كيف حكمت روما ثلاثة قارات في العالم القديم

سيامند حسين إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 00:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

كيف حكمت روما العالم القديم

لعل أكثر ما يربط العالم القديم ببعضه وأكثر الآثار تشابهاً بينها، بِدأ من انكلترا وفرنسا واسبانيا والبلقان ومروراً بالأناضول إلى سوريا ولبنان والأردن ومصر إلى الجزائر وتونس وغيرهم عشرات الدول هي الآثار والأوابد الرومانية الموجودة فوق الأرض والمدفونةُ تحت الأرض التي تَخرج عند حفر أي بقعةِ أرض في كل هذه الجغرافية الشاسعة بل أن اثارها وطرقها شكلت اللبنة الاولى لكثير من مدن الغرب الحالية. إن مجرد التفكير في حجم الرقعة التي كانت تحكمها روما بالسيف والترس والرمح لا يمكن تخليه لدولة عظمى من دول اليوم فكيف حكمت دولة او مدينة واحدة امبراطوريةً تمتد في ثلاثةِ قارات وتحكم أحد اكبر بحار العالم كأنها تحكم حوض ماء صغير. بدايةً اعتمدت روما في حروبها وحكمها على مبادئ وقوانين سياسية ومدنية واقتصادية وعسكرية شاملة وثابتة فمثلاً كانت تعتمد على نظام التطوع في الجيش حيث كان هناك جيش قائم بذاته من كل النواحي وليست كباقي الأمم التي تعتمد على مبدأ جيوش الحروب وجيوش الفجأة وايضا مبدأ التقسيم في الجيش حيث كانت جيوشها مقسمة كالشطرنج وبأعداد متناسقة بقيادة تراتبية منظمة كما تمدها بالدعم اللوجستي بشكل دقيق أما الأهم من ذلك فكانت شبكة الطرق التي تخرج من ميدان روما وتنتهي في قارة افريقيا حيث تلف المتوسط كله وكانت من أفضل الطرق الممهدة والمؤلفة من عدة طبقات من الرمال والحجارة الصغيرة و الحجارة المتراصفة. هكذا كانت روما تضمن وصول جيوشها وامدادها بسرعة عاجلة ويصلها خراج ومواد وأموال مقاطعاتها البعيدة حيث أن كثير من تلك الطرق لا زالت سالكة إلى اليوم رغم تجاوز عمرها الألفي عام، ومن هنا خرجت جملة (كل الطرق تؤدي إلى روما) أما جيوشها فقد كانت تتحرك على هذه الطرق بسرعة مذهلة ولا تضيع في الغابات او الجبال أو الصحاري وكان يتم حفر الآبار حول هذه الطرق وبناء القرى قريبا منها لامانها، التصرف الأغرب في سياسة روما هو إبعاد جنرالات الجيش عن الحياة السياسية وعن الحكم كي لا يصبح الحكم ديكتاتوريا شاملا باستثناء عدة اباطرة. أما من الناحية السياسية فكانت الدولة العميقة في روما تجعل السكان يشعرون بالحرية عن طريق اختيار ممثلين عنهم في مجلس الشيوخ الروماني والمؤلف من اشخاص يمثلون عائلات روما الكبيرة وعن أشخاص مؤثرين في المجتمع وهم بدورهم يختارون القيصر، من ناحية آخرى ابتدع الساسة الرومان الالعاب الاولمبية في مدينة أوليمبيا وذلك لإلهاء الشعب وإظهار عظمة روما كما بنوا الكولوسيوم في روما وهو من أكبر صروح المدينة حيث تظهر فيها قسوة قوانين روما بحق المجرمين والضعفاء والشعوب المهزومة في المعارك ومؤخراً بحق المسيحيين الذين اعتنقوا الدين الجديد الذي هدد أركان روما. ذكاء الحكم في روما اعتمد على مبدأ أساسي وهو توفير كل متطلبات الحياة للسكان وكسبهم من الناحية المعيشية للاستفادة منهم في حروبها اللامتناهية. أصبح عدد سكان روما مليون نسمة قبل الميلاد في حين لم يتعدى سكان المدن في الدول الاخرى عدة الاف او عشرات الاف في أفضل الحالات، فكيف كان يتم اعاشة مليون انسان في مدينة واحدة. اعتمد تقسيم المدينة إلى حارات منظمة متقاطعة بطرق معبدة بالحجارة تجري فيها سواقي تجلب المياه من الينابيع والانهار العذبة من الجبال المحيطة وتتوزع المياه بشكل هندسي على أحواض ونوافير في كل حارة للاستفادة منها أما الطحين فكان يتم صنعه عن طريق طواحين المياه والهواء وخبزه في الافران الحجرية العامة، الرقابة الصارمة على كل هذه المؤسسات كان يجعلها تعمل بشكل ممتاز في خدمة الناس. كانت كل حقول القمح والشعير والخضار وكل الثروة الموجودة في الامبراطورية الرومانية تخدم روما وشعبها ولكن لم يكتف الاباطرة بذلك بل اخضعوا شعبهم بالدين وبنوا معابد حجرية عملاقة تظهر هندسة معمارية عجيبة صامدة إلى الأن رغم الامطار والزلازل والعواصف، اعمدة مزينة ومزركشة وتماثيل منحوتة بشكل مذهل تجعل الناس حينها يظهرون الولاء للديانة الوثنية متعددة الالهة التي كان يعتنقها الرومان. أما الاقتصاد فكان عبارة عن حكم داخلي قوي يعتمد على إرسال القوافل إلى مناطق الامبراطورية وخارجها للصين والهند عن طريق الطرق المؤمنة وكسب الاجور من الضرائب على تلك القوافل إضافة إلى أخذ ضريبة سنوية من كل صاحب عمل حر سواء أكان تاجرا او صناعيا او مالك ارض أو صاحب قطيع من الحيوانات، الضرائب كانت تخدم الجيش و الحرس الامبراطوري وموظفي الدولة والخدمات المدنية روما كانت تشتهر بصك النقود الذهبية وقوالب الذهب.
نظام الحكم الشمولي والقاسي، المعتمد على خدمة وتقوية الجبهة الداخلية وتسخير الشعوب المستضعفة كان السبب في سطوة وحكم روما هو نفسه سبب اضعاف حكم روما على يد الأمازيغ بقيادة هانيبال ثم تحطيم قوتها في انكلترا على يد قبائل البريتون وكسر سلطتها في فرنسا على يد قبائل الغال إلى انهيارها على يد قبائل الجرمان الذين وصلوا إلى روما ودمروها بعد نهبها.

#سيامند_حسين_إبراهيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات