أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - النقد المتأني كطريقة للنظر في النصوص الأدبية















المزيد.....


النقد المتأني كطريقة للنظر في النصوص الأدبية


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8105 - 2024 / 9 / 19 - 20:11
المحور: الادب والفن
    


النقد المتأني كطريقة للنظر في النصوص الأدبية..*
في عصر أصبح فيه النقد أكثر من مجرد تمرين أكاديمي أو تطبيق نظري، بل مرآة عاكسة لحيوية فهمنا للمنتجات الثقافية بشكل عام، تبرز أهمية ظهور أصوات مفاجئة وجادة في هذا المجال. ومن بين هذه الأصوات، يبرز مؤلف هذا الكتاب، عبد الجليل حمودي، كناقد يتسم عمله بالجدية والتأني في تناول النصوص الأدبية والعروض المشهدية التي يحللها، حيث يتميز إنتاجه النقدي بتفاعل عميق مع الخطابات القصصية والمسرحية والسينمائية التي تشكل الملامح البارزة للثقافة العربية المعاصرة. هذا الكتاب الماثل بين أيدينا، وهو الاول له في هذا المضمار، يعد شهادة حية على التزامه النقدي بمتابعة وتحليل التطورات في الأدب التونسي، وكذلك الاتجاهات الأوسع في الأدب العربي.
تعتمد منهجية حمودي على القراءة المتأنية للنصوص، وأضع هنا خطا تحت كلمة "المتأنية". فهي ممارسة تتطلب الكثير من الصبر والبصيرة. هذه المقاربة تمكنه من التعمق في تحليل التفاصيل الدقيقة للبنيات السردية، وتطور الشخصيات، والمواضيع التي تميز الأعمال التي يدرسها. لا تقتصر عدسته النقدية على الكلمة المكتوبة فقط؛ بل تمتد أيضًا إلى العناصر الأدائية والبصرية في الإنتاجات المسرحية والسينمائية. وبذلك، يقدم للقراء فهمًا شاملاً للأعمال الثقافية التي ينتقدها، موضحًا كيف تعمل هذه الأعمال كتعابير فنية فردية وكجزء من النسيج الاجتماعي والثقافي الأوسع. إن اختيار ناقدنا للأعمال التي يناقشها ليس عشوائيًا، بل يكشف عن اهتمامه بالتقاطع بين الأدب والمسرح والسينما والمجتمع. فهو يتعامل مع هذه النصوص ليس فقط لتقييمها من الناحية الجمالية، بل لكشف الدلالات الأعمق التي تحملها، خاصة في سياق الحياة الثقافية والسياسية التونسية والعربية.
من بين المقالات التي يضمها كتاب "رحلة النص من الكتابة إلى الفرجة"، تحليل الناقد لمسرحية "أصوات" التي كتبها الشاعر العراقي حكمت الحاج (كاتب هذه السطور) وأخرجها الفنان التونسي جلال حمودي. والتي تم عرضها للجمهور لأول مرة في تونس عام 2019، تمثل لحظة مهمة في المسرح التونسي المعاصر، بحسب مؤلف الكتاب، وذلك عبر تمثل تيارات العبث واللامعقول، تأليفا وإخراجا. يتناول الناقد مسرحية "أصوات" ليس فقط كعمل درامي، بل كنص شعري عن هلاوس مجنون يهجس بالتيارات الاجتماعية والسياسية السائدة في ذلك الوقت. تحليله يتسم بالعمق والشمول، مسلطًا الضوء على كيفية تناول المسرحية لمواضيع السلطة والمقاومة والهوية والعنف والاضطهاد. يولي الناقد اهتمامًا خاصًا لاختيارات المخرج جلال حمودي، التي أضفت حيوية على النص الأصلي، وجسدت تعقيدات الشخصيات الثلاث والتوترات التي تحركهم على خشبة المسرح. من خلال فحص التفاعل بين النص والأداء، يقدم الناقد للقراء فهمًا أعمق لتأثير هذه المسرحية ذات الفصل الواحد، وأهميتها ضمن تيار دراما اللامعقول.
إسهام آخر مهم في هذا الكتاب هو مقالة الناقد حول رواية للكاتبة المصرية سعاد سليمان بعنوان "هبَّات ساخنة". في هذه المقالة، يظهر الناقد قدرته على التنقل في عالم السرد الروائي المعقد، محللاً عمل سعاد سليمان مع التركيز على تقنياتها السردية، وتصوير الشخصيات، والقضايا الموضوعية التي تثيرها الكاتبة المصرية المعروفة. تتناول رواية "هبَّات ساخنة"، مثل معظم أعمال سعاد سليمان، حياة النساء في المجتمع المصري المعاصر، مستكشفة صراعاتهن ورغباتهن وطموحاتهن. قراءة الناقد للرواية تتسم بالانتباه إلى كيفية بناء سليمان لشخصياتها وكيف تعكس مسارات هذه الشخصيات الديناميات الاجتماعية الأوسع. يبرز تحليله تفاعل الرواية مع قضايا النوع الاجتماعي، والطبقة، والسلطة، والخوض في موضوع شبه مسكوت عنه ألا وهو فترة انقطاع الدورة الشهربة (المنابوز) عند المرأة وتأثيراتها على حياتها العامة والخاصة، مما يقدم للقراء فهمًا عميقًا لمشروع سعاد سليمان الأدبي.
يحتوي الكتاب أيضًا على دراستين متأنيتين للقصص القصيرة التي يكتبها الأديبان التونسيان، فتحي الرحماني وعواطف محجوب. في مقالته عن فتحي الرحماني، يستكشف الناقد قدرة الكاتب على التقاط جوهر الحياة التونسية من خلال قصصه التي تتميز بوجازتها وملاحظتها الدقيقة للواقع اليومي، والتعاطف العميق مع الشخصيات. يتعمق الناقد في تحليل أسلوب الرحماني السردي، واستخدامه للرمزية، واهتمامه بالموضوعات التي تتعلق بالتقاطع بين التقليد والحداثة في المجتمع التونسي. من خلال ذلك، يكشف الناقد كيف تتردد قصص الرحماني ما بين الواقع والأسطورة والتاربخ، مقدمة للقراء مرآة نفاذة إلى عالمهم الخاص.
وبالمثل، في مقالته عن عواطف محجوب، يفحص الناقد عبد الجليل حمودي الصوت المميز الذي تضيفه محجوب إلى مشهد القصة القصيرة التونسية. تُعرف قصص محجوب بقدرتها على الجمع بين البلاغة والشدة العاطفية، ويبرز تحليل الناقد مهارة الكاتبة في نقل المشاعر الإنسانية المعقدة والقضايا الاجتماعية في شكل سردي مكثف. يولي الناقد اهتمامًا خاصًا لاستكشاف عواطف محجوب لقضايا مثل الديناميات الجندرية، وعدم المساواة الاجتماعية، وتحديات الهوية الشخصية في عالم متغير بسرعة. من خلال قراءته المتأنية لأعمال محجوب، يوضح الناقد كيف تشكل قصص الكاتبة تعليقات قوية على الحياة التونسية المعاصرة، بينما تساهم أيضًا في تقاليد الكتابة القصصية العربية بشكل أوسع.
وثمة مقالات هامة أخرى يضمها الكتاب، مثل مقالته عن قصص الكاتبة الفلسطينية ميس داغر بعنوان " النزعة العالمية في قصص ما يحدث في الدومينيكان لميس داغر، ص 43، وآخر عن تيمة الموت في رواية "رطبا جنيّا" للكاتب التونسي الهادي القاسمي على ص 57، بينما كان افتتح الناقد مقالاته بواحدة عن العرض المشهدي الموسيقي الصوفي "الزيارة" بعنوان: لذة الفن وصفاء الروح ص9 من الكتاب.
يقول عبد الجليل حمودي في تصديره لكتابه "رحلة النص من الكتابة الى الفرجة" أنه"عندما يبحر القارئ في النصوص، فإن الكثير منها تغويه للقراءة وإعادتها، وأخرى تجبره على تجاوز قراءتها إلى الكتابة عنها، فيتخذ من أدوات التحليل وآلياته زادا به يعوّل على قطع الطريق إلى منتهاه". ويصف هذا الطريق بأنه "طويل وشاق"، ويستدرك قائلا أن"اللذة فيه آسرة، خاصة إذا ما اختلفت النصوص عن بعضها البعض".
وبينما سينطلق القراء في رحلتهم الذهنية عبر هذا الكتاب، سيلتقون ناقدًا يتحداهم للتفكير بشكل أعمق في النصوص التي يقرؤونها، والعروض التي يشاهدونها. من خلال ذلك، يدعو الناقد قراءه للانضمام إليه في حوار حول دور الأدب والمسرح والسينما والغناء في حياتنا، والطرق التي يمكن من خلالها لهذه الفنون أن تساعدنا على التنقل بين تعقيدات العالم الحديث.
هذا الكتاب، "رحلة النص من الكتابة إلى الفرجة" للتونسي عبد الجليل حمودي، إسهام مهم في مجال النقد الأدبي، ويعد علامة على بزوغ صوت جديد من المؤكد أن يكون له تأثير دائم على الطريقة التي نفكر بها في السرد، والأداء والإنتاج الثقافي في تونس العالم العربي.
هذا الكتاب، كما يقول مؤلفه، هو محاولة لإنارة الطريق لفهم النصوص الأدبية وتبيان أثرها في كيان قارئها، غير ملتزم بمنهج معيّن، بل هو "دعوة إلى التفكير في الأدب، مرة ومرة".

* مقدمة لكتاب "رحلة النص من الكتابة إلى الفرجة" تأليف عبد الجليل حمودي، منشورات كناية، ستوكهولم-تونس 2024



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ
- في البحث عن طوق نجاة.. كتاب مشترك جديد
- القصائد-النثر العشر الطوال
- البحث عن طوق نجاة
- غرناطة
- سبعة هايكوات
- سيمون فايل، من الماركسية والمجالسية إلى التصوف والروحانية: ت ...
- سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية ...
- ليلة في قصر الحلوف..
- بيانات، وحديث البدايات والنهايات..
- القصة القصيرة حديث المصعد، أو القصة في دقيقة..
- رواية عن الشعر والكورونا والجريمة ودونالد ترامب.. ستيفن كينغ ...
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- فيني، فيدي، أمافي
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- شوكولاتة
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)
- هكذا حديث النجوم
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)
- راي Raye


المزيد.....




- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...
- والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - النقد المتأني كطريقة للنظر في النصوص الأدبية