أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل















المزيد.....


الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 08:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الأصول الماركسية للتاريخ من أسفل


لا يستقيم الحديث عن طبيعة ومضمون ما يعرف ب(التاريخ من أسفل) ، دون الرجوع الى طبيعة الأصول التاريخية وماهية الخلفيات السوسيولوجية ، التي نهل من معينها جلّ المؤرخين المحدثين الذين انتهجوا هذا الضرب المختلف في كتابة التاريخ وسرد أحداثه وتدوين وقائعه . ولعل من المفيد الإشارة الى أن الفلسفة الماركسية – بقسمها التاريخي / السوسيولوجي – تعد من أبرز وأهم الأصول المعرفية والمنهجية لكتابة هذا النمط من السرد التاريخي ، الذي بات يحظى باهتمام ومتابعة مختلف التيارات والاتجاهات التاريخية في العالمين الغربي والشرقي على حدّ سواء ، نظرا" لقيمة ما يقدمه للمؤرخين ، فضلا"عن الباحثين في المجالات الاجتماعية والإنسانية ، من مردودات علمية ومعرفية لا يمكن الاستغناء عنها . وفي هذا الإطار ، فقد لاحظ أحد المؤرخين الغربيين (جيم شارب) وأستاذ التاريخ في جامعة يورك ، أنه (( من الواضح ان إسهامات المؤرخين الماركسيين ، سواء هنا أو في أي مكان آخر ، كانت هائلة . فالواقع ان أحد الفلاسفة الماركسيين رغم ان كل أولئك الذين يكتبون التاريخ من أسفل ، إنما يفعلون هذا تحت ظلال المفاهيم التي صكها ماركس عن التاريخ )) .
لا بل إن الفيلسوف العظيم (ماركس) لم يكتفي بتصورات الانثروبولوجي (مورغان) ، مثلما لن تغنيه اطروحات رفيقه (إنجلس) حول تلك القضايا والمسائل المعنية بأشكال وأنماط تطور الشعوب القديمة ، وانما اخضعها الى صرامة تحليلية ومنهجية كانت تتساوق مع منظوره الشمولي وتفكيره الجدلي . ولهذا فقد لاحظ أستاذ العلوم الاجتماعية والسياسية (كيفن اندرسون) إنه والى حدّ ما (( يشبك ماركس رؤية موغان حول مركزية العشيرة برؤيته المادية . ويوافق ماركس من ناحية المبدأ مورغان حول المساواة النسبية بين النساء والرجال في مجتمعات العشيرة المبكرة ، لكنه ، وفي حين يركز كل من مورغان وانجلس على تحلل العشيرة حصرا"مصدرا"لكل من هيمنة الرجل ونشوء المجتمع الطبقي والدولة ، فإن دفاتر ملاحظات ماركس تظهر لنا أنه يرسم صورة جدلية وذات تفاصيل أكثر )) .
والحقيقة ان الاهتمام بقيمة وأهمية معطيات (التاريخ من أسفل) ، لم تنبثق هكذا مع الفلسفة (الماركسية) دون تراكمات تاريخية أو مقدمات اقتصادية أو خلفيات اجتماعية ، وخصوصا"مؤلفات العالم الانثروبولوجي السويسري (يوهان باخوفن) من خلال كتابه (حق الأم) ، ونظيره العالم الانثروبولوجي الأمريكي (لويس مورغان) عبر كتابه (المجتمع القديم) . اللذين حظيا بدراسة عميقة ونقد عقلاني من قبل رفيق ماركس (انجلس) عبر كتابه ذائع الصيت (أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة) ، حيث كانت تلك المؤلفات السوسيولوجية والانثروبولوجية وغيرها بمثابة المنطلقات التي اعتمدها (ماركس) في بناء معماره الابستمولوجي والسوسيولوجي خلال تلك الفترة ، لاسيما دفاعه عن مصالح الطبقة العاملة وتبني خطابها السياسي وبلورة إيديولوجيتها الشيوعية ، بعد أن كانت عاجزة عن إسماع صوتها واثبات ذاتها أمام سطوة الطبقات البرجوازية والرأسمالية المتنامية . هذا وكان الباحث (لورنس كرادر) قد نشر في عام 1972 نسخة محررة بعنوان (الملاحظات الاثنولوجية لماركس) ، أشار من خلالها الى أن (( ملاحظات ماركس حول الأعمال الانثروبولوجية للويس هنري مورغان ، الخاصة بسكان أمريكا الأصليين ، وقدماء الرومان والإغريق ، وحول كتابات هنري سومر ماين عن العلاقات الاجتماعية في ايرلندا القديمة ، وكتابات جون بود فيار حول القرية في الهند ، وأعمال جون لوبوك حول بعض المجتمعات قبل الكتابية )) .
وللتدليل على أن اهتمامات الماركسية بتاريخ الطبقات الفقيرة والفئات المسحوقة وما ينطوي عليه من قضايا اجتماعية مزرية واقتصادية مجحفة وإنسانية مهملة ، لم تشرع في القرن التاسع عشر مثلما قد توحي مطالعات البيان الشيوعي وأرشيفات الأممية الأولى التي كانت شاهدا"على طبيعة وحجم ذلك النشاط الصراعي المحموم الذي كان (ماركس) يخوض غماره دفاعا"عن ، ليس فقط مصالح الطبقات العمالية في البلدان الغربية المستعمرة (بالكسر) ، بل وكذلك مصالح الشعوب والأمم المستعمرة (بالفتح) التي كانت تعاني وطأة الاستغلال الاقتصادي والطغيان السياسي والامتهان الإنساني . وإنما تعود خلفياتها الى عقود القرن الثامن عشر كما أشار الى ذلك بعض المؤرخين المهتمين بهذا الشأن . حيث لاحظ المؤرخ البريطاني الماركسي (اريك هوبسباوم) ان تاريخ تلك الأصول والخلفيات (( يبدأ بتاريخ الحركات الجماهيرية في القرن الثامن عشر (...) وبالنسبة للماركسي ، أو الاشتراكي بصفة أعم ، تطور الاهتمام بتاريخ الطبقات عند القاعدة مع نمو الحركة العمالية )) .
وفي هذا الإطار ، يعتبر كتاب (الطبقة العاملة في انكلترا) الذي أنجزه رفيق ماركس الفيلسوف الألماني (فردريك انجلس) عام 1844 ، باكورة الدراسات الرائدة والاتجاهات المتقدمة التي نحت صوب الاهتمام بمضامين التاريخ (الشفوي) للطبقات المهمشة والفئات المحرومة والشرائح المنبوذة ، التي كانت من جملة ضحايا تداعيات الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر من جهة ، وهيمنة العلاقات الرأسمالية القائمة على الاستغلال الاقتصادي والاستبعاد الاجتماعي من جهة أخرى . ولذلك فقد كتب (انجلس) مخاطبا"الطبقة العاملة في بريطانيا بالقول (( لقد عشت فيما بينكم ردحا"من الزمن كافيا"لأعرف شيئا"ما عن ظروفكم ، ولقد كرست بجدية جلّ انتباهي للتعرف عليها . لقد درست الوثائق الرسمية وغير الرسمية المختلفة ، بقدر ما كان في مقدوري أن أحصل عليها ، ولم أكن راضيا"بهذا ، كنت أريد أكثر من مجرد معرفة مجردة عن الموضوع الذي أتناوله . كنت أود أن أراكم في منازلكم ، أن أعاينكم وأنتم تمارسون حياتكم اليومية ، أن أتحدث معكم عن وضعكم ومظالمكم ، لأشاهد نضالاتكم ضد سيطرة مضطهديكم الاجتماعية والسياسية )) .
وبخلاف ما روجت له بعض الدراسات المعنية بالفكر الماركسي ومتابعة امتداداته وتأثيراته خارج إطار المجتمعات الغربية ، التي تركز اهتمامها على أطروحة (( أن ماركس أهمل العديد من القضايا ؛ كقضايا العرق والاثنية والقضايا القومية والكولونيالية )) ، كما زعم – على سبيل المثال – عالم الاجتماع البريطاني (أنطوني جيدنز) ضمن كتابه المعنون (الدولة القومية والعنف) . فقد أشار (المؤلف) الى أن ماركس (( أعادة التفكير في العديد من مفاهيمه المتصلة بالتطور الاجتماعي ، واضعا"المجتمعات الطرفية غير الأوروبية الغربية في مركز اهتمامه ، ليوحي بأن هذه المجتمعات قد تقود التحول الثوري )) . وتدليلا"على ذلك ما جاء بنصوص دفاتر ملاحظات ماركس حول الدراسات الاثنية بين عامي 1880 – 1882 م . (( حيث دونها ماركس على دراسات أجراها باحثون عديدون أغلبهم انثروبولوجيون وتغطي مجموعات واسعة من المجتمعات والحقب الزمنية ، وتضم الحضارة القروية للهند وتاريخها ، والكولونيالية الهولندية ، واقتصاد القرية في اندونيسيا ، والجندر وعلاقات القربى لدى سكان أمريكا الأصليين ، ولدى الإغريق والرومان القدماء ، حول ايرلندا والملكية الخاصة والملكية التشاركية في الجزائر وأمريكا اللاتينية )) .
وعلى إيقاع التطورات العاصفة التي شهدتها العلوم الاجتماعية والإنسانية وما استتبعها من التداخل في حقولها والتشابك بين ميادينها ، فضلا"عما تمخض عنها من اجتراحات منهجية وابتكارات مفاهيمية وانزياحات دلالية ، فقد نعى البعض من المفكرين الليبراليين (أفول) وهج الماركسية وانحسار تأثيرها على السيرورات التاريخية والديناميات الاجتماعية التي تتطور بموجبها المجتمعات ، لاسيما تلك التي تنضوي تحت مسميات (الاستبداد الشرقي) و(النمط الآسيوي) و(مجتمعات الأطراف) . بحيث أضحت – كما يزعمون - عاجزة عن تقديم إجابات مقنعة وتفسيرات مقبولة لما أنجزته العولمة الرأسمالية من فتوحات واسعة وحفريات عميقة وتنظيرات شاملة ، لا في مضامير الواقع – المعيش وما ينطوي عليه من علاقات وصراعات فحسب ، بل وكذلك في مجالات الفكر – الوعي وما يشتمل عليه من تصورات وتمثلات .
وإزاء ذلك ، فقد تصدى الكثير من الفلاسفة والمفكرين والباحثين والمؤرخين الغربيين ، الذين خبروا طبيعة الفلسفة الماركسية جيدا"، وتعمقوا في مضامينها الابستمولوجية والمنهجية ، فضلا"عن تمرسهم بالتعاطي مع جهازها المفاهيمي المركب ، ومن ثم امتطهم اللثام عما ينطوي عليه من عمق تاريخي وثراء دلالي . وهكذا ، ضمن أحدى الأسئلة الموجهة للفيلسوف الفرنسي المعاصر (ادغار موران) عن الأصول الانثروبولوجية في فلسفة ماركس أجاب قائلا"(( عليّ أن أقول إن انثروبولوجيا ماركس هي التي أوحت ليّ بكتابة كتابي (البشرية والموت) ، والتي يمكن أن نجدها في كتاباته المبكرة إبان شبابه ، والتي عرفت في ذلك الوقت بعلوم (الاقتصاد السياسية والفلسفة) )) . هذا في حين تحدث الباحثان (توماس هايلاند اريكسون) و(فين سيفرت نيلسون) عن موقف ماركس إزاء التأثيرات التي أحدثتها أفكاره في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية قائلا"(( كان تأثيره على النظرية الاجتماعية معقدا"ومتعدد الأوجه ، وقد يجري تعقبه في العديد من التحليلات الانثروبولوجية حتى اليوم (رغم تأثيره على علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد كان أعظم )) .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع ...
- انثروبولوجيا المكان بين الأصول الريفية والميول الحضرية : روا ...
- التاريخ والمؤرخ والوثيقة التاريخية : تفاعل لا تفاضل
- أخلاق الثقافة وثقافة الأخلاق
- الخطاب الثقافي والأجيال البينية : قراءة في اجتهادات أستاذ ال ...
- حدود البنية (اللوجستية) في صيرورة الهوية الوطنية
- مرض عضال الثقافة العراقية : ظاهرة التكاره بين المثقفين !
- المؤرخ وتبعات انبهاره بالتاريخ
- (المثقف) حين يمتهن التجارة !
- بمناسبة الذكرى (150) لميلاد الصحافة العراقية - نقابة الصحفيي ...
- العشائر والشعائر : الفزعة القبلية والنزعة الاستعلائية !
- الانثروبولوجيا الماركسية وتمرحل أنماط الانتاج
- دعائم الليبرالية وتمائم البطريركية (مقاربة للحالة العراقية)
- عوائق الليبرالية في المجتمعات البطريركية
- الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة
- مفهوم الجدارة السياسية بين براغماتية الحاكم ودوغمائية المحكو ...
- الاستدعاء النقدي للتاريخ : قراءة في الأصول المنسية
- الاقطاع السياسي : نمط فوضوي لتفكيك الدولة واغتصاب سلطتها
- الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي
- الثقافة في حضرة التاريخ : حفريات في ذاكرة الثقافة العراقية


المزيد.....




- كوريا الجنوبية.. المحكمة الدستورية تعقد أول جلسة تحضيرية لمح ...
- لماذا تريد أمة المليار ونصف المليار المزيد من الأطفال؟
- ما صحة ضرورة التخلي عن السكر؟
- هل توجد حضارات خارج كوكب الأرض؟
- OpenAI تبحث إمكانية تطوير روبوت ذكي
- بوتين: التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يلبي المصالح الأساس ...
- دونالد ترامب وعد بوقف جنون التحول الجنسي في أمريكا
- تركيا تُرتّب البيت السوري على طريقتها
- إسرائيل.. إصابات وتعليق العمل في مطار بن غوريون بسبب صاروخ م ...
- الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية تعتزم التصويت على عزل الرئ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل