أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهد المضحكي - الكتابة والحرية















المزيد.....


الكتابة والحرية


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8114 - 2024 / 9 / 28 - 12:26
المحور: الادب والفن
    


تنتظم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬المعرفي‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معادلة‭ ‬مؤداها‭ ‬النهائي‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬هي‭ ‬شرط‭ ‬الكتابة‭ ‬وبدونها‭ ‬لا‭ ‬يتأسس‭ ‬إبداع‭ ‬حقيقي‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬بالمعنى‭ ‬العمومي‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ازدهار‭ ‬للثقافة‭ ‬مشروط‭ ‬بإزدهار‭ ‬الحرية‭ ‬هذه‭.‬

للكاتب‭ ‬والناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الليبي‭ ‬فوزي‭ ‬البشتي‭ ‬رأي‭ ‬نُشر‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬الصباح‮»‬،‭ ‬يعتقد‭ ‬فيه‭ ‬يمكن‭ ‬للكتابة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فعَّالة‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حرية،‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬‮«‬شرطها‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬التاريخ‭ ‬الأدبي‭.‬

‭ ‬ويذكر،‭ ‬يقال‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬النقاش‭ ‬القديم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يثار‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬ويراد‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تبريرًا‭ ‬للفشل‭ ‬الإبداعي،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬عندما‭ ‬يبررون‭ ‬فشلهم‭ ‬الإبداعي‭ ‬بذريعة‭ ‬إنعدام‭ ‬الحرية،‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتذكروا‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الحرية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حافزًا‭ ‬للإبداع‭.‬

الإبداع‭ ‬والحرية‭ ‬متلازمان‭ ‬هذا‭ ‬صحيح،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أبدًا‭ ‬أهمال‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإبداع‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬شروطه‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬‮«‬أي‭ ‬حريته‭ ‬هو‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬سيكون‭ ‬بوسعها‭ ‬أن‭ ‬تخترق‭ ‬الحواجز‭ ‬والأسوار‭ ‬دائمًا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬جمهورها‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬وفي‭ ‬الكتابة‭ ‬عند‭ ‬الكاتب‭ ‬إدوار‭ ‬الخراط‭ ‬شرط‭ ‬ومناخ‭.‬

هي‭ ‬شرط‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬حرية‭ ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬للعمل‭ ‬الفني‭ ‬قائمة‭. ‬

الحرية،‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬عنده،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬حرية،‭ ‬حرية‭ ‬في‭ ‬الاختيار،‭ ‬حرية‭ ‬في‭ ‬البناء‭. ‬وهي‭ ‬حرية‭ ‬تُلِقي‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المتلقي‭ ‬عبئًا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الحرية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تنتفي‭ ‬المقولة‭ ‬الشائعة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬المطلقة‭ ‬هي‭ ‬الانفلات‭ ‬والفوضى‭ ‬وإنعدام‭ ‬القانون‭.‬

لا‭ ‬وجود‭ ‬للحرية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مطلقة،‭ ‬في‭ ‬الأساس‭: ‬منطلقًا،‭ ‬وطريقًا،‭ ‬وهدفًا،‭ ‬على‭ ‬السواء‭.‬

وكما‭ ‬يقول،‭ ‬مطلقة‭ ‬أو‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مطلقة‭. ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬إطلاقيتها‭ ‬هذه‭ ‬قانون‭ ‬متضمن‭ ‬ومضمر،‭ ‬يلهم‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬كله‭ ‬ولكنه‭ ‬خفى‭ ‬ّ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هو‭ ‬مسؤولية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فرضًا،‭ ‬وهو‭ ‬اختيار‭ ‬وليس‭ ‬إلزامًا‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ولا‭ ‬انصياعًا‭ ‬لقيود‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬سلطة‭ ‬الفن‭ ‬نفسها‭.‬

لكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬شروط‭ ‬قيام‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬بالحرية،‭ ‬وفي‭ ‬الحرية،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الحرية،‭ ‬فإن‭ ‬شروط‭ ‬ازدهارها‭ ‬تلقي‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬وتوافر‭ ‬الاستجابة‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬مناخ‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الثقافة،‭ ‬وفي‭ ‬المجتمع‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬المناخ‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سائدًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬تحفظ‭.‬

يقول‭ ‬الروائي‭ ‬المبدع‭ ‬حنا‭ ‬مينه‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬حرية‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬كتابة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬فالكتابة،‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬فصول‮»‬،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العصور،‭ ‬وفي‭ ‬أشدها‭ ‬قمعًا،‭ ‬تجد‭ ‬حريتها‭ ‬المنشودة‭ ‬بأشكال‭ ‬كثيرة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬وتقول‭ ‬قولها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الرمز،‭ ‬الأسطورة،‭ ‬الإسقاط،‭ ‬التورية،‭ ‬الإيهام،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الحيوان‭ ‬كما‭ ‬عند‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬المقفع،‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭.‬

إن‭ ‬الكتابة،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره،‭ ‬في‭ ‬تعارض‭ ‬دائم‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة،‭ ‬هذه‭ ‬تريد‭ ‬إبقاء‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم،‭ ‬بكل‭ ‬بشاعته،‭ ‬والكتابة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭. ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الكتابة‭ ‬هو‭ ‬الاستئناف‭ ‬دائمًا،‭ ‬وعدم‭ ‬الاستكانة،‭ ‬عدم‭ ‬الرضى،‭ ‬عدم‭ ‬الخنوع‭.‬والسلطة‭ ‬القائمة‭ ‬تتأذى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬عليها،‭ ‬وهذا‭ ‬التحريك‭ ‬لسكونية‭ ‬استقرارها،‭ ‬فتلجأ‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬الحريات،‭ ‬وأولها‭ ‬حرية‭ ‬الكتابة،‭ ‬مصدر‭ ‬التحريض‭ ‬ضد‭ ‬الكائن‭ ‬الفاسد،‭ ‬نشدانًا‭ ‬للتغيير‭ ‬وتسريعًا‭ ‬به،‭ ‬كي‭ ‬يحل‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محله،‭ ‬وهو‭ ‬الأفضل‭ ‬منه‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬وتعاقبها‭ ‬منذ‭ ‬المشاعية‭ ‬البدائية،‭ ‬ويفعل‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬وحدة‭ ‬الأشياء،‭ ‬التي‭ ‬يؤدي‭ ‬تراكمها‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬نوعي،‭ ‬فيكون‭ ‬الانفجار‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬يذهب‭ ‬بالقديم‭ ‬ويأتي‭ ‬بالجديد،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يصبح‭ ‬الجديد‭ ‬قديمًا،‭ ‬فيكون‭ ‬النضال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬جديد‭ ‬آخر‭. ‬وهكذا‭ ‬تصبح‭ ‬متوالية‭ ‬التجديد‭ ‬متواصلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنتفي‭ ‬التناقضات‭ ‬التناحرية،‭ ‬ويتم‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬اجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬انتقالاً‭ ‬متوافقًا‭ ‬والسيرورة‭ ‬التاريخية‭.‬

لقد‭ ‬قال‭ ‬القاص‭ ‬والمسرحي‭ ‬الكبير‭ ‬الراحل‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬يومًا‭: ‬‮«‬الحرية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لكاتب‭ ‬عربي‭!‬‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬صواب‭. ‬وتعليقًا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يقول‭ ‬مينه،‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تقنن‭ ‬حرية‭ ‬الكتابة،‭ ‬بذرائع‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتقطّر‭ ‬بالقطارة،‭ ‬وتمنع‭ ‬بعض‭ ‬الكتب،‭ ‬حتى‭ ‬التراثية‭ ‬منها،‭ ‬حرصًا‭ ‬على‭ ‬الأخلاق‭ (!)‬،‭ ‬ويُواجه‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬يبدعون‭ ‬فيها،‭ ‬بمناطق‭ ‬محرمة،‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬ألا‭ ‬يقربوها،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يقربوها‭ ‬بمنع‭ ‬وزجر‭ ‬الشرطي‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬منهم،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الرقابة‭ ‬الخارجية‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬رقابة‭ ‬داخلية،‭ ‬ذاتية،‭ ‬وهي‭ ‬أسوأ‭ ‬أنواع‭ ‬الرقابات،‭ ‬وأشدها‭ ‬وطأة‭ ‬على‭ ‬الكاتب،‭ ‬ولم‭ ‬تخلق‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬أنما‭ ‬بالتدريج،‭ ‬فأسلوب‭ ‬التدجين‭ ‬الذاتي‭ ‬هذا‭ ‬مدروس‭ ‬بعناية،‭ ‬ومقسط‭ ‬تقسيطًا‭ ‬مريحًا،‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬جرعات،‭ ‬بينها‭ ‬فواصل‭ ‬زمنية،‭ ‬حتى‭ ‬يسهل‭ ‬بلعها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬مفعولها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬الترهيب‭ ‬والترغيب،‭ ‬وهذا‭ ‬الأخير‭ ‬أكثر‭ ‬خبثًا‭ ‬وأشد‭ ‬مكرًا،‭ ‬وتقوم‭ ‬به‭ ‬صحف‭ ‬ومجلات‭ ‬عربية‭ ‬تصدر‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وخارجه،‭ ‬وكذلك‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬الأجنبية‭ ‬المشبوهة،‭ ‬فهي‭ ‬تنشر‭ ‬المادة‭ ‬المكتوبة‭ ‬مهما‭ ‬تكن‭ ‬مضادة‭ ‬لتوجهاتها،‭ ‬وتدفع‭ ‬مقابلها‭ ‬مكافأة‭ ‬مغرية،‭ ‬وبالدولار‭ ‬أو‭ ‬القطع‭ ‬النادرة،‭ ‬فإذا‭ ‬بلع‭ ‬الكاتب،‭ ‬أو‭ ‬الباحث،‭ ‬أو‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي،‭ ‬الطعم،‭ ‬وأدمن‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المكافآت‭ ‬النقدية،‭ ‬يبدأ‭ ‬جذب‭ ‬الخيط،‭ ‬وتعود‭ ‬شعرة‭ ‬معاويه‭ ‬إلى‭ ‬شغلها‭ ‬في‭ ‬الدهاء‭ ‬المعروف،‭ ‬بين‭ ‬إرخاء‭ ‬وشد،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اصطياد‭ ‬الكاتب‭ ‬بصنارة‭ ‬الرفاه‭ ‬المؤقت،‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬هو‭ ‬المحروم‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬والعناية،‭ ‬والعاجز‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬رزقه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬كتبه،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬أفضل‭ ‬كتاب‭ ‬عربي،مؤلف‭ ‬أو‭ ‬مترجم،‭ ‬لا‭ ‬يطبع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬نسخة،‭ ‬تبقى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬حتى‭ ‬تنفد‭.‬

مع‭ ‬هذا‭ ‬الترهيب‭ ‬والترغيب،‭ ‬في‭ ‬أشكالهما‭ ‬وألوانها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وعبر‭ ‬مسارب‭ ‬ناعمة‭ ‬وملساء‭ ‬كجلد‭ ‬الأفعى،‭ ‬هناك،‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬كتّاب‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعات‭ ‬كبار،‭ ‬لم‭ ‬يأخذوا‭ ‬باللعبة‭ ‬الحرباوية،‭ ‬واستعصوا‭ ‬على‭ ‬التدجين‭ ‬والاستيعاب،‭ ‬وتقبلوا‭ ‬إسفنجة‭ ‬الخل‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬صلبان‭ ‬حرمانهم‭ ‬وكفاحهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬غد‭ ‬أفضل،‭ ‬لوطنهم‭ ‬ولشعبهم‭. ‬لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬القلة،‭ ‬أما‭ ‬الأكثرية‭ ‬فقد‭ ‬خُربت‭ ‬دوراتها‭ ‬الدمويه‭. ‬ولاتزال‭ ‬المعركه‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬ومن‭ ‬حولهم‭ ‬قائمة،‭ ‬بغية‭ ‬اقتناصهم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تحييدهم،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يمدحوا‭ ‬لا‭ ‬ينتقدون،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬مكسب،‭ ‬والقناصون‭ ‬راضون‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬متحولون‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة،‭ ‬فمن‭ ‬لم‭ ‬تنفع‭ ‬به‭ ‬هذه،‭ ‬قد‭ ‬تنفع‭ ‬به‭ ‬تلك‭.‬

إن‭ ‬حرية‭ ‬الكاتب‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي،‭ ‬لأن‭ ‬الكاتب‭ ‬صاحب‭ ‬سلعة،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬وسائل‭ ‬إنتاجها،‭ ‬وتاليًا‭ ‬تصريفها،‭ ‬تُنقض‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬توفرها،‭ ‬فكيف‭ ‬الحال‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوافرة‭ ‬أصلاً؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نستنتجه‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬مينه،‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬إننا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الناحية،‭ ‬أمام‭ ‬أزمة،‭ ‬وهي‭ ‬انعكاس‭ ‬لأزمة‭ ‬المركز‭ ‬الرأسمالي‭ ‬المتبوع،‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الفقير‭ ‬التابع‭. ‬إذن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للكاتب،‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بدرجة‭ ‬أصغر،‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بدرجة‭ ‬أكبر،‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬جبهتين،‭ ‬جبهة‭ ‬إنتزاع‭ ‬الحرية‭ ‬اللازمة‭ ‬للكتابة،‭ ‬وجبهة‭ ‬تسويق‭ ‬هذه‭ ‬الكتابة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسلعت‭ ‬كليًا‭ ‬الآن‭. ‬وفي‭ ‬وضع‭ ‬مأزوم‭ ‬كهذا،‭ ‬سيجد‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي،‭ ‬والفنان‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬مأزق،‭ ‬يضطر‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإذعان،‭ ‬وكذلك‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والكفاح،‭ ‬لإرساء‭ ‬دعائم‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني،‭ ‬عقلاني،‭ ‬علماني،‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬تتاح‭ ‬فيه‭ ‬الحريات،‭ ‬وقيم‭ ‬العدالة‭ ‬والتنوير‭.‬

قال‭ ‬ببلو‭ ‬نيرودا‭: ‬‮«‬أشهد‭ ‬أنني‭ ‬عشت‮»‬‭. ‬ويقول‭ ‬مينه‭: ‬أشهد‭ ‬أنني‭ ‬عشت‭ ‬أيضًا،‭ ‬وأنني‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العيش،‭ ‬الجميل‭ ‬والقبيح،‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬أثمن‭ ‬من‭ ‬الخبز،‭ ‬وأن‭ ‬الإبداع‭ ‬لا‭ ‬يستوى‭ ‬دون‭ ‬حرية،‭ ‬وإن‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬وطنًا‭ ‬بغير‭ ‬مبدعيه،‭ ‬فقد‭ ‬هتف‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر،‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬احتدام‭ ‬القتال‭ ‬إبان‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بين‭ ‬الثائرين‭ ‬الجزائريين‭ ‬والمستعربين‭ ‬الفرنسيين‭: ‬‮«‬عارنا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭!‬‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬شارل‭ ‬ديغول‭ ‬رئيسًا‭ ‬للجمهورية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فطالبه‭ ‬المتطرفون‭ ‬الفرنسيون‭ ‬باعتقال‭ ‬سارتر،‭ ‬وأجابهم‭ ‬ديغول‭ ‬بحسم‭: ‬‮«‬وهل‭ ‬أعتقل‭ ‬فرنسا‭ ‬كلها؟‭!‬‮»‬‭.‬



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟
- يوسف سلامة.. فيلسوف العقل والتغيير
- كتاب «وجهة نظر»
- الدولة العميقة في الولايات المتحدة
- المفكّر برهان غليون وحديث عن الطائفية
- الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي
- الأنانية تقتل الليبرالية
- المفكر الكبير لويس عوض
- الصراع الروسي الأمريكي أكبر من أوكرانيا
- حديث عن تغييب العقل وغياب الوعي
- 52 عامًا على اغتيال الأديب غسان كنفاني
- «لن نصوِّت لك»
- جرجي زيدان أبرز أركان النهضة العربية
- «الدولة العربية: بحث في المنشأ والمسار»
- حركات التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وخطاب «اللاسامية»
- تنامي القوة الاقتصادية للصين
- الشرق الأوسط وطرح الأسئلة الصعبة
- شيخ المثقفين السوريين
- تركيا والإخوان
- العلمانية والأديان ورواد التنوير


المزيد.....




- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
- إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً
- طارق فهمي: كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليئة بالروايات ا ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهد المضحكي - الكتابة والحرية