|
الديمقراطية التي نحتاجها في العالم العربي
دينا الآلوسي
الحوار المتمدن-العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 22:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البداية، يجب أن نعترف أن فكرة الديمقراطية كما نعرفها في الغرب لا تناسب العالم العربي، حيث أن السياق الاجتماعي والثقافي والديني مختلف تمامًا. إن محاولات زرع نفس النموذج الديمقراطي الغربي في البلدان العربية عادة ما تفشل لأن هذه المجتمعات لها أولويات وأطر فكرية أخرى. الديمقراطية التي تصلح للعالم العربي يجب أن تكون مبنية على فهم عميق للعقلية الإسلامية التي تشكل النسيج الاجتماعي والثقافي هناك.
1. الديمقراطية وفق الشيوخ: القوة في السلطة الدينية إذا أخذنا حالة افتراضية، حيث نخوض انتخابات حرة ونزيهة بين عباقرة مثل أينشتاين وتسلا وأحد الشيوخ الذين يحفظون بعض الأجزاء من القرآن، فإن الشعب العربي سيختار الشيخ بكل ثقة. هذه ليست مجرد فرضية، بل حقيقة مبنية على تجارب سابقة. العالم العربي يعظم الشيوخ ورجال الدين الذين يرون فيهم رمزاً للأخلاق والقيم الدينية، بينما العباقرة والمفكرون ليس لهم التأثير نفسه في هذه المجتمعات. الفكرة المركزية هنا هي أن الديمقراطية يجب أن تتعامل مع هذه الحقيقة وليس تجاهلها أو محاولة تحديها بشكل مباشر.
2. الحرية كفكرة محرمة تترسخ فكرة أن الحرية المطلقة، كما تُفهم في الديمقراطيات الغربية، تُعتبر شبه محرمة في العقول العربية الإسلامية. فالمجتمع العربي يرى أن السلطة ليست في يد الشعب، بل يجب أن تكون في يد قادة يمثلون "الإرادة الإلهية" أو الشريعة الإسلامية. إن أي ديمقراطية تحاول كسر هذه الفكرة ستواجه رفضاً قاطعاً من الغالبية العظمى. لذا، يجب أن يتم تصميم الديمقراطية بشكل يجعلها تتماشى مع القيم الدينية بدلاً من مواجهتها.
3. خداع إيجابي: ربط الديمقراطية بالإسلام من هنا تنبثق الفكرة الأساسية: الديمقراطية في العالم العربي يجب أن تكون مغلفة بأفكار إسلامية. بدلاً من تقديم الديمقراطية كفكرة مستوردة من الغرب، يجب إقناع الناس بأنها مرتبطة بمبادئ إسلامية، وأنها امتداد للنظام الشورى الإسلامي. هذه الطريقة ليست خداعًا بمفهومه السلبي، بل هو تكتيك ضروري لجعل الديمقراطية مقبولة. يمكن تقديم مفاهيم مثل حرية الرأي والتداول السلمي للسلطة من خلال عدسة إسلامية، حيث يتم الإشارة إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية تدعم هذه الأفكار.
4. التركيز على مفاهيم الشورى والعدالة يمكن استغلال فكرة الشورى الموجودة في الإسلام كمرادف للديمقراطية. الشعب العربي سيقبل على الأرجح بنظام ديمقراطي إذا تم تقديمه كأنه تطوير لمفهوم الشورى الإسلامي. يمكن أيضًا التركيز على مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام وربطه بالعدالة في الديمقراطية. وهذا يجعل الناس يشعرون أن النظام الجديد ليس متناقضاً مع دينهم، بل هو متسق معه.
5. نقطة الانطلاق: قيادات دينية متنورة لكي ينجح هذا النموذج من الديمقراطية، نحتاج إلى قيادات دينية متنورة تستطيع أن تستوعب وتروج لهذه الأفكار. هؤلاء القيادات يجب أن يكونوا قادرين على إقناع الجماهير بأن الديمقراطية لا تعني الانحلال الأخلاقي أو التحرر المفرط، بل أنها تتماشى مع تعاليم الإسلام وتؤمن العدالة والمساواة للجميع. سيكون التحدي الحقيقي هو إيجاد أو تشكيل هذه القيادات القادرة على التوازن بين الدين والديمقراطية.
6. السيطرة على المحتوى الإعلامي والتعليم لا يمكن تجاهل أهمية المحتوى الإعلامي والتعليم في هذا السياق. لتنجح هذه الديمقراطية المتأقلمة، يجب أن يكون هناك استثمار كبير في البرامج التعليمية والدينية التي تروج لهذا النموذج من الديمقراطية. يجب تعديل المناهج الدراسية ليشمل مواد تركز على القيم الديمقراطية من خلال رؤية إسلامية، وكذلك يجب أن تعمل وسائل الإعلام على تسليط الضوء على قادة دينيين متنورين يدعمون هذه الأفكار.
7. التدرج في التحول أخيرًا، التحول إلى هذا النموذج من الديمقراطية لا يمكن أن يحدث فجأة. يجب أن يكون التغيير تدريجيًا، بحيث يتم تهيئة الناس لقبول أفكار جديدة بشكل طبيعي وغير قسري. يمكن البدء بتجارب صغيرة في مناطق معينة، واختبار ردود الفعل الشعبية، ثم توسيع التطبيق تدريجيًا ليشمل جميع الدول العربية.
الخاتمة العالم العربي يحتاج إلى ديمقراطية خاصة به، تتماشى مع العقلية الإسلامية والقيم المجتمعية. الديمقراطية التي تصلح للعالم العربي ليست مجرد تقليد أعمى للنموذج الغربي، بل هي ديمقراطية تتسلل بذكاء إلى قلوب الناس عبر بوابة الإسلام. ربط الأفكار الديمقراطية بمفاهيم دينية وجعلها تبدو جزءاً من التراث الإسلامي قد يكون السبيل الوحيد لتقبل الشعوب العربية لهذا النظام.
#دينا_الآلوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية التي نحتاجها في العالم العربي
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|