أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سامح قاسم - الخيانة ليست وجهة نظر














المزيد.....

الخيانة ليست وجهة نظر


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8108 - 2024 / 9 / 22 - 20:41
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في زمن تتصارع فيه الأصوات وتختلط فيه الحقيقة بالزيف، يُطل بعض المتربصين في لحظات الشدة والضيق، لينشروا سُمًا في هيئة رأي، محاولين تقويض مفهوم المقاومة. يختار هؤلاء المُتربصون لحظات الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان ليُهاجموا المقاومة اللبنانية، ويشمتوا في دورها البطولي، ويُصوروا دفاعها عن الأرض وكأنه عبء أو خيانة لقضايا أخرى. هنا يجب أن نتوقف، ونعيد ترتيب المشهد ونقول بوضوح لا لبس فيه: الخيانة ليست وجهة نظر.

قبل الخوض في الرد على الشامتين والمُتخاذلين، يجب أن نفهم أن المقاومة اللبنانية، مُمثلة بحزب الله، لم تولد من فراغ، ولم تكن خيارًا عابرًا أو انتقائيًا. بل هي وليدة عقود من الاحتلال الإسرائيلي المتكرر للأراضي اللبنانية. منذ الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ولدت المقاومة كضرورة دفاعية، لحماية الوطن والأرض من اعتداءات مستمرة وسعي دائم لإخضاع الجنوب تحت سطوة الاحتلال.

المقاومة ليست مشروعًا عدوانيًا أو مغامرة سياسية كما يُصورها البعض، بل هي حق مشروع في مواجهة الاحتلال والاعتداءات الخارجية. هذا الحق مكفول دوليًا بموجب ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقر للشعوب المحتلة والمُعتدى عليها حق الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل الممكنة.

وكما قال جان بول سارتر: "الحرية لا تُمنح؛ بل تُنتزع". فالمقاومة في لبنان لم تنتظر إذنًا من أحد، بل جاءت استجابة حتمية لاحتلال واعتداء، رافضة أن تقبل الذل والاستسلام.

في خضم الصراع القائم، يطل الشامتون برؤيتهم الضيقة التي تتلبس بثوب "الواقعية السياسية" أو "الحكمة المزعومة". هؤلاء لا يرون في المقاومة سوى مخاطرة، ويغضون الطرف عن حقيقة واحدة: أن الصمت أمام العدوان هو الخيانة الحقيقية.

إن الذين يقفون على الهامش ويتخذون من النقد سلاحًا لشن حملات تشويه ضد المقاومة، ليسوا سوى أدوات في لعبة دولية أكبر، تحاول أن تفرغ المقاومة من شرعيتها وتجعل الدفاع عن الوطن قضية مشكوكًا فيها. هؤلاء الشامتون يرددون في كثير من الأحيان خطابات تنبع من مصالح ضيقة أو ولاءات خارجية، متناسين أن تاريخ الأمة مليء بالمقاومة التي انتصرت بصمودها، لا بالاستسلام والخضوع.

قال أمل دنقل في قصيدته الشهيرة "لا تصالح":

"لا تصالح ولو منحوك الذهب..
أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما،
هل ترى؟
هي أشياء لا تُشترى!"

الخيانة ليست فقط في خيانة الوطن، بل في خيانة الحقيقة والتاريخ. أولئك الذين يتنكرون لدور المقاومة أو يشمتون في تضحياتها، إنما يخونون تضحيات الأجيال التي ناضلت وضحت لأجل الكرامة والاستقلال.

في تحليلاتهم السطحية، يروج بعض الشامتين لفكرة أن المقاومة جلبت الدمار على لبنان، وأن الحل الأفضل هو "التسوية" أو "التعايش" مع إسرائيل. هذه الفكرة، رغم ما تحمله من بريق "الواقعية"، هي في جوهرها ترويج للاستسلام ورفض للتاريخ وللواقع الذي يُظهر بوضوح أن الاحتلال لا يفهم سوى لغة القوة.

تجربة الأمم والشعوب التي اختارت الاستسلام بدلاً من المقاومة تكشف بجلاء أن النتائج كانت دائمًا كارثية. فلسطين مثال حي على ذلك. منذ النكبة عام 1948، تعيش القضية الفلسطينية في دوامة من التسويات والمفاوضات التي لم تجلب سوى المزيد من الاستيطان والمزيد من الاحتلال. وفي المقابل، كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، وكانت هي من لقن العدو درسًا لا يُنسى في حرب تموز 2006.

قال إرنست همنغواي: "من لا يجرؤ على المقاومة، يستحق أن ينحني تحت ظل الطغيان". المقاومة هي التعبير الأسمى عن الرفض والكرامة، وهي الجواب الوحيد لمن يعتقد أن الأوطان يمكن أن تُباع أو تُشترى.

من بين أبرز الأساليب التي يستخدمها الشامتون هي إثارة النعرات الداخلية، ومحاولة تقسيم المواقف الوطنية. فهم يحاولون الترويج لفكرة أن المقاومة تمثل طائفة أو جماعة معينة، وليست مشروعًا وطنيًا شاملاً. هذا الطرح يستغل التعقيدات الطائفية في لبنان، ويضرب في عمق النسيج الاجتماعي اللبناني.

ولكن الحقيقة تقول إن المقاومة هي مشروع وطني جامع، يتجاوز الحدود الطائفية والسياسية. لقد وقفت المقاومة إلى جانب كل أبناء لبنان، مسلمين ومسيحيين، شيعة وسنة، في مواجهة الاحتلال والعدوان. وإنجازاتها ليست ملكًا لطائفة معينة، بل هي إنجازات للشعب اللبناني بأكمله. فالصمود في وجه العدوان الإسرائيلي هو الذي حمى السيادة اللبنانية، وأكد أن لبنان بلد لا يقبل الهيمنة ولا يخضع للتسلط.

كما يقول نيلسون مانديلا: "المقاومة ليست مشروع فرد أو طائفة، بل هي حق الشعب في الدفاع عن كرامته ووجوده". إن الذين يحاولون تفتيت هذا الحق أو الطعن فيه إنما يمارسون خيانة على مستوى أعلى، لأنهم يخونون وحدة الصف الوطني في لحظة حرجة.

في النهاية، نقول بصوت واضح: الخيانة ليست وجهة نظر. إن النقد الهادف والمشروع للمقاومة يجب أن ينبع من حب للوطن ورغبة في تحسين الأداء وتطوير الوسائل، لا من كراهية مغلفة بأجندات خارجية أو شخصية. أما الشماتة في المقاومة اللبنانية، ومحاولة تقويض شرعيتها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، فهي ليست إلا خيانة صريحة لكل ما تمثله الكرامة الوطنية، وخيانة لدماء الشهداء وتضحيات الأبطال الذين وقفوا في وجه الاحتلال.

المقاومة اللبنانية، بكل ما حملته من تضحيات وصمود، كانت ولا تزال حصنًا منيعًا أمام الأطماع الإسرائيلية. لقد أثبتت في أكثر من مناسبة أنها ليست مجرد ردة فعل على الاعتداءات، بل هي استراتيجية مستمرة للدفاع عن الأرض والسيادة. ومن هنا، يجب أن نؤكد: أن تكون مع المقاومة هو أن تكون مع الوطن، أما أن تشمت أو تتخاذل، فهو أن تختار الخيانة، والخيانة ليست سوى انحراف عن الحق والحقيقة، ولا يمكن أن تُبرر كوجهة نظر.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة فوق القوة
- المثقفون المرتزقة: من تحريف الحقيقة إلى تشويه الثقافة
- مثقفو الهامش: بين الاستبعاد والخروج عن المألوف
- في وصف الخذلان
- تاريخ الكذب: من الفلسفة إلى الواقع
- مجنون ليلى عند المتصوفة: تجليات العشق وصولا إلى العرفان
- السلطة والجنون: تجليات التأثير والمصير
- فلسفة الجمال عند العرب: تأملات في الوجود والحُسن
- حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم
- تاريخ الأفكار: مسيرة العقل في مواجهة السلطة عبر العصور
- الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!


المزيد.....




- ما هو حزب الله؟
- ??ژنام?ي ??وت ژمار? 32- د?سي?ي 1- تايب?ت ب? ه??بژاردن?کاني پ ...
- ‌ه?نگاوي ي?ک?م ?يسواکردني خ?س??تي بورژوازيان?ي ?ژ?م و ه??بژا ...
- ش?ما? ع?لي: هيچ ه?ز?کي مکو? ل?س?ر ماف ‌و ئامانج?کاني خ??ک ب? ...
- گ?ران ع?بدو?ا: ليست?کان م?ب?ستيان? بگ?ن? د?س??ات، خاو?ني هيچ ...
- شيرين ع?بدو?ا: ئ?م پ?رل?مان? ب? ه?موو لاي?ن? ناک?ک?کانيـي?و? ...
- خبير عسكري: المسيرات -سلاح الفقراء- الذي قهر به حزب الله دفا ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: هجوم مسيّرة حزب الله على قيسارية يظهر ...
- استهداف مقر إقامة نتانياهو في فيساريا بمسيرات أطلقت من لبنان ...
- يديعوت أحرونوت: مع إطلاق الطائرة بدون طيار باتجاه منزل نتنيا ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سامح قاسم - الخيانة ليست وجهة نظر