أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - نظام ما بعد التفاهة














المزيد.....

نظام ما بعد التفاهة


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8109 - 2024 / 9 / 23 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد قرأت كتاب "نظام التفاهة" للدكتور آلان دونو منذ سنوات، والذي يتناول اتجاه بعض المجتمعات نحو تبني القيم السطحية كمعيار للنجاح. أعتقد أننا حاليًا نعيش في مرحلة جديدة تُعرف بمرحلة ما بعد التفاهة، حيث تظهر بوضوح مؤشرات انحطاط المعايير الأخلاقية والثقافية والاجتماعية.
يتجلى هذا النظام في مقولة "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق"، حيث أصبح هذا المفهوم واقعًا ملموسًا. ومن أبرز مؤشرات هذا النظام في الدول الغربية كان فترة رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية، التي عكست بشكل واضح هذا الاتجاه نحو السطحية.
في حياتنا اليومية، كثيرًا ما تصادفني عبارات ومفاهيم من ذلك الكتاب، خاصة في ظل انتشار محتويات ثقافية وإعلامية تتسم بالسطحية. يتضح هذا النظام بشكل خاص عندما نُجبر على الاستماع إلى بعض المسؤولين، الذين يتحدثون بأفكار سطحية تعكس انحطاطًا في القيم الأخلاقية والفكرية وتجاهلًا للمعايير الأساسية.
نتيجة لذلك، تُنتج هذه السطحية فوضى فكرية تعيد إنتاج نفسها في المجتمع، مما يتطلب منا التفكير في كيفية استعادة القيم الحقيقية وتعزيز العمق الفكري في حياتنا.
أصبحت ظاهرة التفاهة مجال اهتمام ملحوظ في علم الاجتماع، حيث أصابت مجتمعاتنا وشبكاتها الاجتماعية بهذا الوباء. لقد أصبح هناك خضوع لهذا النظام على حساب القيم الأساسية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتفاعل العميق، والأصالة. ونتيجة لذلك، دخلنا مرحلة جديدة تُعرف بمرحلة ما بعد التفاهة، التي عكست ظلالها على تفاصيل الحياة بجوانبها المتنوعة، بما في ذلك الجوانب النفسية، نظرًا لأنها مرتبطة بالبنية الذهنية للمجتمع.
وللمزيد من الإيضاح والتبسيط، يمكن القول إن القاعدة الأساسية لهذا النظام هي أن السطحية أصبحت السلوك السائد في المجتمع، لتكون قدوة للجميع. هذه الظاهرة ليست مجرد مصادفة عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لزيادة إنتاج هذا النظام وتعمقه في الثقافة السائدة. وبالتالي، لا ينبغي أن نستغرب عندما نجد أن التفاهة أصبحت الجسر الذي يربط بين التفاهة والمسؤولية في إدارة مؤسسات الدولة. لقد وصل الأمر إلى أن التفاهة باتت الوسيلة السحرية للتخلص من أيّ عوائق تحول دون الوصول إلى إدارة الدولة.
الأكثر إثارة للقلق هو أن التفاهة أصبحت مصدر إلهام للشباب، حيث توفر لهم المناخ الذي يمكنهم من تحقيق طموحاتهم، رغم تأثيرها السلبي على القيم الحقيقية. في هذا السياق، أصبح موجهو نظام التفاهة يمتلكون وسائل السلطة، مما يعني أن نظام ما بعد التفاهة قد سيطر على المجتمع وشبكة علاقاته الاجتماعية. وبذلك، أصبح هؤلاء الموجهون يتحكمون في مسارات المجتمع وتوجهاته.
يتجلى هذا النظام من خلال توجه وسائل الإعلام نحو قضايا تتسم بالسطحية، مثل الانشغال بحياة المؤثرين وسهراتهم ومصروفاتهم ومشترياتهم. إن هذه الموضوعات تساهم في تعزيز ثقافة التفاهة، مما يعكس انحرافًا عن القيم الحقيقية.
تُعتبر هذه الظاهرة كارثية بشكل خاص عندما تنتشر في الأوساط التعليمية. فالمؤسسات التعليمية ينبغي أن تكون منصة لإنتاج الأفكار العميقة وتعزيز القيم الحقيقية. ومن أبرز مؤشرات هذا التفشي عمليات الغش التي يساهم فيها بعض المعلمين، بالإضافة إلى زيادة حالات الانتحال العلمي. إن تفشي السطحية في المؤسسات التعليمية يُهدد مستقبل الأجيال القادمة، وهو سلوك تخريبي يقوم به هؤلاء الذين يسعون للمزايدة والتضليل واستنزاف الأخلاق.
ومن المهم أن ندرك أن وجود هذا النظام لا يسير في سياق سهل أو بدون مقاومة. هذا التصور يقترب من فكرة مالك بن نبي، الذي طرح مفهوم أن نظام المجتمع يشبه محركًا، حيث تدفع بعض أجهزته نحو الأمام بينما تدفع أخرى إلى الخلف. في هذه الحالة، يسعى نظام ما بعد التفاهة إلى دفع المجتمع إلى الوراء، من خلال تدمير أخلاقياته وقيمه. وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة لتفادي تلف هذا "المحرك" لضمان تقدم المجتمع واستعادة قيمه الأساسية.
وعلى أي حال، سواء قبل البعض أو لم يقبل هذه الوجهة النظر، فإنه من المؤكد بالنسبة لي أن هناك تراجعًا حقيقيًا في القيم الأخلاقية والفكرية. ولكن، نظرًا لأنه تراجع تدريجي، فإنه لم يلفت الانتباه بالشكل المطلوب.
وهكذا يتضح لنا من التحليل السابق بأنه من الضروري العمل بجد على إعادة بناء نظام القيم والتربية في المجتمع، والتركيز على تطوير وتحسين النظام التعليمي ليشمل القيم الأخلاقية، والتفكير النقدي، والعمق الفكري، لتعزيز فعالية المجتمع نحو البناء والتنمية والإنتاج الحقيقي الفعال.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقات الأمومة بين الأمس واليوم
- تبادل الأدوار في النسيج الليبي: عندما يصنع الرجال ملابس النس ...
- إعادة التفكير في دور علم الاجتماع : منظور نقدي وتقويمي
- تعزيز العافية الشخصية والمجتمعية من أجل جودة ورفاهية الحياة
- الأزمة الصامتة بين ليبيا والدول المجاروة حول المياه الجوفية
- الجامعات وصناعة قادة المستقبل.
- التعليم في ليبيا : تحديات يومية متزايدة ومتنامية
- دروس من الأردن: كيف بنت كوريا الجنوبية نظامها للبحث العلمي
- الجامعات الليبية : الأولوية الأساسية : جودة التعليم أم التصن ...
- قراءة نقدية : للمؤتمر الدولي العلمي الأول الموسوم ب( توظيف ا ...
- تحديد مفاهيم الأخلاق الأكاديمية والاخلاق الجامعية وتوجيهها ن ...
- جودة التعليم وقواعد الأخلاق في التعليم الجامعي
- الكلمات لها أيضًا أيادٍ: ربما تربتُ أو تخنق
- قراءة نقدية حول دراسة بعنوان : تعزيز الدبلوماسية العلمية: خا ...
- الابتكار في مناهج البحث العلمي في العلوم الاجتماعية: توظيف ا ...
- توظيف منهجية البحث العلمي في علم الجيولوجيا في العلوم الاجتم ...
- طوفان الأقصى: التأثيرات والنتائج على الاحتلال الإسرائيلي
- مفهوم الخرائط الاجتماعية مفتاح لفهم العلاقات البينية بين علم ...
- استعادة محرك التغيير : دور الجامعات الليبية في صناعة السياسا ...
- البحث العلمي وأزمة مدينة زليتن الليبية


المزيد.....




- مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو ...
- وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد ...
- تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في ...
- -ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف ...
- مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا ...
- خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا ...
- إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
- معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة ...
- روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - نظام ما بعد التفاهة