أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - دور المثقف في الصراع الطبقي















المزيد.....


دور المثقف في الصراع الطبقي


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8108 - 2024 / 9 / 22 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" الدولة البوليسية تقطع الانترنيت / الكونكسيون عن منزلي، والدولة التي تقمع الحريات ، وتحول ضد حرية الرأي ، تسمى المغرب ، وهي التي تترأس مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة .. يا عجب .. لذا سأرحل الى مقهى Cyber لإرسال هذه الدراسة " ..
الثقافة وأي ثقافة ليست معزولة عن المجتمع ، بل هي مرتبطة بالوضعية الطبقية وبالصراع الطبقي والسياسي والإيديولوجي ، حيث ينعكس على المستوى الثقافي الصراع الدائر في المجتمع ، ووجهات النظر الطبقية للطبقات المتصارعة كجزء وكامتداد للصراع الطبقي ، وهي بدورها تفعل في ذاك الصراع وفي بنية المجتمع ككل . ان ارتباط الثقافة بالطبقات ، يجعل الطبقات السائدة تعمل جاهدة من اجل ان تسود ثقافتها في المجتمع ، وان تؤدي الدور المنوط بها : الدفاع عن استغلال واضطهاد الجماهير ، والإبقاء على الأوضاع كما هي .
ويكون للطبقات السائدة أدباءها وفنانوها الذين يبلورون وجهة نظرها في ميادين الادب والفن ، الفلسفة والتاريخ ، ولباقي الطبقات الاخريات مثقفوها الذين يدافعون عن أهدافها ومطامحها . وبقدر ما هذه الطبقة قوية في المجتمع ، من حيث وزنها السياسي ، ودورها في الصراع الطبقي ، تتوفر حظوظ تواجد واتساع صوتها على المستوى الثقافي .
وكلما تقدم الوعي للطبقات الثورية داخل المجتمع ، كلما تقوى الحيز الذي تشغله الثقافة المعبرة عنه والمرتبطة مع هذا الوعي . والمثقف ليس فوق المجتمع ، وفوق الطبقات ، بل هو وليد المجتمع وليد الصراع الطبقي ، المعبر عن طبقة معينة ضمن أيديولوجيا ، وبالتالي فهو ينتمي الى الصراع الطبقي ، ويعتبر وليد نتاج أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وايديولوجية في كل مرحلة تاريخية من تطور المجتمع الذي يعيش فيه .
والمثقف الثوري لا يخرج عن هذا الاطار ، فهو وليد صراع طبقي يعبر فيه عن أيديولوجية ، واراء ثقافية بالنسبة للطبقات الثورية في المجتمع ، ولا يمكن باي حال من الأحوال ، ان يوجد مثقف رثوري بدون طبقات ثورية في المجتمع ، ما دام الثقافي محكوما بأوضاع مادية ملموسة توجد في البنية التحتية للمجتمع ، وفي صلب الصراع الطبقي . ومن هنا فالمثقف الثوري هو الذي يكتسب وعيا طبقيا ثوريا في المجتمع في المجتمع من خلال مساهمته الى جانب الطبقات الثورية في مواجهة الطبقات الرجعية بهياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية والثقافية أيضا . فالوعي الثوري يتولد من خلال الصراع الطبقي نفسه ، من خلال الاصطدامات المستمرة بين الطبقات الثورية والطبقات الرجعية في المجتمع . ولا يمكن ان يتكون مثقف ثوري بمعزل عن الصراع الطبقي ، وعن المجتمع الذي يوجد فيه . فالوعي الثوري الذي يجب ان يتوفر عليه المثقف الثوري ، يتولد من خلال الوعي بالواقع وتناقضاته التي تتجسد في التناقضات الطبقية المعبر عنها من خلال الصراع السياسي والاقتصادي الدائر بين الطبقات المتصارعة . والنشاط الثقافي الذي يقوم به المثقف ، بما في ذلك اطلاعه على ثقافات وأفكار من خارج المجتمع ، الذي يعيش فيه ، تكون مساعدة فقط وتفعل فعلها من خلال الصراع الطبقي الداخلي ..
ان الذي يدفع المثقف ليس هذه النظرية الخارجية او تلك ، هذا الموقف او ذاك ، ليس هو النشاط الثقافي المحض الذي يقوم عادة في شكل نزهة فكرية وتبريرات ذهنية ، يقوم بها المثقفون . بل ان واقع الصراع الطبقي في المجتمع والانتماءات الطبقية ، هي التي تدفعه لتمثيل هذا الاتجاه او ذاك .
وهذه المسألة ى تخص المثقف الثوري وحده ، بل هي عامة بالنسبة لجميع المثقفين سواء الرجعيين ، او التقدميين الثوريين . فمثقفو الطبقات الرجعية في المجتمع ، يدخلون دائما نظريات وافكارا تلائم مصالحهم ومصالح الطبقات التي يمثلونها ، ولا يمكن ان يدمج في ثقافتهم كل ما يطلعون عليه ، لان الذي يوجههم ليس هو الكتب ، بل المصالح الطبقية في المجتمع . وهي التي تدفع للاقتباس من هنا او هناك ، وليس من قرأ ماركس يصبح ثوريا ، بل يوجد رجعيون عتاة يهتمون بدراسة ماركس من اجل مواجهة الفكر الثوري في مجتمعهم . وهنا يكون الخلاف بين هذا الرأي الذي عبر عنه العروي واضحا ، فهو يعطي الاسبقية للعوامل الخارجية ، بل وقد يعتبرها حاسمة . وهذه ( أهمية العوامل الخارجية على العوامل الداخلية . الفكر والواقع ) ..
تعتبر من المحاور الأساسية لفكر العروي وتطبيقها على المثقف الثوري ، أدت به الى اعتبار ان هذا الأخير لا يمكنه ان يظهر الا في طريق التأثير الخارجي ، ولو لا هذا التأثير في نظره لاستحالة ظهور المثقف الثوري في المجتمع المغربي .. هكذا نواجد هنا أيضا نماذج من التفكير المثالي للعروي .
ان شروط نمو الوعي الثوري في المجتمع ترتبط وتتجدد من داخل المجتمع المعني نفسه ، والتأثير الخارجي لا يكون هو الحاسم ، بل يكون مساعدا فقط . فاذا اخذنا المغرب كمثال في السنوات الأخيرة في حياة الحسن الثاني ، فنجد ان نمو الوعي الثوري في نهاية الستينات ، ارتبط بالتحولات التي عرفها المجتمع المغربي ، وتطور الصراع الطبقي فيه منذ سنة 1965 ، حيث عبرت الجماهير عن طموح فعلي لتجاوز الفكر السياسي الإصلاحي . وكان عجز هذا الفكر عن تحقيق طموحات الجماهير ، هو الدافع القوي لظهور مثقفين ثوريين ، خرجوا عن دائرة الفكر الإصلاحي ، وارتبطوا فكريا فكريا وسياسيا بالطموح الثوري الذي عبرت عنه الجماهير بالملموس .
واذا كان لهزيمة 1967 ( النكسة ) بعد ( النكبة ) 1948 ، من دروس تساهم في نمو الوعي الثوري والمثقف الثوري في المجتمع المغربي ، فذلك لأنها كانت تصب في نفس الاتجاه . كانت تؤكد عجز الفكر البرجوازي الإصلاحي عن تجسيد طموح الجماهير الكادحة العربية من التحرر من الامبريالية والاستعمار والهيمنة الامبريالية .
اذا كان التعامل هنا مع هزيمة 67 ( النكسة ) يدخل ضمن اطار الوطن العربي ، وارتباطها بشكل قومي يحظى بتأييد ومساندة الجماهير العربية ، فان المغرب لم يعش الهزيمة عن قرب ، ولم يتأثر بها الا من خلال كونها مشكلة قومية . وما كان لهزيمة النظام الناصري في 67 ان تولد بشكل مباشر ، او تلعب دورا حاسما في نمو الوعي الثوري في المغرب . وان حاولنا البحث في مؤثرات خارجية أخرى مثل مايو 68 في فرنسا ، الثورة الثقافية الصينية ، فلا نجدها كيفما كان حجمها ، حتى ولو كان الاحتكاك بها قويا ( مايو 68 مثلا ) ذات تأثير حاسم في بروز المثقف الثوري في المغرب ، بل ان ما يجعل من تلك الاحداث تؤثر إيجابيا في المغرب ، هو الواقع المغربي وتناقضاته ، والصراع الطبقي الأيديولوجي والسياسي الذي عرفه المجتمع المغربي في تلك الفترة ، والذي افرز المثقف الثوري المغربي .
فالمثقف الثوري المغربي اذن ، هو وليد المجتمع المغربي ولا يعلو عليه ، وهو نتاج الصراع الطبقي في المغرب ، وتبنيه لنظريات ومواقف من خارج المجتمع المغربي ، يلعب دورا مساعدا فقط . انه يستفيد من كل الثقافات والأفكار الثورية في العالم ، كما يعمل على الاستفادة من التجارب الثورية للشعوب ومساهمات مفكريها وقادتها الثوريين ، باعتبارهم عبروا بالملموس عن الطموحات الثورية لشعوبهم وطبقاتها الثورية ، نظرا بالضبط لان تلك الأفكار والمواقف وخلاصات التجارب تنسجم ومتطلبات الطبقات في المغرب .
هكذا اذن بالتأكيد ان الوعي الثوري في المجتمع وليد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية والثقافية التي يعيشها ذلك المجتمع ، وان بروز المثقف الثوري بنفسه مرتبط بتلك الظروف ، وبتوفر شروط طبقية يفرزها الصراع الطبقي ، وحدة التناقضات بين الطبقات الرجعية والطبقات الثورية في المجتمع . وما يجعل دور المثقف الثوري هاما في نمو الوعي الثوري في المجتمع ، هو انه يستطيع وبارتباط مع حركة الصراع الطبقي في المجتمع ، ان يعبر بشكل تلقائي ، ما يتولد موضوعيا في المجتمع من ممارسات الطبقات الثورية نفسها . وتمثله الثقافة في المجتمع الذي يعيش فيه ، واطلاعه على ثقافات خارجية تساعده على ان يعبر فكريا بشكل واعي عن حركة الصراع الطبقي في المجتمعات والتحولات التي يعرفها ، وفي ارتباط وثيق مع تصاعد حدة الصراع الطبقي . ومن هنا يساهم في تغدية الوعي الثوري المتنامي داخل الطبقات الثورية ، وفي مساعدتها على التحم الواعي في مستقبلها وممارستها الثورية . فالثقافة كما عبر ماوتسي تونغ Mao Tse Tong عن ذلك تستطيع ان تؤثر في السياسة كما في الاقتصاد . وهنا يكون دور المثقف الثوري إيجابيا ، لأنه يصارع الثقافات الرجعية السائدة في المجتمع ، ويعري عن هويتها الطبقية في نفس الوقت الذي يستطيع فيه ، وبارتباط مع الممارسة الثورية ابداع مضامين واشكال تعبيرية تستجيب لمتطلبات النضال الثوري في كل مرحلة ، وتعبر عن الآمال والطموحات الثورية للجماهير ، ومسيرتها من اجل التحرر من الاستغلال والاضطهاد والقمع الثقافي .
ان اول مشكلة تعترض المثقف المغربي ، هي الموقف من التراث العربي ، من الماضي الثقافي . وفي هذا الاطار نجد ثلاثة اتجاهات سائدة على مستوى الثقافة العربية :
--- الاتجاه الأول ، وهو اتجاه تقديس التراث : يرفض ممثلو هذا الاتجاه أي مساس بالتراث او غربلته ، ويعتبرونه تجسيدا لكلمة الله ، وبالتالي فأي موقف انتقادي له ، يُدان او يُرفض ، لان الامر يتعلق بالنسبة لهم ببنيان أيديولوجي يستمدون منه ( قداستهم ) ، وهيمنتهم في المجتمع ، وبالتالي يلعب التراث بالنسبة لهؤلاء دورا وقائيا ، حاجز المناعة ، يجعل من ( سيادتهم ) وصية الهية ينفذونها " نيابة " عن الله . لهذا يتشبثون بالتراث الماضي لله ، ويعتبرونه في فترات ( ازدهاره ) تعبيرا عن اهليتهم ( الوراثة ) المسؤولة من الله عن البشر .
وان المدافعين عن قداسة التراث ، يمارسون ذلك من اجل خدمة مصالحهم ، حيث بسقوط قداسه التراث المزعوم ، سينكشفون عن حقيقتهم كمستغلون ومضطهدون للجماهير ، يخفون هويتهم بواسطة هالة تراثية مزعومة . فهم اذن يتخذون من الأيديولوجيا الغيبية ، التي تمتد جذورها في التراث العربي ، أداة للتعبير عن ذلك ، وحماية مصالهم الطبقية في المجتمع ، ويحرصون على ان يحتفظوا به ، ويطوروا كل ما يجدونه في التراث كما هو مبلور في ايديولوجيتهم " بدعة " يستحق صاحبها العقاب .
ومن السذاجة تصور ان المدافعين عن قداسة التراث يفعلون ذلك بحكم غموض الافاق ، او بسبب تهديد خارجي كما يدعي العروي ، او انهم يتشبثون به في استقلال عن الطبقات الرجعية وطبقات تسانده في المجتمع وتجد في ذاك التراث خدمة لمصالحها .
ولقد سبق ان اوضحنا ان السلفية باعتبارها دعوة إيجابية للرجوع الى الأصول الدينية ، ارتبط ظهورها بظروف اجتماعية مر منها العالم العربي ( مرحلة مناهضة الاستعمار ) ، كما ارتبطت بمصالح طبقية برجوازية ، والتي ما زالت تتشبث بتلك الأيديولوجيا ، بل وتلتف حولها بشكل اكبر مع احتداد الصراع الطبقي ، ونمو الوعي الثوري في العالم العربي .
--- الاتجاه الثاني ، و هو الذي يرفض التراث العربي جملة وتفصيلا ، ويحمله كل المسؤوليات بصدد الواقع الذي يعيشه العالم العربي حاليا ، والمشاكل التي يتخبط فيها ، و التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يعاني منه .
ان هذا الاتجاه هو الذي يتبناه العروي ، فيلتجأ الى بديل تراثي من خارج المجتمع العربي ، هو التراث الليبرالي . فهو هنا يطرح المشكلة من خلال تبني الفكر الليبرالي الغربي . وهذا الاتجاه يعتمد على منطلقات خاطئة ، تتمثل أساسا في عجز الفكر العربي عن الخروج من دائرة التفكير التراثي ، انطلاقا من الواقع العربي ، ويعتبر ان الحل الوحيد هو تبني وبشكل كلي للتفكير الغربي الذي يسميه العروي ، استيعاب مكتسبات التفكير اللبرالي ، وينسى ان التفكير والفكر العربي ، لا يتغير الا بارتباط مع تغيير الواقع العربي .
--- الاتجاه الثالث ( نفعي ) ، وهو الذي يتعامل مع التراث بشكل انتقائي ، فيقدمه على انه يحتوي الايجابي والسلبي ، ويجب اخد الإيجابي منه وترك السلبي (وكأن الامر يتعلق ببضاعة ) .
هذا الاتجاه نجده عند مفكرين رجعيين ، كما عند مفكرين تقدميين . واذا كان الاتجاه التقدمي يحاول فعلا اكتشاف واحياء بعض الجوانب التقدمية في التراث ، فانه لا يختلف على مستوى المنهج الذي يتعامل مع التراث الفكري والتاريخي ، من منطلق طبقي ثوري .
اذن . ان الاتجاهين معا ( الثاني والثالث ) يواجهان الموقف من التراث الذي يدافع عنه أصحاب الاتجاه الأول . ومن هنا يلعبان دورا إيجابيا ، الا ان نظرتهم غير الطبقية ، ومنهجم الانتقائي يجعلهما غير مؤهلين لمعالجة إشكالية التراث بشكل ثوري .
ان النظرة للتراث العربي ، خاصة الفكر يجب ان تكون نظرة طبقية ، تطبق المنهج المادي الجدلي على الماضي والتراث العربي ، من خلال كونه تعبيرا عن صراع طبقي ، عرفته المجتمعات العربية كغيرها من المجتمعات البشرية . فليس المجتمعات العربية هي التي تواجه حاليا إشكالية التراث ، بل ان كل المجتمعات تواجهها ، وليست المسألة من خصوصيات العالم العربي وحده . واذا كانت مشكلة التراث تطرح اليوم على المجتمعات العربية بحدة ، فليس ذلك الا تعبيرا عن احتداد الصراع الطبقي الذي يمتد الى المجال الأيديولوجي والثقافي ، الذي من احدى مميزاته تعبيرا عن احتداد الصراع الطبقي الذي يمتد الى هذا المستوى ، وهو تزايد التفاف ممثلي الطبقات السائدة ، حول التراث في مواجهتهم انتشار الفكر التقدمي والثوري . فعجلات الصراع الطبقي ، يزداد ضغطها ، ولهذا يهتز كيان عتاة الفكر اللاهوتي / الغيبي ، فينبهون .. وبدأ يتسع اجتياح مقدساتهم ، وتعريتها من طرف الفكر الثوري في المجتمع ، على يد المثقفين المدافعين عن البروليتارية من مختلف الأصناف والاشكال ، وخط الشعب والجماهير الكادحة .
فالماضي العربي ، هو تجسيد للصراع الطبقي في التاريخ العربي . وهذا التراث ، يطفو عليه فكر وايديولوجيا الطبقات التي سادت على امتداد التاريخ العربي ، وبالتالي هو مطبوع بأيديولوجيتها ، وتفكيرها ، وتلك الطبقات هي التي عملت على سيدة فكرها في المجتمع ، وقمع كل فكر يناهض الفكر المعبر عن طموحات الجماهير الكادحة ، التي قاومت طبقيا وسياسيا ، وابتدعت انماطا من ثقافتها الخاصة ، التي تعبر عن مصالحها في حدود هيمنة الأيديولوجيا الغيبية والاقطاعية . ومن هذه الزاوية ، يجب التعامل مع التراث حيث من الضروري البحث عن الأسباب المادية الاجتماعية ، التي أدت الى سيادة الأيديولوجية الغيبة الاقطاعية في التراث العربي ، في ارتباط وتنسيق مع البنية الطبقية للمجتمعات العربية ماضيا وحاضرا ، حيث ستستمر الطبقات السائدة في الدفاع عن كل ما هو رجعي وغيبي ولاهوتي في التراث ، وترفض ما عداه .
وكما تمارس هذه الطبقات الحالية ، مصادرة ومطاردة الفكر التقدمي الثوري ، فلقد مارست الطبقات الاقطاعية في التاريخ العربي ، مصادرة كل فكر تجد فيه الجماهير الكادحة ، تعبيرا عن مطامحها وأهدافها وكل ما يتعارض مع ايديولوجيتها اللاهوتية الغيبية .
اننا نهدف من هذه الدراسة ودراسات سابقة للتراث ، ان نعري التاريخ العربي / المغربي الذي عادة ما يُقدّم ، وكأنه منسجم وخالي من الصراع الطبقي ، واكتشاف تناقضاته والقوانين المحركة له ، والكشف عن الاشكال التعبيرية التي مارستها الجماهير للتعبير عن طموحاتها ومتطلباتها ، في اطار المواجهة مع الفكر اللاهوتي الغيبي الاقطاعي . واعتقد ان هذه مجرد أفكار اولية نحو بلورة ، نحو بلورت نظرة علمية للتراث .. ونرى هذا من الضروري مناقشة موقف العروي من التراث الشعبي او الفلكلور ..
ان العروي يحتقر التراث الشعبي ، وينظر اليهعلى انه تجسيد لتخلف الشعوب العربية ، وبالتالي فهو يرفضه . وهذا الموقف للعروي ينسجم مع موقفه الذي يحتقر الجماهير ويراها " متخلفة " ، " غارقة " في الأوهام ، وينفي ان يكون لها أي دور في عملية التغيير الثوري للمجتمعات العربية ، ومنها المجتمع المغربي ، وبالتالي تجاوز نزعة " التقليد " ، والخروج من دائرة الفكر اللاهوتي / الغيبي / الديني / الاقطاعي / الابوي .. ان التراث الشعبي يعكس بشكل من الاشكال الثقافة الشعبية ، وهو لذلك تجسيد في جوانب هامة من هذا التحدي الذي واجهت به الجماهير عملية القضاء على ثقافتها . لكن الطبقات السائدة ، عملت على ادخال التراث ميدان السلطة والتجارة ) " ابن خلدون " ، فحولته الى بضاعة ، واخضعته الى قانون العرض والطلب ، ضمن علاقات التبعية ، وفي ارتباط مع السوق الامبريالية ، ومن بدأت تقدمه في لوحات ترفيهية للمحتكرين والامبرياليين . فهذه حقيقة لا يمكن نكرانها ، والتعامل معها لا يكون تعاملا طبقيا ، وبالتالي فمن الضروري مواجهة هذا الهجوم الجديد الذي استهدف التراث الشعبي ، من اجل افراغه من تعبيره الطبقي ، ليشكل مصدر ربح ، ومن احدى لوازم الصفقات السياسية في العالم العربي وفي المغرب . وفي مواجهة هذا الواقع لا نؤيد مظاهر الأيديولوجية اللاهوتية والاقطاعية ، بل خلق ثقافة ثورية تعبر عن مطامح الطبقات الثورية في المرحلة التاريخية الراهنة ، وتعتمد على طاقاتها الخلاقة ، و امكانياتها الإبداعية ، اذا كانت الثقافة لا تنفصل على المجتمع ، بل ترتبط بالشروط المادية التي يعيشها ، وبالتحولات التي يعرفها ، وتمثلها وتعكسها من خلال التعبير عن الطبقات المتصارعة ، فان الثقافة الجديدة التي تنمو منذ سنوات خاصة في المغرب ، ثقافة الديمقراطية الجديدة في ارتباط مع هذه المهمة ، باعتبارها محو الصراع الطبقي حاليا ، بين الطبقات السائدة والطبقات الثورية . وكل ثقافة ديمقراطية ثورية تستجيب لتلك المهمة ، وتعكسها على المستوى الادبي والفني ، تساهم فعلا في المهمة الثورية المرحلية ، من خلال التعبير على كل القضايا التي تشملها تلك المهمة ، وما عداها لا يستجيب لمتطلبات وطموح الجماهير المغربية .
ومهمة الديمقراطيين الثوريين تتحدد من هذا المنطلق ، وفي ارتباط وثيق مع نمو الصراع الطبقي ، وتتأثر به ، وتؤثر فيه ، وتناهض كل ما يعارض طموحات الجماهير، ويشوهها ، وكل من يريد تكبيلها او تسخيرها باي شكل من الاشكال ، لخدمة الطبقات المستغلة ، والحفاظ على الأوضاع على ما هي عليه .
من هذه الزاوية تتصدر مهمة مواجهة للايديولوجيا والثقافة اللاهوتية الغيبية الاقطاعية البتريركية الرعوية البتريمونيالية ... التي تخنق الوعي الثوري للجماهير وتحاول مصادرته واجهاضه ..
هكذا يكون المثقف مندمجا في مجتمعه ، وليس غريبا عنه ، متغربا في أنماط من الثقافات ، لا علاقة لها بشرط المرحلة التاريخية التي يمر منها المجتمع المغربي ، وتتمثل في الصراع بين ثقافتين ، الثقافة السائدة ، والثقافة الديمقراطية الجديدة ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( الفصل السابع )
- تجليات الموقف الاسباني من نزاع الصحراء الغربية .
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( تابع )
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( 6)
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( 5 )
- على هامش اللقاء بين الاتحاد الافريقي والصين
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( 4 )
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية ( 3 )
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية . المؤتمر الوطني الرابع ...
- سلسلة دراسات ثقافية سياسية وتاريخية
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- البيان الختامي لمؤتمر - تيكاد - بطوكيو – اليابان ، كان ضربة ...
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- فشل الدولة المزاجية التائهة البوليسية في غزوة طوكيو باليابان ...
- ما يجب على الدولة البوليسية ، المزاجية ، التائهة ، المارقة ، ...
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- البوليس السياسي المدني اكثر من رديء


المزيد.....




- مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو ...
- وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد ...
- تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في ...
- -ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف ...
- مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا ...
- خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا ...
- إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
- معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة ...
- روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - دور المثقف في الصراع الطبقي