أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المادة العجيبة















المزيد.....


المادة العجيبة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 13:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
١٦ - المادة السوداء والمادة المضادة


في بدايات القرن العشرين، أثبتت البحوت في مجال الفيزياء بأن الذرّة، التي أعتبرها ديموقريط أصغر وحدة لا تتجزأ من المادة، تحتوي بدورها على جسيمات أصغر، وتٌسمى بالبروتونات، والنيوترونات والإلكترونات، المعروفة بالجسيمات الدون ذرية. وفي بداية الستينات، أُكتشفت جسيمات دون ذرية أخرى. وفي الثمانينات، أُكتشف بأن النيوترونات والبروتونات (و بعض الهاردونات الأخرى) مكونة أيضاً من جسيمات أصغر تسمى الكواركات، لذا أتت النظرية الكمومية بمجموعة من القوانين لوصف تفاعلات هذه الجسيمات المتعددة. على الرغم من أن الأفكار الأساسية حول المادة تعود في العصر الحديث إلى إسحق نيوتن Newton، وقبل ذلك إلى فلسفة أرسطو الطبيعية وديموقريط الذي ذكرناه سابقا، إلا أن فهمًا أعمق للمادة، بدأ في الظهور في أوائل القرن العشرين. فنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (1905) أثبتت أن المادة (ككتلة) والطاقة يمكن تحويلهما إلى بعضهما البعض وفقًا للمعادلة الشهيرة E = mc2، حيث E هي الطاقة، و m هي الكتلة، و c هي سرعة الضوء. يحدث هذا التحول، على سبيل المثال، أثناء الانشطار النووي، حيث تنقسم نواة عنصر ثقيل مثل اليورانيوم، وينتج عن هذا الإنقسام إطلاق فرق الكتلة كطاقة هائلة. نظرية أينشتاين في الجاذبية، والمعروفة أيضًا باسم نظريته النسبية العامة theory of general relativity -1916، تتخذ كمبدأ أساسي التكافؤ التجريبي الملحوظ بين الكتلة القصورية inertial mass والكتلة الجاذبية gravitational mass، وتوضح كيف تنشأ الجاذبية من التغيرات والإلتواءات أو التشوهات distortions التي تُدخلها المادة إلى المحيط الزمانكاني، أي الزمان والفضاء كشيء واحد space-time.
إن مفهوم المادة يزداد تعقيداً بفعل ميكانيكا الكم quantum mechanics، التي ترجع جذورها إلى بحوث ماكس بلانك Max Planck في عام 1900 لخصائص الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من جسم ساخن. ففي النظرة الكوانتية، تتصرف الجسيمات الأولية مثل الكرات أو الجسيمات الصغيرة، أي كمادة صلبة، وفي نفس الوقت في شكل موجات تنتشر في الفضاء ــ وهي مفارقة ظاهرية لم يتم حلها بالكامل بعد، أما النسبية فتعتبر الأجسام كتلًا غير قابلة للتجزئة في الزمكان، بينما تنظر ميكانيكا الكم إلى المادة على أنها موجات احتمالية وليست جسيمات موضعية. ويأتي التعقيد الإضافي للفهم العميق للمادة من الملاحظات الفلكية التي بدأت في ثلاثينيات القرن العشرين والتي تظهر أن جزءاً كبيراً من الكون يتكون من "المادة المظلمة أو الداكنة - dark matter". وهذه المادة غير المرئية لا تؤثر على الضوء ولا يمكن اكتشافها وإثبات وجودها إلا من خلال تأثيراتها الجاذبية، وإن ولم يتم تحديد طبيعتها التفصيلية بعد. المادة المظلمة، هي أحدى مكونات الكون التي يُستدل على وجودها من خلال جاذبيتها وليس من خلال لمعانها، أول من أكتشف أو أستنتج وجود المادة المظلمة، المعروفة في الأصل باسم "الكتلة المفقودة - missing mass "، هو عالم الفلك السويسري فريتز زويكي Fritz Zwicky، الذي اكتشف في عام 1933 أن كتلة جميع النجوم في مجموعة مجرات كوما Coma cluster لا تكوّن سوى حوالي 1% من الكتلة اللازمة لمنع المجرات من الإفلات من جاذبية المجموعة. ظلت حقيقة هذه الكتلة المفقودة موضع تساؤل لعقود من الزمن، حتى سبعينيات القرن العشرين عندما أكد الفلكيان الأمريكيان فيرا روبين Vera Rubin وكنت فورد W. Kent Ford وجودها من خلال ملاحظة ظاهرة مماثلة، حيث كتلة النجوم المرئية داخل مجرة نموذجية لا تزيد عن 10% من الكتلة المطلوبة لإبقاء تلك النجوم تدور حول مركز المجرة دون أن تتبعثر في الفضاء الشاسع. يتكون الكون المرئي إلى حدٍّ كبير من عنصرين خفيفين، 75% الهيدروجين و24% من الهيليوم، بينما تكوّن العناصر الثقيلة ما تبقّى، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك دليلاً مقنعًا على أن معظم مواد الكون هي مواد خفية أو غير مرئية وهي هذه المادة المظلمة. كما أن علماء كثيرين يراودهم الشكّ في أن المادة المظلمة تتكون من ذرات، أو حتى إلكترونات، أو بروتونات، أو نيوترونات، أو كواركات. وعوضًا عن ذلك يمكن أن تكون مكوناتها من نوع معيّن من الجسيمات المجهولة التي لم تُكتَشَف بعد. وهناك بالإضافة إلى هذه المادة المفقودة، مادة أخرى تسمى المادة المضادة - Antimatter وهي عكس المادة العادية المعروفة في الفيزياء، وبشكل أكثر تحديداً، تمتلك الجسيمات دون الذرية للمادة المضادة خواص معاكسة لتلك الموجودة في المادة العادية، وشحنة تلك الجسيمات معاكسة لها أيضاً. وقد نشأت هذه المادة في نفس ظروف نشوء المادة العادية بعد الانفجار العظيم، ومن المعتقد أنه عند إلتقاء أي جزء من المادة مع نظيره من المادة المضادة فإنهما يفنيان معا، لكن المادة المضادة نادرة اليوم، ولا يعرف العلماء السبب المؤكد وراء ذلك. عالم الفيزياء البريطاني بول ديراك Paul -dir-ac هو أول من تنبأ بوجود المادة المضادة في العام 1928، حين دمج كل من معادلات اينشتاين في النسبية الخاصة - التي تقول أن الضوء هو أسرع شيء في الكون - وميكانيكا الكم - التي تصف ما يحصل في عالم ذرة ما. وبعد ذلك، اكتشف ديراك معادلة تسمح بوجود إلكترونات بشحنات سالبة أو شحنات موجبة على السواء. وفي البداية تردد ديراك بنشر نتائجه الابتدائية، لكنه قرر في النهاية نشرها وقال بأن كل جسيم موجود في الكون يمتلك صورة مرآتية له. وبعد ذلك، اكتشف عالم الفيزياء الأمريكي كارل أندرسون - Carl D. Anderson البوزيترونات positrons وهي إلكترونات ذات شحنة موجبة في العام 1932. وقد حصل ديراك على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933، وأندرسون في عام 1936. وعادة ما تنشأ جسيمات المادة المضادة في التصادمات فائقة السرعة، وفي أثناء اللحظات الأولى من الانفجار العظيم (Big Bang)، حيث لم يكن هناك سوى الطاقة، ومع انخفاض درجة حرارة الكون وتوسعه، تم تحول هذه الطاقة في شكل المادة والمادة المضادة بكميات متساوية حسب المعادلات الرياضية، ولا يوجد تفسير واضح لسبب وفرة المادة العادية التي تكون العالم ولماذا اختفت أغلب المادة المضادة. هذا سؤال لا يزال العلماء يُحاولون الإجابة عنه بواسطة البحوث الجارية طوال السنوات الأخيرة. تقترح إحدى النظريات أنه تمَّ إنشاء كميات من المادة العادية أكبر من المادة المضادة في البداية، وبالتالي حتى بعد حصول عملية الإفناء المتبادل بين المادتين (mutual annihilation)، بقيت كمية كافية من المادة العادية لتشكيل النجوم، والمجرات والكون بأسره. ووجود المادة المضادة يسمح بتصور إمكانية عوالم متوازية لعالمنا المكون من المادة وإمكانية وجود نسخ مرآوية لكل شيء في الكون، بطبيعة الحال كما يقول ستيفين هاوكنج، إذا ألتقيت بالصدفة بنسختك من المادة المضادة، فأحذر أن تصافحها حتى لا تفنيا معا.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن العرب والإسلام والتخلف
- ما هي المادة ؟
- لماذا العبور
- أزمة الفيزياء النظرية
- عالم الذرة وعالم المجرات
- نهاية العالم بين الجحيم والجليد
- الأدلة على نظرية Big Bang
- مراحل الإنفجار الكبير
- الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
- نظرية تمدد الكون
- وتأخر المسيح عن موعده
- بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
- هل للكون بداية ونهاية ؟
- العبث بين الدين والفن
- بداية الخلق
- بين التأمل والتجربة
- بين الإحتمال واليقين
- ساعة إينشتاين
- حريق الظل الطويل
- عن الأخلاق واللاهوت


المزيد.....




- القبض على -سفاح صيدنايا- ومقتل شجاع العلي في سوريا
- زيارة مثيرة للجدل: رئيس المخابرات العراقية يلتقي أحمد الشرع ...
- ماذا نعرف عن تعيينات الحكومة الانتقالية السورية الجديدة؟
- حقائب مهجورة وزجاج على الأرض.. هكذا بدا مطار صنعاء الدولي بع ...
- بولندا تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والتركيز على ا ...
- الدرك المغربي يداهم قرية ويحرر 19 شخصا كانوا محتجزين في ظروف ...
- شولتس يعلن اتفاقه مع ترامب على تنسيق المواقف بشأن النزاع في ...
- ريابكوف: موسكو ترى مؤشرات على انطلاق سباق تسلح جديد بالفعل
- الحوثيون يقصفون مجددا مطار بن غوريون
- أوروبا 2024.. هزيمة استراتيجية التصعيد


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المادة العجيبة