أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عامر موسى الشيخ - الذاكرة المجتمعية وفعل المواجهة














المزيد.....

الذاكرة المجتمعية وفعل المواجهة


عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)


الحوار المتمدن-العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 14:24
المحور: قضايا ثقافية
    


"الذكرى طريق المستقل " عبد الرحمن منيف .

يشغل مفهوم الذاكرة الثقافية حيزًا مهمًا في الدراسات الأدبية والاجتماعية الحديثة، حيث يُعدّ من المفاهيم الأكثر إلحاحًا في عصرنا الراهن. فالذاكرة، سواء كانت فردية أو جماعية، تشكل مرجعًا تاريخيًا يحدد حركة المجتمعات وتفاعلها، بغض النظر عن طبيعة وهوية هذه المجتمعات أو معتقداتها وعمقها.
يعرّف علماء النفس الذاكرة بأنها "حفظ الذات لنتائج تفاعلها مع العالم الخارجي، مما يُمكنها من ترديد واستخدام هذه النتائج في نشاط لاحق، وتصنيفها وربطها في أنساق. وهي الكل الإجمالي للنماذج الذهنية للواقع التي تشيدها ذات معينة" (روزنتال وآخرون، 2006، ص 220). وبهذا المعنى، تصبح الذاكرة الوعاء الذي ينهل منه الأفراد المعرفة والسلوك، فضلًا عن إسهامها في رسم صورة شبه متكاملة عن الماضي، وتؤثر في صياغة صورة المجتمع المعاصر وسياقه. ورغم اختلاف المجتمع وبعده الزمني عن زمن الواقعة التاريخية، تأتي الذاكرة لتقدم "تفسيرات تنظيرية للماضي. فالسياق الاجتماعي للتذكر يحدد كيفية صياغة الأفراد والجماعات للماضي" (لؤي خزعل جبر، الذاكرة التاريخية ، 2018، ص 55).
في عصرنا الحالي، نشهد توحشًا في استعمال أدوات ومنتجات التكنولوجيا الحديثة، التي أصبحت بديلاً عن العديد من الممارسات البشرية الفطرية. فقد تمكنت هذه المنتجات من إحلال نفسها محل العديد من الوظائف والحرف التي كان الإنسان يؤديها. وأدى هذا التطور إلى أن أصبحت برامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات تقوم تدريجيًا بإلغاء الأداء الإنساني، مما يؤسس لما يمكن أن يُطلق عليه "محو الذاكرة"
إن التأمّل في هذه القضية يقودنا مباشرة إلى لحظة مستقبلية تنبئ بحالة من التوقف والانقطاع عن روح الفطرة الإنسانية. فمع صعود المنتجات الحديثة وشيوعها في العالم، ووصولها إلى أبعد نقطة في الأرض، سيواجه مستخدمو هذه المنتجات ضغوطًا تدفعهم إلى محو ذاكرتهم الثقافية والمجتمعية، لتحل محلها السلع الوافدة كبديل حقيقي عما عرفه الإنسان في بيئته. وستفرض هذه السلع ثقافتها على الثقافات الأصيلة في المجتمعات. ومع نمو هذه الظاهرة، سيزحف هذا التأثير تدريجيًا إلى التقاليد والنواميس، والعمارة، والأزياء، والأطعمة، وحتى اللغة. حيث ستغدو اللغة المرافقة للمنتجات بديلاً عن اللغات الأصلية، مما يؤثر على اللهجات المحلية داخل المجتمع الواحد، ويمتد ليطال غيرها من الثوابت الراسخة في المجتمعات الصغيرة.
الحديث هنا لا يقتصر على الآداب والفنون فقط، بل يتناول منظومة متكاملة ضمن إطار ذاكرة عامة يتحرك فيها المجتمع، معتمدًا على موروثات ورثها من البيت أولاً ثم من المجتمع. تصبح هذه الذاكرة بمثابة أطواق أخلاقية متينة تتحكم في سلوكيات المجتمع، إلا أنها مهددة بالمحو!
لقد أفرز التطور الهائل في العالم ثقافات هجينة أثرت بشكل فاعل على مجتمعنا، وهو ما يُعزى إلى الهيمنة الوحشية لرؤوس الأموال العالمية التي تبحث عن سوق استهلاكية لمنتجاتها. في هذا السياق، نلاحظ انتقال العديد من الأنشطة التجارية إلى منصات التواصل الاجتماعي، مما أتاح للإنسان مجالًا واسعًا ليقدم نفسه بأشكال مختلفة وأحيانا مبتذلة بهدف تحقيق الربح المادي، وصولاً إلى استباحة الجسد.
إنّ استعمال الذاكرة الثقافية إطارا عاما للمجتمع يستدعي دراسة وفهم المتغيرات الكبرى في العالم، ثم تأمل الوحدات الصغيرة في المجتمع، بدءًا من البيت والمدرسة وصولًا إلى الدراسات العليا. ومن ثم، يتعين نشر الفعل الثقافي في الوسائل المتاحة من خلال صياغات إشهارية تحفز المتلقي على التمسك بما يملك، وتعريفه بغناه. وهذا يتطلب برامج معمقة تصوغها الجامعات والتجمعات العلمية، ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات النقابية المهنية التخصصية. وينبغي أن يتحول ذلك إلى درس منهجي في المدارس، مع نشره في كل مكان من خلال الملصقات والنصب والمنحوتات التي تحيل إلى ذاكرة المجتمع الحقيقية.
تأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول إن تفعيل الذاكرة الثقافية يحمي المجتمع ويحافظ على هويته الأصيلة من التصدع والمحو، ويؤسس له مستقبلاً في قلب العالم. وكما يقول الروائي عبد الرحمن منيف في (أسماء مستعارة): "الذكرى طريق المستقبل، وليس طريق الماضي كما يقول الكثيرون. إن شعبًا يتذكر جيدًا يفعل الكثير، أما الذين ينسون، فلا يفعلون شيئًا."



#عامر_موسى_الشيخ (هاشتاغ)       Amer_Mousa_Alsheik#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرنفال الشتائم الوطني!!
- من أدب السيرة الذاتية - ق.م سيرة سجين سياسي - للؤي عمران مثا ...
- بين يوسف الرفاعي وعبد الحميد السماوي
- قراءة في أدب مدينة السماوة التسعيني ... ديوان - مآرب أخرى - ...
- لذة اللبان الوطني المرّ
- في الذكرى الثانية على رحيله ... حامد فاضل الراسخ المجرّب
- أتذكر الدرويش ( إلى محمود درويش وهو يتذكر السياب )
- المغسلة الانتخابية
- سيرة الوطن والمواطن ... قراءة في مذكرات الدكتور غازي الخطيب
- التاريخي والأدبي .. في -صورة أخرى لجمشيد - لنعيم شريف
- كلام بطران مُعاد !!
- الطفولة المعدمة في سماء من خشب لزين العزيز
- واثق الحسناوي يبحث في - الموسيقى عبر التحليل الاشهاري -
- محو الحياة في مراثي الفراشات للشاعر نجم عذوف
- مقطع عرضي لنا
- - نسّاي - يوسف المحسن تمحو ذاكرة النوع
- السؤال عن الشعر في مدونة الشاعر قاسم والي ... قراءة انطباعية
- رسائل حكايات - الدرهم الأخير - للؤي عمران.
- الثنائيات الضدية في ألف صباح وصباح لحامد فاضل
- تخطيطات عراقية


المزيد.....




- -حزب الله- يصدر بيانا بشأن القيادي محمد سرور الذي أعلنت إسرا ...
- محمد بن زايد يلتقي ترامب.. ويبحثان -العلاقات الاستراتيجية- ب ...
- القضاء التونسي يحكم بحبس 6 أشخاص في واقعة العلم التركي
- لافروف يؤكد موقف موسكو المبدئي الداعم للتسوية الشاملة للأزمة ...
- حزب الله وإسرائيل.. مبادرة لمنع حرب كبرى
- حكم بالسجن يبرز تراجع حرية الإعلام في هونغ كونغ.. 21 شهرا لر ...
- -شعب الجبارين-.. المنصات تحتفي بفلسطيني قاوم الاحتلال -بالشب ...
- إسرائيل وحزب الله.. الميدان يشتعل وواشنطن تتحرك نحو هدنة مؤق ...
- ما الذي كشفت عنه المناظرة الرئاسية بين هاريس وترامب وما تأثي ...
- بعد أشهر من طرحها بالأسواق.. كوكاكولا تسحب نكهة -سبايسد-


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عامر موسى الشيخ - الذاكرة المجتمعية وفعل المواجهة