المتخصصين الذين وصفوه بالقول المتطرف، ويمكن الاستئناس في هذه المسألة بالموقف النقدي للمؤرخة مورييل دوبييه (Muriel Debié).
وحدث انفجار هائل في الدراسات المهتمة بالقرآن منذ سنة 2000 وخصوصا منذ سنة 2005 بصدور آلاف المقالات ومئات الكتب حول الموضوع، ولعله من المفيد ربط هذا الاهتمام المحموم بدراسة القرآن بالصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية حول موارد الطاقة في الشرق الأوسط، كما أن هناك بالتأكيد علاقة بين هذه الدراسات التي تهدف إلى إبراز أن القرآن ليس "نصا أصيلا"، وظهور حركات الجهاد المسلح الممولة والمدعمة من الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الدراسات الغربية حول القرآن ليست ترفا ولا حبا في المعرفة، ولا إشفاقا على "المسلمين الضالين". إنها معركة سياسية اقتصادية سلكت عدة سبل منها "سبيل البحث العلمي في مجال الدين الإسلامي".

4

لقد شكلت فرق "البحث العلمي" المتخصصة في دراسة القرآن من:
- متخصصين في دراسة الإسلام
- متخصصين في دراسة القرآن
- متخصصين في اللغة العربية
- متخصصين في دراسة المسيحية الأولى
- متخصصين في دراسة اليهودية
- متخصصين في الدراسات الفيلولوجية
- متخصصين في الدراسات الأركيولوجية
- متخصصين في دراسة النقائش
وسوف يجيب هؤلاء جميعا على عدة أسئلة ويتطرقون لإشكالات مرتبطة بالقرآن ومن أهمها:
أ) كون القرآن غير مفهوم، وغير منظم تنظيما منطقيا سليما، أي أنه كتاب مجزأ، وتتميز بنيته بعدم الانسجام. وعلى سبيل المثال في نظرهم: فالقصص فيه مأخوذة من التوراة، لكنها جزأت إلى مقاطع، نثرت هنا وهناك في السور القرآنية، ولا توجد رابطة الحكي بين تلك الأجزاء (وهذه المسألة نوقشت من طرف المسلمين في مبحث نظم القرآن).
ب) مسألة التحقيب الزمني لآيات القرآن، أي أن تقسيم السور إلى مكية ومدنية لم يكن مقنعا ولا فعالا مادامت هناك مسألة التداخل بين الآيات المكية والآيات المدنية، ولصعوبة هذه المسألة ساد اختلاف كبير بين علماء المسلمين (مثلا لم يتفق ابن النديم والزركشي والسيوطي على تحقيب واحد).
ج) مسألة أسباب النزول: يرفض المستشرقون (القدماء والجدد) مبحث أسباب النزول الإسلامي نظرا لعدم اتفاق العلماء المسلمين حول نفس أسباب نزول الآيات، فنجدهم يقدمون أكثر من سبب لتفسير نزول الآية الواحدة وأحيانا يتجاوز عدد الأسباب المقدمة عشرة أسباب (ونجد توضيحا لذلك عند الطبري).
د) مسألة الناسخ والمنسوخ: بالإضافة إلى ما يتعلق بعلم الله وإشكالية قابليته أو عدم قابليته للتغير والتجاوز، هناك مسألة تخص طبيعة الآية الناسخة وكونها في الغالب تتضمن تشددا وتطرفا مقارنة بالآية المنسوخة (أنظر مسألة الخمر، وآية السيف)، بالإضافة إلى اختلاف العلماء المسلمين حول عدد الآيات الناسخة والآيات المنسوخة (هناك حسب بعضهم ثلاث آيات ناسخة ومثلها منسوخة، وهناك حسب البعض عشرون آية ناسخة، وهناك من يقول بأربعمائة آية ناسخة...).
هـ) مسألة تحريف القرآن: لا يسلّم المستشرقون بأن القرآن كان محفوظا كذكر إبان حياة الرسول، وأن حفظته كانوا بالمئات، وأن تجميعه كان مسألة سهلة تمت في عهد عثمان بن عفان، وأن ما نتج عنها هو المصحف المتداول اليوم. بل يفترضون أن الصيغة المعروفة للقرآن اليوم والمجسدة في المصحف أنجزت في عهد عبد الملك بن مروان (الذي دام حكمه من 65هـ إلى 85 هـ). وهذا يعني في نظرهم وجود صراعات آنذاك حول تجميع القرآن، ووجود صيغ مختلفة له لدى بعض المسلمين تم تداولها إلى حدود القرن الرابع الهجري. وهناك من يتحدث عن خمسة أو ستة مصاحف (مصحف أبي بن كعب، مصحف أبي موسى الأشعري، مصحف علي بن ابي طالب...)، وهذا ما يترجم في سؤالهم عن "مدى أصالة القرآن الحالي".
و) مسألة ارتباط القرآن في أساسه بالإعلان عن قرب قيام الساعة: يتم الاهتمام بهذه المسألة لتفسير مجموعة من الآيات، ولإبراز تأثر القرآن بهذه المسألة التي وردت في نصوص دينية أخرى في تلك الفترة، من خلال مسألة المسيح باعتباره المخلص، والذي يعرفه القرآن بأنه ابن مريم، روح الله وكلمة الله، إضافة إلى الاختلاف بين تناول القرآن للمسيح وتناول الحديث النبوي له (مع الإشارة إلى أنه سيتم الانتقال، في الثقافة الإسلامية، من الحديث عن المسيح المخلص إلى الحديث عن المهدي المنتظر).

5
سيؤدي عدم الأخذ بالمراجع الإسلامية لدراسة أصل القرآن وأصل الإسلام إلى البحث عن مصادر موثوقة وذات مصداقية. وبما أن البحث يتعلق بأحداث تاريخية تمت وانتهت ولا نعرف هل سنعثر على آثار مهمة تساعد على معرفتها معرفة تاريخية نقدية، فإن مجال الدراسات القرآنية لن يكون مجال "اليقين" و"الحقيقة" وإنما سيكون عبارة عن أوراش ستظل مفتوحة مستقبلا.
ويتضح ذلك من زعم المستشرقين المعاصرين بعدم امتلاكنا لحد الآن معرفة قيمة بمرحلة تكون القرآن وتشكل الإسلام. ومن الأمثلة البسيطة على ذلك من وجهة نظرهم:
أ) عدم وجود معلومات متفق عليها لاعن حياة النبي محمد بن عبد الله: لا نعرف تاريخ ميلاده، وتاريخ هجرته رفقة أصحابه إلى المدينة، وأسماءهم، وعدد الغزوات، وعدد زوجاته، وعدد أبنائه، ولا نعرف بالتحديد تاريخ وفاته. كما أن النبي محمد بن عبد الله يتم تقديمه من خلال أوصاف متناقضة (فقير/غني، صوفي/محب للحياة، مناصر للمرأة/معادي للمرأة، مسالم/محارب...)
ب) لا نعرف شيئا مهما عن المدينة (التي كانت تسمى أيضا يثرب). خصوصا وأن المذهب الوهابي دمّر الآثار الأركيولوجية الخاصة بها منذ الستينيات من القرن العشرين، وما نعرفه عنها ليس هو ما تقوله الكتب الإسلامية: كانت المدينة يهودية قبل أربعة قرون قبل الإسلام، وكان يهودها عربا اعتنقوا اليهودية (هناك من يقول أن جزءا منهم أتى إليها من فلسطين). ولقد انقسم يهود المدينة بخصوص دعوة النبي محمد بن عبد الله: فمنهم من عارضها، ومنهم من قبلها لأنهم رأوا فيه وسيلة لتحرير القدس من البيزنطيين. ولا توجد أية أدلة على ما جاء في بعض الأحاديث النبوية بأن النبي محمد بن عبد الله قتل يهود بني قريظة ويهود بني النضير. فلا توجد أية معلومات عن هاتين القبيلتين، ولم يُذكر اسماهما في معاهدة المدينة. ومن المحتمل أن تلك الأحاديث بخصوص قتل اليهود وُضعت وأضيفت لأسباب سياسية تهدف إلى تبرير التشدد في التعامل مع اليهود.
ج) سيادة الغموض في الوثائق الإسلامية حول دور الخليفة عبد الملك بن مروان في تأسيس الإسلام المؤسساتي. فهذا الخليفة اتخذ مجموعة من الإجراءات التي ستؤثر كثيرا على طبيعة الإسلام الإمبراطوري: لقد تخلى عن لقب أمير المؤمنين، وخليفة الله، ليتبنى لقب "خليفة رسول الله". وتضمن هذا الأمر إعادة الاعتبار لمكانة النبي محمد بن عبد الله في الإسلام. وفرض استعمال اللغة العربية في الإدارة.

6

أوضحت المؤرخة مورييل دوبييه (Muriel Debié)، المتخصصة في السريانية، أن السريانية تحولت قبل ظهور الإسلام إلى لغة ثقافية، ومن ثمة إلى لغة المسيحية آنذاك، عبادة وتدريسا ومراسلة، وصارت لغة الفئات التي تركت اليهودية والوثنية واعتنقت المسيحية في ذلك العهد. كما أن السريانية والنبطية ولهجات أخرى تفرعت عن الآرامية.
تُرجمت الكتب الدينية اليهودية والمسيحية إلى السريانية ابتداء من القرن الثاني الميلادي. وكانت الجماعات المسيحية متعددة ومختلفة فيما بينها. كما أن النقاشات الأساسية التي تمت بين المسيحيين آنذاك انصبت على طبيعة عيسى المسيح، أي حول العلاقة بين طبيعته الإلهية وطبيعته الإنسانية. ولقد انتشرت هذه النقاشات حسب مورييل دوبييه (Muriel Debié)، في الجزيرة العربية أيضا، وكان يوجد في هذه المنطقة رهبان وقساوسة وأساقفة ينتمون للتقليد السرياني ويبشرون بالمسيحية وكانت لهم أديرتهم هناك. وهذا يعني أن مجموعة من القساوسة والأساقفة العرب كانوا يتقنون اللغة اليونانية (لأن اللقاءات بين مسؤولي الكنائس كانت تعتمد هذه اللغة).
واستنتجت من كل ذلك سيادة الكتابة في الجزيرة العربية واليمن، وإتقان بعض العرب للغة اليونانية والسريانية، وبالتالي ظهور القرآن في منطقة تعرف الكتابة ولغات ذلك العصر (والرسومات على الحجر والنقائش تشهد على ذلك وهي كثيرة جدا حسب قول الباحثة) منطقة كان جزء من سكانها يؤدون الضرائب للفرس، وبعضهم الآخر يؤدها للبيزنطيين.
كما ترى، من جهة أخرى، وجود تشابهات عديدة بين السريانية والعربية لأنهما لغتان ساميتان وتتقاربان في شكل الكتابة وفي المعجم. فبعض المفردات السريانية يمكن أن تكون في نفس الوقت نبطية. وليس هناك من سبيل للحسم في انتماء مفردات معينة لهذه اللغة أو تلك بسبب الجذور المشتركة، خصوصا وأن الحروف الصوامت كانت بدون تشكيل. فالنطق والتشكيل يقومان بدور هام في قراءة المفردة وفهم معناها. فإذا كان لدينا "هيكل صامت" فسيمكننا قراءته بالعربية أو بالسريانية. لذلك فلا يمكن قبول فكرة كريستوف لكسنبرغ القائلة بإمكانية قراءة آيات قرآنية باعتبارها سريانية. فهذا عمل اعتباطي وسطحي ومتطرف. بالإضافة إلى أن اللغة القرآنية هي بداية، وبالتالي لا وجود لنماذج سابقة منها على القرآن يمكننا مقارنة القرآن بها كما يقتضي البحث العلمي. إذن فالقول بأن القرآن يتضمن كلمات سريانية وإثيوبية وعبرية وفارسية هو قول لا أساس له علميا وتاريخيا.

7

وخلافا لزعم كريستوف لكسنبرغ التي وصفتها مورييل دوبييه (Muriel Debié) بالعمل الاعتباطي والمتطرف، هناك أبحاث أخرى اعتمدت على الآثار مثل الرسومات والنقائش على الحجر في الجزيرة العربية. ولقد اشتهرت هذه الأبحاث تحت عنوان "قرآن الحجر". ويُعتبر فريدريك أنبير (Frédéric Imbert) أحد المتخصصين في هذا المجال. ولقد توصل هذا الباحث بعد ما يقارب ثلاثة عقود من التنقيب إلى عدة نتائج مهمة.
يتعلق الأمر بمرحلة بداية الإسلام التي لا توجد بصددها نصوص تاريخية ما عدا تلك التي كتبها المسلمون بعد مرور حوالي 200 سنة على وفاة النبي محمد بن عبد الله. وبعد فحص وتحليل النقائش العديدة التي تعد بالآلاف استنتج ما يلي:
- سيادة التوحيد في منطقة الجزيرة العربية
- حضور اسم الله في النقائش
- عدم حضور اسم النبي محمد بن عبد الله في هذه النقائش
- أقدم كتابة عربية منقوشة على الحجر تم العثور عليها إلى حد الآن يعود لسنة 470 بعد الميلاد (أي 152 قبل الهجرة). أما مكان وجودها فهو قرب منطقة نجران. وهي كتابة تعود لمسيحيين نظرا لتضمنها علامة الصليب. كما أن تاريخ النقش مسجل بداخلها (والنص هو: يونان ابن مالك بتاريخ شهر بوراك سنة 470).
أما أقدم نقش على الحجر في العهد الإسلامي تم العثور عليه فيعود تاريخه إلى 24 هجرية، أي بعد وفاة النبي محمد بن عبد الله باثني عشر سنة، ويتحدث عن اغتيال عمر بن الخطاب (والنص هو: أنا زهير كتبت زمن توفي عمر سنة 24).
ويرى فريدريك أنبير (Frédéric Imbert) أن الدين الإسلامي يحضر بقوة في النقوش من خلال "استهلالات وتضرعات" لها علاقة مباشرة بفكرة قيام الساعة ونهاية الزمان. والكلمات الأكثر تكرارا في تلك النقوش هي: "أنا، الله، أكتب".
وتم العثور على مائتي (200) آية نُقشت على الحجر (أي 3.2°/° من مجموع آيات القرآن). وتنتمي هذه الآيات المنقوشة على الحجر لثمانية وأربعين سورة (عدد سور القرآن هو: 114 سورة). وتعود الآيات المنقوشة التي تم العثور عليها لمرحلة زمنية تمتد من 54 هـ جرية إلى 185 هجرية. ولق عثر على سور نُقشت كلها على الحجر وهي: الفاتحة، الإخلاص، النصر، الفلق.
إذا كانت هذه الأبحاث العلمية قد حدّدت الاشكاليات التي تراها مهمة ومبررة لدراسة القرآن (بغض النظر عن الأهداف الخفية التي ترتبط بهذا المشروع الغربي، والتي لها صلة مباشرة بالاستيلاء على موارد الطاقة في عدة بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) فما هي الاشكاليات التي يطرحها ويبحث فيها الإصلاحيون من داخل الإسلام والمنتقدون للإسلام انطلاقا من دين جديد اعتنقوه أو انطلاقا من رفضهم التام للإسلام؟


♦ المراجع:


- Muriel Debié, Christianismes orientaux, Annuaire de l École pratique des hautes études (EPHE), Section des sciences religieuses, 124 | 2017, 201-204.
- Muriel Debié, « Le Proche-Orient au VIIe siècle : les constructions de l’histoire et de la mémoire », Annuaire de l École pratique des hautes études (EPHE), Section des sciences religieuses, 126 | 2019, 349-350.
- François Déroche, « Histoire du Coran. Texte et transmission », L’annuaire du Collège de France, 120 | 2023, 307-321.
- Geneviève Gobillot, « Histoire et géographie sacrées dans le Coran », MIDÉO, 31 | 2015, avril, 2016, 2024.
- Olivier Hanne, Le Coran à l’épreuve de la critique historico-philologique, Écueils de l’hypercritique, impasses de la littéralité, Publications ‘école nationale des Chartes, 2012.
- François Déroche, Le Coran, une histoire plurielle. Essai sur la formation du texte coranique. Seuil, coll. « Les livres du nouveau monde »,
- Jan M.F. Van Reeth, « Le Coran silencieux et le Coran parlant : nouvelles perspectives sur les origines de l’islam », Revue de l’histoire des religions, 3 | 2013, 385-402.
- Catherine Pennacchio, “Les emprunts lexicaux dans le Coran”, Bulletin du Centre de recherche français à Jérusalem [Online], 22 | 2011.
- Geneviève Gobillot, « Les mystiques musulmans entre Coran et tradition prophétique. À propos de quelques thèmes chrétiens », Revue de l’histoire des religions [En ligne], 1 | 2005.
- Céline Trautmann-Waller, “Du « caractère des peuples sémitiques » à une « science de la mythologie hébraïque » (Ernest Renan, Heymann Steinthal, Ignác Goldziher)”, Revue germanique internationale, 7 | 2008.
- Paul Neuenkirchen, La fin du monde dans le Coran: une étude comparative du discours eschatologique coranique. Littératures. Université Paris sciences et lettres, 2019.
- Dominique Avon, la réception du Coran des historiens par des acteurs musulmans et en contexte musulman, archives de Sciences Sociales des Religions, 2022.
- Frédéric Imbert, « L’Islam des pierres : l’expression de la foi dans les graffiti arabes des premiers siècles », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 129 | 2011.
- Frédéric Imbert, LE CORAN DES PIERRES : STATISTIQUES EPIGRAPHIQUES ET PREMIERES ANALYSES, Les Etudes Coraniques Aujourd’hui – CNRS Editions, 2013.
- Anne-Sylvie Boisliveau, Le Coran par lui-même, Vocabulaire et argumentation du discours coranique autoréférentiel, 2014.
- Nora Lafi. Goldziher vu d’Al-Azhar: ’Abd Al-Jalil Shalabi et la critique de l’orientalisme européen. Céline Trautmann-Waller. Ignac Goldziher: un autre orientalisme?, Geuthner, p.249-259, 2011.
- Paul Neuenkirchen. La fin du monde dans le Coran : une étude comparative du discours eschatologique coranique. Littératures. Université Paris sciences et lettres, 2019.
- Dominique Avon. La réception du Coran des historiens par des acteurs musulmans et en contexte musulman. Archives de Sciences Sociales des Religions, 2022, 198,
- Le Coran des historiens, Sous la -dir-ection de Mohammad Ali Amir-Moezzi et Guillaume Dye, les éditions du CERF, 2019.

- جوزيف لمبارد (ترجمة حسام صبري)، تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية، مركز تفسير الدراسات القرآنية، 2018
- كارول كيرستن (ترجمة هند سعد)، الدراسات القرآنية، مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة لجون وانسبرو، مركز تفسير الدراسات القرآنية .
- هارالد موتسكي (ترجمة مصطفى هندي)، جمع القرآن، إعادة تقييم المقاربات الغربية في ضوء التطورات المنهجية الحديثة، مركز تفسير الدراسات القرآنية
- بهنام صادرقي وأوي بيرجمان، موازنة بين مصحف عثمان وإحدى مخطوطات صنعاء (طرس صنعاء 1)، مركز تفسير الدراسات القرآنية
- ياسين داتون (ترجمة حسام صبري)، بعض الملاحظات على أقدم مخطوط للقرآن في المكتبة البريطانية (برقم 2165.Or)، مركز تفسير الدراسات القرآنية.
- مجلة دراسات استشراقية، العدد 1، 2014
- فاطمة سروى (ترجمة أسعد مندى الكعبي)، النص القرآني، التفسير الاستشراقي للنص القرآني في النصف الثاني من القرن العشرين، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العراق، 2020.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن نصر الله: اغتيالُ الجَسدِ وتَحْريرُ الطّيْف
- رسالتان للفيلسوفين كاريل كوزيك وجون بول سارتر
- نقد جيل دولوز للفضاء العمومي
- السفر إلى قلعة الرفاق (عن -سيرة شجرة البُطم- لمعاد الجحري)
- كيف تستغل الصهيونية التوراة؟ مضامين التوراة وتدوينها
- وداعا فيلسوف الامبراطورية والحشود: أنطونيو نيغري
- جيلْ دولوزْ الفيلسوف المُعجبُ بالشعبِ الفلسْطينِي والمُعادِي ...
- سيجموند فرويد والصهيونية
- دروسُ غزّة مِن إدوارد سَعيد إلى مُحمد ضيفْ
- طوفان الأقصى وبداية نهاية الصهيونية
- المثقف المغربي والنقد الجذري - نصوص لحُسين أسْكوري من خلال ر ...
- ميشال وِلبِك - كيفَ تَشكلَ موقفُ أشهر الروائيين الفرنسين الم ...
- وفاةُ ألان تورين عالمُ اجتماعِ الحركات الاجتماعية والفاعلين ...
- -شات جي بي تي- في مواجهة اللسانيات والفلسفة
- عَنْ -قرآن المؤرخين-
- الأمة، القرآن والإعجاز، مساهمة من منظور التحليل النفسي اللاك ...
- فكرة الثورة عند لينين (من خلال أعماله الكاملة)
- ما هي أهمية كتاب -رأس المال- لكارل ماركس؟
- شرح أفكار كتاب رأس المال لماركس
- البلاشفة والإسلام


المزيد.....




- قائد فرقة.. الجيش الإسرائيلي يؤكد مقتل أول عناصره في لبنان
- نظرة على ترسانة صواريخ إيران الباليستية ومداها
- -التزاما بأمن إسرائيل- ـ فرنسا تحشد لمواجهة التهديد الإيراني ...
- كاتس: إيران تجاوزت كل الخطوط الحمراء وإسرائيل لن تقف مكتوفة ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط على الحدود مع لبنان (صورة)
- أغذية تسبب ظهور الطعم المر في الفم 
- -حزب الله-: الأبنية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي في الضاحي ...
- الجيش المصري: حطمنا أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحت أقدام المق ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف نقاط رصد لـ-حزب الله-
- مصر.. فيديو لأستاذ جامعي يتلفظ بعبارات خارجة يثير الغضب


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهلالي - الدراسات -العلمية- للقرآن (خلاصات تركيبية)