جميل محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1776 - 2006 / 12 / 26 - 09:05
المحور:
الادب والفن
صباحا فتح البروفسور(ص) عينيه تطلع في ساعة الحائط أمامه 14 تموز 2006 اذن اليوم هو عطلة , لايود رفع الغطاء ومغادرة السرير , سبقته الزوجة لإعداد الفطور , رن الموبايل رسائل متنوعة دفعته للنهوض والجلوس قليلا مقابل الكومبيوتر , الملف الصباحي واخبار الجريدة والشركة ومجلس النواب , تلخص وترتب له السكرتاريا ماتستطيعه , تثاءب من برودة ما حوله , غطسه في حوض الاستحمام ستنعشه وتطرد النعاس , تمدد في مستطيل الرخام الأبيض ورأسه فقط خارج الماء ثم يغطس كاملا ويرفع رأسه ثانية يتنفس بعمق ويشبك عشريه خلف رقبته ويتكئ على حافة الحوض الأمامية وتبدأ (الصفنة) ماالعمل؟ 24 ساعة ممتدة يقرأها يراها تتوالى بشر , سيارات , أفكار , مشاريع , مشاكل , ملاحظات , هدوء , جمال رائع يلفت انتباهه , انفعال , تلوي , تبجح , تذلل , استشفاف , جدل ,هواتف , أخطاء, تصور , تعب , سيرميها كلها اليوم خلف ظهره , واسترخى الوقت ملكه هذا النهار سيذهب بعد الظهر الى جناحه في برج الرصافي , ومن الطابق التاسع والثلاثين سيفتح النافذة هذه بغداد تمتد تعلو تتجمل تدخلها الحداثة والبناء العمودي , وتختفي من امتداد بصره أحياء كاملة عاش بين أزقتها , حتى المنائر الذهبية والبيضاء أخفتها عن ناظريه كتل الكونكريت والزجاج , وبقى له دجلة يتلوى ينحدر جنوبا صاف رقراق يديم الحياة في مدينة الرشيد قاصدا البصرة على امتداد السهل الأخضر وغابات النخيل مانحا بعض الحلاوة لمياه شط العرب وشمال الخليج , .
العطلة تمنحه الوقت والهدوء والكسل والحلم , لولا ألاعيب بعض السياسيين لكنا على قائمة دول السوق الأوربية المشتركة ! دعنا من البعيد لماذا لم ندخل مجلس التعاون الخليجي ؟ المرحب بنا دوما ! العالم يتجمع في كتل ومحاور ونحن ..
- بابا بابا
هند تقرع الباب وكأن لا حمام في الدار سوى ما أنا فيه غاطس ! متأخرة جاءت تحاول اللحاق بالقمر والنجوم , ستعبث بالأوراق والملابس والأجهزة ووومن يصرخ في وجه زهرة ؟
اذهبي ابنتي لتناول إفطارك.
من سيطعمني؟
ماتبقى للبروفسور وهو يتجه نحو الستين ! العمل كحاضنة أطفال ! لقمة لقمة , يمسح الشفاه والخدود , ويقبل الجبين ويحتضن المستقبل .
الساعة في الخارج تدق معلنة السابعة صباحا , تموز 58 نفس الصباح والساعة قفز مسرعا من السطح الى المذياع والشارع تدافع مع الحشود طفلا غرا نحو تمثال مود ؟ ورآه يسقط , وتزحف الحشود هادرة من جهة العلاوي نحو شارعه ليعلقوا عبد الإله عاريا من شرفة فندق , ثم تأتي جماهير الجعيفر رافعة صور زعيم عربي , سقط الملك ولم ينهض ملك ! عصرا هدأ الموقف وتفرق الناس ولم يتبق تحت شرفة الفندق غير تل من الأحذية تساقطت من على جسد ولي العهد وتركها أصحابها , وقف هو حيث جده يحيطه آخرون ميز اسم (قاسم ) ربما هو الآتي , حمدنا الله بعدها فقد كان هذا العسكري ومجموعته أذكى من التحول الى سياسيين وحكام , انتهت الثورة وأحداثها بعدما أزالت برقع الفساد وهزت البلد والمجتمع قتل عبد الإله ونوري السعيد وسلمت بقيت العائلة الملكية ورحلت الى الأردن , ودرنا في فراغ اتفق الجميع تقريبا على الجادرجي كحل للإشكال , انتهى الحمام ارتدى ملابسه وتوجه نحو الطابق الأسفل حول المائدة هنالك العائلة نجوم تحيط بالقمر ! زوجته الحبيبة قبلة من جبينها الوضاء تعطي للنهار طاقة العمل , اتجه نحو أوسع الغرف , هاهي! عجبا ؟ أين الزوجة والأولاد ؟ اين حتى المائدة والكراسي ؟ أين الاضائه؟ التبريد؟ بابان مقفلان ! هما ماتبقى من دخول وخروج الاستقبال والطعام؟ تلفت , شاهد أمامه مرآة صغيرة فوق حوض غسيل مقرف تطلع فيها , ابيض ! ابيض؟ ليس الحائط بل شعر رأسه ,ذقنه, شاربيه, (هو؟) كأنه لم يحلق منذ أسبوع ! فغر فاه دهشة واستغرابا , صدمته هذه المرة أسنانه او ماتبقى منها ؟ اللعنة, كاد ان يكسر المرآة , هاهي الكوابيس المرة تعاوده بقوة, حيث يهوى الى أقصى خريف العمر يحسب الايام والساعات بانتظار الاتي مفخخة او عبوة اوقدر وينتهي مبعثرا! الدار نفسه ولكنه يشيخ يتآكل , لازهرة لا قرنفلة لاقمرية أعناب في الحديقة , الارضة ضربت كل اخضر وأصبحت الارض سمراء مقفرة لا تعيش بين حشائشها الا الزواحف . ولكن لماذا هو وحده في هذا الحلم الرهيب ؟ يتطلع الى جدران سمائية باهتة ! وغربة , وحشية , وصمت , صمت مهلك , أشجار يابسة حتى سعف النخيل واغصان الزيتون,يلتقط ويكسر منها عود ناعم, يتوجه نحو الباب السوداء للحديقة يفتحه ليخرج الى الشارع يتطلع يمد بصره ليرى بشر , حياة , وجوه! فيطول الانتظار؟ عجبا لكابوس أعمى يصيب الحالم بالوحشة والفردية وتقل فوق الأشجار العصافير.
- ماذا لو ذهبنا الى جزر الكناري ؟ سألته زوجته .
- نعم ياروحي . أجابها .
- اجازة لصيف كاد الذباب يحيله الى جحيم , هند لا تخرج الى الحديقة الا وتعود باكية.
من هم أعدائك ياهند ؟ الذباب ام البعوض ام دخان التلوث ام لهيب شمس محرقة ؟ ستكونون غدا على متن اول طائرة متجهة نحو الاعتدال في شهري تموز واب , واتركوني هنا أحارب طواحين الهواء , تمنى لحضتها لو يستطع ( التخلي) ولكن كيف ؟ والشرق لايزال يخضع للفرد كما يراه ! هل يقدر ان لا يتواجد في مقر الجريدة ؟ هل يترك نقاش البرلمان في جلسات سن القوانين ؟ خاصة حول جدوى العمالة الوافدة وتخصصاتها , سيمزق ملابسه لو لم يقر تشريعه حول حصر او منع جلب الخدمة النسوية الاجنبية للعمل داخل البيوت العراقية , كم يحتاجون هم كعائلة الى شابة تحمل عبأ الغسل والتنظيف والطبخ والتشريفات وكم سيكره زوجته وهو يراها تنتفخ بطرا وكسلا ونعومة وأوامر! . في نقاشات البرلمان والجريدة الموقف واضح لن يستعبدنا الاقتصاد ألريعي ولن تأخذنا التجارة والخدمات من الصناعة والزراعة , هذا قدرنا وبيئتنا , وأول سومري استوطن الماء والطين لازال يحرث وينثر البذور ويشم رائحة المطر , ويشق الجداول حينما تعانده الغيوم . ويبني حجر فوق حجر بيت وباب من خشب اوسعف سهل القياد ولا يغادر , الماء يمر به نهر واثنان لمن يترك السنابل ؟ والثغاء والنهيق والخوار والمأمأة يتبعها العواء . ثم عواء ثان ! هاهم الغرباء المستغربون يبحثون عن صحون الطين الفخارية عل وعسى فيها بقية من ! قدر واقتدار ويعيد الكرة وهم لن يرحلوا الا مع الماء ويمتد الطمى حدائق واعناب ثم ميناء وخليج وتجارة وترحال وسفن وعواصف , وهو لم يغادر , منذ خمسينات أول سمكة مشوية وجلسات شارع ابي نؤاس , لم يعد يراه من طابقه حجبته شواهق الاسمنت والحديد والزجاج , لن يغادر برج الرصافي لايحب حداثة السعد ون يكفيه الجسر القديم يعبره ليحيد أحيانا نحو اليسار ومقهى البيروتي والتراث , اواليمين وحديقة الأسود ونفق المترو , والباصات الحمراء القديمة التقليدية ذات الطابقين هل تبقى ام تزول يراها الآن من مقعده , واسترخى أمام الواجهة الزجاجية ضغط احد الأزرار وتفتحت النوافذ ! هواء دجلة العليل يختلط بالتبريد أنعشته الرطوبة اقترب من النافذة , اخفض رأسه , ليتمتع كعادته بمشاهدة سرعة الماء , ولكنه ثقب في اول الجسر ؟! وقف قربه ! الماء ضحل راكد من خلال الثقب ! التفت يسارا اختفت حديقة الأسود وارتفعت ركام مزبلة !وبائع الشربت لازال فوق مهبط مترو الأنفاق ! التفت يمينا ؟! زال التراث كله ؟! . لامقهى ولا أرائك ولا حمام ولا سوق ولا حتى علوه سمك ؟ كورنيش السبعينات اختفى ! ودوب الخمسينات لازالت على حالها هرمت وماتت وتمايلت بين اليابسة والماء مقصد للازبال السارحة صوب الجنوب ! فرك عينيه , الكابوس ثانية ؟ لا إنها التسعينات والثقب في اول الجسر من فعل طائرة الأعداء ! صاروخ قصد ماء دجلة , واصل الصعود صوب الرصافة , لماذا يرتدي (شحاطة) ؟ وأصابع قدميه تتنفس بحرية خارجها ! انه لايتوجه نحو مجلس النواب , بل الى الشورجة بحثا عن فانوس نفطي صغير ! , مضحك هذا العالم عندما تبتلعه أضغاث الأحلام وتحوله (هو) الى مسافر عبر الزمن ! يلاحق نصفه السالب وقد أصبح بحجم كوابيس مرعبة , عاد بناظريه إلى الخلف قليلا , هاهو شارع النصر بعد ساحة الشهداء , يكاد لضيقه وزحمته ان ينفجر , ياللغرابة! , بعد ان سلم العسكريون السلطة للمدنيون والجادرجي مر الوطن بفترة مضطربة حددت لها سنة ولكنها طالت الى ثلاثة , ركز فيها نظام جمهوري برلماني ديمقراطي رغم العقبات وتحركات المتطرفين يسارا ويمينا .أدرك العسكريون والجادرجي انها فترة انتقالية مفروضة يتخلص فيها بلد قديم من إشكالات الحاكم والمحكوم , وفهم البريطانيون ان عليهم الانسحاب اذا أرادوا بناء علاقات مستقبلية ثابتة وبناءة فالتخلف الاجتماعي والسياسي يتحملون الكثير من أوزار أخطاءه , وظل الجاد رجي وأعضاء حزبه ينادون بالديمقراطية والانتخابات والإرادة الحرة , رغم الوقائع وكما يبدو ليست لهم حصة اكبر من سواهم وهم كثر وتحول الجاد رجي الى رمز وعين على الاستقرار تدعمه القيادة العسكرية التي أعادت الجيش الى مواقعه وأقرت مبدأ الاحتراف وعدم التدخل في الشأن السياسي , فلماذا يرى بحور من الدماء جثث متراكمة مقطعة في الشوارع والساحات ! ومعلقة بالحبال على أعمدة الكهرباء , وقوائم متتالية من المحكومين بالإعدام ! وعسكري يخلع الرتب ومدني يرتديها ! ويخوض في مستنقع آسن ؟ وقاسم يتمسك بالكرسي وتفتح العيون العسكرية على مغريات السلطة والتحكم وتتصارع البنادق وفرق الجيش بدل حوار نواب الشعب وجلسات البرلمان! ويتخاصم وقاسم اغلب رفاقه من الضباط , وينتشر طموح الانقلاب ,ويتطلع المتناحرون الى تحالفات خارج حدود الوطن ! ويدخلون الأحزاب السياسية ويصبحون نجومها المنيرة ويتحول صوت الشارع الى قعقعة وزخات رصاص والبقاء للأسرع والاكبرقدرة في المؤامرات و... يسمع رنة الهاتف توقضه من النوم, يمسح وجهه ويلعن الكوابيس , ابتسم للنغمة وتوجهت يده نحو الأزرار الخاصة , ترى من تذكره من أحبائه اللذين تركوا له بغداد وتموز وارتحلوا ؟ صدر لنا الخليجيون هذه (المودة) , ولكن كثرتهم هاهي متواجدة في أملاكهم وبساتينهم من زاخو إلى أبي الخصيب ,تلتهب الأسعار بسببهم عيونهم حتى على لاعبي الكرة ! وينهار نظام الهواية عندنا بنقودهم ! ام هي سنة الحياة الاحتراف؟ .
سأله ابنه البكر عبر الهاتف, مالك ياابي هل ضاعت القيلولة ؟ لم يشأ إزعاجه بحديث الكوابيس وهو في روما , يتأرجح بين الهندسة المعمارية ورسوم الشوارع والجدران ولا يفقد ثقته به هذا العراقي الوسيم الذي ينافس الايطاليون في فنونهم و هل سيعود؟ ام ان العالم قرية صغيرة ! ولا فرق بينهما في المكان الا ساعات قليلة كما يقول ! ضعفت عند هذه الأجيال الوطنية الصارمة ولا تعني ربما بغداد او كل العراق لهم الا (بيت الأهل) ولكنهم يتقدمون ويعتز غالبيتهم بجواز سفره , بقدرته على العودة دوما والجلوس في مقاهي ابي نؤاس ,اوالعشار وشط الكوفة ,اونهرديالى , العمل اليدوي المرهق هنا يؤديه الأجانب , لان الشباب يبحث عن الدرجة العلمية والتطور والسفر والمتعة والبلد يحتاج الى تنويع وتحسين اقتصاده ,لتعود مشكلة تجنيس الأجانب الى مجلس النواب مرة أخرى.
- ابي لماذا لا تأتي الى روما ؟
لم لا ! استحسن الفكرة , ولكن كيف؟ ان تغادر بغداد ! التي لاتراها الا بضع ساعات في النهار وتعود للإغلاق ! والى أين ؟ وأنت لاتملك حتى حقيبة! ناهيك عن بطاقة السفر , ويتقافز الناس من حولك نحو المنافذ الحدودية في الهجرة الجديدة نحو المجهول , قد يصلوا أو لا ّذلك يعتمد على الهوية لك وللآخر عدوك في الاسم والتاريخ ! هي بغداد 2006 حظوظ أهلها تقطيع أوصال ورؤوس وتوابيت طائفية ,فتعلم أي طريق ستسلك كل يوم لتنجو من قدر أو هاون اوقناص مزاجي فأجلس في الدار نشاطك الوحيد قيادة أطفالك نحو العلم والعودة بهم او تغير؟ ثور ! انهض ؟ اخرج الى الشارع وحدك او مع آخرين , احمل سلاحك وانطلق , ابحث عن الأعداء , لانكشف من رأسك الا عينيك . أمامك زبائن المشرحة , يدك على الزناد , أطلق أطلق ليسمع القريب والبعيد , هاهم ممددين الواحد تلو الاخر ,ثم الواحد فوق الآخر! الدم فوق الإسفلت , الدماء تسيل ,تتفجر تتطاير نحو جسدك , هل ارتويت ؟ تشمها مختلطة برائحة المزابل ! ولا يغمى عليك بل تهرب ! ويختنق البروفسور ,يرتجف يستيقظ,يركض نحو الشرفة , يفتح الباب الزجاجي , يدور بعينيه في شوارع العاصمة , يخترق نظره البنايات العالية وكأنه يطمئن على حبيبته بغداد , ويهدأ قليلا , اليوم عطلة 14 تموز ضجيج السيارات يملأ سمعة رغم انه في الطابق ال39 , الزحام شديد مع وجود الجسور المعلقة والأنفاق وتحديد انواع السيارات المتجولة في العاصمة وتشديدات جمعيات البيئة ووزارتها , عاد لجناحه ودخل الحمام ليغتسل , وقف امام المرأة الكبيرة , لازال على رباطة جأشه ,عدا شعرات من رأسه أيقضها النوم والحلم , امسك بالمشط ليعيدها مستلقية مستريحة , الكوابيس تكاد تفقده الصواب ! تزداد في مثل هذا اليوم وكأنه مفترق الطرق ! مع انه تعويذة الفأل الحسن للعراقيين , خاصة بعد إصلاحات الجادرجي وصدور الدستور الدائم بعد المؤقت وثبات واتساع قاعدة البورجوازية المتوسطة والصناعة وبناء المدن العمالية الحديثة لاستيعاب مهاجري الريف وتجنيب المجتمع مساوئ مدن الصفيح وما يتذكره البغداديون من بؤر وجدران طينية تنبت كالفطر السام في كل بقعة وفراغ حول وداخل المدينة , يعيش ويتكاثر ويتألم فيها عراقيون معدمون مع حيواناتهم وأمراضهم ! وذاك زمان ولى وانمحى من ذاكرة الأجيال , أكواخ في بغداد ! وأناس بلا مأوى لاضمان ولا أمان ولا راتب يسرح بعضهم في الشوارع مع حيواناته ! هه ؟ لاينقص الا سكن عدة عوائل في منزل صغير وفي أحياء كاملة مثل خانات ايام زمان , مزحة غير معقولة , تسقط لأقل منها الحكومة يتبعها البرلمان ! نحن اللذين ساندنا سوريا في محنتها بعد تجربة الوحدة وانفصال الستينات عن مصر لتعود لها حياتها البرلمانية وتمتد بيننا الطرق والجسور , والصلح الشهير مع النظام الهاشمي في الأردن بعد نكسة حزيران , ودعوة الملك المخلوع فيصل الثاني وعائلته للعودة وقتما يشاء كمواطن عراقي . وأصبحنا من السباقين بين دول وسياسة عدم الانحياز مع سيطرة كاملة على الموارد النفطية وتعاون استثماري مع الشرق والغرب , لااحد ينكر فائدة النفط , ولكنه لن يستعبدنا , وهاهي الأرقام واضحة , انه احد أعمدة الاقتصاد المتنوع , ولكن نسبته في الناتج والدخل القومي لاتتجاوز في ال 2006 ,ماذا!؟ غير معقول ! 98 او 99بالمائة من إيرادات الدولة ,أي دولة هذه ؟ وفي أي زمن ؟ ربما رفعت الفاصلة عن الرقم وكسره 9,8 معقولة , لن يتجاوز الرقم يوما ال10 بالمائة , رمى بالقلم فوق الورقة ,ماهذا ثانية !قلم ناشف رخيص ؟ أين (السوفت) الألماني هدية ابنته ؟ لم يتذكر اسمها ! ومن هي ؟ وعن ماذا يتحدث ؟ وهو لم يتزوج , وبين العسكرية والاحتياط والتهرب من الجيش الشعبي , والإفلاس , والبحث عن تكوين رأسمال يولد الاستقرار ,او امرأة رخيصة التكلفة , ضاع العمر بالتمنيات التي تقلصت على مشارف انتهاء ال2006 وانكمشت الى البحث فقط عن الرغيف والأمان وتبا للأحلام ! , وبين امتلاء حياته الطبيعية الواقعية وفراغ وحلكة الكوابيس المظلمة , تمتد خيوط العنكبوت تضع غشاوة على عينيه ويشعر بالغثيان , فرك الاجفان ,لاغشاوة الظلمة متواجدة لان النور مقطوع , ضغط زر الكهرباء بلا فائدة , والهاتف الأثري لا يرن , والغثيان سببه الغبار الداخل من النافذة مع الريح , وعاد ثانية الى الحمام , تعثر بحجر , لماذا قدماه حافيتان ؟ تلفت وبحث لم يجد غير نعلين مطاطيين قديمين ! فتح الصنبور , حسنا هاهو الماء تتوالى قطراته , الجاري منه مقطوع وماتبقى من ماء خزان السطح يلسع ضهره , من الاسخن ؟ جسده او الماء اوحائط الحمام الذي لامسه ؟ خرج ذابلا , لايحتاج الى منشفة , نظر الى الشباك كانت وراءه هنالك ساكنة نائمة خامدة مبردة قديمة تذكر ان أباه المرحوم قد اشتراها منذ عشرات السنين وذهب الى مثواه الأخير وبقيت هي صامتة تتوسل ابنه ان يرحمها ويركنها وقطرات الماء تتساقط من ثقوب أسفلها ,وكأنها دموع العجز والشقاء . ارتدى قميصه , صعبت الرؤية عليه او تعب عقله , وكأي كابوس طويل ملتهب يحتاج الى انتعاشة من ماء بارد ليتذكره , انحنى مد يديه الى إفريز ثلاجة صغيرة او ترمس ماء او فلينة بيضاء ,اخرج زجاجة بلاستيكية فتح سدادتها سكب بعض السائل على راحة يده ,لافرق! تساوت درجة حرارة الماء وحرارة دمه الذي تصاعد في عروقه من الغيض ثم قرب الزجاجة من فمه وقال لنفسه انه ارتوى, وتلفت وحيدا يجأر بالشكوى والألم .وفتح عينيه ايقضته البرودة وكأن كوابيسه خفضت حرارة التبريد اكثر من المعتاد دفعه الفضول ونهض يقرأ الدرجة ,إنها 15 كيف؟ وهو يضعها دوما عند ال20 ! أصابته الحيرة, أواخر الستينات الى أي اختصاص يتجه وقد طغت على ماعداها فكرة الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية فقد مر زلزال حزيران 67 وتصاعد الحس الوطني والقومي في المنطقة واهتزت عروش الأنظمة وكاد الطوفان ان يصل البلاد ,واحتكمنا لصناديق الاقتراع وأعاد الناخبون الجادرجي ثانية في نفس الوقت تقريبا الذي خذلت فيه فرنسا رئيسها ديغول وكأنها معادلة سياسية مؤسسات قوية ترغب برئيس مرن وربما ضعيف ومؤسسات ضعيفة وناشئة تود رئيس قوي والتف الشعب حوله في مساندة قوى المقاومة الفلسطينية دون التدخل في شؤونها وعملها , وذهب الجادرجي الى الدول العربية المحتلة أرضها يعرض مايستطيعه العراق من مساندة ولم يخذله البرلمان , وتجاوزنا المرحلة ومزايدات الجهلة والمندسين وبقيت القدس وفلسطين في القلب , حتى مرحلة حرب ال73 وتحول اغلب التفكير العربي نحو الحلول السلمية وقالها الجادرجي لن نزايد على احد في مسؤوليته وحبه لوطنه , وتأتي بعدها فورة الواردات النفطية او ما سماه البعض مرحلة الامتحان الأكبر للمؤسسات العراقية والسلطات المعنية ودراسة (التوجه) الذي يجب سلوكه مع تراكم الاحتياطات النقدية الجديدة وشكلت لجان للنظر في تجارب من سبقنا من الدول وتدارس البرلمان العراقي واقع الحال في جلسات أصر الكثير على علنيتها فالثروة مخيفة بلا عقل يديرها ولتتكشف الأوراق امام العراقيين وحولهم دول الجوار بين خليج متوازن حريص في الإنفاق تساعده قلة العدد السكاني مقارنة بالدخل , وعلى الجانب الاخر إيران والشاه حيث النفط ينمي اوهام العظمة والنقد القادم يتحول الى سلاح !حتى الذري يكاد ينحني امام جبروت المال , وقعقعة السلاح تولد الصدى وتدخلنا المتاهة , يبقى الشمال والمثال التركي حيث لانفط بل موارد طبيعية والتحول نحو توسيع الاقتصاد والارتباط بعجلة الإنتاج الأوربي لتوفير فرص العمل داخليا وتحويل الفائض الى هناك للتدريب والتطوير ,ماذا تختار ياعراق ؟ لديك الموارد والبشر والقاعدة الاقتصادية الاستثمارية ولاتفكرفي خزن السلاح ! وبدأ النقاش الجدي , من يردع الغزاة ؟ البشر او المدافع ؟ الإنسان الفرد القوي بأيمانه بان الوطن وارضه ملكه ولن يغادر , ام تجيش الجموع وتسليحها لتكون لغة القوة هي الحكم ؟ ستتبخر الأموال , جسد حديدي وأرجل من فخار ! ام أقدام فولاذية مغروسة في طين الوطن تدافع عنه بدأ بسواعدها ؟ إحدى اللجان كانت توصيتها الاتي , (توزع عائدات النفط المباع في الأسواق الخارجية بالتساوي بين المواطنين ) وتخلصنا بإتباع هذه الفكرة من اسر تراكم الأموال بيد بيروقراطية الدولة والحكام , وتقلص خط الفقر بين السكان وبقيت الدولة رشيقة نظيفة لايخشى منها التسلط على الشعب بقوتها المادية , ونحن الان 2006 وقدرة تصديرية 4,5 مليون برميل و30 مليون مواطن ترى ما المعدل للفرد ؟ تكاسل في يوم العطلة ان يحسبها بعقله , لو جاءت إسراء لأجابت فورا ! ترى كم من مشكلة ستحل له إسراء !هل ممكن ان تأتي الآن ؟ جاء ليختلي بنفسه بعد أن تخلص او تخلص منه الجميع , ويتمدد في قيلولة الضهر قرب دجلة , تعرق ضهره , نهض, لايكفي هواء الشباك ولا المروحة من طرد حر تموز , كان ضجيج المولدات ودخانها يتصاعد نحو طابقه الثاني , وأصوات الاطلاقات النارية تحرك كل القلق الكامن , هب! هاون ام كاتيوشا؟ كم بعده من هنا؟ الى اين سنصل؟ بغداد الدمار والقتل تعيد إنتاج المافيات على اختلاف أنواعها والآتي اكثر سخونة وشراسة , ومن فشل قديم الى الى تحدي الى سجن الى تجنيد الى لحظات بين الموت والحياة انتهت السبعينات والثمانينات والتسعينات وبغداد تهدم حجرا بعد حجر! وروحا اثر روح , ودم فوق دم, من سيقتلك بعد ال2003 ؟ عجزك ام الدبابات الهادرة نحو السماء ,ام انسحابها؟ بعد ان فقس البيض! من اشار لقاسم بأصبعه نحو الكويت ؟ الشر لاحقنا بعدها حيث أصبحت متنفسا لازمة كل حاكم متفرد!البروفسور (ص) هو الحلم , ولست انا , طفل برئ غر لايكبر يمسك بوردة بيضاء ويطالع صفحات الزمن ولا يرى قبور الوطن ثقوب سوداء تجذب حتى الضوء والأمل ,سحقا لاستشراف المستقبل , عشر سنين أخرى من الدم؟ الا يوجد مدني اخر مادام الجادرجي قد مات؟ بعقله لا بملابسه؟ . توفى وهو بعيد عن الحقل السياسي , رئيسا فخريا لحزبه , رفض حتى كتابة مذكراته , كان واحد من آلاف , ولكنه لايتوقف يسير دوما الى أمام , وتبدو السياسة العراقية اليوم مطبوعة ببصماته , اقرب الى التعاون مع تركيا في الحقول الاقتصادية خاصة بعد الاتفاق الشامل بالاشتراك مع سوريا حول مسألة المياه والالتجاء الى الاتحاد الأوربي كحكم خبير بقضايا الدول المتشاطئة , أسرع من برجه العالي وأغنى ناظريه بماء دجلة , كانت المراكب تتهادى متعاكسة الحركة تقطع المياه بلا تلوث ولا ضجيج اين منها مولدات الكوابيس التي يود ان يواجهها مرة واحدة والى الابد , ولتذهب الى الجحيم كل أفكار شيطانية تحاول جر هذا البلد جنة بابل الى سعير الدمار والجنون , لحظة ان فكر اول ضابط بصعود دبابة وأدار الفوهه من الحدود نحو الداخل . سيغادر الطابق والبناية كلها , ينزل الى الناس يسير معهم , في شارع الرشيد رمز الفخامة والحداثة والتراث , مقاهي مطاعم سينمات مسارح , من يستطيع عدها ؟ ثم ساحة التحرير وابي نؤاس , وعذوبته ورائحة الشواء , هل ستبقي السياحة مكان لابن البلد ؟ وصل الى الممر قبل الخروج تطلع في المرأة الكبيرة ليصلح هندامه ,( هو) جالس ! خياله ذاته نفسه كابوسه ! مفترش الارض ويده على خده ! يتطلع في شاشة او مرآة , صدرت منه اهه, تلاقت العينان باستغراب كامل ,ليس شفقة, ان ترى خيالك ينعكس رث الملابس متغضن الوجه فاقد الحيوية ! ساكن الحركات , بريق العينين لا زال لاتمحيه السنين , . البروفسور واقف , , منتصب , غاضب ربما مما يراه أمامه , كابوسه عاد لوضعه الاول ساكن يتطلع الى شاشته الخاصة , تحركت يدا البروفسور صعودا وهبوطا ثم وضعهما على خصره , وانتظر, وفهم انه يجب ان يتحدث , يتساءل , يجب (الان) إغلاق هذا الملف, .
- من أنت ؟ تساءل البروفسور .
- أنا أنت . اجابه الخيال .
- أنت كابوس .
- أنت سراب .
- أنت مشكلتي الوحيدة تتجسد فيك كل الأفكار اللامفهومة خارقة السواد ؟ تريد إقناعي ان العراق اكبر مدين في العالم ! وأكثر البلدان فسادا وجريمة ! هنا تحول اول المرتحلين الى الاستقرار وبنا ء الحضارة , هنا توقف المغول والتتار وعادوا مع فكر ومعرفة .
- هذا الإنشاء قبل ظهور النفط بكثير .
- النفط ثروة الأمة للتطور والأعمار .
- انزل من برجك العالي وحاول ان تمشي في الأزقة .
- منذ الثمانينات زالت الأزقة من الرشيد عدا التراثية , ولا يؤرقني ماسأراه وما تقوله المهم لماذا أنت بائس ؟
- كم رحلة للخارج لك في السنة ؟
- عديدة بين رسمية وخاصة , أحاول اختصارها , علمت وتعلمت ان العائلة والعمل اهم .
- انا لا أسافر ولا اعلم ولا حتى املك ان اعلم , ولا استطيع ان أتعلم .
- فقط انظر إلي ؟ لاتجلس هكذا مستوحش متوحد ! كقنفذ فقد أشواكه في غابة , سارح في المجهول .
- أمامي مرآة , اقتل ماتبقى لدي من الوقت بالفرجة فيها .
- مرآة الزمن !قلها؟ .
- نعم ولا تهمني سخريتك , الزمن الاتي , الماضي بناء وتهديم , الحاضر قتل وحرق , احاول التركيز على ال10 سنوات القادمة , أراها كابوسي الشخصي , وكأني أنت! .
-كابوسك انت ؟ وانا الذاهل مما اراه فيك! .
- اقتتال , تقاتل , قتل على الهوية , تقسيم واقعي على الارض , تداخل مواقع , محاور إقليمية تتصارع على النفوذ , ويهتف المواطن الوقود باسم العراق ! .
- امامي على الطاولة دراسة متكاملة عن العراق سنة 2020 خططت لها هيئة الاعمار والجادرجي ومجموعة عمل من أحزابنا الوطنية قبل اكثر من ثلاثين عاما , ونحن نقطف الان بعض الثمار بانتظار الحصاد الاكبر عام 2020 حين يتساوى دخل المواطن العراقي مع اول عشرة دول ويدخل اقتصادنا الإنتاجي مرحلة ...
الخيال (مقاطعا) – الحصاد الأكبر!! لديكم معركة مثلها ؟ تصور , كنت وسط المعمعة تتساقط بالآلاف أشجار النخيل والبشر وتستمر المنازلة؟ .
- أتحدث عن الاقتصاد والمجتمع لا عن إحصاءات حرب .
- هو الفرق بيننا , انت تشتت أفكاري الان , وعندما افقد التركيز ,تتلاشى ملامح الصور أمامي في المرآة ربما تراني مستمتعا بمراقبة فلم الزمن؟ .
البروفسور بغضب- البائس لايستمتع ولا يغير ولا يتغير , بل يبقى متلقي عاجز عن الفعل ورده .
- خلال سنواتك هل شعرت يوما بقلق مجهول ؟ هل فقدت الإدراك بمرور لحظاتك ؟ هل شممت الدخان ودخل رئتيك وتحول نهارك المشمس الى رمادي بداعي حمايتك من الأعداء؟ هل اقتنعت ان لا فرصة لديك؟ هل رأيت من حولك بشر يتساقطون يتقطعون يتناثرون يذبحون؟ واحد ة منها تكفي لتحويلك الى عقدة والاخرى تصيبك بالهلوسة والثالثة بالإحباط , هل لديك أصدقاء ؟ لاشك ,هل يغادرون فجأة , صعب عليك فهمها! ولا تستطيع اتهام المرض او الشيخوخة او حتى الانتحار برحيلهم .
البروفسور صامت الحيرة ابعد مقتنيات ذهنه , تساءل .
- هل تشاهد انت الآخر 2020؟
- تماما , ولكني لن أراها شخصيا , مشوش الوصول اليها , التيه قبلها يصل حد العدم , حبال عديدة تمتد , تنزل من السماء كالمطر , أرملة سوداء تتجول تمر من بين سيقان طفل حافي القدمين يتطلع الى وهج الدب الأكبر في ليلة غاب عنها القمر , لن اتفائل مثلك وانت تملك دراسة هيئة الاعمار وعاصرت الجادرجي واللجان وتقف فوق سهول خضراء تسهل عليك الرؤية . وانا وحدي ومرآة الزمن تصيبني بالصداع ولاتعرض غير أفلام الدراما وأختها الميلودراما , والآن قبل ان أتركك لسعادتك تطلع من خلال الشرفة الى الأسفل واخبرني بما تراه .
- دجلة اولا ومياهه المتدفقة الصافية ,الكورنيش العريض يفترش ضفتيه , برج القشلة وحواليه تمتزج الثقافة بالتجارة والصناعة , بناء ومؤسسات وبشر يتكاثرون عند المساء وحتى شروق الشمس , يخفيهم لهب تموز .
- لماذا لاتنزل الآن وتتمتع بجولة ؟
يختفي كابوسه من المرأة يستند البروفسور بيديه على الحائط , وكأنه يشكو صداع او اغمائة طارئة , الذكريات تهرب تتطاير حتى الذاكرة وهاتف يدعوه للنزول ولكن المصعد عاطل !! لاول مرة منذ دخوله البناية يستعمل السلم , ينزل أدراجه , يفتح باب الطابق الأرضي ويواجه الشارع .
وحده!! عند العصر؟ تتحرك قدماه , تقطع الشارع , الإغلاق هو السائد لامحلات ولا بشر !
ملصقات قديمة وحديثة , صور تملأ الجدران هي الباقية تنظر الية ؟ لاتعرفه ولا يعرفها ! بعضها يتطلع الى السماء , بين عمائم وأفندية , هل ورطه كابوسه وانزله فعلا الى ماقبل الستينات ؟ بلا نبض ولا حياة! سمع أصوات أطلاقات نارية يتردد صداها يمينا وشمالا ,تيقن ان هنالك غيره في هذا العالم , لايهم بعدها طريقة التعبير عن الوجود , هي على الأكثر رصاص الأعراس والزفاف , نعم , وهذه الأصوات الأخرى اه ! دقات قلبه وقرقرة معدته! الخوف ام الجوع؟ تطلع حواليه , هذه بداية سوق السراي القديم , وهنا مطعم كبة أبو علي , لعل رائحتها هي السبب ؟ سحب نفسا عميقا لا اثر لرائحة البهار الأسود فيه فالمحل مغلق وكذا مقهى الشاهبندر , وبعد ؟ دارت عيناه , دخان ومزابل , وماء قريب بعيد , وسراي الحكومة القديم سياجة لازال موجودا ! تطرزه شبابيك صغيرة تمشى بجواره يتبعه الظلام , ينتشر قبله وبدأ يسجل ؟ دار العدالة القديم دمار ومزبلة ! التفت يسارا وكأنه يود سؤال القشلة . قرأ قطعة رخامية مشوهة الكتابة , استطاع تمييز رمم وأعيد بناءه في .. ولطخ الباقي , تمنى ان يعرف في عهد من اعيد السياج الذي ازاله نواب الجادرجي وحلفائهم في السبعينات لترتفع ناطحات السحاب ؟ وصل الى مفرق سوق الهرج والخزينة المركزية شكت له مابقي من حجارتها سيلان أنابيب الماء المدمرة تحتها , ووحشة ماحولها ! صرخ صوت من داخله , ترى اين البشر ؟ اهل المنطقة؟ اين العراقيين ؟ ووقف صامت يراقب الغروب , برز له شابان , فرح برؤيتهما ,ظهرت أنصال السكاكين , اقتربت منه حتى الالتصاق ! امسك بالساعد الأقرب اليه وبحركة سريعة كان جسد غر تحت قدميه تردد الاخر وابتعد , تلك فائدة الصين وتكرار الزيارة لها والصداقات التي أجبرته حبيا على تعلم قتال الشوارع الأعزل , أصبحت السكين ملك يده والشاب ممدد بين ساقيه , أنهضه ليرى انكسار عينيه , برز اثنان آخران في يد احدهما مدفع رشاش ,سارع (هو) البروفسور لفرض الحدث , شهر مسدسه وبادر بإطلاق النار ,سقط حامل الرشاش وهرب رفيقه , توجه الى السلاح سحبه قبل ان يختلط بالدم ,صمام الأمان مفتوح وكذلك الأقسام , وجه الفوهة الى الهواء وضغط على الزناد , أطربه الدوى , الصوت , الصدى , ان تكون او لاتكون , ليس لديه خوف ولا رعب ولا تردد ولا قلق كابوسه , حمل مسدسه معه عند النزول ليواجه مصيره , , ليسبق عدوه , معه الآن سكين ومسدس ورشاش , اغلق السكين وخبأها وضع مسدسه في جيبه , ودخل الأزقة , هذه البيوت المتهالكة ,رعب كابوسه , التي لم يغادرها ساكنوها ,بدأ يدق الأبواب , يتكدس البشر في مساحات ضيقة يتكومون فوق بعضهم , عيونهم مفتوحة نحو الاتي , خوف وانتظار , وليحلها أولي الأمر ! البروفسور لاينتظر يضرب بأخمص الرشاش الأبواب , ماذا يؤخركم أيها الاموات ؟ اخرجوا الى الشوارع ,انتم الأغلبية حاربوا الأشباح والغزاة , ليمسك كل منكم بما يستطيعه من سلاح , وليقف على الأقل حاميا منزله , أيتها المرأة الاخت الام ,الابنة , الزوجة , الحبيبة , توجهي الى المقدمة , فالرجال أصابهم الإحباط وجعلتهم الخيبة يتصوروكن الأعداء , فيفرغون شحنات الغضب الجبان في أجسادكن وسط الفراش , .
الظلام لايجعل البروفسور يهرب بل يواصل الحصاد , ضاحكا من أصوات الاطلاقات البعيدة , ممن تخافون وانتم لاتملكون حتى حجارة منازلكم وليس لكم غير الأجساد والسواعد , لا تأكلوا بعضكم , هيا معي نبتعد عن البؤس ولعنة الآخر الذي سينقذنا ! .
ليس للبروفسور حدود او محرمات , غاص في وسط الشعب تجمع الناس حوله ,قلدوه تعلم منهم, , تلطخ بالدماء , يصرخ بالآخرين ان مصيرهم بأيديهم ليس هناك آخر ينقذكم غيركم , فأنتم السلطة والحكومة والمحكمة .
-------------------------------------------------------------
#جميل_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟