|
نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
الحوار المتمدن-العدد: 8109 - 2024 / 9 / 23 - 18:11
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
هذا الجزء الأول (من جزئين)، الصيغة 8
فَــــهْــــرَس الـــمَــــقَــــال 1) مَنْ يُطَالِبُ بِـ «الـمَلكية البرلـمانية».................................................... 3 2) لِـمَاذَا يَسْتَهْوِي شِعَار « الـمَلَكِيَة البَرلـمانية» الكَثِيرِين................................. 4 3) نَـقْـد التَّسْـقِـيـف........................................................................... 5 4) نَـقْـد نَـقْص الوَاقِـعِـيَـة في شِـعَار «الـمَلَكِيَة البَرلـمانية»............................... 7 5) مَنْ سَيَسْتَـفِيد أكثرَ مِن غَيْرِه مِن تَحْقيق «المَلَكِيَة البَرلمانية» ؟....................... 9 6) نَـقْد تَجَاهُل شِعَار «الـمَلَكِيَة البَرلـمانية» لِقَوَانِين تَطَوُّر الـمُجْتَمَع..................... 11 7) الـعَـنَـاصِر الـمُحَدِّدَة لِنَوْعِيَّة النِظَام السيّاسي القَائِم..................................... 14 8) لَا يَـكْـفِـي نَـقْـل سُلُطَات الـمَلِك إلى الحُكومة.......................................... 16 9) لَا يَـكْـفِـي إِعْلَان "الـمَلَكِيَة البَرلمانية" لِإِحْدَاث تَـغْيِيرَات نَوْعِيَة في النِظَام السيّاسي القَائِم 17 10) مَنْ هِيَ الطَبَـقَـات الـمُؤَهَّلَة لِإِنْجَاز مَهَام التَحَرُّر الوَطَنِي............................ 19 11) يُوجَد الـمُشكل الـمُجتمعي الْأَسَاسِي في الرَّأْسَمَالِيَة، وليس فقط في شَكل النظام السياسي 21 12) بَـعْض مَنَاهِج النِضَال البَدِيلة.......................................................... 24 13) خُلاصة................................................................................. 29
أثناء "حركة 20 فبراير" بالمغرب، أي أثناء ما سَمَّاه الإعلام الغَربِي بِـعبارة «الرَّبِيع العَربي»، في سنة 2011، رَفَعَ بعض المناضلين المتظاهرين شعارَ «إسقاط النظام» السياسي القائم في المغرب. وعَارَضَهم مناضلون آخرون، يَنْتَمُون على الخُصُوص إلى «حزب الاشتراكي المُوَحَّد»(1). وأراد أنصار «حزب الاشتراكي المُوَحَّد» تَحْجِيم هذا التوجُّه الجَذْرِي. ودَافَعُوا عن ضرورة «تَسْقِيفِ» مَطَالِب "حَركة 20 فبراير"، عبر مَنْع تَجَاوُز «سَقْف المَلَكِية البرلمانية». وغاية هذا «التَسْقِيف» هي مَنْع رَفْع شِعَار «إسقاط النظام»، وحَصْر الطُّمُوحَات السياسية في حُدود تحويل «المَلَكِيَة المُطلقة» إلى «مَلَكِيَة برلمانية»، وليس إسقاطها. والفِئَات الطَبَقِيَة التي تُدافع أكثر مِن غَيرها عَن مَطلب «المَلَكِيَة البَرلمانية»، هي خُصوصًا فِئَات مِن طَبَقة البُورجوازية الصَّغِيرة. وَوَثَائِـق المُؤْتَمَر الأَخِير لِكُلّ من «الحزب الاشتراكي المُوَحَّد»، و«حزب المُؤتمر الْاِتِّحَادِي»، و«حزب فِيدِيرَالِيَة اليَسار الدِّيمُوقراطي»، تُدَافِع كلّها، وَبِالتَفَاصِيل، عن مُهِمَّة المُطالبة بِـ «المَلَكِيَة البَرلمانية». والمقال الحالي يَنْتَـقِد شِعار «سَقْف المَلَكِية البرلمانية». لأنّ هذا الشِّعَار يَخْتَزِل اِسْتْرَاتِيجِيَة سيّاسية خَفِيَّة. وَيُوَضِّح المقال الحالي أنّ مِيزَة هذه الاستراتيجية الخَفِيَة هي : الإصلاحية، والانتظارية، والسَّذَاجَة السياسية. والغَايَة مِن هذا المقال هي أنْ يُوَضِّح أنّ هذه الاستراتيجية الخَفِيَة، يُمكن أنْ تَرْهَنَ مصير المُجتمع، خلال عقود طويلة، وَبِدُون فَائدة. وفي إطار الْاِسْتِبْداد السيّاسي، ما كلّ شيء يُقال. وَكَثِير مِن الظََّوَاهِر تُخْـفِـي أشياء مُسْتَتِرَة. والقارئ النَّبِيه يُـكْمِل مَا يَسْتَوْعبه، فَيَتَخَيَّل البَـقِيَة التي لَا تُـقال.
1) مَنْ يُطَالِبُ بِـ «الـمَلكية البرلـمانية» يُوَافِقُ على «سَقْف المَلكية البرلمانية» (في المغرب) الأحزاب الثلاثة التَّالِيَة : «الحزب الاشتراكي المُوَحَّد»، و«حزب الطّليعة الاشتراكي الديموقراطي» (قبل اِنْقِسَامه)، و«حزب المؤتمر الاتحادي». [ وفي مُنتصف سنة 2021، حدثت تَحالفات، أو اِنْدِمَاجات تَنْظِيمِية، وَمُعَـقَّدَة(2). وَرَافَق هذه الأحداث عِدّة صِدَامَات، وَخُصُومَات، وَصِرَاعَات، وَنِقَاشَات، وتَرَاشُق بِالْاِتِّهَامَات المُتَبَادَلة، بَيْن مَسْئُولِين في "الحزب الاشتراكي الموحّد"، وفي الهيئة التَـقْرِيرِيَة لِـ "فيديرالية اليسار الديموقراطي". وَعلى إِثْرِ هذه الأحداث، تَحَوّل «حزب المؤتمر الاتحادي» إلى «حزب فِيدِيرَالِيَة اليَسار الدِّيمُوقراطي» ]. ويظهر أن «حزب الاشتراكي الموحد»، و«حزب فِيدِيرالية اليَسار» يُراهنان أكثر من باقي أحزاب "اليسار" على شعار «الملكية البرلمانية». وَيُدافع على مَطْلَب «المَلكية البَرلمانية» عَدد مِن الشّخصيّات التَقَدُّمِيَة، أو المُتَنَوِّرَة. بينما «حزب النّهج الدِّيموقراطي العُمّالي» يرفض شعار «الملكية البرلمانية». والمُلاحظ أن مُجمل أَنْصَار شِعَار «المَلَكِيَة البَرلمانية» يَنْتَمُون إلى مُختلف فِئَات طَبَـقَة البُورجوازية الصّغيرة. وفي الساحة السياسية، تَتـفَاوَتُ المَواقف السياسية إِزَاءَ «المَلكية البرلمانية». فَمثلًا عبد الإله بنكيران، زعيم «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي اليَمِينِي الْأُصُولِي، يرفض أي تَقْلِيص للصّلاحيات الحالية المَنسوبة لِلْمَلك. ونبيل بن عبد الله، الكاتب العام لِـ «حزب التقدم والاشتراكية» المَلَكِي المُحافظ، لَا يقبل "الملكية البرلمانية" «إِلَّا إذا بَـقيت فيها ”وزارات السِّيَادة“ تحت الرِّئَاسَة المُباشرة والفعلية لِلْمَلك». [ومن أبرز ”وزارات السيادة“: وزارة الداخلية، والخارجية، وَقِوَى الأمن، والدفاع، والعَدل، والأوقاف الإسلامية، الخ]. ورغم أن موقف نبيل بن عبد الله يظهر مخالفًا لِمَوقف عبد الإله بنكيران، فهما في العمق مُتَطَابِقَان. لأنهما هُما مَعًا مِن خُدَّام النظام السياسي المَلَكِي المُستبد. وَلِأَنّهما يَتَّـفِقَان معًا على الحِفَاظ على الوضع الرَّاهِن (status quo). بينما «حزب الاشتراكي الموحّد»، و«حزب فيديرالية اليسار» يُعطيّان لِمْفُهوم «المَلكية البرلمانية» معنى نَـقْل سُلطات مُعَيَّنَة مِن المَلِك إلى الحُكومة. 2) لِـمَاذَا يَسْتَهْوِي شِعَار « الـمَلَكِيَة البَرلـمانية» الكَثِيرِين ■ لماذا تُحِبُّ العَديد من فِئَات طبقة البُورجوازية الصّغيرة شِعَار «المَلَكِيَة البَرلمانية» ؟ أَوَّلًا، لأن هذا الشِعَار لَا يُعَرِّض مُنَاصِرَه إلى خَطر قَمْع سيّاسي شَديد. وَثَانِيًّا، لأن مُناصر هذا الشِعَار يَكْتَـفِـي بِالمُطالبة بِإِصْلَاح جُزْئِي في شَكل النظام السيّاسي القائم، وَلَا يَرْفُض النظام المَلَكِي بِشَكْل جَذْرِي، أو مُطلق. وَثَالِثًا، لأن حامل هذا الشِّعار، لَا يَظهر كَعَدُوٍّ للنظام السياسي المَلَكِي، مثلما في حَالَة مُنَاصِر شِعار «الجُمهورية»، أو «الاشتراكية»، أو «الشِيُوعِيَة». ■ من بين العناصر الأخرى التي قد تُفَسِّر تَشَبُّت العديد مِن "أحزاب اليسار" (في المغرب) بِشِعَار «المَلَكِيَة البَرلمانية»، نَجد أنّ هذه الأحزاب تَتَنَظَّمُ هي نفسها على شَكل «مَلَكِيَة»، وليس على شَكل «جُمهورية». حيثُ تُـفَضِّل هذه الأحزاب أنْ تَكون مُجمل السُّلَط داخل الحزب مُرَكَّزَة بين أَيْدِي «زَعِيم» الحزب، أو «رئيسه»، أو «الْأَمِين العَامّ» لِلْحِزب. وَلَا تَعمل هذه الأحزاب بِأُسلوب «الفَصْل بين السُّلَط»، وَتَوْزِيعها بين عدّة هَيْئَات حِزبية مُتَكَامِلَة وَمُتناقضة. [ وقد سبق لي أن أَوْضَحتُ في كتابي المُعَنْوَن بِـ "المُجتمعي"، بِالْلُّغة الفرنسية (Le Sociétal)، أنّه غَالِبًا مَا يُوجد نَوْع مِن التَأَثُّر، أو التَمَاهِي، بين نَوْعِيَة النظام السياسي المُهَيْمِن على المُجتمع، وَنَوْعِيَّة التنظيمات الصَّغِيرة المُتَوَاجدة داخل هذا المُجتمع المعني ]. 3) نَـقْـد التَّسْـقِـيـف وأُطْرُوحَة «سَقْف المَلَكِيَة البَرْلَمانية» فيها جَانِبَان. الجانب الأول هو مُشكل «التَّسْقِيف»، والجانب الثاني هو مشكل مَدَى قَابِلِيَة شعار «الملكية البرلمانية» للإِنْجَاز، وهل يُلَبِّي الحاجيات التي يطمح الشّعب إليها. في الجانب الأول، يُرَادُ من «التَّسْقِيف» مَنْع حَمْل شِعار «إِسقاط النظام». ويُرَادُ مِنه مَنْع خَوض أيّ نضال يتجاوز «سَـقْف» المَلَكِية البرلمانية. كما يعني «التَسقيف» مَنْعَ الطُمُوحِ الجَذْريَ (أو الرَّادِيكَالي) في النِضال الجَماهيري المُشْتَرك. فَـ «التَّسقيف» يُريد مَنع تَجاوز درجة مُحَدَّدَة في مَجال خَوض النضال الجماهيري المُشترك. وفي الماضي، كانت هَرَاوَات القوات القمعية هي التي تَمنعنا من أن نكون «جَذِْرِيين»، أو «رَادِيكَالِيين»، في نضالاتنا. والآن تأتي أَبَوِيَّة "الحزب الاشتراكي المُوَحَّد"، وَتَصْفَعُنَا بِـ «التَّسْقِيف»، وتمنعنا من الطُمُوح إلى مَا هو أكثر من هذا «السَّقْف» المفروض علينا. [ عندما أتكلّم عن «الحزب الاشتراكي المُوَحّد»، فإنني أقصد أيضًا، وفي غالبيّة الحالات، «حزب المؤتمر الْاِتِّحَادِي»، أو «حزب فيديرالية اليسار الديموقراطي». لأنهم هُم مَعًا يَدافعون عن اِخْتِيَّارات مُتَشَابِهَة، وَيُمارسون أساليب مُتقاربة، رغم وُجود خِلَافات، وَمُنَافَسَات، وَصراعات، فيما بينهم ]. وكل «تَسْـقِيف» في مجال النضال الجماهيري المشترك هو كَبْتٌ، وخَنْقٌ، ومَنْعٌ، وقَمْعٌ. وعكس «التَسْقِيف» هو تشجيع حُرِّيَة الإبداع، وتحرير الطُّمُوحات، ودَعْم الجُرْأَة، ومُنَاصَرَة الثَّوْرِيَة، والتـفَهُّم لِدَوَاعِي الجَذْرِيَة. والمُحَيِّر هو أننا لا نـفهم جَيِّدًا لماذا يَنشغل "حزب الاشتراكي المُوحّد" بِـهَمِّ «تَسْقِيف» النِضالات الجَماهيرية المشتركة بِـ «سَقْف المَلكية البرلمانية» ؟ ولماذا يُسْرع "الحزب الاشتراكي المُوحّد" إلى إِنْـقَاذ النظام السياسي المَلَكِي من المَطالب الجماهيرية الجَذرية ؟ ولماذا يَحمل "حزب الاشتراكي المُوَحَّد" هَمَّ حَصْر الصراع الطبقي في حُدُود دُنْيَا ؟ ولماذا يَحْبِسُ "الحزب الاشتراكي المُوحّد" الصراعَ الطبقي في إطار قانوني، أو مؤسَّـسَاتِي ضَيِّق ؟ ولماذا يخاف "حزب الاشتراكي المُوحّد" من أن تتطوّر النضالات الجماهيرية إلى حَدّ تهديد سيطرة الطَّبقة السّائدة ؟ ولماذا يخاف "حزب الاشتراكي المُوحّد" من أن تَطمح الجماهير الثائرة إلى «إسقاط النظام السياسي» (وذلك بِغَضِّ النظر عن واقعية هذا الشّعار أم لَا) ؟ ولماذا يتطوّع تِلْقَائِيًّا "الحزب الاشتراكي المُوحّد" لِتَـقديم هذه الخِدمَة الوِقَائِيَة بالمَجَّان إلى الطبقة السائدة في المغرب؟ ولماذا لا يتجرَّأُ الشعبُ على النضال، وعلى الانتصار؟ وما هو تَصوّر أنصار «سَقف المَلكية البَرلمانية» لِمَرَاحِل التطوّر التاريخي للمُجتمع المغربي ؟ وما هي رُؤْيَتُهُم لِمَراحل تَطور الصِّراع الطَّبقي في المغرب ؟ ولماذا يلزم في المرحلة الحالية أن لَا نتجاوز «سقف الملكية البرلمانية» ؟ وما هي المَنافع السياسية التي سَنَجْنِيها في حالة إبقاء طُموحاتنا الثورية تحت «سَقف المَلكية البَرلمانية» ؟
4) نَـقْـد نَـقْص الوَاقِـعِـيَـة في شِـعَار «الـمَلَكِيَة البَرلـمانية» في الجانب الثاني، إذا حاولنا تحليل شعار «المَلكية البرلمانية»، سنجد أن طُموحه يَنْحَصِرُ في حُدود تَـغْيِير شَكْل النظام السياسي المَلكي، من ملكية مُطلقة، أو مُستبدّة، إلى ملكية بَرلمانية مَزعومة. ولا يَجْرُؤُ هذا الشّعار على الطُّموح إلى استبدال النظام المَلَكِي بنظام سيّاسي آخر. حيث يَـكْـتَـفِـي هذا الشعار بِالانتـقال من مَلَكِية «مَخْزَنِيَة»، أو «تَنْفِيذِيَة»، أو مُطْلَقَة، أو مُسْتَبِدَّة، إلى مَلَكِيَة تُمارس المُلْكَ، دون أن يَتدخّل فيها المَلِكُ في تَسيير الحُكُومة، وفي تَـقرير شُؤون البلاد. ويهدف شعار «المَلكية البرلمانية» إلى نَـقْل الصَّلَاحِيَّات السياسية، المُخَوَّلَة حَالِيًّا لِمَلِك وِرَاثِي، وَمُطلق، وغير قَابِل للنَـقْد، وَلَا لِلمُراقبة، ولا للمُحاسبة، وَيُريد نَـقْل هذه الصَّلاحيات إلى رَئيس حُكومة، يَتَمَيَّزُ بكونه مُنْتَخَبًا، [خلال عُهْدَة (mandat) تَدُوم أربعة أو خَمسة سنوات]، وخاضعًا للنَّـقْد، وللمراقبة، وللمحاسبة، ولِلْإِقَالَة. وَلَم تكن «المَلكية البرلمانية» فقط مَرْفُوضة من طرف مَلِك المغرب المُستبد، خلال العُقُود التي تَلَت الاستقلال الشكلي للمغرب في سنة 1956، بل كان الكلام العَلَنِي عنها مَمنوعا. ويُعَاقِبُ القانون على الكَلَام عَن «المَلَكِيَة البَرلمانية» بالحَبْسِ (مثلما حدث للمناضل القَائِد النقابي نُوبِير الأَمَوِي، الذي حُكِمَ عليه بِسَنَتَين من الحبس، انتقامًا على كلامه عن «مَلِك يَسُود ولَا يَحْكُم»، أثناء استجوابه مع الجريدة الْإِسْبَانِيَة "إِلْبَايِيسْ" (El Pais) في سنة 1992). ونلاحظ اليوم أن أنصار شعار «المَلكية البرلمانية» لم يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية : هل يمكن حَقًّا للمَلَكِية بالمغرب أن تتنازل طَوْعِيًّا عن صَلاحياتها المُطلقة لصالح حكومة، أو لِفَائِدَة رَئيس وزراء، مُنْتَخَبَيْن ؟ وما هي العناصر الجديدة في الوضعية السياسية في البلاد، التي تُثْبِتُ أن «المَلكية البرلمانية» أصبحت اليوم مُمْكِنة التحقيق ؟ وهل يُمكن فَرض «المَلكية البرلمانية»، بينما مُجمل الأحزاب والنُّخَب السياسية، التي تُنْتَخَبُ عَادةً في البرلمان، وفي المجالس المحلية، تُعارض كُلُّهَا بِشِدَّة هذه «الملكية البرلمانية» ؟ أَلَا تُدافع هذه الأحزاب «المَخْزَنِيَة» كلّها على ضرورة بقاء الملكية المُطلقة العَتِيقَة ؟ وهل أَوْجَدَت الحركة التـقدّمية بالمغرب (بما فيها "أحزاب اليسار") ميزانَ قِوَى جديد، وَكَافِ، لِدَفْع المَلك إلى التنازل عن صَلاحياته القَدِيمة المُطلقة ؟ وهل يمكن أن يقبل المَلِك التنازل عن سُلطاته المُطلقة في مجالات قِيَادَة الجَيش، وِأَجْهِزَة الأمن، والمُخابرات، والعلاقات الخارجية، وَوِزارات السِّيَادة الأُخرى، وَتَدْبِير المِيزانيّات، والصَّنَادِيق الخَاصَّة، الخ ؟ وهل يمكن أن يقبل الملك التَخَلِّيَ عن اِمْتِيَازَاتِه في مجالات تَـقرير السياسات الاستراتيجية للبلاد، في مَيَادِين الأمن، والدِّفَاع، والاقتصاد، والسياسة، والمُجتمع، والدِّيبْلُوماسية، والثقافة، والإعلام، والدّين ؟ وهل يمكن أن يَقبل المَلك أن يُصبح البرلمان هو الذي يُصَوِّتُ بحرّية، بالقَبُول أو بالرّفض، على ميزانيات مُؤسّـسة المَلك، بما فيها ميزانيات قُصُوره وحَاشِيَّاتِه ؟ ومن سَيَتـفَاوَضُ مع المَلِك حول تَـفَاصِيل نَـقْـل سُلُطَاتِه إلى حكومة مُنْتَخَبَة ؟ وخلال كَمْ سَنَة ينبغي أن نُطالب بِـ «مَلَكِية برلمانية»، قَبل أن يَحِقَّ لنا أن نَسْتَنْتِجَ أن المَلَكية بالمغرب مُتَعَنِّتَة في رفض هذا المطلب ؟ وما العمل في حالة إذا استمرّت المَلكية بالمغرب في الرّفض التام لهذا المطلب ؟ ■ والمُلاحظ هو أنّ أنصار شِعَار «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة»، يَرفضون مُسْبَـقًا «الثّورة المُجتمعية»، ويعتبرونها «فَوْضَى خَطيرة»، أو «مُخَرِّبَة». وَيَـكْـرَه أنصار «المَلكيّة البَرلمانية» خَوْض النِضَال العَمَلِيّ مِن أجل فَرْض مَطلبهم هذا. ويَكتفون بالمُطالبة الكَلَاميّة، أو السِّلْميّة، بِـ «المَلكية البَرلمانية». وَيَنتظرون أنْ يَقتنع المَلِك المُستبدّ بِصِحَّة مَطلبهم. وَيَنتظرون أن تَتَحَوَّل «المَلَكِيَة المُستبدّة»، مِن تِلْقَاء نَفْسِهَا، إلى «مَلَكِيَة بَرلمانية». وهذا سُلُوك سيّاسي سَاذَج. ■ إنّ المُراهنة على اِحْتِمَال تَطَوُّر المَلِك المُستبدّ إلى شَخصية دِيمُوقراطيّة، تَلْتَزِم بِالفَصْل بين سُلَط مُتَكَامِلَة وَمُتَنَاقِضَة، وَتَـقْبَل بِالخُضُوع لِلْمُرَاقَبَة المُتَبَادلة، وَلِلْمُحاسبة المُتبادلة، هي مُراهنة سَاذجَة، بَل خَاسِرة. والحَلّ المُجتمعي الأفضل هو التَحَرُّر الجَذْرِي مِن المَنْطِق المَلَكِي، وَتَعْوِيضه بِالمَنْطِق الجُمهوري الجديد. لأنّ الجَوهر في الدِّيموقراطية هو الفَصل بين السُّلَط المُختلفة، والْاِلْتِزَام بِـ «المُراقبة المُتبادلة»، وَبِـ «المُحاسبة المُتبادلة». وغير ذلك هو الْاِسْتِبْدَاد السياسي، سواءً كان بِشَكل خَـفِـيّ، أمْ عَلَنِي.
5) مَنْ سَيَسْتَـفِيد أكثرَ مِن غَيْرِه مِن تَحْقيق «المَلَكِيَة البَرلمانية» ؟ دَعَى البعض إلى النضال، وإلى التّضحية، من أجل تحقيق هدف دقيق، هو «المَلَكِيَة البرلمانية». وَيَغْدُو عندهم السَّبِيل لِتحقيق «الديموقراطية»، هو إنجاز «المَلَكِيَة البرلمانية». بَل يَخْتَزِلُون «الدِّيمُوقراطية» في «المَلكية البَرلمانية». وعلى ما يظهر، لم يتساءل أنصار شِعار «المَلكية البَرلمانية» : مَنْ هو الطَرَف الذي سَيكون المُسْتـفِيد الأكبر من نظام «المَلَكِيَة البرلمانية»؟ هل سيكون الشعب حَقًّا هو أوّل مُسْتـفِيد من هذه «المَلكية البرلمانية» ؟ قَدْ يَعتـقد أنصار «المَلَكِيَة البَرلمانية»، أن نَزْع السلطات المُطلقة من المَلك، أثناء الانتـقال من «المَلَكِيَة المُطلقة» إلى «المَلَكِيَة البرلمانية»، سَيُؤَدِّي آلِيًّا إلى انتـقال هذه السُّلُطَات إلى مُنْتَخَبِي أحزاب "اليسار"، المُتواجدين في البرلمان، أو في الحكومة، أو في الجماعات المَحَلِّيَة، أو في مُؤسّـسات أخرى، إلى آخره. وهذا اعتـقاد خاطئ. ولماذا؟ لأن الأفراد المؤهّلين أكثر من غيرهم للاستحواذ على السُّلطات القديمة لِلْمَلك، سواءً من خلال الحُكومة، أم من خلال غيرها من مُؤَسَّـسَات الدولة، هم أفراد الطبـقة البرجوازية الكبيرة. بل نرى منذ الآن، أن عددًا من أفراد الطبـقة البرجوازية الكبيرة، يَجْمَعُون بين أيديهم الثَّرْوَةَ والسُّلْطَةَ، وَيَستولون على المناصب القادرة على اتّخاذ القرارات في الجماعات المحلية، وفي البرلمان، وفي الحكُومة، وفي المُؤَسَّـسَات الاقتصادية العُمُومِيَة، الخ. ويُسَخِّرُون بَاقِي مؤسّـسات الدولة لِخدمة مصالحهم الخاصّة. ونرى منذ الآن أن نـقابة المُقاولين الكبار في المغرب (CGEM)، ونـقابة البَنْكِيِّين الكِبار في المغرب (GPBM)، هم الذين يُـفْتُون على الحكومة، ومنذ الآن، مَا ينبغي فعله، وما لَا يُجُوز فعله. وفي مجال الانتخابات العامّة، وفي إطار «المَلَكِيَة البرلمانية»، نَسْأَل : مَن سَيَقْدِر على التَرَشُّح للانتخابات العامّة، وعلى اِسْتِيفَاء شُروط التَرَشُّح، وعلى تَمويل حملاته الانتخابية، وعلى الفوز فيها ؟ هل سيقدر مناضلو أحزاب "اليسار" على مُنافسة، أو هَزم، مُرَشَّحِي أحزاب «المَخْزَن»، والمُقَاوِلِين، والوُصُولِيِّين، والانتهازيّين، وَخُدَّام النظام السياسي، والأثرياء الفاسدين ؟ أَلَيْسَت شَخصيّات مِن البرجوازية الكبيرة، وشخصيّات مِن البُرجوازية المُتوسّطة، المَعروفة بِغِشِّهَا، وبانتهازيتها، والتي ترفض حاليًّا المشاركة في أيّ نضال من أجل انتزاع «المَلَكِيَة البرلمانية»، أليست هذه البرجوازية المُفْتَرِسَة هي التي سَتَسْتـفِيد أكثر من غيرها، في حالة إذا مَا استطاع "اليسار" أن يفرض الانتـقال إلى هذه «المَلَكِيَة البرلمانية» ؟ ويظهر كأن أنصار شِعار «المَلكية البرلمانية» نَسُوا أنه، في حالة إذا ما ضَحَّى "اليسار" من أجل فرض «المَلَكِية البرلمانية»، لن يكون الشعب، أو الطبـقات الكادحة، هي من سَيَسْتـفِيدُ من هذا النظام السياسي الجديد. وإنما نفس «الأحزاب المَخْزَنِيَة» القَديمة، ونفس «الأحزاب الإدارية»، ونفس الأحزاب اليمينية، ونفس الفِئَات البرجوازية الكبيرة، هي التي سَتُسَيْطِرُ على كلّ الانتخابات المُـقْبِلَة، وهي التي سَتـفُوزُ فيها، وهي التي سَتَسْتـغِلُّ نظام «المَلَكِيَة البرلمانية» الجديد. وهذه الفِئَات هي كلها رَأْسَمَالِيَّة، وانْتِهَازِيَة، وَغَشَّاشَة، وَمُفْتَرِسَة. وهي التي سَتَسْتـفِيدُ أكثر من غيرها، مِن «المَلَكِيَة البرلمانية»، بِهَدَف إِدَامَة الرأسمالية التبعية للإمبريالية، وَبِهَدف فَرْضِ استمرارية الاستـغلال الرأسمالي الفَاحِش، والرِّيع، والغِشّ، والفَسَاد، والاضطهاد، والقهر، والاستبداد ! فَلِمَاذا سَنطلب من مناضلي "اليسار" أن يُناضلوا، وأن يُضَحُّوا، من أجل تحقيق هذه «المَلَكِيَة البرلمانية»، بينما نحن نَعلم مُسبقًا أن المُستـفيدين الرئيسيّين من هذه «المَلَكِية البرلمانية» سيكونون هم أعداء الشعب في الطبقة البرجوازية الكبيرة ؟ وحتى في البلدان الأوروبية، التي تُوجد فيها «مَلَكِيَة برلمانية»، مثل اِسْبَانْيَا، وهُولَنْدَا، وإِنْجَلْتْرَا، وبلجيكا، إلى آخره، أَلَيْسَتْ البرجوازية الكبيرة المُفْتَرِسَة هي التي تَـفْرِضُ دِكْتَاتُورِيَتَهَا الطبـقية، وَتُوجِبُ استـغلالها الرأسمالي، وَتَـفْرِضُ قِيَمَهَا السِّلْعِيَة، وَتُحَتِّمُ تَصوّرها الاستهلاكي للمُجتمع ؟ وهل استـفادت حقًّا قِوَى "اليسار" الثّوري مِن إِمْكَانِيَّات فِعْلِيَة وكَافية موجودة داخل هذه البلدان التي تَحَقَّـقَت فيها «المَلَكِية البرلمانية» ؟ يظهر من خلال التَهْمِيش الدَّائم، أو الاضطهاد المُتَوَاصِل، لِلْقِوَى اليسارية الثورية، في هذه البلدان الأوروبية الغربية، أن الجواب هو «لَا». فلماذا إذن سَنُرَكِّزُ نضالنا الاستراتيجي على هدف إنشاء نظام «مَلَكِيَة برلمانية»، لن نَجْنِيَ منه أيّة فوائد استراتيجية لصالح تحرّر الطبـقات الكَادحة والمُسْتـغَلَّة ؟ 6) نَـقْد تَجَاهُل شِعَار «الـمَلَكِيَة البَرلـمانية» لِقَوَانِين تَطَوُّر الـمُجْتَمَع وعلى خلاف بعض الظُّنُون، لَا يكفي أن نَـتَّـفِـق (داخل صفوف "أحزاب اليسار") على رفع شعار «الملكية البرلمانية»، أو على خوض مظاهرات تُطَالِبُ بتحقيقه، لِـكَـيْ يَـقْبَلَ المَلك بِسُهُولة إِعْلَان استبدال «المَلَكِية المُطلقة» بِـ «مَلَكِية برلمانية». كما أن الأشخاص الذين يعتبرون أن المطالبة بِـ «المَلكية البرلمانية» هي حِيلة ذكية لِتَلَافِي عَنَاء تهيئ ثورة مُجتمعية، أو لِتَجَنُّب أخطار خَوْض ثورة مُجتمعية، لَا يُدْرِكُون بِالضّبط أنه يستحيل الانتـقال من مَلكية مُطلقة إلى «مَلكية برلمانية» بِدُون إنجاز ثورة مُجتمعية تاريخية، تكون جَذْرِيَة، وَعَمِيقَة، وشَامِلة. وإذا كانت حَقًّا "أحزاب اليسار" قادرة على فرض الانتقال من «مَلَكِيَة مُطلقة» إلى «مَلَكِيَة بَرْلَمَانِيَة»، لماذا لا تَسْتَكْمِلُ أحزاب هذا "اليسار" قِيَّامَها بِوَاجِبِها التاريخي، فَتُحَـقِّـقَ الخَلَاص من أيّ شكل من أشكال المَلَكِيَة ؟ وَلَم يُوَضِّح أنصار «المَلَكِيَة البَرلمانية» ما هي الضَّمَانَات التي تَضْمَن أنّ هذه الحُكُومَة الجديدة (في إطار هذه «المَلكية البَرلمانية» الجديدة) سَتُنَـفِّـذ سِيَّاسَات مُخالفة لِتِلْك السِيَاسَات التي كان المَلِك المُستبد يُمَارِسُها (في إطار «المَلَكِيَة المُستبدّة» القَديمة) ؟ كما لم يُوضّح أنصال «المَلكية البَرلمانية»، ما هي الْآلِيَّات المُجتمعية التي تَضْمَن أنّ هذه الحُكومة الجديدة لَنْ تُطَبِّـق سِيَّاسات مُتَطَابِـقة مع السيّاسات القديمة التي كان المَلِك المُستبدّ يُمارسها (في إطار «المَلكية المُستبدّة» القديمة) ؟ الوَاقِع المُرُّ هو أنه لَا يمكن التَحايل على قوانين تطوّر المجتمع. كما لا يمكن أن نَخْدَع التاريخ، لكي نَتَجَنّبَ بَذْلَ المجهودات، أو التضحيات الضّرورية. ويعتـقد حَامِلُو شعار «المَلكية البرلمانية» أنه يَكْفِي أن نَنْتَزِعَ بعض الصَّلَاحِيَات السياسية من يَد مَلِكٍ وِرَاثِيٍ، مُطلق، يَحْكُمُ على مَدَى الحَيَاة، وأن نُعْطِيَ هذه الصَّلَاحِيَات لِرَئِيس حُكُومة مُنْتَخَب، ومُتـغَيِّر، لكي تُصبح فَوْرًا الإصلاحات (الاقتصادية والسياسية والثقافية والمُجتمعية) التي كانت مَرْفُوضَة في المَاضي، مُمْكِنَةَ الإنجاز في الحاضر. وهذا التصوّر ليس مُثْبَتًا بِبَرَاهِين عَقْلَانِيَة، ولَا مَضْمُونًا بِحُجَج كافية. ولماذا؟ لأنّ تَـغيير النظام السياسي القائم، لَا يخضع لِنَزَوَات الأشخاص، أو لِضُغُوطَات الجماعات. ولا يُمكن أن يتمّ بشكل تِلْقَائِي، أو صُدَافِي، أو مِزَاجِي، أو عَشْوَائِي، أو اعْتِبَاطِي. بل الصِرَاع الطبقي هو وَحْدَه القَادِر على تَغيير نَوْعِيّة النظام السياسي القَائم. وَيَتَطَلَّب إِنْجَاحُ عَمَلِيّة تَغْيِير النظام السياسي الْاِسْتِجَابَةَ إلى قَوَاعِد مُجتمعية دقيقة. فَلَا يمكن تـغيير النظام السياسي القائم إِلَّا في إطار ثَوْرَة مُجتمعية تَارِيخية عَميقة، وَجَذْرِيَة، وَشَاملة. ولَا يمكن أن تحدث هذه الثورة المُجتمعية إِلَّا إذا نَضجت بما فيه الكِفَايَة شُرُوطُهَا الشعبية، والاقتصادية، والسياسية، والمُجتمعية، والثقافية، والنضالية. ودرجات نُضج هذه الشروط المُجتمعية، هي التي تُحَدِّد حُظُوظ نجاح، أو فشل، هذه الثورة المُجتمعية. والدَّلِيل على ما سَبق ذِكره، هو أنّ الأحزاب السياسية الوطنية، أو التَـقَدُّمِيَة، التي تَعَاقَبَت في المغرب، بين فَترة الاستقلال الشّكلي لِلْبِلَاد في سنة 1956، وسنة 2000 [مثل "حزب الاستقلال"، و"حزب الاتحاد الوطني للقوّات الشّعبية"، و"حزب الاتحاد الاشتراكي"، و"حزب التَحَرُّر والاشتراكية"، الخ]، كلها ظلّت تُطالب، خلال قُرَابَة خَمسين سنة، بِـ «الدِّيمُوقراطية»، أيْ عَمَلِيًّا بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة». لكنّ هذه الأحزاب لم تَجْنِ سِوَى تَشَدُّد هذا النظام السياسي في مَجالات القَمْع، والاستبداد، والفَساد، والْاِفْتِرَاس الاقتصادي، والعَمَالَة لِلقِوَى الْإِمْبِرْيَالية والصَّهيونية ! ■ وما دامت أحزاب "اليسار" المُدافعة عن شعار «الملكية البرلمانية» تَنْـفُرُ من استعمال المناهج الماركسية في تـفكيرها السياسي، سَيَصْعُبُ عليها استيعاب مُعطيات الواقع المُجتمعي الطَّبَقِي. وكل من يظنّ أن المُجتمع مُحَرَّك فقط من طرف أشخاص، أو جماعات، أو مُؤَسَّـسات، وليس مُهَيْكَلًا، أو مَسُودًا، من طَرف طَبقات مُجتمعية، سَيَسْتَعْصِي عليه تَصوّر، أو تَطبيق، استراتيجية نضالية، تأخذ بعين الاعتبار الواقع الطَّبقي للمجتمع. ولَا يُعْـقَل أن يَظُنَّ بعض الفاعلين السياسيين أنهم «اشتراكيون»، وأن يرفضوا، في نفس الوقت، دراسة المناهج الماركسية، أو الاسترشاد بها(3). وإذا مَا وُجِدَ أشخاص يعتبرون مناهج الماركسية نَاقِصَة، أو غير مُكْتَمِلَة، فَمَا عليهم سِوَى تَطْوِيرها، وإغناءها، إِنْ كانوا صادقين. ومن لَا يعمل بمناهج ماركسية، يُحْتَمَل جِدًّا أنه يعمل بمناهج أخرى، قد تكون ”لِيبِيرَالِيَة“، أو بُورْجْوَازِيَة، أو رَأْسَمَالِيَة. ومن يتناول قضايا المُجتمع بِمَنَاهِجَ بُورْجْوَازِية، أو رَأْسَمَالِيَة، يُحْتَمَل فيه أن يَسْقُطُ في تصوّرات سطحية، أو عَدِيمَة المَنْـفَعَة، في مجال تَـغيير المُجتمع وتَثْوِيرِه.
7) الـعَـنَـاصِر الـمُحَدِّدَة لِنَوْعِيَّة النِظَام السيّاسي القَائِم وهل يأخذ أنصار شعار «المَلكية البرلمانية» بالحُسْبَان، أنّ العناصر المُجتمعية التي تُحدّد طبيعة النظام السياسي القائم، لَا تنحصر فقط في نوعية اقتسام «السُّلط السياسية» فِيمَا بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة؟ فَمِنَ المُسْتَبْعَد أن يُمْكِنَ تـغيير توزيع السُّلط السياسية بشكل اعْتِبَاطِي، أو سِلْمِي، أو تَوَافُقِي، نتيجة لِمُجَرَّد ضُغوط ظَرفية، أي في غيّاب ثَورة مُجتمعية عَمِيقَة وشَامِلَة. إنّ الاعتـقاد بِإِمْكَانِيَة الْاِنْتِـقَال من الْاِسْتِبْدَاد والفَسَاد والتَبَعِيَّة، إلى «الدِّيمُوقراطية» و«العدالة» و«دولة القانون»، بواسطة مُجَرّد نضال سِلمِي مُهَذَّب، وَمُلتزم بالقانون القائم، هو خُرافَة سيّاسية تَتَمَيَّز بها فِئَات طَبقة البُورْجْوَازِية الصَّغِيرة، وَطَبقة البُورجوازية المتوسّطة. وما هي إذن العناصر المُجتمعية التي تُحَدِّدُ نَوْعِيَةَ النظام السياسي القائم في أيّ مُجتمع كان ؟ أهم هذه العناصر هي: طبيعة التَشْكِيلَة المُجتمعية، والبنية الطبقية القائمة، ونوعية الطبقات السَّائِدَة، ومستوى تطوّر الصراع الطبقي، والتَحالفات الطَّبَقِيَة القائمة، والتَشْكِيلَة الاقتصادية، والبِنْيَات التَحْتِيّة، والبِنْيَات الفوقية، ونوعية العلاقات السياسية والمجتمعية القائمة في المُجتمع المَعني، والأيديولوجية السائدة في هذا المجتمع، ومُستوى تَـثْـقِيف الشعب، ومستوى نُضج الوعي السِيَّاسِي الطَّبَـقِـي لدى الطبقات الكادحة، ورُتْبَة تَعْبِئَة الجماهير الشّعبية الكادحة والمُهمّشة، ودرجة الفصل بين الدِّين والسياسة، والتَـقاليد والمُعتـقدات المُتَوَارَثَة، إلى آخره. وكل هذه العناصر المذكورة، ليست جامدة، وإنما تظل مُتَرَابِطَة فيما بينها، وَتَتَطَوَّر في ارتباط بِتَطوّر الصِّراع الطَّبَـقِـي الجَارٍ في المُجتمع. ومَا دَام انسجامٌ مُعَيّنٌ موجودًا بين هذه العناصر (المذكورة سابقًا) وَنَوْعِيَّة النظام السياسي القائم، فإن هذا النظام السياسي سَيَسْتَمِرُّ في الوجود، وسَيُقاوم مُجمل الضُّغُوطات، ولَن تـقدر المُعارضة السياسية على تـغيير نَوْعِيَة هذا النظام السياسي القائم. وعلى خلاف ما سبق ذكره، حينما تَحدث تَطوّرات عَميقة، أو نَوْعِيَة، أو جَذْرِيَة، أو كَافِيَة، في تلك العناصر (المُحَدِّدَة لِنَوعِيَة النظام السياسي القائم المذكورة سابقًا)، يصبح هذا النظام السياسي القائم مُجْبَرًا على أن يَنْسَجِمَ مع مَوَازِين القِوَى الجيدة. وَيَغْدُو مُكْرَهًا على أنْ يَتَـلَاءَمَ مع التَطَوُّرات المُجتمعية الجَارِيَة. فَيُصبح تـغيير هذا النظام السياسي مَطْلُوبًا، ومُمكنًا، بل مَحْتُومًا. فَلَا يُمكن تَـغيير نَوعية النظام السياسي القائم إذا لم نُحْدِِث تطوّرات عميقة، أو دِينَامِيَةً شَامِلَةً، في تلك العناصر المُجتمعية (المُحَدِّدَة لِنَوْعِيَّة النظام السياسي القائم). وعلى العُموم، لا يمكن تـغيير طبيعة النظام السياسي القائم إلَّا إذا نَضَجَت بما فيه الكفاية تَطَوُّرات مُسَاعِدَة، ومُنْسَجِمَة، وَمُتَضَافِرَة، في تلك العناصر المذكورة (المُحَدِّدَة لِنَوْعِيَّة النظام السياسي القائم). وفي تصوّر الكثيرين من بين المُنَاصِرِين الحاليين لشعار «الملكية البرلمانية»، فإنهم يُرَدِّدُون هذا الشعار دون أن يُنَاضِلُوا بهدف إحداث تـغييرات جِدِّيَة في تلك العناصر (المُحَدِّدَة لِنَوْعِيَّة النظام السياسي القائم). وفي هذه الحالة، يمكن لهؤلاء المُناصرين لشعار «المَلكية البرلمانية» أن يُطَالبوا بهذا التـغيير، خلال سنوات، أو عُقُود، أو قُرُون، لكنهم لن يستطيعوا إنجاح مَطْلَبِهِم.
رحمان النوضة (حُرِّرَت الصّيغة الأولى في 18 أبريل 2019. ورقم الصيغة الحالية هو 8).
الــنُــقَـــط الــهَـــامِـــشِـــيَــــــة (1) أثناء «حركة 20 فبراير»، لم نُلاحظ مُشاركة مناضلي «حزب المُؤتمر الْإِتِّحَادي» في هذا الحِرَاك. وقد تَحَوَّل «حزب المُؤتمر الْإِتِّحَادي» فيما بعد إلى «حزب فِيدِيرالية اليسار الديموقراطي». وقد إلتحق جزء من «حزب الاشتراكي الموحد» بِـ «فيديرالية اليسار الديموقراطي» في سنة 2021. ونقلوا معهم بعض أطروحاتهم السياسية الأساسية إليه. بما فيها أطروحة «الملكية البرلمانية». (2) أُنْظُر: رحمان النوضة، نَـقْد الصِرَاعَات الحَدِيثَة في فِيدِيرالية اليَسَار، نشر 2022، الصفحات 21، الصيغة 3. وقد نُشر أيضًا هذا المقال على موقع "الحوار المُتمدِّن". (3) أنظر كتاب: رحمان النوضة، هل ما زالت الماركسية صالحة بعد انهيّار الاتحاد السُّوفياتي، نشر 2015، الصفحات 206، الصيغة 18. ويُمكن تـنزيله بالمجّان من مُدوّنة الكاتب. (4) أنظر كتاب: رحمان النوضة، أطروحات حول الدّولة، نشر 2022، الصفحات 157، الصيغة 16. ويُمكن تـنزيله بالمجّان من مدوّنة الكاتب. (5) أنظر نـفس المرجع السّابق. (6) أنظر نـفس المرجع السّابق. (7) كُتِبَت الصِّيغَة الأولي من هذا المقال في سنة 2019. (8) Vladimir Lénine, œuvres, Tome 5, Que faire?, Editions Sociales, Paris, Editions du progrès, Moscou, 1976, p.441..
#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)
Rahman_Nouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا اُعْتُقِلَ مُدير تَطْبِيق تِلِغْرَام
-
الْإِسْلَام وَالرَّأْسَمَالِيَة
-
صِرَاع الطَّبَقِات، أَمْ صِرَاع الْإِثْنِيَّات
-
في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك
-
أحزاب اليسار تـرفض التـنسيـق
-
الرَّأْسَمَالِيَة هِي اِنْتِحَار جَماعِي بَطِيء
-
نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 3/3
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 1/3
-
هِجرة الأدمغة المُمْتَازَة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
-
الحَلّ الجَذْرِي لِمُشْكِل الجِنْس خارج الزَّواج
-
لِمَاذَا اِنْهِيَّار إِسْرَائِيل حَتْمِيٌّ
-
فَلْسْطِين وَانْهِيَّار أَمْرِيكَا
-
لِمَاذَا القَضَاء على إسرائيل
-
دُرُوس زِلْزَال المغرب
-
دَوْلَة الجَوَاسِيس
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|