|
عواقب تعامي الحكومات الغربية
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 8114 - 2024 / 9 / 28 - 08:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعيش بريطانيا كما غيرها من دول الغرب مرحلة تبدّلات اجتماعية عميقة، أخطرها زيادة عدد المهاجرين بشكل أكبر مما تستوعبه قدراتها الخدماتية والاقتصادية، ناهيك عن ما لا يقوله الاعلام الرسمي، وهو أن المواطن أصبح يخشى على خصوصية هويته وثقافته من زيادة عدد المهاجرين، الذي يتناقض علمياً حتى مع قوانين الطبيعة التي لا تستجيب ايجابياً مع زراعة شتول أشجار مناطق استوائية أو حارة في أصقاع باردة، وتربية أسماك نهرية في محيطات! تجاهل هذه الحقيقة العلمية لا يبرره مطلقاً رغبة الغرب في إضافة قوة التعددية إلى مجتمعاته. التعددية لا تصلح حتى انسانيا مع أشخاص غير متوافقين مع مجتمعاتهم الأصلية، ويرفضون أي ثقافة أخرى! أمس واليوم منذ خمسين سنة كان الدارس في بلاد الغرب يفتخر بحصوله على شهادة علمية منها ويتباهى بتجنيسه لو حصل، بل يشعر انه أصبح جزءا من الغرب ويبدأ في السلوك بثقافته، بينما اليوم يشعر المتجنس بأنه مغبون مهما تعلّم وحصل على مناصب ومكاسب، وأن البلد الذي منحه الجنسية مدين لبلده الأم وبالتالي له شخصياً بأكثر مما يحصل عليه، ويجب أن يعتذر عن فترة استعماره. زيادة عدد متجنسين لديهم هذه النفسية ويريدون فرض ثقافتهم على المواطنين، جعل السلم الأهلي الغربي في خطر، وهو ما تنكره دول الغرب إما خشية من الاعتراف بالخطأ أو لأسباب تتعلق بأجندة عالمية بدأت تتضح حتى في أميركا، حيث الحدود مشرّعة للهجرة غير الشرعية، وأُغلقت منذ فترة لأسباب انتخابية فقط لا غير وستعود إلى ما كانت عليه إذا وصلت هاريس للبيت الأبيض. صعود اليمين القومي كشف ما تتعامى عنه هذه الدول، وأصبحت بريطانيا على سبيل المثال تقول عن فشل حكوماتها "انتفاضة العنصريين" على ما حدث في أوائل أغسطس، وسيتكرر بسيناريوهات أسوأ، سواء قال إيلون ماسك أو جي دي فانس نائب ترمب عن حروب أهلية أو لم يقولا. الشجرة والأغصان المواطن الغربي العادي أصبح يشعر بوجود عواصف سياسية قريبة، ستؤذي السلم القومي وستضر بالاقتصاد وستقسّم البلاد إلى مجتمعات متنافرة متعادية. لن يفيد تشديد الغرب الرقابة على وسائل الإعلام الاجتماعي، أو اعتقال أشخاص يشاركون في مظاهرات العنف ومحاكمتهم على عجل مثلما فعلت بريطانيا للجم "انتفاضة العنصريين". أزمة دول الغرب ليست فقط مع العنصريين ولا مع أشخاص بغيضين، لو صدقنا ما تقوله الحكومات. الواقع يقول إن هذه أغصان شجرة رئيسية: لماذا ظهر العنصريون وأصبحوا أقوياء بهذا الشكل؟ دول الغرب لم تزل تتعامى عن هذا السؤال، وستظل تدور في دوائر ستكون عواقبها وخيمة. الأزمة من شقين: مواجهة هؤلاء أمر لازم لحماية السلم الأهلي، رغم أن حكومات دول الغرب المتعاقبة في العقود الماضية هي السبب الرئيسي في ظهورهم. الشق الثاني هو بيت القصيد الذي تتجاهله حكومات الغرب؛ لم يكن في مصلحة الغرب مطلقاً استقبال وتجنيس جماعات معارضة لدول أخرى خصوصاً الجماعات المتطرفة المستفيدة من الاسلام سياسياً للوصول إلى مآربها في السيطرة والحكم حتى في الغرب، وغض البصر عما تقوم به من تحريض وحض المجتمعات على الانفصال عن واقعها وأوطانها الجديدة. إنهم يصلّون سأل أحد المتنورين الناطقين بالعربية مسؤولاً أمنياً كبيراً بعد حضور صلاة الجمعة في مسجد في فرنسا: هل تراقبون ما يُقال في خطب الجمعة؟ أجاب الرجل وهو مندهش من السؤال: لا. لماذا نراقبها؟ إنهم يصلون! رؤساء وزراء بريطانيا منذ عقود ينكرون أن لندن أصبحت عاصمة للجماعات المتطرفة الهاربة المعادية لحكومات بلدانها مثل باكستان وبنغلاديش ومصر وبعض دول الخليج، واليوم يطلقون على أي مواطن يشرح أغراض هذه العصابات في بريطانيا انه بغيض أو متطرف أو عنصري. الغرب بحاجة إلى إعادة نظر قريبة جداً في سياسته القديمة، خصوصا سياسة التعامي التي تطرح سؤالا مهما: لماذا تسمح حكومات الغرب بالتحريض الذي تقوم به هذه الجماعات المتطرفة باسم حرية التعبير، بينما تضع حكومة رئيس وزراء بريطانيا ستارمر، على سبيل المثال، في السجن أكثر من ألف شخص شاركوا في مظاهرات، وتشدد الرقابة على الأصوات المعارضة لسياساتها في إيواء وتجنيس العناصر المتطرفة على منصات التواصل الاجتماعي. لأسباب انتخابية على الجانب الآخر من المحيط الاطلنطي، اتهمت كَمالا هاريس لأسباب انتخابية وبكل سطحية ترمب في مناظرتهما بأنه ديكتاتور ويحب الديكتاتوريين مثل فيكتور أوربان الذي يرفض سياسة الحدود المفتوحة للاجئين غير الشرعيين. سطحية هاريس تتمثل في جهلها التام بتاريخ دول البلقان الدموي مع الإمبراطورية العثمانية، لدرجة خلق اسطورة المحارب الأسطوري (دراكولا) الذي حارب وخوزّق العثمانيين، من محارب عاش وكان شخصاً حقيقياً. عكس المبادئ السياق يقتضي ذكر مفارقتين تاريخيتين، الأولى إيواء فرنسا روح الله آية الله الخوميني، وجهود "سي أي أيه" لوضعه على دكة الحكم في طهران، ثم تصرفه بكل ما يتناقض مع مبادئ ومصالح فرنسا وأميركا، وأطلاقه على أميركا الشيطان الأكبر، وتهجمه على الغرب بشكل عام سافر. المفارقة الثانية هي تجنيد الجماعات المتطرفة على أراضي الغرب أفراد جاليات ومواطنين على أرضه، والنتيجة سفرهم ومشاركتهم "القاعدة" و"داعش" وميليشيات إيران في سوريا ولبنان والعراق. نتيجة لا تتوافق مع مصالح وقيم وديموقراطية الغرب. الناس الغربيون العاديون يشعرون أن السلم الأهلي مهدد في أوروبا، بينما الحكومات تتعامى عن مسببي هذا التهديد وتتهم من يعارضوه بأن أفعالهم "انتفاضة عنصرية". دعم الانفصاليين في روايته "الخضوع، الصادرة سنة 2015، زعم الروائي الفرنسي أويليبيك أن الفرنسيين أمامهم 7 سنوات فقط لمنع المتطرفين من الاستيلاء على السلطة في باريس، عبر الانتخابات بمساعدة جماعات يسارية وجماعات التصحيح السياسي. سواء كان الروائي على حق أو لا، ما غرض إنفاق الحكومات الفرنسية المتعاقبة بين سنوات 1980-2020 أكثر من 30 مليار دولار على بناء ضواح إسلامية على أمل منع "النزعة الانفصالية"، بدلا من دمج هؤلاء في المجتمعات العادية. هذا النموذج له أشباه كثيرة في دول الغرب، فهل يقف الغربيون أمام المرتشين والمستشارين الفاسدين وضعاف النفوس الذين مهدوا لهذه الورطة التي ستتسبب في تهديد السلم الأهلي وتآكل ثقافاتهم، كما وقف أسلافهم أمام سلطان الكنيسة السياسي؟ هل تكف حكومات الغرب عن "سياسة التعامي" وتعيد التفكير في "التصحيح السياسي" الذي تبين انه أداة خطيرة لجلد الذات لا نتيجة منها سوى فتح الطريق أمام المزيد من "الترهل السياسي" الذي سيؤدي إلى السقوط؟
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليوبيل الماسي لفيلم -غَزَل البنات-
-
استهداف إلهام شاهين
-
مات لبنان لتحيا ولاية الفقيه
-
أقوى سياسي على الكوكب
-
مبادئ مخفية في إنقلاب يوليو 1952
-
الفرار من عدالة المؤمنين
-
خدعة إرهابية وخدع بصرية
-
فواجع الافراط في التسامح
-
-حديث وتعليق- و-حقوق الحب-
-
صكوك غفران سياسية
-
إدارة الصراعات بالأدعية والغيبيات
-
أسماء سقطت من لائحة المتصهينين العرب
-
تجربة طوفان أستاذية العالم (2)
-
تجربة طوفان أستاذية العالم
-
صراع ديني أم تلاعب بالقرارات؟
-
اليمين القومي ودور البابا
-
موجة طلب اعتذارات من الغرب
-
شيكات عربية بدون رصيد
-
لماذا لم يفز زغلول النجار بنوبل؟
-
تعقيب على كشف المستور في -الفكر الحر-
المزيد.....
-
ردًا على ترامب.. المكسيك في طريقها لفرض رسوم جمركية انتقامية
...
-
رئيسة المكسيك تحذر من عواقب وخيمة للرسوم الجمركية التي فرضته
...
-
شولتس يستبعد أي تعاون مع اليمينيين المتطرفين
-
تديره شركة إماراتية.. حقل غاز شمالي العراق يتعرض لهجوم دون إ
...
-
كندا والمكسيك.. ردة فعل انتقامية
-
عودة 300 -مرتزق روماني- من الكونغو بعد مشاركتهم في دعم الجيش
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تفجير مبان ومقتل عشرات المسلحين في الض
...
-
الخارجية الأمريكية: روبيو أبلغ الرئيس البنمي بأن ترامب لا ين
...
-
سيدة تلتقي بأطفالها لأول مرة منذ 6 أشهر بعد تحرير قريتها في
...
-
مينسك لا ترى أي مؤشرات لنشوب عدوان عليها
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|